ثالثًا: «تنمية قِطاعات نخيل التمور والنارجيل، الثروة الحيوانيَّة…»
عِندما أتصفَّح المزيد من الملفات والأوراق والوثائق والإصدارات والدراسات التي تتناول أعمال المجلس وممارسته لأدواره وصلاحيَّاته التي مَنحها له «النِّظام الأساسي للدَّولة»، والموضوعات والقضايا التي تصدَّى لها بالبحث والدراسة والتقييم والنقاش وطرحه الأسئلة على الوزراء وتفعيل أدواته البرلمانيَّة… أُكبر في المجلس ـ حقًّا ـ تنبُّهه المبكِّر لها وفي فترة بواكير ممارساته لأعماله الشوريَّة، ونبَّه عليها الحكومة وجهات الاختصاص، وطالبَ وأعدَّ وقدَّم الكثير من التوصيات والأفكار التي تحتوي على وصفات علاج ناجعة لقضايا التعليم وتنويع الدخل والأمن الغذائي، وتنظيم سُوق العمل والتعمين وتحسين أجور المواطن، وتحفيز القِطاعات الاقتصاديَّة واستثمار الثروات الوطنيَّة ومكافحة الفساد، وضبط المال العام والحفاظ عليه من النَّهب والسَّرقة… ومراجعة التشريعات والقوانين التي تُحقِّق مصالح الوطن والمُجتمع في جميع تلك القضايا والموضوعات الحيويَّة، والتي لو تمَّ الاهتمام بها وأخذت في وقتها بمأخذ الجدِّ، ووجدت مَن يُطبِّقها ويضعها ضِمْن الخطط والبرامج والسِّياسات والاستراتيجيَّات لأسهمت فعلًا في التطوُّر وعلاج مشكلات وإخفاقات كثيرة، وحقَّقت أهدافها وغاياتها المُعلنة في الخِطابات والحيثيَّات المُحالة إلى جهات الاختصاص والمؤسَّسات الحكوميَّة المختلفة.
من بَيْنِ تلك المواضيع والقضايا الملحَّة «ملف الأمن الغذائي» الذي يتعرَّض ليس في سلطنة عُمان وحْدَها، ولكن في البلدان العربيَّة جميعها، وعلى مدى الخمسة عقود الماضية، إلى انتكاسات وأزمات خانقة. فعلى الرغم من إطلاق المشاريع الغذائيَّة العربيَّة المشتركة، أو الفرديَّة على مستوى الدولة، إلَّا أنَّها تنتهي إلى لا شيء، إذ تُعدُّ أزمة الغذاء واحدة من أبرز المشكلات التي يعاني مِنها العالَم العربي، قادت إلى ارتفاع أسعار السِّلع الغذائيَّة في الأسواق في نُموٍّ متواصل أنْهَكَ كواهل المُجتمعات، ورفعَ عاليًا من نِسَب التضخُّم. وفي السنوات الأخيرة أسهمت جائحة «كوفيد19» والمواجهة الروسيَّة الأطلسيَّة على الأرض الأوكرانيَّة، وقَبلها المقاطعة الاقتصاديَّة على قطر، والحروب المتأجِّجة والخصومات المستمرَّة بَيْنَ الحكومات والأنظمة العربيَّة في بلوغ التضخُّم وتراجع العملات إلى مستويات خطيرة جدًّا تنذر بعواقب ونتائج وخيمة. ومن جهة أخرى، وعلى مدى الحقب التاريخيَّة تسبَّبت الارتفاعات في أسعار الخبز وتقليص أحجام أرغفته في اندلاع المظاهرات والاحتجاجات والثَّورات الشَّعبيَّة في الشارع العربي. ومن المحزن حقًّا التَّمادي في إهدار الإمكانات والفرص والثروات التي يمتلكها هذا الوطن العربي، ممثَّلةً في وفرة المياه وخصوبة الأرض وارتفاع نسبة العمالة الزراعية في كُلٍّ من السودان ومصر والشَّام وبعض بلدان المغرب، والأموال التي لدى البلدان الخليجيَّة، ثمَّ العجز عن تنفيذ مشاريع مشتركة تُحقِّق وفرة الغذاء في الوطن العربي، وتفي باحتياجاته من المنتجات الزراعيَّة والحيوانيَّة وتمهِّد لصناعات زراعيَّة توفِّر الوظائف وتنعش الاقتصادات وتنشط الأسواق… فتهرع بعض الحكومات إلى الاستثمار الزراعي في دولة إفريقيَّة أو آسيويَّة تتعرض باستمرار للخسائر والضياع والبور، والتسبُّب في حرمان المواطن العربي من الوظائف وفرص الاستثمار ونُمو الاقتصاد المحلِّي… وفي سلطنة عُمان التي تمتلك الأودية الخصبة والأفلاج والآبار الارتوازيَّة وموسم الخريف المُمطِر في ظفار وآلاف القُرى التي تُشكِّل ريفًا زراعيًّا وحيوانيًّا، نجحت في تلبية احتياجات الأسواق المحلِّيَّة في الماضي بالوسائل والأدوات التقليديَّة القديمة، تعرَّضت النخيل وأشجار الليمون والمانجو وغيرها إلى أمراض وآفاتٍ زراعيَّة مُتعدِّدة فتكَتْ بالآلاف مِنْها، واندثرَ الكثير من الأفلاج والقُرى؛ بسبب الإهمال واختيار الوظيفة بديلًا عن الحِرَف والمِهَن التقليديَّة، وضعف الدَّعم الحكومي المعتمد للمزارع والصيَّاد. كما تسبَّب التوسُّع العمراني والنُّمو السكَّاني وتخطيط المناطق السكنيَّة والتجاريَّة الحديثة، وتحويل المزارع والأراضي الزراعيَّة لأغراض أخرى في تقليص مساحاتها، في ظاهرة غير صحيَّة عرَّضت أمْنَنا الغذائي للخطر، وجعلت أسواقنا تعتمد كُلِّيَّةً على الأسواق الأخرى في توفير السِّلع الأساسيَّة. واقع تنبَّه له مجلس الشورى قَبل ثلاثة عقود فأعدَّ جُملة من الدراسات والتقارير شخَّص فيها أوضاع نخيل التمور والنارجيل والثروة الحيوانيَّة والمراعي، وأجرى تقييمًا على الصِّناعات التي تعتمد على هذه القِطاعات من واقع خلاصاته ونتائجه للزيارات الميدانيَّة واللقاءات والاجتماعات والنقاشات المكثَّفة التي أجراها وقام بها، واطِّلاعه كذلك على التقارير والدراسات والإصدارات ذات العلاقة بالموضوع محلِّ الدراسة؛ إسهامًا مِنْه في تعزيز وتحقيق متطلبات الأمن الغذائي، «تنمية قِطاعات نخيل التمور والنارجيل، الثروة الحيوانيَّة والمراعي، والتصنيع الزراعي ـ الأمن الغذائي والمائي ـ منطقة النجد ودَوْرها في تحقيق الأمن الغذائي والمائي…»، دراسات ثلاث، إلى جانب جهود ومبادرات ونقاشات وملاحظات ضُمِّنت في تقارير المجلس حَوْلَ مشاريع الخطط والرؤى والميزانيَّات، ومحتوى الأسئلة وطلبات المناقشة والرغبات المُوجَّهة إلى الوزراء. لقَدْ طالبَت التوصيات والمقترحات والرؤى المضمَّنة فيها برفع أساليب ووسائل الدَّعم وأشكال من أوْجُه التشجيع والتحفيز للمزارعين والصيَّادين على السواء، وزيادة الموازنات لصيانة وإحياء الأفلاج، ودراسة التربة ومصادر المياه واكتشاف الأراضي الزراعيَّة الصَّالحة للزراعة وزيادة مساحاتها، وحماية المنتجات الزراعيَّة والسمكيَّة والحيوانيَّة من الآفات، والمنافَسة الشَّرسة وفتح منافذ محلِّيَّة وخارجيَّة للتسويق للمنتجات الوطنيَّة، وتقييم منطقة النجد في تحقيق متطلَّبات السُّوق من الغذاء… ومراجعة وتطوير التشريعات والقوانين والأنظمة التي من شأنها إحداث ثورة زراعيَّة في السَّلطنة تقوم على الخبرة والتقدُّم العِلمي والتخصُّص… لقَدْ اكتسبت دراسات المجلس أهمِّية كبيرة لالتفاتها إلى «قِطاع حيوي هو قِطاع الزراعة الذي يُمثِّل منفعة كبيرة لشريحة واسعة من أفراد المُجتمع العُماني، إذ ركَّزت على تنمية وتحسين زراعة نخيل التمور والنارجيل المشهورة في البلاد منذ القِدم، وتطوير وإكثار الثروة الحيوانيَّة في السُّوق المحلِّيَّة ودعم مستلزمات الإنتاج الحيواني وحمايته من المنافسة الأجنبيَّة…». كثيرة هي الدراسات والبرامج والخطط والاستراتيجيَّات… التي نحتفظ بها في الأدراج، يظلُّ الضعف دائمًا في التنفيذ والتطبيق.
سعود بن علي الحارثي
Saud2002h@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية:
الأمن الغذائی
ات التی
ات الم
إقرأ أيضاً:
البنك الزراعي المصري يسلم 78 ميكروباص ضمن مبادرة إحلال السيارات بالمنيا
قام البنك بتمويل عمليات إحلال 78 سيارة نصف نقل " كبوت" واستبدالها بسيارات ميكروباص حديثة للعمل في نطاق محافظة المنيا، وذلك بهدف توفير خدمة نقل آمنة ومميزة للمواطنين بما يحسن من جودة الحياة في القرى لرفع مستوى معيشة المواطنين، تحقيقاً لأهداف المبادرة الرئاسية "حياة كريمة " لتطوير قرى الريف في إطار جهود البنك الزراعي المصري لتوفير التمويل اللازم، لدعم مبادرة إحلال السيارات نصف النقل التي تعمل في نقل الركاب واستبدالها بسيارات ميكروباص حديثة، بهدف تطوير وسائل النقل الجماعي في المحافظات،.
ونظم البنك احتفالية لتسليم السيارات الجديدة للمستفيدين بمدينة المنيا، بحضور اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، والأستاذ سامي عبد الصادق، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي المصري، وعدد من القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة، ورؤساء المجموعات والقطاعات بالبنك، كما شهدت الفعالية تسليم كوبونات وقود لكل سيارة جديدة، في إطار التسهيلات المقدمة من البنك لدعم السائقين.
وأكد محافظ المنيا على أهمية مبادرة إحلال السيارات النصف نقل "الكبوت" واستبدالها بسيارات ميكروباص جديدة، لتوفير خدمة نقل آمنة ومميزة للمواطنين حمايةً لأرواح الأبرياء الذين يستخدمون السيارات في تنقلاتهم بين قرى ومدن المحافظة، مشيراً إلى أن استخدام البيك أب فى نقل الركاب جعل المنيا فى مقدمة المحافظات من حيث ارتفاع معدلات الحوادث وزيادة أعداد المتوفين والمصابين، مشدداً أنه لا تراجع عن تنفيذ منظومة إحلال السيارات، وملتزمون بتطبيقها بكل حزم بكافة مراكز وقرى المحافظة.
وثّمن المحافظ الدور المجتمعي للبنك الزراعي المصري في دعم الفئات الأكثر احتياجاً، مشيداً بمشاركته الفعالة في تعزيز جهود التنمية الزراعية والريفية داخل المحافظة.
من جانبه، أكد الأستاذ سامي عبد الصادق، القائم بأعمال رئيس البنك الزراعي المصري، أن مبادرة إحلال السيارات تهدف إلى توفير وسائل نقل أكثر أمانًا وكفاءة، من خلال تقديم تيسيرات مالية وبرامج تمويل ميسرة لسائقي سيارات الكبوت، بما يمكنهم من التحول إلى استخدام سيارات الميكروباص الحديثة وفق خطوط سير جديدة.
وأشار إلى أن البنك يقوم من خلال هذا المشروع الحضاري بتمويل إحلال السيارات بقروض ميسرة وتسهيلات كثيرة غير مسبوقة من خلال بروتوكولات تعاون مع المحافظات، بهدف دعم أصحاب وسائقي سيارات النصف نقل ومساعدتهم على شراء السيارات الميكروباص الجديدة للوفاء بالتزاماتهم، بما يحقق الرعاية الاجتماعية لمالكي السيارات ويساهم في زيادة دخلهم، علاوة على مساعدتهم للإلتزام بقرارات السادة المحافظين وإدارات المرور، وإلغاء الإعتماد علي السيارات البيك آب كوسيلة مواصلات لنقل الركاب بين القرى والمدن، حرصاً على توفير الراحة والأمان للركاب، إضافة للبعد البيئي للمبادرة نظراً لأن هذه السيارات تعمل بالوقود المزدوج " غاز طبيعي وبنزين" بما يسهم في تحسين وحماية البيئة من خلال إتاحة سيارات تستخدم مصادر نظيفة واقتصادية للطاقة ممثلة في الغاز الطبيعي تماشياً مع توجهات الدولة.