حرائق الغابات في كندا تسدد ضربة قاسية للتغير المناخي ويفاقم موجات الجفاف
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
عندما وصلت الحرائق إلى أبواب مدينتها في غرب كندا، وجدت جوانا شلوسر ملاذا لأيّام بين كرومها، غير أنها اليوم تخشى تبعات الكارثة على المدى البعيد على الأعمال واقتصاد والامن القومي في عموم البلاد.
وتواجه كندا هذه السنة أكبر حرائق في تاريخها اجتاحت حتى الآن نحو 16 مليون هكتار من الأراضي وتسببت بنزوح 200 ألف شخص، ولا سيما في غرب البلاد وشمالها.
وتوقف النشاط في العديد من المناطق جراء النيران وتضررت عدة قطاعات، مع تزايد كلفة الحرائق والضرر الاقتصادي في هذا البلد العضو في مجموعة السبع.
وأوضحت جوانا شلوسر التي اضطرت إلى الفرار من منزلها على عجل في وسط الليل، متحدثة لوكالة فرانس برس "إننا نواجه موسما مدمرا في الكروم على صعيد الزيارات والمبيعات على السواء".
أتت النيران على أكثر من 200مسكن في هذه المنطقة السياحية الغنية من مقاطعة بريتيش كولومبيا مما ينذر بهجرة الكثير السكان الى مناطق اخرى للعيش فيها.
وتدنت عائدات السياحة بشدة هذه السنة مع تفادي الزوار التوجه إلى المنطقة التي تشتعل فيها الحرائق منذ أسابيع.
ولم تتكبد الكروم المنتشرة في المنطقة أضرارا مباشرة جراء الحرائق، لكن مع إغلاق المطار والطريق العام الرئيسي المؤدّي إلى مدينة كيلونا موقتا، الغيت الأعراس وغيرها من النشاطات التي تنظم فيها عادة.
من جهته، أوضح المحلل في "كابيتال إيكونوميكس" ستيفن براون في مذكرة أن حرائق الغابات لا تتسبب عموما بتبعات تذكر على الاقتصاد في كندا.
لكن هذه السنة اختلف الأمر، إذ لفت إلى أنه "مع اتساع الحرائق إلى هذا الحدّ، نرى وطأة أكبر من العادة".
وتابع "يبدو أن أسوأ حرائق عرفتها كندا في تاريخها هي خلف جزء كبير من التراجع المسجل مؤخرا في إجمالي الناتج المحلي، ومع امتداد أوامر الإجلاء الآن إلى مزيد من المناطق، من المرجح أن تبقى الأرقام رديئة في الأشهر القادمة".
ومن العوامل التي ساهمت في هذا التراجع الاقتصادي والخوف من عدم توفير الامن الغذائي، ذكر جيمس أورلاندو من مصرف "تي دي"، "حرائق الغابات التي عطلت إنتاج النفط والغاز في مايو وحدت من نشاط المستهلكين في يونيو"، مشيرا كذلك إلى تضرر قطاع الخشب الذي يوظف أكثر من 30 ألف شخص في أنحاء كندا.
وكان معهد "أوكسفورد إيكونوميكس" حذر في تقرير في يونيو بأن الحرائق قد تكلف الاقتصاد الكندي ما بين 0.3 و0.6 نقطة مئوية من نموه.
غير أن توني ستيلو من "أوكسفورد إيكونوميكس" اعتبر أن الحصيلة "ليست سيئة بالقدر الذي كان يمكن توقعه".
وقال "حتى لو أن حرائق الغابات تاريخية من حيث حجمها، فهي تحصل في مناطق بعيدة إلى حد ما، مع قدر أقل من الانعكاسات على التجمعات السكانية الكبيرة والمراكز الاقتصادية وطرق النقل، ما كان سيؤدي ربما إلى انقطاع خطوط الإمداد".
في هذه الاثناء، قدرت أوتاوا في خطتها الجديدة للتأقلم مع التغير المناخي، الكلفة السنوية لمكافحة حرائق الغابات بمليار دولار كندي (737 مليون دولار).
وأشارت استنادا إلى المعهد الكندي حول المناخ، إلى أن التغير المناخي الذي يفاقم موجات الجفاف ويزيد بالتالي من احتمال حصول الحرائق ووتيرتها، قد يخفض النمو الاقتصادي المتوقع في كندا خلال السنوات المقبلة إلى النصف.
ومن المتوقع أن يصل متوسط الخسائر السنوية الناجمة عن الكوارث بحلول 2030 إلى 15.4مليار دولار كندي.
وازدادت خسائر شركات التأمين بأربعة أضعاف منذ 2009 متخطية ملياري دولار كندي في السنة، وفق مكتب التأمين الكندي الذي يمثل مختلف شركات التأمين الخاصة.
وأعرب جيسون كلارك العامل في هذه الهيئة عن قلقه حيال الوضع مشيرا إلى أن الكنديين لم يعودوا يواجهون كارثة كل عقد بل "عدة كوارث تتعاقب خلال عام واحد" ما بين حرائق وفيضانات وموجات حر وعواصف وغيرها.
وقال "حين تسجل الدول خسائر كبرى بصورة منتظمة، فهذا ينعكس بشكل كبير على تقييم المخاطر وعلى أقساط التأمين" مؤكدا "علينا أن نكون أفضل استعدادا".
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حرائق الغابات
إقرأ أيضاً:
ذاكرة الجاذبية.. علماء يبحثون عن نبوءة آينشتاين المفقودة
تنبأ ألبرت آينشتاين قبل أكثر من قرن مضى بأن الفضاء نفسه يمكن أن يتعرض للتموج مثلما يحدث في ماء البحر، وتطلب الأمر مرور قرن كامل حتى تمكن العلماء من اكتشاف هذه التموجات الدقيقة، مما أدى إلى فوز ثلاثة علماء أميركيين، هم رينير وايس، وباري باريش، وكيب ثورن، بجائزة نوبل في الفيزياء عام 2017.
موجات الجاذبية هي تموّجات أو اهتزازات في نسيج الفضاء والزمن نفسه، تحدث عندما يحصل شيء عنيف ومفاجئ في الكون، مثل تصادم نجمين أو ثقبين أسودين، أو انفجار نجم ضخم (مستعر أعظم).
لفهم الفكرة تخيل الفضاء مثل سطح مائي، ولو رميت فيه حجرا ستتكوّن تموّجات. هذه التموجات في الفضاء هي موجات الجاذبية، وسقوط الحجر هو الحدث الكوني العنيف.
لكن لاحظ أن هناك اختلافا مهما، فهذه الموجات تسري في جسد الفضاء نفسه الذي يكوّن هذا الكون (الزمكان)، مما يعني أن مرور هذه الموجات بأي كوكب أو نجم أو حتى أجسامنا نحن البشر سيتسبب في انضغاطها وانبساطها كما تفعل الموجة مع الماء.
وكذلك فعندما تمر موجة جاذبية عبر الفضاء، فإنها تمطط وتضغط المسافات بين أي نقطتين، تخيل مثلا جسيمين عائمين في الفضاء: عندما تمر موجة الجاذبية، فإنها تُغير المسافة بينهما مؤقتا ولو بقدر يسير جدا.
إعلاناستخدم العلماء هذه الفكرة لبناء مرصد "ليغو"، الذي نجح في رصد موجات الجاذبية سنة 2015، فالمرصد عبارة عن ذراعين على شكل حرف L، كل منهما طوله 4 كيلومترات. وعند نقطة التقاء الذراعين، يوجد ليزر قوي جدا، يُطلق باتجاه مرآتين في نهاية كل ذراع، وعندما يصل الليزر إلى كل مرآة، ينعكس ويرجع إلى نقطة البداية.
وإذا حدثت موجة الجاذبية، فإنها "تُمطّ" أحد الذراعين وتُقلّص الآخر بمسافة صغيرة جدا (أقل من قطر ذرة)، هذا يجعل شعاع الليزر في أحد الذراعين يستغرق وقتا أطول أو أقصر في العودة، مما يتسبب في حدوث تغير في نمط الضوء يسمى "التداخل"، ويمكن للعلماء قياسه.
ولكن جانبا من تنبؤات آينشتاين عن موجات الجاذبية تعلق بما يسمى "تأثير ذاكرة الجاذبية"، والذي يشير إلى أن هذه التغيرات التي تتركها موجات الجاذبية لا يُعاد ضبطها بالكامل، إذ تبقى الأجسام متباعدة قليلا حتى بعد مرور الموجة.
ويحدث ذلك لأن موجات الجاذبية تحمل قدرا من الطاقة، وأثناء تحركها عبر الزمكان، يمكن لطاقتها أن تُغير قوة الجاذبية، مُعيدة تشكيل نسيج المكان نفسه بشكل لا يرجعه لحالته الأصلية تماما.
ولفهم الفكرة تخيل هزّ شبكة بلاستيكية مرنة بقوة (تشبه شبكة الصيد). بعد توقف الاهتزاز، لا تعود الشبكة إلى شكلها الأصلي تماما، ولو دققت للاحظت أنها احتفظت بتشوّه طفيف بين خيوطها، وبالمثل، يحتفظ الفضاء بـ"ذاكرة" للموجة الجذبوية التي مرت عبره.
ويفترض فريق من العلماء أن هذا الأثر الدقيق جدا يمكن رصده في حالات خاصة من المستعرات العظمى، عندما ينفجر نجم ضخم (أكبر من الشمس بـ8 مرات تقريبا) بعد نفاد وقوده، ينهار على ذاته بفعل الجاذبية، مسببا انفجارا ضخما.
وبحسب الدراسة، التي نشرها هذا الفريق في دورية "فيزيكال ريفيو ليترز"، فإن هذا الانفجار غير متماثل بالكامل، حيث تنبعث منه جسيمات النيوترينو في اتجاهات مختلفة وتتحرك المواد داخل النجم بطريقة غير متناسقة، ويفترض العلماء أن هذه "اللانظامية" تولد موجات جاذبية فيها مكونا يحتوي على تأثير الذاكرة.
إعلانولكن يظل تحقيق هذا الافتراض تجريبيا صعبا جدا بسبب أن التغيرات الناتجة عن التأثير صغيرة جدا، وحتى أجهزة مثل "ليغو"، لا تتمكن من رصد موجات جاذبية بهذه الدقة (والتي تمثل تأثير ذاكرة الجاذبية).
ولفهم الفكرة تخيل مسطرة تمتد من الأرض إلى أقرب نجم للشمس، وهو قنطورس المقدم، على بُعد حوالي 4.24 سنوات ضوئية (ما يساوي حوالي 40 تريليون كيلومتر)، يمكن لموجة جاذبية تمر عبر هذه المسافة أن تُسبب في تغير دائم (ذاكرة جاذبية) بما يُقارب عرض شعرة الإنسان!
"ليزا" ورفاقهإلا أن رصد هذا الأثر الدقيق يمكن أن يتحقق بعد الانتهاء من مشروع "ليزا"، وهو مشروع فضائي ضخم تابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالتعاون مع ناسا، هدفه الأساسي هو رصد موجات الجاذبية لكن من الفضاء، وليس من الأرض كما في مرصد ليغو، ومن المقرر إطلاقه حوالي عام 2035.
سيتكون المرصد من 3 مركبات تدور في الفضاء وتشكّل مثلثا متساوي الأضلاع، كل جانب من المثلث طوله 2.5 مليون كيلومتر، هذا الطول ضروري لقياس التغير الحاصل بين نقطتين (مركبتين) بسبب موجات الجاذبية، فكلما كانت المسافة أطول كان رصد الأثر أسهل.
يُرسل شعاع ليزر بين المركبات الثلاث بدقة متناهية، ولو مرت موجة جاذبية، سيتغير الطول بين المركبات قليلا جدا (أقل من حجم ذرة)، فيتم قياس هذا التغير عبر ظاهرة تداخل الضوء، مثل مبدأ عمل "ليجو" لكن في الفضاء.
ويفترض الفريق أن انبعاثات النيوترينو الصادرة من انفجارات النجوم المستهدفة، يمكن أن تساهم في الحصول على نتائج أكثر دقة عبر علم الفلك متعدد الرسل، وهو اصطلاح يشير إلى تكامل وسائل الرصد الفلكي في دراستهم للظاهرة نفسها.
في هذا السياق، تقوم مراصد النيوترينو (مثل آيس-كيوب في القطب الجنوبي) بالعمل جنبا إلى جنب مع مرصد ليزا، ويعمل كلاهما مع المراصد الضوئية (مثل هابل أو جيمس ويب) لدراسة ذلك الانفجار بأدق صورة ممكنة، ومن ثم التأكيد على وجود ذاكرة الجاذبية.
إعلان مستقبل علم الكونياتإذا حدث وتمكن العلماء من رصد ذاكرة الجاذبية، فيمكن هذا التأثير لاختبار النسبية العامة في الحالات القصوى، وإذا لم يحدث ما تتوقعه النظرية، فقد يشير إلى فيزياء جديدة تتجاوز آينشتاين.
من جانب آخر، ستساهم ذاكرة الجاذبية في فهم عدد أكبر من الأحداث الكونية شديدة العنف مثل انفجارات النجوم، بشكل يخبرنا كيف انتشرت الطاقة والمادة في هذا الحدث العنيف.
وربما تساعد ذاكرة الجاذبية في تحقيق الربط المنتظر بين نظريات الجاذبية ونظريات فيزياء الكمّ، حيث إن بعض النظريات الحديثة تربط بين تأثير الذاكرة ومفاهيم في ميكانيكا الكم مثل "شعر" الثقوب السوداء أو معلومات الجسيمات المفقودة، الأمر الذي يمكن أن يسهم في حل مفارقة معلومات الثقب الأسود التي أشار لها ستيفن هوكينج في السبعينيات من القرن الفائت ولا تزال بلا حل.
كما أن هذا النوع من الظواهر يمكن أن يمثل مسطرة كونية تستخدم لقياس المسافات بين الأجرام السماوية البعيدة جدا بشكل يساعدنا على فهم توسّع الكون وماضيه السحيق.