ألمانيا توارب الباب للإنجليزية في السياسة والاقتصاد والقضاء
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
تسعى ألمانيا لتسهيل الحياة للعمال المهرة الذين لا يتحدثون اللغة الألمانية
لقد ولت تلك الأيام، التي كان فيها السياسيون الألمان يرفضون التحدث باللغة الإنجليزية. ففي عام 2009، تصدر وزير الخارجية آنذاك، غيدو فيسترفيله، عناوين الأخبار، بعد رفضه طلب أحد مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) الإجابة على سؤال باللغة الإنجليزية.
حظيت كلمة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي ألقتها في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة، على الكثير من التصفيق والإعجاب. وفي كلمتها، بمناسبة حصولها على الدكتوراه الفخرية، تناولت ميركل قضايا دولية وإنسانية هامة.
أما اليوم فلا يتردد العديد من كبار المسؤولين في استخدام مهاراتهم اللغوية الإنجليزية. وكثيراً ما يفعل ذلك كل من وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، ووزيرة الخارجية، أنالينا بيربوك، عندما يكونان في مهام رسمية في الخارج. كما ظهر وزير المالية، كريستيان ليندنر، على تلفزيون بلومبيرغ لمناقشة حالة الاقتصاد الألماني.
أما المستشارة السابقة، أنغيلا ميركل، فلم تتحدث بشكل علني بالإنجليزية إطلاقاً، حتى عندما تعلق الأمر بخطابها بمناسبة حصولها على الدكتوراه الفخرية عام 2019 من جامعة هارفارد، أو خلال مقابلة مع مذيعة قناة سي إن إن، كريستيان أمانبور. ولكن عندما ظهر خليفتها، أولاف شولتس، مع نفس المذيعة الأمريكية، تحدث بطلاقة بلغته الثانية (الإنجليزية).
وعندما سأله صحفي بريطاني باللغة الإنجليزية في مؤتمر صحفي عقب الانتخابات، لم يجب بابتسامة متكلفة، على طريقة فيسترفيله، وإنما بالجدية المعهودة عن شولتس، حيث أجاب بشكل جاد باللغة الإنجليزية، بنفس الطريقة التي يتحدث بها لغته الأم الألمانية.
ولكن اليوم أصبح الحزب، الذي كان فيسترفيله يقوده ذات يوم، أي الحزب الديمقراطي الحر (فالليبرالي) والذي يعطي الأولوية للتجارة والاقتصاد، هو الذي يدفع باتجاه إدخال اللغة الإنجليزية في شؤون الدولة الرسمية.
بات من الشائع في ألمانيا أن يتم تقديم الطلبات والمستندات باللغة الإنجليزية
الاقتصاد والقضاء
وعند الحديث عن الاقتصاد الألماني، تتبادر إلى الذهن على الفور الصادرات الألمانية الكثيرة وحقيقة أن ألمانيا هي موطن لشركات عالمية كبرى. ومن المعروف أن اللغة الإنجليزية هي اللغة المفضلة في قطاع الأعمال.
ونظراً لأن النزاعات التجارية الدولية يمكن أن "تنشأ بشكل متكرر"، وتتطلب "حلاً سريعاً ومهنياً"، لذا وافقت الحكومة الألمانية الاتحادية، في وقت سابق من هذا الشهر، على مشروع قانون قدمه وزير العدل، ماركو بوشمان، وهو من الحزب الديمقراطي الحر، لتمكين المحاكم التجارية في ألمانيا من البت في القضايا والنزاعات باللغة الإنجليزية، وفق ما قالته كريستيانه هوفمان، نائبة المتحدث باسم الحكومة، للصحفيين في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي. وأضافت هوفمان أن هدف مشروع القانون، الذي سيحتاج إلى موافقة البرلمان ليدخل حيز التنفيذ، هو "تعزيز جاذبية ألمانيا كموقع قضائي وتجاري".
في 2018 تم تأسيس محكمة تجارية، يمكنها التعامل مع القضايا باللغة الإنجليزية في فرانكفورت، العاصمة المالية لألمانيا. وهي جزء من عدد متزايد من المحاكم التجارية التي أُسست في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، والتي أنشأتها الدول الأعضاء، عقب خروج المملكة المتحدة من التكتل. وبعد البريكست، صارت كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا من بين الدول التي تتطلع إلى تقديم بديل للنظام القضائي البريطاني.
بيد أن هذا التحول قد يستغرق سنوات، لأن "الفجوة بين الأجيال" تؤثر على المحاكم الألمانية، كما يقول ميشائيل فايغل، المحامي المختص بالقضايا التجارية وعضو "نقابة المحامين الاتحادية الألمانية" (BRAK)، في حديث مع DW. ويضيف فايغل: "كما هو الحال مع أي نوع من التخصصات، فإن الناس يحتاجون إلى الوقت لإتقان المهارات وإلى المال اللازم".
ماذا عن في الدوائر الرسمية؟
هناك شكوك حول إدخال اللغة الانجليزية في مجالات أخرى. وأعلن الحزب الديمقراطي الحر، في العام الماضي، عن اهتمامه بإدخال الإنجليزية كلغة رسمية ثانية في الإدارة العامة.
وتزداد أهمية اعتماد المزيد من اللغة الإنجليزية مع قانون العمال المهرة، الذي تم إقراره مؤخرا بهدف جذب العمال الأجانب للعمل في ألمانيا. وهو القانون الذي يتضمن عدة إجراءات، ومنها تسهيل الاعتراف بالشهادات والمؤهلات غير الألمانية بشكل أسرع.
لكن الوضع القانوني في ألمانيا ينص على أن اللغة الألمانية هي اللغة الرسمية الوحيدة، وبالتالي فإن الطلبات والمستندات المقدمة إلى السلطات بلغة أجنبية، يجب أن تكون مصحوبة بترجمة إلى الألمانية.
مسألة الموافقة على إدراج اللغة الإنجليزية كلغة رسمية ثانية، هي من اختصاص الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. ولكن حتى الآن، لم يدعم مثل هذا التغيير سوى الحزب الديمقراطي الحر.
من المتوقع أن تكون الشركات "مفتوحة أمام العمال المتقدمين الناطقين باللغة الإنجليزية"، وفق ما صرح به الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر، بيجان جير ساراي، في فبراير/شباط 2023. والذي أضاف: "كما ننتظر كذلك أن تكون سلطاتنا وإداراتنا قادرة على تقديم الخدمة الكاملة لهؤلاء الأشخاص باللغة الإنجليزية".
فيما يزعم أولريش زيلبرباخ، رئيس جمعية الموظفين الحكوميين (DBB)، أنه يتم استخدام اللغة الإنجليزية على نطاق واسع بالفعل في الدوائر الحكومية. وقال في حديث لصحيفة "بيلد" واسعة الانتشار: "الكفاءة اللغوية في الدوائر الحكومية تتوقف في المقام الأول على توفر مزيد من الأموال"، مشيراً إلى أن العديد من المراجعين يتحدثون الفرنسية أو العربية أو الفارسية، لا الإنجليزية. وأضاف: "نحن بحاجة إلى التدريب وأدوات الترجمة ووسطاء لغويين".
حتى عام 2005، لم يكن تدريس اللغة الإنجليزية معتمداً في المدارس الابتدائية الألمانية
في النظام التعليمي وفي الحياة اليومية
تُدرّس اللغة الإنجليزية، منذ عام 2005، في جميع المدارس الابتدائية الألمانية، مع استثناء وحيد يتعلق بالمناطق الحدودية مع فرنسا. كما أن عشرة بالمئة من برامج شهادات التعليم العالي في ألمانيا تقدم باللغة الإنجليزية، بحسب قاعدة بيانات جمعتها خدمة التبادل الأكاديمي الألمانية (الداد). ولكن معظم هذه البرامج عبارة عن برامج دراسات عليا. كما تشمل الإحصائية مؤسسات خاصة تعمل خارج النظام الجامعي العام.
وفي استطلاعات الرأي التي تُجرى للمغتربين حول العالم، كثيرا ما تحقق ألمانيا نتائج ضعيفة، على الرغم من استضافتها لعدد كبير من المغتربين. وكانت اللغة من بين العوامل الأساسية التي تسببت بالمركز المنخفض الذي حلت فيه ألمانيا، على مؤشر "اكسبات انسايدر" لعام 2023. حيث جرى استطلاع رأي للعمالة الوافدة في 64 دولة حول العالم، لتقييم مدى جاذبيتها للمغتربين، من حيث ظروف الإقامة والعمل والحياة.
وأكثر مدينة في ألمانيا ينتشر فيها استخدام اللغة الإنجليزية هي العاصمة برلين. ففي عام 2017، اشتكى وزير الصحة آنذاك ينس شبان من أنه لم يعد ممكناًَ العيش في برلين باستخدام اللغة الألمانية فقط، وقال: "يزعجني أن النادلات في بعض مطاعم برلين يتحدثن الإنجليزية فقط. أنا متأكد من أن الأمر ليس كذلك في باريس".
في الواقع، أصبح من الشائع أن يعمل مغتربون شباب في المتاجر العصرية، دون أي معرفة باللغة الألمانية، في حين يُحرم والدوهم اللاجئون من ولوج سوق العمل الألمانية، على الرغم من لغتهم الإنجليزية الجيدة؛ وذلك لأنهم لا يتحدثون الألمانية بشكل جيد، إلا أنه مع تحديث قوانين الهجرة، فمن المرجح أن يتغير هذا الأمر بعد اليوم.
ويليام غلوكروفت/ف.ي
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: أخبار ألمانيا العمل في ألمانيا برلين الهجرة إلى ألمانيا تعرف على ألمانيا أخبار ألمانيا العمل في ألمانيا برلين الهجرة إلى ألمانيا تعرف على ألمانيا باللغة الإنجلیزیة اللغة الإنجلیزیة اللغة الألمانیة فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
أول تحديات ترامب في السياسة الخارجية بات واضحا
ترجمة: أحمد شافعي
عندي قاعدة شخصية لتقييم اضطراب بلاد الشرق الأوسط المحتمل. ويأتي في نوعين: بلاد تنفجر إلى الداخل وبلاد تنفجر إلى الخارج. أي بلاد تنهار فيها السيطرة المركزية فيتهاوى حطام الأعمدة داخل الحدود، وبلاد حينما تنهار فيها السيطرة المركزية يتهاوى حطام الأعمدة فيمتد ركامه السياسي في كل حدب وصوب.
وما من بلد في الشرق الأوسط ينفجر إلى الخارج أكثر من سوريا. فما يحدث في سوريا لن يبقى في سوريا.
ذلك أن سوريا تمثل في آن واحد حجر زاوية في الشرق الأوسط وصورة مصغرة له. فبوصفها حجر زاوية، ما إن تتداعى، حتى تستشري الآثار في كل اتجاه.
وبوصفها صورة مصغرة ـ بمن فيها من سنة وشيعة وعلويين وأكراد ومسيحيين ودروز ـ فحينما تضعف السيطرة المركزية يكون ذلك مصدر انعدام أمن لكل طائفة، فغالبا ما تطلب المساعدة من الخارج. وذلك أيضا مصدر فرصة لكل قوة إقليمية، فكثيرا ما تمتد تلك القوى إلى الداخل السوري لكي توجه سوريا في اتجاهها. ولقد كان الأمر، تاريخيا، يقتضي وجود قائد حديدي القبضة في دمشق لإبقاء سوريا تحت السيطرة في الداخل ولردع القوى الإقليمية الراغبة في السيطرة من الخارج.
وبسبب مركزية سوريا، قد يكون للتغيير الإيجابي هناك إشعاعه أيضا في كل اتجاه. وذلك ما يمضي بي إلى الغرض من هذا المقال، وهو أن يكون مذكرة إلى المرشح لوزارة الخارجية مارك روبيو: لعلك لم تتول بعد، لكن إذا ما تأكد هذا، فإن أول تحد لك بوصفك الدبلوماسي الأول في فريق الرئيس ترامب قد يتمثل في إقناعه بالعدول عن خطاب الانعزالية الذي يشتهر به ترامب ويقوم على أن «أمريكا أولا» وعلى فكرة عدم اليقين من الرغبة في البقاء في الناتو والتساؤل عن جدوى الحلفاء وعمن يكترث لأمر البلاد المنهارة، فتستطيع أن تساعد ـ إذا ما أسعفتني الجرأة وقلتهاـ في بناء سوريا.
لأن إطاحة «المعارضين» السوريين بالرئيس بشار الأسد تمثل واحدا من أكبر التحديات التي يحتمل أن تكون إيجابية ومؤثرة في قواعد اللعبة في الشرق الأوسط منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما. وشأن الفرص في مجال السياسة الخارجية أنها قد تأتي من العدم تماما، والرؤساء العظماء هم الذين ينتهزون هذه الفرص حتى لو استدعت اعترافهم بأنهم كانوا مخطئين في تقديراتهم.
إنصافا لترامب، حينما لاحت فرصة الاتفاقات الإبراهيمية سنة 2020، ولاحت هي الأخرى من العدم، انتهزها الرجل وساعد في صياغة التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، فكان ذلك في صالح المنطقة وفي صالح الولايات المتحدة. واللحظة الآن مماثلة. فرص النجاح منخفضة، والمردود قد يكون هائلا، والمخاطرة بالنسبة لأمريكا غير شديدة الارتفاع، لكنها سوف تقتضي من القيادة الأمريكية الكثيفة أكثر مما اقتضته الاتفاقات الإبراهيمية.
وفهما للسبب، عليّ أن أرجع بك إلى عام 2003. لقد كان لغزو الولايات المتحدة للعراق في ظل حكم الرئيس جورج دبليو بوش هدفان. أحدهما التخلص من أسلحة الدمار الشامل التي تبين أنها أكذوبة. والثاني، الذي دعمته أنا، هدف طموح لكنه في النهاية مستحيل: وهو إحلال ديمقراطية تعددية متعددة الأعراق في عاصمة عربية عظيمة ـ أي بغداد ـ بدلا من صدام حسين، على أمل أن يكون هذا مثالا في قلب العالم العربي يمكن أن ينتشر ويساعد في علاج الأمراض التي أدت إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وأصف هذا الهدف بـ«المستحيل» لأنه من غير الممكن مثلما تعلمنا أن تفرض الديمقراطية من أعلى إلى أسفل ومن الخارج إلى الداخل. إذ لا بد أن تنمو عضويا من القاع إلى القمة.
في العراق، كانت القوات الأمريكية بالأساس هي التي أوقعت تمثال صدام حسين في بغداد، وليس العراقيين، حتى لو أن كثيرا منهم استمتعوا بمشاهدة سقوطه. وفي النهاية، أنتج العراقيون ديمقراطيتهم الدستورية القائمة على اقتسام السلطة، ولكنها تترنح على شفا حالة الدولة الفاشلة، وهي مخترقة بعمق من العملاء والنفوذ الإيراني فضلا عن الفساد الداخلي. وفي حين أن العراق أجرى ستة انتخابات عادلة إلى حد كبير منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام سنة 2003، فإن البرلمان عديد الأحزاب الذي أفرزته تلك الانتخابات خاضع لسيطرة أحزاب أساسها الطائفة والعرق، لا روح المواطنة العراقية الحقة القادرة بما لها من قوة واتساع على مقاومة إيران.
ويعاني العراق أيضا منذ عام 2003، لأن سوريا وإيران قد فعلا كل ما في وسعهما لضمان عدم وجود مثال ديمقراطي لائق في بغداد قد يمثل إلهاما يحتذيه شعباهما. ولكن في نهاية المطاف، انتشر الربيع العربي الذي بدأ في تونس ومصر إلى سوريا في عام 2011 ـ بلا غزو أمريكي فعليا ـ ولكن الأسد كان على أتم استعداد لأن يقتل مئات الآلاف من شعبه ويشرد الملايين في الخارج لكي يبقى في السلطة ـ وذلك حتى نهاية الأسبوع الماضي.
والسؤال الضخم الذي يدور في عقلي هو هذا: هل ينال الشرق الأوسط فرصة أخرى لظهور حكم تعددي توافقي في عاصمة عربية عظيمة أخرى هي دمشق، ولكنه يظهر في هذه المرة مدفوعا من الشعب نفسه، وليس من أي قوة أجنبية؟ لو استطاع السوريون على مدى السنين القادمة أن يشقوا طريقهم من القاع إلى القمة ليعيشوا معا في مجتمع تعددي، بوصفهم مواطنين، لا طوائف فقط، يتلاحمون بقوة توافق طوعي لا بقوة قبضة حديدية استبدادية، فسوف يشيع هذا إلى العراق ولبنان وإيران وليبيا والسودان وكل مكان.
ومن شأن هذا أن يكون الحدث الأكثر إيجابية في الشرق الأوسط منذ أن ركب أنور السادات الطائرة وذهب إلى إسرائيل لإبرام السلام سنة 1977، ومن شأنه أن يكون الحدث الأهم في السياسة العربية الحديثة.
لست بحاجة إلى أي محاضرة في مدى استبعاد هذا. فقد عشت الحرب الأهلية اللبنانية لأكثر من أربع سنوات وكتبت كثيرا من العراق. والنهاية السعيدة بعيدة الاحتمال في سوريا، لكن المردود هائل بالنسبة للشعب السوري والمنطقة برمتها. وخلافا لغزو الولايات المتحدة للعراق، سوف تكون التكلفة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها أموالا قليلة وقوات قليلة لمحاولة المساعدة.
لكن هذا لن يحدث بغير مساعدة وقيادة أمريكية وبعض الدبلوماسية الثابتة الحازمة المستعدة للمجازفة بالفشل ولفهم أن الإهمال الحميد قد يكبد حلفاءنا تكاليف هائلة. فالتنافس داخل سوريا ـ وعليها من أطراف خارجية ـ سوف ينتشر في المنطقة كلها. ستكون حربا أبدية تفتح الطريق لمعاودة ظهور داعش وقد تزعزع بسهولة استقرار الديمقراطية الهشة في العراق والملكية في الأردن، وتجعل إسرائيل تعلق في سوريا ـ بمعنى أن يسيطر سبعة ملايين يهودي على كامل غزة وأجزاء من لبنان وسوريا، وكذلك على إسرائيل والضفة الغربية. فتجد إسرائيل نفسها مرهقة تماما وبحاجة إلى مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية الإضافية.
لا أعرف ماذا يدور في عقل أبو محمد الجولاني أو قلبه. لقد قرأت أنه قضى سنين يحاول تغيير صورته، مدينا صلاته القديمة بالقاعدة وطارحا نفسه بوصفه زعيما يدعم التعددية والتسامح. وأعلم أننا يجب أن نفعل كل ما في وسعنا من الخارج لمساعدة الجولاني والضغط عليه وتحفيزه ليستقيم مع هذه الصورة. وقد سرني بروز وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى الواجهة بتصريحه في العاشر من ديسمبر:
«إن الولايات المتحدة تجدد تأكيد دعمها الكامل للتحول السياسي السوري قيادةً وامتلاكا. ويجب أن تؤدي عملية التحول هذه إلى حكم مضمون احتوائي غير طائفي... ولا بد لعملية التحول والحكم الجديد أن تلتزم التزامات واضحة باحترام كامل لحقوق الأقليات وتيسير تدفق المساعدات الإنسانية لكل من يحتاج إليها، وتمنع استغلال سوريا فلا تكون قاعدة للإرهاب أو مصدر تهديد لجيرانها».
أعتقد أن المشكلة السورية سوف تكون صورة مصغرة للتحدي الأساسي الذي سوف يواجهه فريق سياسة ترامب الخارجية على المستوى العالمي، وهو كيفية إدارة الضعف وليس القوة. كيفية إدارة دول تسقط فيهدد انهيارها العالم، وليس دولا صاعدة تهدد العالم بقوتها. فباستثناء الصين، سوف تكون الدول الضعيفة لا الدول القوية هي التي تزعج أمريكا وحلفاءها، ومن ثم فإن التحدي المركزي لفريق ترامب سوف يتمثل في كيفية بناء الدول أو إصلاح الدول بتكلفة يتقبلها الشعب الأمريكي.
ومثلما قال الكاتب الاقتصادي ديفيد روزنبرج في صحيفة ها آرتس في ما يتعلق بسوريا: «سوف تكون تكلفة إعادة إعمار سوريا سبعة أمثال الاقتصاد السوري كله في الأقل، وسوف يقتضي العمل نفسه نوعا من الخبرة التقنية لا يمكن إلا لدول قليلة أن تقدمه... والمشكلة هي أن سوريا مفلسة، ومن المستبعد أن يمدها ترامب بمساعدة مالية ذات شأن. وهي أيضا خاضعة لعقوبات غربية سيكون على ترامب أن يرفعها... ولكي تتعافى سوريا ويعاد بناؤها، سوف يتعين أن يتوافر حظ سعيد وقيادة جيدة، ووحدة وطنية وإرادة دولية جيدة».
بوسع ترامب أن يبتعد عن سوريا، مثلما حاول أن يفعل ذلك من قبل، حينما كان رئيسا، ويشهد الشرق الأوسط إذ يتفكك تماما ويقول ما قال نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس ذات مرة بحق أوكرانيا: «أنا فعلا لا أكترث بما يجري».
أو بوسع ترامب أن يعترف بأن السبيل الوحيد الذي يمكننا أن نساعد سوريا به في الانعطاف إلى وجهة إيجابية بثمن مقبول هو أن نقيم تحالفا مع حلفائنا في الناتو واليابان وكوريا وأستراليا ـ وربما الصين والهند ـ سعيا إلى دفع السوريين إلى النهوض ومنحهم أفضل فرصة ممكنة للنجاح.
لقد ابتعد الرئيس بايدن عن أفغانستان بعيد توليه السلطة، وكان ذلك قبيحا منه ومؤسفا للأفغان، لكن سوريا غير أفغانستان.
فأفغانستان تنفجر في الداخل، وسوريا تنفجر في الخارج.
توماس فريدمان كاتب رأي في الشؤون الخارجية في نيويورك تايمز منذ 1981
خدمة نيويورك تايمز