تسعى ألمانيا لتسهيل الحياة للعمال المهرة الذين لا يتحدثون اللغة الألمانية

لقد ولت تلك الأيام، التي كان فيها السياسيون الألمان يرفضون التحدث باللغة الإنجليزية. ففي عام 2009، تصدر وزير الخارجية آنذاك، غيدو فيسترفيله، عناوين الأخبار، بعد رفضه طلب أحد مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الإجابة على سؤال باللغة الإنجليزية.

 وقال فيسترفيله باللغة الألمانية: "في ألمانيا، من الواضح أننا نتحدث الألمانية".

مختارات "أرض الأمل".. ألمانيا على طريق تسهيل منح الجنسية والسماح بازدواجيتها ما سبب تدني أجور اللاجئين في ألمانيا رغم مؤهلاتهم العالية؟ ألمانيا.. من المستفيد من تعديلات قانون استقدام العمالة الماهرة؟ ميركل من هارفارد: إذا هدمنا الجدران يصبح كل شيء ممكناً

حظيت كلمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي ألقتها في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، على الكثير من التصفيق والإعجاب. وفي كلمتها، بمناسبة حصولها على الدكتوراه الفخرية، تناولت ميركل قضايا دولية وإنسانية هامة.

أما اليوم فلا يتردد العديد من كبار المسؤولين في استخدام مهاراتهم اللغوية الإنجليزية. وكثيراً ما يفعل ذلك كل من وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، ووزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، عندما يكونان في مهام رسمية في الخارج. كما ظهر وزير المالية، كريستيان ليندنر، على تلفزيون بلومبيرغ لمناقشة حالة الاقتصاد الألماني.

أما المستشارة السابقة، أنغيلا ميركل، فلم تتحدث بشكل علني بالإنجليزية إطلاقاً، حتى عندما تعلق الأمر بخطابها بمناسبة حصولها على الدكتوراه الفخرية عام 2019 من جامعة هارفارد، أو خلال مقابلة مع مذيعة قناة سي إن إن، كريستيان أمانبور. ولكن عندما ظهر خليفتها، أولاف شولتس، مع نفس المذيعة الأمريكية، تحدث بطلاقة بلغته الثانية (الإنجليزية). 

وعندما سأله صحفي بريطاني باللغة الإنجليزية في مؤتمر صحفي عقب الانتخابات، لم يجب بابتسامة متكلفة، على طريقة فيسترفيله، وإنما بالجدية المعهودة عن شولتس، حيث أجاب بشكل جاد باللغة الإنجليزية، بنفس الطريقة التي يتحدث بها لغته الأم الألمانية.

ولكن اليوم أصبح الحزب، الذي كان فيسترفيله يقوده ذات يوم، أي الحزب الديمقراطي الحر (فالليبرالي) والذي يعطي الأولوية للتجارة والاقتصاد، هو الذي يدفع باتجاه إدخال اللغة الإنجليزية في شؤون الدولة الرسمية.

بات من الشائع في ألمانيا أن يتم تقديم الطلبات والمستندات باللغة الإنجليزية

الاقتصاد والقضاء

وعند الحديث عن الاقتصاد الألماني، تتبادر إلى الذهن على الفور الصادرات الألمانية الكثيرة وحقيقة أن ألمانيا هي موطن لشركات عالمية كبرى. ومن المعروف أن اللغة الإنجليزية هي اللغة المفضلة في قطاع الأعمال.

ونظراً لأن النزاعات التجارية الدولية يمكن أن "تنشأ بشكل متكرر"، وتتطلب "حلاً سريعاً ومهنياً"، لذا وافقت الحكومة الألمانية الاتحادية، في وقت سابق من هذا الشهر، على مشروع قانون قدمه وزير العدل، ماركو بوشمان، وهو من الحزب الديمقراطي الحر، لتمكين المحاكم التجارية في ألمانيا من البت في القضايا والنزاعات باللغة الإنجليزية، وفق ما قالته كريستيانه هوفمان، نائبة المتحدث باسم الحكومة، للصحفيين في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي. وأضافت هوفمان أن هدف مشروع القانون، الذي سيحتاج إلى موافقة البرلمان ليدخل حيز التنفيذ، هو "تعزيز جاذبية ألمانيا كموقع قضائي وتجاري".

في 2018 تم تأسيس محكمة تجارية، يمكنها التعامل مع القضايا باللغة الإنجليزية في فرانكفورت، العاصمة المالية لألمانيا. وهي جزء من عدد متزايد من المحاكم التجارية التي أُسست في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، والتي أنشأتها الدول الأعضاء، عقب خروج المملكة المتحدة من التكتل. وبعد البريكست، صارت كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا من بين الدول التي تتطلع إلى تقديم بديل للنظام القضائي البريطاني. 

بيد أن هذا التحول قد يستغرق سنوات، لأن "الفجوة بين الأجيال" تؤثر على المحاكم الألمانية، كما يقول ميشائيل فايغل، المحامي المختص بالقضايا التجارية وعضو "نقابة المحامين الاتحادية الألمانية" (BRAK)، في حديث مع DW. ويضيف فايغل: "كما هو الحال مع أي نوع من التخصصات، فإن الناس يحتاجون إلى الوقت لإتقان المهارات وإلى المال اللازم".

ماذا عن في الدوائر الرسمية؟ 

هناك شكوك حول إدخال اللغة الانجليزية في مجالات أخرى. وأعلن الحزب الديمقراطي الحر، في العام الماضي، عن اهتمامه بإدخال الإنجليزية كلغة رسمية ثانية في الإدارة العامة.

وتزداد أهمية اعتماد المزيد من اللغة الإنجليزية مع  قانون العمال المهرة، الذي تم إقراره مؤخرا  بهدف جذب العمال الأجانب للعمل في ألمانيا. وهو القانون الذي يتضمن عدة إجراءات، ومنها تسهيل الاعتراف بالشهادات والمؤهلات غير الألمانية بشكل أسرع. 

لكن الوضع القانوني في ألمانيا ينص على أن اللغة الألمانية هي اللغة الرسمية الوحيدة، وبالتالي فإن الطلبات والمستندات المقدمة إلى السلطات بلغة أجنبية، يجب أن تكون مصحوبة بترجمة إلى الألمانية.

مسألة الموافقة على إدراج اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ثانية، هي من اختصاص الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. ولكن حتى الآن، لم يدعم مثل هذا التغيير سوى الحزب الديمقراطي الحر.

من المتوقع أن تكون الشركات "مفتوحة أمام العمال المتقدمين الناطقين باللغة الإنجليزية"، وفق ما صرح به الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر، بيجان جير ساراي، في فبراير/شباط 2023. والذي أضاف: "كما ننتظر كذلك أن تكون سلطاتنا وإداراتنا قادرة على تقديم الخدمة الكاملة لهؤلاء الأشخاص باللغة الإنجليزية".

فيما يزعم أولريش زيلبرباخ، رئيس جمعية الموظفين الحكوميين (DBB)، أنه يتم استخدام اللغة الإنجليزية على نطاق واسع بالفعل في الدوائر الحكومية. وقال في حديث لصحيفة "بيلد" واسعة الانتشار: "الكفاءة اللغوية في الدوائر الحكومية تتوقف في المقام الأول على توفر مزيد من الأموال"، مشيراً إلى أن العديد من المراجعين يتحدثون الفرنسية أو العربية أو الفارسية، لا الإنجليزية. وأضاف: "نحن بحاجة إلى التدريب وأدوات الترجمة ووسطاء لغويين".

حتى عام 2005، لم يكن تدريس اللغة الإنجليزية معتمداً في المدارس الابتدائية الألمانية

في النظام التعليمي وفي الحياة اليومية 

تُدرّس اللغة الإنجليزية، منذ عام 2005، في جميع المدارس الابتدائية الألمانية، مع استثناء وحيد يتعلق بالمناطق الحدودية مع فرنسا. كما أن عشرة بالمئة من برامج شهادات التعليم العالي في ألمانيا تقدم باللغة الإنجليزية، بحسب قاعدة بيانات جمعتها خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية (الداد). ولكن معظم هذه البرامج عبارة عن برامج دراسات عليا. كما تشمل الإحصائية مؤسسات خاصة تعمل خارج النظام الجامعي العام.

وفي استطلاعات الرأي التي تُجرى للمغتربين حول العالم، كثيرا ما تحقق ألمانيا نتائج ضعيفة، على الرغم من استضافتها لعدد كبير من المغتربين. وكانت اللغة من بين العوامل الأساسية التي تسببت بالمركز المنخفض الذي حلت فيه ألمانيا، على مؤشر "اكسبات انسايدر" لعام 2023. حيث جرى استطلاع رأي للعمالة الوافدة في 64 دولة حول العالم،  لتقييم مدى جاذبيتها للمغتربين،  من حيث ظروف الإقامة والعمل والحياة.

وأكثر مدينة في ألمانيا ينتشر فيها استخدام اللغة الإنجليزية هي العاصمة برلين. ففي عام 2017، اشتكى وزير الصحة آنذاك ينس شبان من أنه لم يعد ممكناًَ العيش في برلين باستخدام اللغة الألمانية فقط، وقال: "يزعجني أن النادلات في بعض مطاعم برلين يتحدثن الإنجليزية فقط. أنا متأكد من أن الأمر ليس كذلك في باريس".

في الواقع، أصبح من الشائع أن يعمل مغتربون شباب في المتاجر العصرية، دون أي معرفة باللغة الألمانية، في حين  يُحرم والدوهم اللاجئون من ولوج سوق العمل الألمانية،  على الرغم من لغتهم الإنجليزية الجيدة؛ وذلك لأنهم لا يتحدثون الألمانية بشكل جيد، إلا أنه مع تحديث قوانين الهجرة، فمن المرجح أن يتغير هذا الأمر بعد اليوم.

ويليام غلوكروفت/ف.ي

المصدر: DW عربية

كلمات دلالية: أخبار ألمانيا العمل في ألمانيا برلين الهجرة إلى ألمانيا تعرف على ألمانيا أخبار ألمانيا العمل في ألمانيا برلين الهجرة إلى ألمانيا تعرف على ألمانيا باللغة الإنجلیزیة اللغة الإنجلیزیة اللغة الألمانیة فی ألمانیا

إقرأ أيضاً:

رينارد: يجب أن نتأهل عبر الباب أو النافذة أو السطح لا يهم

ماجد محمد

أكد المدير الفني للمنتخب الوطني الأول لكرة القدم، هيرفي رينارد، على ضرورة التأهل لنهائيات كأس العالم 2026،على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه المنتخب، والإصابات التي لحقت ببعض اللاعبين.

وأشار رينارد خلال المؤتمر الصحفي المنعقد قبل اللقاء: “يجب أن نتأهل لـ كأس العالم سواء عبر الباب أو النافذة أو السطح لا يهم، لا يهم يجب أن نتأهل”.

ووصل لاعبوا الأخضر إلى ملعب استاد ملبورن المستطيل، استعدادًا لمواجهة منتخب أستراليا، ضمن منافسات الجولة الخامسة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026.

مقالات مشابهة

  • عارضة الأزياء الإنجليزية روزي هنتنغتون: ليلة لا تنسى في الرياض
  • شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السوداني أبو أحمد يحاول التحدث باللغة الإنجليزية لحظة مقابلته حسناء “خواجية” والجمهور يسخر: (دا انجليزي يا مرسي)
  • رينارد: يجب أن نتأهل عبر الباب أو النافذة أو السطح لا يهم
  • أزهر الشرقية: ختام تدريبات الصف الأول الإعدادي لُمعلمي "اللغة الإنجليزية والعلوم"
  • موسكو ترحّب بالسياح العرب .. لافتات باللغة العربية لتسهيل التعرف على العاصمة الروسية
  • الوزير زيدان ينشر ملخص مباحثاته مع السفير دولغر باللغة الألمانية
  • أمسية شعرية باللغة اليونانية وإصدارات جديدة في الشارقة للكتاب
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • السفارة الألمانية بمسقط تحتفل بيوم الوحدة الألمانية
  • وزيرة الخارجية الألمانية: الوضع الإنساني في غزة بلغ حدًا لا يُحتمل