لجريدة عمان:
2025-03-04@23:10:58 GMT

عدم المساواة والديمقراطية

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

لقد أثار تراجع الديمقراطية وصعود الأنظمة الاستبدادية جدلا في السنوات الأخيرة - وذلك لسبب وجيه. بدءًا من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لدينا قائمة متزايدة من السلطويين والحكام المستبدين المحتملين الذين يوجهون شكلا غريبًا من أشكال الشعبوية اليمينية.

وفي حين يَعِدون بحماية المواطنين العاديين والحفاظ على القيم الوطنية القديمة، فإنهم يتبعون السياسات الكفيلة بحماية الأقوياء وتقويض المعايير القديمة - ويتركون بقيتنا نحاول تفسير السبب وراء اكتسابهم مثل هذه الجاذبية.

وعلى الرغم من وجود العديد من التفسيرات، إلا أن أحد الأسباب البارزة يتمثل في اتساع فجوة التفاوت، وهي مشكلة تفرضها الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة وترتبط في نواح كثيرة بتآكل الديمقراطية. إن التفاوت الاقتصادي يؤدي حتمًا إلى التفاوت السياسي، وإن كان بدرجات متفاوتة بين البلدان. وفي دولة مثل الولايات المتحدة، حيث لا توجد أي قيود تقريبا على المشاركة في الحملات الانتخابية، تحولت عبارة «الشخص الواحد والصوت الواحد» إلى «الدولار الواحد والصوت الواحد».

في الواقع، يمكن أن يُعزز هذا التفاوت السياسي نفسه ذاتيًا، مما يؤدي إلى ظهور سياسات تعمل على زيادة ترسيخ عدم المساواة الاقتصادية. تُفضل السياسات الضريبية الأغنياء، بينما يفضل نظام التعليم أنظمة مكافحة الاحتكار التي تتسم بالامتيازات بالفعل والتي لم تصمم وتنفذ بالقدر الكافي، والتي تميل إلى إعطاء الشركات حرية التصرف في حشد واستغلال قوة السوق. علاوة على ذلك، نظرًا لخضوع وسائل الإعلام لهيمنة شركات خاصة يملكها حكام أثرياء مثل روبرت مردوخ، فإن قسما كبيرا من الخطاب السائد يميل إلى تعزيز نفس الاتجاهات. وبذلك، لطالما قيل لمستهلكي الأخبار إن فرض الضرائب على الأغنياء يضر بالنمو الاقتصادي، وأن ضرائب الإرث هي ضرائب على الموت، وما إلى ذلك.

وفي الآونة الأخيرة، انضمت وسائل الإعلام التقليدية التي يسيطر عليها الأثرياء إلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي يسيطر عليها الأثرياء، باستثناء أن هذه الأخيرة أقل تقييدًا في نشر المعلومات المُضللة. وبفضل المادة 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996، فإن الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها غير مسؤولة عن محتوى الطرف الثالث المستضاف على منصاتها - أو عن أغلب الأضرار الاجتماعية الأخرى التي تسببها (وليس أقلها للفتيات المراهقات).

وفي هذا السياق الذي تحكمه الرأسمالية دون مساءلة، هل ينبغي لنا أن نندهش إزاء نظرة العديد من الناس إلى التركيز المتزايد للثروة بعين الريبة، أو اعتقادهم بأنه تم التلاعب بالنظام؟ إن التصورات السائدة على نطاق واسع بأن الديمقراطية قد حققت نتائج غير عادلة أدت إلى تقويض الثقة في الديمقراطية ودفعت البعض إلى استنتاج مفاده أن الأنظمة البديلة قد تُحقق نتائج أفضل.

هذا نقاش قديم. حتى قبل 75 عامًا، كان كثير من الناس يُشككون في قدرة الديمقراطيات على التطور بنفس سرعة تطور الأنظمة الاستبدادية. واليوم يطرح العديد من الناس السؤال نفسه حول أي نظام «يوفر» قدرا أعظم من العدالة. ومع ذلك، تجري هذه المناقشة في عالم يتمتع فيه الأثرياء بالأدوات اللازمة لتشكيل التفكير الوطني والعالمي، وأحيانا بأكاذيب صريحة («لقد تمت سرقة الانتخابات!»، «وقد تم التلاعب بآلات التصويت!» - وهي كذبة كلفت قناة فوكس نيوز 787 مليون دولار).

وكانت إحدى النتائج تتمثل في الاستقطاب المتزايد، الذي يعيق عمل الديمقراطية - وخاصة في دول مثل الولايات المتحدة، وذلك من خلال الانتخابات، حيث يحظى فيها الفائز بكل شيء. بحلول الوقت الذي تم فيه انتخاب ترامب عام 2016 بأقلية من الأصوات الشعبية، أصبحت السياسة الأمريكية، التي كانت تُفضل ذات يوم حل المشاكل من خلال التسوية، صراعًا حزبيًا واضحًا على السلطة، وهي جولة مصارعة يعتقد فيها أحد الطرفين على الأقل أنه لا ينبغي أن تكون هناك قواعد.

وعندما يُصبح الاستقطاب مفرطًا إلى هذا الحد، فسوف يبدو الأمر غالبًا وكأن المخاطر أعلى من أن يسمح لنا بالتنازل عن أي شيء. وبدلا من البحث عن أرضية مشتركة، سوف يستخدم القائمون على السلطة الوسائل المتاحة لهم لترسيخ مواقفهم ــ كما فعل الجمهوريون علنا من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية واتخاذ التدابير اللازمة لقمع تصويت الناخبين.

تعمل الديمقراطيات على أفضل وجه عندما لا تكون المخاطر المُحتملة أقل مما ينبغي أو أعلى مما ينبغي (إذا كانت المخاطر منخفضة للغاية، فلن يشعر الناس بالحاجة إلى المشاركة في العملية الديمقراطية على الإطلاق). هناك خيارات تصميم يمكن للديمقراطيات اتخاذها لتحسين فرص التوصل إلى حل وسط. تُشجع الأنظمة البرلمانية، على سبيل المثال، على بناء التحالفات وغالبا ما تُمنح السلطة للوسطيين، بدلا من المتطرفين. وقد تبين أيضًا أن التصويت الإلزامي والتصويت الاختياري يساعدان في هذا الصدد، وكذلك وجود خدمة مدنية ملتزمة ومحمية.

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة نفسها منارة للديمقراطية. وعلى الرغم من النفاق الذي كان قائمًا باستمرار - من تقرب رونالد ريغان إلى أوغستو بينوشيه، إلى فشل جو بايدن في إبعاد نفسه عن إدانة التعصب المناهض للمسلمين الذي تمارسه حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ــ فقد جسدت أمريكا على الأقل مجموعة مشتركة من القيم السياسية.

ومع ذلك، أصبحت فجوة عدم المساواة الاقتصادية والسياسية أكثر اتساعًا في الوقت الراهن، حيث أصبح العديد من الناس يرفضون الديمقراطية. تُعد هذه أرضًا خصبة للأنظمة الاستبدادية، وخاصة لهذا النوع من الشعبوية اليمينية التي يمثلها ترامب وبولسونارو وآخرون. ومع ذلك، أظهر مثل هؤلاء القادة أنهم لا يملكون أيا من الإجابات التي يسعى إليها الناخبون الساخطون. بل على العكس من ذلك، فإن السياسات التي يعتمدونها عندما يحصلون على السلطة تزيد الأمور سوءًا.

وبدلا من البحث عن بدائل في مكان آخر، يتعين علينا النظر إلى الداخل، إلى نظامنا الخاص. ومن خلال الاستعانة بالإصلاحات اللازمة، يمكن للديمقراطيات أن تصبح أكثر شمولا، وأكثر استجابة للمواطنين، وأقل استجابة للشركات والأثرياء الذين يتولون حاليًا زمام الأمور. ومع ذلك، سيتطلب إنقاذ سياستنا أيضاً إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية بنفس القدر. ولن يتسنى لنا أن نبدأ في تعزيز رفاهية كل المواطنين بشكل عادل - وتقويض نفوذ الشعبويين - إلا عندما نتخلى عن الرأسمالية النيوليبرالية ونقوم بعمل أفضل بكثير في خلق الرخاء المشترك الذي نشيد به.

* جوزيف إي. ستيجليتز حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي بجامعة كولومبيا، هو كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي (1997-2000)، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي، والرئيس المشارك للجنة رفيعة المستوى المعنية بأسعار الكربون.

خدمة: بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العدید من من الناس ومع ذلک من خلال

إقرأ أيضاً:

هل تستطيع أوروبا تعويض كييف المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن.. خبراء يجيبون

لا شك أن تجميد المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا لفترة طويلة سيكون له تأثير كبير في المجالات التي يصعب على الأوروبيين التعويض عنها، لكن بعض المجالات أسهل من غيرها مثل القذائف، وفقا لخبراء.

يرى معهد كيل الألماني أن الولايات المتحدة قدمت بمفردها نحو نصف قيمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا في الفترة من 2022 إلى 2024. ويقول مصدر عسكري أوروبي لوكالة "فرانس برس" إن جزءا من المساعدات سُلم بالفعل، ولكن إذا لم يشهد الوضع على الجبهة تحولا في مواجهة الروس "فسيكون الأمر معقدا في أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، بدون مساعدات جديدة" بالنسبة للأوكرانيين.

ويقول المحلل الأوكراني فولوديمير فيسينكو: "إذا أخذنا في الحسبان ما تم تسليمه وما لدينا وما ننتجه، فإننا قادرون على دعم المجهود الحربي لستة أشهر على الأقل من دون تغيير طبيعة الحرب بشكل كبير".



ويرى يوهان ميشال، الباحث في جامعة ليون 3، أن "في معادلة حرب الاستنزاف أنت تضحي إما بالرجال أو بالأرض أو بالذخيرة. وإذا نفدت ذخيرتك، فإنك إما أن تنسحب أو تضحي بالرجال".

في ما يلي أربعة مجالات عسكرية قد تتأثر بتعليق المساعدات الأمريكية:
الدفاع المضاد للطائرات
 تتعرض أوكرانيا باستمرار لوابل من الصواريخ والمُسيَّرات ضد مدنها وبلداتها أو بنيتها التحتية. تؤدي هذه الهجمات الكبيرة إلى إنهاك الدفاعات الأوكرانية وإجبارها على استخدام كميات كبيرة من الذخيرة.

بعيدا عن خط المواجهة، تمتلك أوكرانيا سبعة أنظمة باتريوت أمريكية حصلت عليها من الولايات المتحدة وألمانيا ورومانيا، ونظامين أوروبيين من طراز "SAMP/T" حصلت عليهما من روما وباريس لتنفيذ عمليات اعتراض على ارتفاعات عالية. ولدى كييف قدراتها الخاصة وحصلت على أنظمة أخرى تعمل على مدى أقل.

يقول الباحث الأوكراني ميخايلو ساموس، مدير شبكة أبحاث الجغرافيا السياسية الجديدة، وهي مؤسسة بحثية في كييف، إن "الصواريخ البالستية مهمة جدا لحماية مدننا، وليس قواتنا. لذا فإن ترامب سيساعد بوتين على قتل المدنيين".

ويشرح ليو بيريا-بينييه من مركز إيفري الفرنسي للأبحاث "مع الباتريوت، كما هي الحال مع جميع الأنظمة الأمريكية، لدينا مشكلتان، مشكلة الذخائر ومشكلة قطع الغيار للصيانة. في ما يخص قطع الغيار، هل سنتمكن من شرائها من الأمريكيين وتسليمها للأوكرانيين أم أن الأمريكيين سيعارضون ذلك؟ لا نعلم".

لتوفير ذخائر الباتريوت، تقوم ألمانيا ببناء أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة، ولكن من غير المتوقع أن يبدأ الإنتاج قبل عام 2027. وسوف تجد أوروبا صعوبة في تعويض أي نقص في هذا المجال.

ويقول ميشال: "إن أوروبا تعاني من بعض القصور في هذا المجال؛ فأنظمة "SAMP/T" جيدة جدا ولكنها ليست متنقلة، ويتم إنتاجها بأعداد صغيرة جدا. لابد من زيادة الإنتاج، حتى ولو كان ذلك يعني تصنيعها في أماكن أخرى غير فرنسا وإيطاليا". لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. ويؤكد بيريا-بينييه أن "العملية كان ينبغي أن تبدأ قبل عامين".

ويضيف يوهان ميشال: "إن إحدى طرق التعويض تتمثل في توفير مزيد من الطائرات المقاتلة لتنفيذ عمليات اعتراض جوي وصد القاذفات الروسية التي تضرب أوكرانيا"، فالأوروبيون زودوا أوكرانيا بطائرات "إف-16" و"ميراج 2000-5"، ولديهم مجال لزيادة جهودهم في هذا المجال.

ضربات في العمق
يمكن للمعدات الأمريكية توجيه ضربات من مسافة بعيدة خلف خط المواجهة، وهو ما يجعلها بالغة الأهمية بفضل صواريخ "أتاكمس أرض-أرض" التي تطلقها راجمات "هايمارز" التي أعطت واشنطن نحو أربعين منها لأوكرانيا.

ويشير ميشال إلى أنها "إحدى المنصات القليلة في أوروبا".

ويقول بيريا-بينييه: "إن أولئك الذين يملكونها يبدون مترددين في التخلي عنها، مثل اليونانيين". ويقترح ميشال أن "هناك أنظمة تشيكية، ولكنها أقل شأنا. يتعين على الأوروبيين أن يطوروا بسرعة أنظمة خاصة بهم، أو إذا كانوا غير قادرين على ذلك، أن يشتروا أنظمة كورية جنوبية".

ويشير ساموس إلى أن هناك إمكانية لتوجيه ضربات عميقة من الجو، ولدى "الأوروبيين والأوكرانيين الوسائل التي تمكنهم من ذلك"، مثل صواريخ "سكالب" الفرنسية، و"ستورم شادو" البريطانية.

ولكن بيريا-بينييه يشير إلى أن "المشكلة هي أننا لسنا متأكدين على الإطلاق من أن هناك أوامر أخرى صدرت بعد تلك التي أُعلن عنها".

القذائف المدفعية والأنظمة المضادة للدبابات
في هذا المجال، الأوروبيون في وضع أفضل.

يقول ميشال: "ربما يكون مجال الأسلحة المضادة للدبابات هو الذي طور فيه الأوكرانيون أنظمتهم الخاصة. فالصواريخ، مثل صواريخ جافلين الشهيرة التي زودتهم بها الولايات المتحدة، تكمل أنظمة المُسيَّرات "FPV" بشكل جيد".

وفي ما يتعلق بالمدفعية، يشير بيريا-بينييه إلى أن "أوروبا حققت زيادة حقيقية في القدرة الإنتاجية، وأوكرانيا في وضع أقل سوءا".

في أوروبا، تسارعت وتيرة إنتاج القذائف وتسليمها إلى أوكرانيا، ويخطط الاتحاد الأوروبي لإنتاج قذائف عيار 155 ملم بمعدل 1,5 مليون وحدة بحلول عام 2025، وهذا يزيد عن 1,2 مليون وحدة تنتجها الولايات المتحدة.



 الاستطلاع/الاستعلام
 تشتد الحاجة إلى الولايات المتحدة في هذا المجال الأساسي بفضل أقمارها الاصطناعية وطائراتها ومُسيَّراتها التي تقوم بجمع المعلومات ومعالجتها.

ويقول فيسينكو: "من المهم جدا أن نستمر في تلقي صور الأقمار الاصطناعية".

ويشير ميشال إلى أن "الأوروبيين لديهم بعض الأدوات، ولكنها ليست بالحجم نفسه على الإطلاق، والعديد منهم يعتمدون بشكل كامل على الولايات المتحدة في هذا المجال".

مقالات مشابهة

  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف عن المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن؟.. خبراء يجيبون
  • هل تستطيع أوروبا تعويض كييف المعدات العسكرية التي أوقفتها واشنطن.. خبراء يجيبون
  • الديمقراطية العربية التي يجب أن نبني
  • الكونغو الديمقراطية: اتهامات أممية لحركة 23 مارس باختطاف ممرضين وجرحى من مستشفيات جوما
  • رمضان عند الأدباء| المسحراتي.. منبه الزمن الجميل الذي فقد سحره
  • القارئ الطبيب صلاح الجمل لـ«الأسبوع»: أنا العربي الوحيد الذي سُمح له أن يسجل القرآن في الحرمين النبوي والمكي
  • بِحُجة الظلم الذي تتعرض له إسرائيل .. تل أبيب وواشنطن تدرسان رسميًا الانسحاب من محكمة العدل الدولية
  • البعثة الأممية: “تيتيه” أكدت على أهمية بناء الديمقراطية في ليبيا على المستوى المحلي
  • ما حكم موائد الرحمن التي يقيمها الفنانون والمشاهير؟.. مفتي الجمهورية يجيب
  • ما الذي ناقشه الدبلوماسيون الروس والأمريكيون في إسطنبول؟