إنقلابات أفريقيا.. هل تعتبر اعلان فشل للسياسات الغربية في القارة السمراء ؟
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
مع وصول قطار الانقلابات العسكرية في أفريقيا إلى الجابون، بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، تأكد فشل السياسات الغربية وفي القلب منها سياسات فرنسا صاحبة الحضور القوي في تلك الدول.
ويقول المحلل الفرنسي ليونيل لوران في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن العواصم الغربية لم تشهد أحداثا مفاجئة وخارجة عن سيطرتها منذ ثورات الربيع العربي في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، كما يحدث الآن في منطقة الساحل الغربي لأفريقيا حيث يتوالى سقوط أنظمة حكم كان يفترض أن قبضتها قوية، على أيدي ضباط شباب طموحين ويؤيدهم جيل جديد من الشباب الشاعر بخيبة آمل بسبب عدم تحقق وعود الديمقراطية طوال العقود الماضية، ليبدو الأمر وكأنه "وباء" كما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتكمن أهمية سقوط قطعة الدومينو الأحدث في المنطقة ممثلة في الرئيس الجابوني المخلوع علي بونجو في حقيقة أن عدم الاستقرار ينتقل إلى خارج منطقة الساحل الأفريقي. ففي منطقة الساحل أثار فشل المعركة المدعومة من فرنسا ضد الجماعات الإرهابية المرتبطة بنتظيمي داعش والقاعدة، سخط السكان وشجع على الإطاحة بأنظمة الحكم في دول مثل مالي والنيجر عبر انقلابات عسكرية، وفتح الباب أمام تزايد نفوذ جماعة فاجنر الروسية المسلحة التي تقدم خدماتها للكثير من أنظمة الحكم في المنطقة.
وربما كان فشل الغرب أو التجمعات الإقليمية الأفريقية مثل تكتل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" في إجهاض الانقلابات العسكرية وإعادة الحكم المدني إلى النيجر ومالي على سبيل المثال هو ما شجع العسكريين في الجابون ليطيحوا بالرئيس علي بونجو الذي تحكم عائلته البلاد منذ أكثر من 55 عاما، والتي كانت شريكا في خدمة المصالح الفرنسية في المنطقة على مدى سنوات طويلة.
وما يجعل انقلاب الجابون تطورا محرجا لفرنسا وحلفائها الأوروبيين الذين عقدوا اجتماعا يوم الخميس الماضي لبحث سبل الرد على انقلاب 30 يوليو الماضي في النيجر بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات على نظام الحكم العسكري الجديد، هو أن بعض قطع الدومينو الأخرى ربما تنتظر السقوط.
وفي حين تحيا عائلة بونجو حياة مرفهة للغاية بفضل الثروة النفطية الكبيرة التي تمتلكها الجابون، يعيش نحو ثلث سكان البلاد بأقل من 7 دولارات يوميا للفرد بحسب بيانات البنك الدولي.
ويقول ليونيل لوران إن السبب المباشر لانقلاب الجابون ليس انتشار الجماعات الإرهابية ولا الوجود العسكري الفرنسي في البلاد كما كان الحال في مالي والنيجر، وإنما إعلان فوز الرئيس بونجو بفترة حكم ثالثة في انتخابات متنازع على نتيجتها، وهو ما يمثل جزءا من موجة "العهد الثالث" في قارة يبلغ متوسط عمر سكانها 19 عاما، في حين يبلغ متوسط عمر حكامها 63 عاما.
لهذا احتفى المواطنون في شوارع الجابون بالانقلاب وهو عمل غير ديمقراطي بطبيعته، لكن ينظر إليه باعتباره خلاص من حكم مستبد. وكما هو الحال في تاريخ فرنسا نفسها، يستفيد الجنرالات من الفوضى السياسية والاقتصادية للاستيلاء على السلطة، كما يرى تيري فيركولون الباحث في مركز أبحاث "آي.إف.آر.آي" والذي يطلق على اللحظة الراهنة في أفريقيا "لحظة بونابرت".
أما جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فقال إن "الانقلابات العسكرية ليست الحل، لكن لا يمكن أن ننسى الجابون أجرت قبل الانقلاب انتخابات كانت مليئة بكل المخالفات".
كل هذا يفسر رد الفعل الغامض تجاه الجابون بعد النيجر. فباريس أدانت الانقلاب، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعت المجلس العسكري الذي استولى على السلطة إلى المحافظة على الحكم المدني. في الوقت نفسه يترقب الجميع قطعة الدومينو القادمة التي ستسقط في افريقيا.
والكثير من القادة الأفارقة سيتلفتون حولهم بقلق، خوفا من تكرار سيناريو النيجر والجابون. ففي الكاميرون قرر الرئيس بول بيا البالغ من العمر 90 عاما والذي يحكم منذ 1982 تغيير العديد من قيادات الجيش. وتستعد السنغال التي أعلن رئيسها أنه لن يسعى لفترة حكم ثالثة، لإجراء انتخابات رئاسية في العام المقبل.
ويقول ستيفاني جومبرت مدير إدارة أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية سابقا إن "هناك شعورا حقيقيا بانتقال العدوى" ويرى ليونيل لوران أن التعامل مع التطورات الأخيرة في القارة الأفريقية يحتاج إلى لمسة دبلوماسية ماهرة مازالت مفقودة حتى الآن، حيث تراوحت ردود الأفعال على انقلاب النيجر ما بين التهديدات النارية بالتدخل العسكري ورفض إطلاق وصف الانقلاب على الانقلاب. وأدى تركيز فرنسا على تعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل والميل إلى "العمل كالمعتاد" مع القادة المستبدين إلى فقدان نفوذها ومصداقيتها لدى شعوب تلك الدول، في الوقت الذي يدور فيه صراع أكبر بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية على النفوذ في القارة الأفريقية الغنية بمواردها الطبيعية.
كما يجب تحقيق التوازن بين استخدام العقوبات الموجهة التي لا تعاقب الشعوب، كما حدث في عام 2011 عندما فرضت أوروبا قيودا على نظام حكم جباجبو في كوت ديفوار، وبذل جهود مقنعة لتشجيع أي تحول ديمقراطي نحو التعددية ووجود معارضة سياسية قوية.
والحقيقة أن الرئيس ماكرون حاول بشجاعة التخلص من إرث المدرسة الفرنسية القديمة التي تعتمد على علاقة الرعاية الأبوية مع الدول الفرانكفونية في أفريقيا، من خلال قراراته تقليص الوجود العسكري الفرنسي في تلك الدول والسعي لإقامة علاقات اقتصادية أكثر توازنا، وغير ذلك.
وفي الأسبوع الماضي قال مكارون إنه قال للدبلوماسيين الفرنسيين "مازلنا نميل إلى الحديث فقط إلى العواصم الأفريقية ومن هم في السلطة... علينا إعادة الانخراط مع المجتمع المدني. ومع هؤلاء الذين في المعارضة". وهذا كلام جيد لكنه جاء متأخرا للغاية على حد قول ليونيل لوران.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منطقة الساحل
إقرأ أيضاً:
حماس تعتبر أن "الكرة في ملعب إسرائيل" بشأن الهدنة في غزة
أكدت حركة حماس الفلسطينية، السبت، أن « الكرة في ملعب إسرائيل » حاليا، بعد عرضها إطلاق سراح جندي إسرائيلي-أمريكي محتجز لديها إضافة إلى جثامين أربعة من مزدوجي الجنسية، في إطار المفاوضات حول استمرار الهدنة في قطاع غزة. ونددت الولايات المتحدة وإسرائيل بعرض حماس.
وقال المتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع لوكالة فرانس برس « الكرة حاليا في ملعب الاحتلال الإسرائيلي »، مضيفا « نريد تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وإلزام الاحتلال بتنفيذ بنود الاتفاق ».
بعد نحو 15 شهرا على اندلاع الحرب في قطاع غزة عقب هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدأ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي تطبيق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والحركة الفلسطينية تم التوصل إليه بوساطة أمريكية وقطرية ومصرية.
وامتدت المرحلة الأولى من الاتفاق ستة أسابيع، وأتاحت عودة 33 من الرهائن الذين خطفوا بمعظمهم في يوم الهجوم، الى إسرائيل بينهم ثمانية قتلى، فيما أفرجت إسرائيل عن نحو 1800 معتقل فلسطيني كانوا في سجونها.
وسمحت إسرائيل أيضا بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، قبل أن تعلق دخولها في الثاني من آذار/مارس.
وقال قيادي في حماس لوكالة فرانس برس مشترطا عدم الكشف عن اسمه، إن مقترح الإفراج عن الجندي يأتي ضمن « صفقة استثنائية »، مشيرا إلى أنه في المقابل، تطلق إسرائيل سراح عدد من المعتقلين الفلسطينيين لديها.
إلا أنه أوضح أن الاقتراح مشروط بأن تبدأ « بالتزامن مفاوضات تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار » و »الفتح الفوري لجميع المعابر الحدودية والسماح بدخول جميع الاحتياجات الإنسانية إلى قطاع غزة ».
كما تشترط الحركة، وفق القيادي، انسحابا إسرائيليا من ممر فيلادلفيا الحدودي مع مصر، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار كانت نصت على ذلك.
وينص مقترح حماس على أن « تنتهي مفاوضات المرحلة الثانية خلال 50 يوما (بعد بدئها) بضمانة الوسطاء ».
وتتواصل في الدوحة منذ أيام مفاوضات يفترض أن تتناول المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.
واتهمت إسرائيل حركة حماس بـ »التعنت وممارسة حرب نفسية ».
وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو « بينما قبلت إسرائيل مقترح (الموفد الأمريكي ستيف) ويتكوف، تتمسك حماس برفضه ولم تتزحزح قيد أنملة ». واتهم حماس بمواصلة اللجوء إلى « التلاعب والحرب النفسية ».
كما اتهم البيت الأبيض حماس، الجمعة، بتقديم مطالب « غير عملية بتاتا » والمماطلة.
وأعلنت إسرائيل في مارس أن ويتكوف تقدم بخطة لتمديد وقف إطلاق النار في غزة حتى منتصف أبريل، على أن يتم خلال هذا الوقت إطلاق سراح « نصف الرهائن الأحياء والأموات » المتبقين في قطاع غزة في اليوم الأول من دخول الهدنة الجديدة حيز التنفيذ، ثم يتم إطلاق سراح بقية الرهائن الأحياء والأموات « إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف دائم لإطلاق النار »، وفق ما ذكر في حينه بيان صادر عن مكتب نتانياهو.
(وكالات)
كلمات دلالية إسرائيل حماس عدوان غزة