مع وصول قطار الانقلابات العسكرية في أفريقيا إلى الجابون، بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، تأكد فشل السياسات الغربية وفي القلب منها سياسات فرنسا صاحبة الحضور القوي في تلك الدول.

ويقول المحلل الفرنسي ليونيل لوران في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن العواصم الغربية لم تشهد أحداثا مفاجئة وخارجة عن سيطرتها منذ ثورات الربيع العربي في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، كما يحدث الآن في منطقة الساحل الغربي لأفريقيا حيث يتوالى سقوط أنظمة حكم كان يفترض أن قبضتها قوية، على أيدي ضباط شباب طموحين ويؤيدهم جيل جديد من الشباب الشاعر بخيبة آمل بسبب عدم تحقق وعود الديمقراطية طوال العقود الماضية، ليبدو الأمر وكأنه "وباء" كما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وتكمن أهمية سقوط قطعة الدومينو الأحدث في المنطقة ممثلة في الرئيس الجابوني المخلوع علي بونجو في حقيقة أن عدم الاستقرار ينتقل إلى خارج منطقة الساحل الأفريقي. ففي منطقة الساحل أثار فشل المعركة المدعومة من فرنسا ضد الجماعات الإرهابية المرتبطة بنتظيمي داعش والقاعدة، سخط السكان وشجع على الإطاحة بأنظمة الحكم في دول مثل مالي والنيجر عبر انقلابات عسكرية، وفتح الباب أمام تزايد نفوذ جماعة فاجنر الروسية المسلحة التي تقدم خدماتها للكثير من أنظمة الحكم في المنطقة.

وربما كان فشل الغرب أو التجمعات الإقليمية الأفريقية مثل تكتل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" في إجهاض الانقلابات العسكرية وإعادة الحكم المدني إلى النيجر ومالي على سبيل المثال هو ما شجع العسكريين في الجابون ليطيحوا بالرئيس علي بونجو الذي تحكم عائلته البلاد منذ أكثر من 55 عاما، والتي كانت شريكا في خدمة المصالح الفرنسية في المنطقة على مدى سنوات طويلة.

وما يجعل انقلاب الجابون تطورا محرجا لفرنسا وحلفائها الأوروبيين الذين عقدوا اجتماعا يوم الخميس الماضي لبحث سبل الرد على انقلاب 30 يوليو الماضي في النيجر بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات على نظام الحكم العسكري الجديد، هو أن بعض قطع الدومينو الأخرى ربما تنتظر السقوط.

وفي حين تحيا عائلة بونجو حياة مرفهة للغاية بفضل الثروة النفطية الكبيرة التي تمتلكها الجابون، يعيش نحو ثلث سكان البلاد بأقل من 7 دولارات يوميا للفرد بحسب بيانات البنك الدولي.

ويقول ليونيل لوران إن السبب المباشر لانقلاب الجابون ليس انتشار الجماعات الإرهابية ولا الوجود العسكري الفرنسي في البلاد كما كان الحال في مالي والنيجر، وإنما إعلان فوز الرئيس بونجو بفترة حكم ثالثة في انتخابات متنازع على نتيجتها، وهو ما يمثل جزءا من موجة "العهد الثالث" في قارة يبلغ متوسط عمر سكانها 19 عاما، في حين يبلغ متوسط عمر حكامها 63 عاما.

لهذا احتفى المواطنون في شوارع الجابون بالانقلاب وهو عمل غير ديمقراطي بطبيعته، لكن ينظر إليه باعتباره خلاص من حكم مستبد. وكما هو الحال في تاريخ فرنسا نفسها، يستفيد الجنرالات من الفوضى السياسية والاقتصادية للاستيلاء على السلطة، كما يرى تيري فيركولون الباحث في مركز أبحاث "آي.إف.آر.آي" والذي يطلق على اللحظة الراهنة في أفريقيا "لحظة بونابرت".

أما جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فقال إن "الانقلابات العسكرية ليست الحل، لكن لا يمكن أن ننسى الجابون أجرت قبل الانقلاب انتخابات كانت مليئة بكل المخالفات".

كل هذا يفسر رد الفعل الغامض تجاه الجابون بعد النيجر. فباريس أدانت الانقلاب، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعت المجلس العسكري الذي استولى على السلطة إلى المحافظة على الحكم المدني. في الوقت نفسه يترقب الجميع قطعة الدومينو القادمة التي ستسقط في افريقيا.

والكثير من القادة الأفارقة سيتلفتون حولهم بقلق، خوفا من تكرار سيناريو النيجر والجابون. ففي الكاميرون قرر الرئيس بول بيا البالغ من العمر 90 عاما والذي يحكم منذ 1982 تغيير العديد من قيادات الجيش. وتستعد السنغال التي أعلن رئيسها أنه لن يسعى لفترة حكم ثالثة، لإجراء انتخابات رئاسية في العام المقبل.

ويقول ستيفاني جومبرت مدير إدارة أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية سابقا إن "هناك شعورا حقيقيا بانتقال العدوى" ويرى ليونيل لوران أن التعامل مع التطورات الأخيرة في القارة الأفريقية يحتاج إلى لمسة دبلوماسية ماهرة مازالت مفقودة حتى الآن، حيث تراوحت ردود الأفعال على انقلاب النيجر ما بين التهديدات النارية بالتدخل العسكري ورفض إطلاق وصف الانقلاب على الانقلاب. وأدى تركيز فرنسا على تعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل والميل إلى "العمل كالمعتاد" مع القادة المستبدين إلى فقدان نفوذها ومصداقيتها لدى شعوب تلك الدول، في الوقت الذي يدور فيه صراع أكبر بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية على النفوذ في القارة الأفريقية الغنية بمواردها الطبيعية.

كما يجب تحقيق التوازن بين استخدام العقوبات الموجهة التي لا تعاقب الشعوب، كما حدث في عام 2011 عندما فرضت أوروبا قيودا على نظام حكم جباجبو في كوت ديفوار، وبذل جهود مقنعة لتشجيع أي تحول ديمقراطي نحو التعددية ووجود معارضة سياسية قوية.

والحقيقة أن الرئيس ماكرون حاول بشجاعة التخلص من إرث المدرسة الفرنسية القديمة التي تعتمد على علاقة الرعاية الأبوية مع الدول الفرانكفونية في أفريقيا، من خلال قراراته تقليص الوجود العسكري الفرنسي في تلك الدول والسعي لإقامة علاقات اقتصادية أكثر توازنا، وغير ذلك.

وفي الأسبوع الماضي قال مكارون إنه قال للدبلوماسيين الفرنسيين "مازلنا نميل إلى الحديث فقط إلى العواصم الأفريقية ومن هم في السلطة... علينا إعادة الانخراط مع المجتمع المدني. ومع هؤلاء الذين في المعارضة". وهذا كلام جيد لكنه جاء متأخرا للغاية على حد قول ليونيل لوران.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: منطقة الساحل

إقرأ أيضاً:

انعقاد قمة إفريقيا لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات 2025 في هذا التاريخ

ستعقد قمة إفريقيا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2025، باعتبارها حدثا هاما يركز على التحديات الاستراتيجية للرقمنة والابتكار في القارة الافريقية، من 21 إلى 23 أفريل بقصر المعارض،الصنوبر البحري (الجزائر العاصمة) تحت شعار ” فتح الآفاق الرقمية”.

و خلال ندوة صحفية نشطها بالجزائر العاصمة، صرح محافظ القمة،بشير تاج الدين،أن هذا اللقاء المهم المنظم تحت إشراف العديد من الوزارات وبدعم من مجمع اتصالات الجزائر كراع رسمي. سيجمع أكثر من 150 عارضا ورائدا في مجال الصناعة الرقمية والمؤسسات الناشئة المبتكرة وصناع القرار الحكوميين.

وستركز هذه القمة على كيفية مساهمة التكنولوجيات الرقمية في إعطاء دفع للنمو الاقتصادي. والتنمية المستدامة والشمول المالي والتحول الاجتماعي في القارة.

وستتمحور المناقشات حول أربعة منتديات موضوعاتية وهي منتدى الحكومة الإلكترونية الذي سيركز على التحول الرقمي. للإدارات العمومية ومنتدى النفط والغاز الذي سيستكشف الابتكارات. التكنولوجية في القطاع الطاقوي.

أما منتدى الصحة والصيدلة، فسيسلط الضوء على التطورات الرقمية في مجال الصحة، فيما سيركز منتدى تكنولوجيا المعلومات. في المطارات على الحلول التكنولوجية التي تعمل على تحسين خبرة المسافرين وعمليات المطارات.

و في الوقت الذي تستمر فيه القارة الأفريقية في تحقيق التقدم في مجال الاتصال الرقمي والشمول المالي. فإن هذه القمة تمثل مرحلة حاسمة في تحويل هذه التطورات إلى آثار دائمة من خلال تعزيز الأمن السيبراني. وتشجيع التجارة بين البلدان الأفريقية ودعم دمج التكنولوجيات الرقمية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وتمثل هذه الطبعة التقاء حدثين رئيسيين: القمة الرقمية الإفريقية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المغرب العربي وألفيتيك (Alvetic) و من ثمة وضع منصة معززة للابتكار والتعاون الرقمي في إفريقيا.

مقالات مشابهة

  • «دفاع النواب»: مصر تعتبر أمن الخليج جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي
  • العوضي: مصر تعتبر أمن الخليج جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي العربي
  • وفد نيجيري يسعى لفتح الحدود واستعادة النشاط الاقتصادي مع النيجر
  • انعقاد قمة إفريقيا لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات 2025 في هذا التاريخ
  • براءات الاختراع تجعل المغرب يتصدر الابتكار الطبي بالقارة السمراء
  • بعد اعلان حماس فقدان الاتصال بآسري الجندي الأمريكي الإسرائيلي.. من هو عيدان ألكسندر؟
  • الحكم على الرئيس البيروفي السابق أومالا بالسجن 15 عامًا مع زوجته بتهمة غسيل الأموال
  • أوروبا تشتعل وتغرق في وطأة التغير المناخي
  • «الفضاء المصرية» تستضيف اجتماع مجلس «راسكوم» الإفريقية
  • وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني: نرافق اليوم فخامة الرئيس أحمد الشرع في الزيارة الرئاسية الأولى إلى دولة قطر التي وقفت إلى جانب السوريين منذ اليوم الأول ولم تتخلَ عنهم