ما إن تمكن اللاعب البرازيلي الشاب «رودريجو» -نجم ريال مدريد الذي ظهر بتسريحة شعر غريبة- من إحراز هدفه المُذهل، حتى سألت ابني في الحال مستغربًا: ولكن لماذا يصبغ شعره باللون الأبيض وهو لم يزل صغير السن؟ سيأتي اليوم الذي يصطبغ فيه شعره بلون الثلج دون الحاجة إلى أي تدخل شخصي.. يا لهم من شباب غريبي الأطوار.
حينها لم تصلني إجابة واضحة منه بسبب ضوضاء الاحتفاء بالهدف، وفي اليوم التالي وعندما كانت الظروف مهيأة، فتح الشاب سيرة اللاعب بحضور إخوانه وكأن بينهم اتفاقا مُسبقا لتمرير معلومات حول قصة أُخرى تتعدى قيام لاعب كرة قدم بصبغ شعره باللون الأبيض، خاصة عندما اقترح أحدهم وهو يرسم ابتسامة لا تخلو من مَكر أن أُطلق اللحية وإن كانت بيضاء.
قال دون تردد كاسرًا حاجز الحياء مع أبيه: «وين نته الوالد كنك ما عارف بو يستوي في الدنيا.. الشعر الأبيض تو موضة واللي شعره أبيض يحبنه البنات».. وازداد ثقة في نفسه وواصل معلقًا وسط الغمز واللمز: «ما سمعت أبدًا عن الـ« sugar daddy »؟ معقولة واحنا في زمن الإنترنت وما تعرف عن هاذي السوالف»؟. حينها لم أجد بُدًا من الاعتراف بأنني لا أعرف فعلًا هذه المصطلحات ولم يسبق لي أن سمعت بها من أحد وقلت له: «ما ضروري أعرف كل شيء في هاذي الدنيا».
لم أُصدق خبرًا، فما إن وجدت الفرصة سانحة حتى أمسكت بالهاتف النقال وبدأت أبحث بشغف على محرك «جوجل» عن معنى مصطلح «شوقر دادي»، فإذا به يعني: «الرجل المقتدر الكبير في السن، المهتم بهندامه الذي يصرف أموالًا كثيرة على فتاة شابة «تُمثل عليه الحب وتستغله ماديًا».
ولم يبخل عليّ مُحرك البحث بكرمه بل قال لي لحظة: هناك أيضًا الـ« sugar mam» ويعني «المرأة التي قد يتجاوز سنها 45 عامًا وتحاول جاهدة أن تبدو صغيرة وتحتكم على أموال طائلة تصرفها على شاب يصغرها بأكثر من 20 عامًا بهدف الزواج أو إعادة شبابها المفقود».
يبدو أنه في الحالة الأولى غالبًا ما تصطاد الشابة نوعية محددة من الرجال وهي النوعية «الفاخرة» نتيجة لتردي أحوالها المادية، فتستغله ماديًا بالحصول على النقود أو هدايا غالية القيمة كخواتم الذهب والألماس وماركات الأحذية والساعات والعطور والملابس وتذاكر السفر والإقامة بل تتجاوزها إلى السيارات والعقارات.
أما في الحالة الثانية وهي الـ«شوقر مامي» أو «المرأة السُكرة»، فتسعى المرأة -التي ربما جاوز عمرها الـ٤٥ عامًا- إلى تعويض زواجها الفاشل أو ترميم حياتها المضطربة، فتقع راغبة أو دون وعي في شِراك شاب يصغرها بنصف عمرها، يستغل إمكاناتها بالحصول على أكبر قدر ممكن من المال والمنافع الأُخرى، نظير بيعها وهم الحب إلى أن يجد الفرصة المناسبة للافتكاك من عالمها والبحث عن شابة تناسب سنه وطموحاته، فيهرب هو وتتعرض هي للخسارة المالية والابتزاز النفسي وتُتهم مُجتمعيًا بفقدان التوازن والتصابي.
ولا شك أنه يقف وراء ظهور مثل هذه العلاقات «غير الطبيعية» -التي لا يكاد يخلو منها مجتمع سواء كان ناميا أو متطورا- الاستغلال المادي البحت أو افتقار أحد الطرفين إلى الاستقرار النفسي والأسري، فيتعرض نتيجة لذلك الاستغلال اللاإنساني لآثار نفسية جسيمة، منها أن يكون عرضة للإصابة بكثير من الأمراض النفسية وأبرزها الاكتئاب.
وبحسب مجموعة من الدراسات الحديثة، فإن عدد طالبي العلاج النفسي من الرجال ممن هم في العقد الخامس وما فوق ازداد بصورة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك نتيجة للإهمال الذي يلقونه من زوجاتهم، إضافة إلى الفراغ وتأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي التي تدفع بالرجل للبحث عمّن يتفهمه ويتحدث إليه، فيسقط في فخ الاستغلال.
آخر نقطة..
من شعر «الهايكو»
بأية نظرة حاسدة
العصفور في القفص
يلاحق بعينيه فراشة!
كوباياشي إسا
عمر العبري كاتب عماني .
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أمنياً.. ما الذي أضعف حزب الله؟
يُعتبر يوم 23 شباط الجاري الموعد المُحدّد لتشييع أمين عام "حزب الله" الشهيد السيد حسن نصرالله بمثابة "نقطة الانتقال" من مرحلةٍ إلى أخرى لاسيما على صعيد "حزب الله" ونمطية عمله الفعلية عسكرياً وسياسياً وأيضاً شعبياً.
في الواقع، يعتبر "حزب الله" اليوم أمام خطوات مُتصلة بمستقبله المرتبط بتوجهات المنطقة، الأمر الذي يستدعي الكثير من التساؤلات عن أدواره المقبلة وما يمكن أن يكرسه من سلوكيات وخطوات تساهم في الحفاظ عليه أقله ضمن البيئة الحاضنة له.
ثغرات
على مدى مرات عديدة، كرّر أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم الكلام عن "تحقيق داخلي" في "حزب الله" لتقييم المرحلة السابقة واستقاء الدروس والعبر. المسألة هذه مطلوبة في إطار "نقد ذاتي" باعتبار أن الخسائر التي حصلت كبيرة وفي غير متوقعة.
تقول المعلومات إنَّ "حزب الله" يعمل حالياً على إعادة تقييم بنيته الداخلية عسكرياً وأمنياً وما يجري الآن أيضاً يرتبط بإعادة تكوين بنى تحتية جديدة خاصة به ومغايرة لتلك التي كانت موجودة سابقاً، ذلك أنَّ الخروقات التي حصلت أوجدت ثغرات خطيرة استغلها العدو الإسرائيلي لتنفيذ اغتيالات وضربات مُستهدفة تطال بنى تحتية عسكرية وأماكن قيادية.
كل ذلك، وفق المصادر المطلعة على أجواء الحزب، يمثل خطوة أساسية نحو اكتشاف "حقائق" كثيرة يحتاج الرأي العام لمعرفة مصيرها، لكن ما لا يُعرف الآن هو نتائج ما ستتوصل إليه التحقيقات الداخلية بشأن شبكات العملاء التي خرقت "حزب الله"، فيما تبيّن أن هناك انكشافات خطيرة قد ظهرت أساسها يرتبطُ بأسلحة نوعية كان يمتلكها "حزب الله" وتعرّضت للقصف لقاء خروقاتٍ مفاجئة ساهمت بتسريب معلومات قيّمة وحساسة للعدو الإسرائيلي بشأنها.
من ناحيتها، تقولُ مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24" إنَّ "حزب الله" واجه مشكلتين، الأولى وتتمثل بعدم مراكمة العمل الإستخباراتي والأمنيّ انطلاقاً من تعزيز الداخل والأمن الإستباقي كما يجب، والثانية ترتبطُ بعدم خوض حرب استخباراتيّة أكثر جديّة كتلك التي خاضها العدو ضدّه.
بالنسبة للمصادر، صحيحٌ أنَّ "حزب الله" كان ذا بنية أمنية كبيرة، لكنّ المشكلة هي أن ذاك الأمن لم يكن موجهاً بالقدر الكافي لتحصين الحزب تجاه إسرائيل، والدليل على ذلك سلسلة الخروقات التي حصلت.
وفق المصادر عينها، فإن "حزب الله" عمل على مراكمة الماديات العسكرية مثل الصواريخ المختلفة، لكنه في المقابل لم يتطور استخباراتياً إلى الدرجة التي وصلت فيها إسرائيل، علماً أنه كان قادراً على استغلال التكنولوجيا لصالحه مثلما فعل مع الطائرات المُسيرة.
عملياً، فإن ما يعمل عليه "حزب الله" الآن، وفق المصادر المعنية بالشأن العسكريّ، يجب أن يكون مكرساً لفهم طبيعة عمله الاستخباراتي لاحقاً، وذلك في حال سلمنا جدلاً لأمر واحد وهو أنّ الحزب سيوصل عمله العسكريّ داخل لبنان. وإذا كان هذا الأمر سيتحقق فعلاً، فإن الحزب، وفق المصادر، سيكون أمام اختبارين جديدين، الأول وهو حماية نفسه داخلياً والثاني كيفية استغلال الحرب الاستخباراتية لنقلها إلى داخل إسرائيل مثلما فعلت الأخيرة ضدّ لبنان.
خلال الحرب، ما ظهر هو أن "حزب الله" استطاع جمع معلومات استخباراتية عن مواقع ومنشآت عسكرية إسرائيلية بواسطة "طائرات الهدهد"، لكن هذا الأمر لا يعتبر كافياً مقارنة بالانكشافات التي مكّنت إسرائيل من قتل قادة الحزب.
من جهة أخرى، فإن قدرات الحزب قد تكون معروفة من حيث الفعالية، فإسرائيل حينما نفذت اغتيالاتها، كانت تتحرك ضمن أجواء مفتوحة فوق لبنان، لكن هذا الأمر ليس متاحاً فوق إسرائيل بالنسبة للحزب، ما يعني أنّ المقارنة بالقدرات والاستخبارات لن تتحقق، وفق ما ترى المصادر المعنية بالشأن العسكري.
وعليه، وبالنسبة للمصادر عينها، فقد أصبح لزاماً على "حزب الله" البحث عن "حرب بديلة" لحماية نفسه وليس لشنّ الهجمات الجديدة استخباراتياً، إلا إذا تمكن من ذلك، وهو الأمر الذي قد يعتبر صعباً حالياً بسبب التضييق الذي يعيشه ناهيك عن انقطاع طريق العبور بين إيران وسوريا إلى لبنان.
في خلاصة القول، بات "حزب الله" في موقع أمام "حربين" داخلية وخارجية أساسها استخباراتي.. فهل سينجح بهما وما هي الخطوات التي قد يتخذها لترميم ما تصدّع؟ الأيام المُقبلة ستكشف.
المصدر: خاص "لبنان 24"