جريدة الوطن:
2025-03-17@07:59:49 GMT

ومخازن للأوقاف الخيرية

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

ومخازن للأوقاف الخيرية

يُعدُّ الوقف الخيري منظومة متكاملة لخدمة المُجتمع، وتحقيق التكافل الاجتماعي بَيْنَ النَّاس، وتتَّسم هذه المنظومة بالمرونة، وتعطي فرصة كبيرة للإبداع في تنويع مجالات الوقف الخيري لسدِّ احتياجات المُجتمع. ويُقصد بمجالات الوقف الخيري، المجال الذي يخدم النَّاس، أو بمعنى آخر فئة الموقوف عليهم، كالوقف على تعليم الشَّباب، والوقف على علاج المرض، والوقف على تأهيل المعوّقين، والوقف على رعاية المُسنِّين، وغيرها من مجالات خدمة المُجتمع.


ويُعدُّ الوقف الخيري أحد أساليب التأمين الاجتماعي، حيث يتمُّ سدُّ حاجة الفرد من أموال الأوقاف الخيريَّة عِند عجزه أو عِند الحاجة، وسواء كانت هذه الحاجة نتيجة فقر، أو هي الحاجة للدعم والمساندة للتنمية والتطوير كالدَّعم والمساندة للتعليم، أو لتطوير حِرفة معيَّنة بشراء أدوات وأجهزة الحِرفة.
وعِندما تتصفح تاريخ الوقف الخيري في العصور الإسلاميَّة، ترى أنَّ المُسلِمين أبدعوا في فتح أبواب لمجالات جديدة في الوقف، مِثل: الوقف على رعاية خيول الحرب الهرمة، والوقف على تعديل الطُّرقات والأزقة، وتجميلها، والوقف على تعويض المُسلِم عن ما يخسر من أموال نتيجة حريق أو تهدُّم الدار أو غرق البساتين، أو نضوب آبار المياه في المزارع، وتظلُّ المُجتمعات الإسلاميَّة تبتدع مجالات جديدة للوقف الخيري بحسب حاجة المُجتمع.
لقَدِ استوقفتني قصَّة وقْفٍ لمالٍ رخيص الثَّمن، لكن كان فيه البركة والنَّماء، إنَّها قصَّة (صاحبة القِدر «قدر الجريش» ما كان لها أن تقدرَ بقاء هذا القِدر إلى يومنا هذا لينتفعَ مِنه المحتاجون من الفقراء والمساكين، ويبقى أجر ذلك القِدر لتلك المرأة والتي لَمْ تكُنْ تعْلَم أثَر هذا العمل .
يُنسب القِدر لامرأة في القصيم لمَّا رأت أنَّ النَّاس في حاجة ماسَّة جدًّا أوقفَتْ قِدرًا داخل مسجد وجعلته يَدُور بَيْنَ النَّاس، كُلُّ مَن يحتاج القِدر أخذَه وصنع به طعامه ثمَّ ردَّه مكانه في المسجد، وبقِيَ في النَّاس زمانًا حتَّى أغنى الله النَّاس فلَمْ يكُنْ له حاجة فأُخِذَ هذا القِدر وبِيعَ في مزادٍ علني واشتراه أحدُ الأثرياء) بمبلغ كبير من المال، وظلَّ ينمو هذا المبلغ من المال ليتحوَّلَ إلى أوقاف تدرُّ بالخير على الفقراء.
ما يستوقفني في هذه القصَّة أنَّه على الرغم من أنَّ المرأة أوقفَتْ أحدَ الأشياء البسيطة في بيتها، إلَّا أنَّ النَّاس بحاجة لها، فهم لا يستخدمون هذا النَّوع من القُدور بشكلٍ يومي، لذا لا يحتاجون لشراء قِدر، بل يكتفون باستعارته من المسجد عِند الحاجة. والواقع أنَّنا كثيرًا ما نضطرُّ لشراء أشياء لا نستخدمها بشكلٍ يومي، وربَّما لا يستخدمونها إلَّا نادرًا فنُودِعها في مخزن المنزل بلا فائدة. لذا فإنَّها فكرة إبداعيَّة أن تُوقفَ مِثل هذه الاحتياجات التي نادرًا ما يحتاجها النَّاس في منازلهم ليستعيروها عِند الحاجة فقط، ثمَّ ترجع إلى المكان الذي أؤتمن فيه الوقف. وتأمَّل معي في هذه القصَّة أنَّ المرأة أودعته في المسجد، وهو مكان عامٌّ يُمكِن أن يصلَ إليه جميع النَّاس بسهولة، لِيستفيدَ من هذا القِدر. كما أنَّ هناك مَن سيتولَّى الإشراف على إدارة هذا الوقف وهم القائمون على المسجد.
والشيء بالشيء يُذْكر، حيث نذكر مجالًا من مجالات الأوقاف شاع في القرن العاشر الهجري، وهو وقف الأواني أو الزبادي، فإذا ما كسَر المملوك أو العامل الإناء واضطرَّ لتعويض ربِّ العمل، فيأخذ من مخازن مخصَّصة لهذا الغرض تُودَع فيها أوانٍ موقوفة لتعويض الأواني التي يكسرها الخَدَم.
وهذا ما أردتُ أن أصلَ إليه وهو إحياء فكرة إنشاء مخازن تُوقَف فيها أدوات وأشياء قَدْ تكُونُ رخيصة الثَّمن، ولكن يحتاجها النَّاس، ربَّما لفترة مُحدَّدة أو لا تُستخدم إلَّا في المناسبات، وأقصد لا يحتاجها النَّاس بشكلٍ يومي، فما أحوج المُجتمعات لمخازن كبيرة تُودِع النَّاس فيها أوقافها فيقسم المحلُّ إلى أقسام حسب نَوْع الموقوف نَذْكُر مِنها على سبيل المثال: وقف الأجهزة المُعِينة للمعوّقين والمُسنِّين أو للمصابين بالكسور، فتوقَف فيها العكَّازات، والكراسي المتحرِّكة والأسرَّة الطبيَّة، حيث يحتاج النَّاس لمِثل هذه الأجهزة لفترة مؤقَّتة، لا سِيَّما للمصابين بالكسور، وربَّما للمُسنِّين أو المعوّقين لحين ما يتمُّ شراء الأجهزة الدَّائمة لهُمْ.
وقِسم آخر تُودَع فيه ملابس وباقي احتياجات حفلات الزواج مِثل: ملابس العروس، وحليِّها، وملابس العريس، وملابس أقارب العروسيْنِ. وقِسم آخر للأواني اللازمة للحفلات كالقُدور الكبيرة للطبخ في المناسبات، وأواني التقديم الخاصَّة بالمناسبات، وأجهزة الإضاءة، وغيرها.
وقِسم لأدوات المِهن وصيانة المنزل مِثل مكائن الخياطة، وأدوات صيانة الحدائق، مِثل المقص الكبير الحجم، والمنجل، وآلات الزراعة مِثل المحراث، وآلة بذر البذور، وغيرها من آلات الزراعة التي يحتاجها النَّاس بشكلٍ موسمي، وكذلك الأدوات التي يحتاجها النَّاس لصيانة المنزل بشكلِ غير مستمرٍّ مِثل: المنشار، والمطرقة، والمِبرد، المرفاع، والسلالم الطويلة جدًّا التي تستخدم للوصول لسقف المنزل لتنظيفه أو إصلاح المصابيح فيه، وغيرها.
ولك أن تسمِّيَ ما شئت من الأقسام بحسب احتياجات النَّاس، سواء في منازلهم أو في مكان عملهم. إنَّ هذا النَّوع من المخازن الوقفيَّة يفتح بابًا جديدًا للوقف الخيري، فهو يُعطي الفرص لمحدودي الدخل أن يوقفوا أموالًا بسيطة، فبذلك نفتح بابًا من أبواب فعل الخير… ودُمْتُم سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
najanahi@gmail.com
Najwa.janahi@

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الوقف على الم جتمع

إقرأ أيضاً:

نهيان بن مبارك: الوقف ركيزة أساسية لتنمية المجتمع وتعزيز التكافل

اختتمت الأحد، فعاليات مؤتمر "الوقف والمجتمع: استدامة ونماء"، الذي أقيم برعاية الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، ونظمته الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، تحت شعار "يدًا بيدٍ نحو تنميةٍ وقفيةٍ مستدامة" في فندق إرث بأبوظبي.

حضر المؤتمر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، والشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى أبوظبي للسلم، والدكتور عمر حبتور الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، والدكتور سلطان بن سيف النيادي، وزير دولة لشؤون الشباب، والسادة العلماء ضيوف رئيس الدولة والمسؤولين في مؤسسات الوقف بدول مجلس التعاون الخليجي، وأصحاب الاختصاص في شؤون الوقف بالدولة.
وافتتح الشيخ نهيان بن مبارك المؤتمر بكلمة رحب فيها بضيوف رئيس الدولة، مؤكداً لهم أن وجودهم  إثراءٌ للحياة في هذه الدولة المباركة، وانعكاسٌ أمينٌ وصادقٌ لكل ما يدعو إليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة؛ من تحقيق وحدة الفكر، والعمل المثمر، بين أفراد ومؤسسات الأمة، في إطارٍ من الاعتزاز بتعاليم الإسلام السمحة، والتمكين لقيمه السامية، والترسيخ لمبادئه العليا، بل وكذلك ما يؤكد عليه رئيس الدولة دائماً من أهمية تعميق دور المسلمين في مسيرة البشرية، وحرصه الواضح على أن يكون الوقف والعمل الإنساني بشكلٍ عامٍ مجالاً مهماً لتنمية دور الأفراد ومؤسسات المجتمع في كافة جهود التنمية والبناء، سواءٌ في ذلك دورهم في جهود التعليم أو الصحة أو الرعاية الاجتماعية أو الاقتصاد والبيئة، أو في مجالات الثقافة والفنون، أو برامج الطفولة والشباب، أو في الرياضة والتراث، رافعًا إلى رئيس الدولة عظيم الشكر، وفائق الاحترام والتقدير، لقاء ما يقدمه لوطنه وشعبه وأمته، على طريق العزة والتقدم، والأمان والاستقرار.
وأضاف أن موضوع هذا المؤتمر، إنما يتراسل تماماً مع احتفالاتنا هذا العام في الإمارات بعام المجتمع، الذي نسعى فيه وبعون الله، وبتوجيهات رئيس الدولة إلى تعبئة كافة الجهود والوسائل، وتفعيل العمل المشترك بين الأفراد وجميع مؤسسات المجتمع، من أجل الحفاظ على مناخٍ وطنيٍ عام، يحفز على التنمية المستدامة، وتحمل المسؤولية، والإسهام في مسيرة الوطن.

وقف الأب

وقال وزير التسامح والتعايش إن موضوع هذا المؤتمر كذلك إنما يتزامن مع المبادرة الكريمة التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتأسيس "وقف الأب "، الذي يجسد تعاليم الإسلام الحنيف، في بر الوالدين، معرباً عن شكره وتقديره، للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، راجياً أن تكون مبادرة "وقف الأب"، حافزاً لهذا المؤتمر على دراسة ومناقشة سُبل إيقاظ الشعور الطيب بعمل الخير.
وأوضح أن الإمارات، هي الآن نموذجٌ يحتذى في مجالات الوقف والعمل الخيري نحن ولله الحمد دولةٌ تلتزم بمبادئ العطاء الإنساني، والتكافل المجتمعي، تلك المبادئ التي أرسى دعائمها مؤسس الإمارات العظيم المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كما أن هذه المبادئ أيضاً هي انعكاسٌ أمينٌ وصادقٌ لكل ما يدعو إليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، من ضرورة أن يقوم الأفراد وكافة مؤسسات المجتمع بدورٍ نشطٍ في مسيرة الوطن، وأن يكونوا جميعاً شركاء فاعلين في تحقيق التنمية الشاملة في كافة أرجائه وربوعه.
وأضاف أن الوقف والعطاء الإنساني والمجتمعي هو صدقةٌ جاريةٌ وجزءٌ مهمٌ من تراثنا العربي والإسلامي – الوقف في التاريخ الإسلامي هو العطاء المرموق، والتعبير عن بلوغ الواقف غاية الكرم، وسماحة النفس، والحرص على التعاون والتعاطف، مع البشر في كل مكان – الوقف هو تعبيرٌ قويٌّ عن الالتزام بتعاليم الدين الحنيف في خدمة المجتمع والإنسان، واستجابةٌ لدعوة الله إلى عباده أن ينشروا قيم الرخاء والتضامن والسلوك الحميد، بين الجميع مشددا على أن مواجهة مشكلات المجتمع في هذا العصر إنما تحتاج إلى تعاونٍ وعملٍ مشتركٍ بين الحكومات والشركات والأفراد، وكافة مؤسسات المجتمع.

أسس التعاون

من جانبه أكد العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه أن الوقف مؤسسةٌ عظيمةٌ تتجلى فيها حكمة هذه الشريعة الربانية الخالدة في ترسيخ أسس التعاون بين أفراد المجتمع ورعاية أهل الخصاصة والفاقة حتى قبل أن يوجدوا، فهي في الدنيا رصيدٌ للأجيال القادمة، وللواقفين صدقةً جاريةً يجرى عليهم أجرها، وتلك هي استدامة النفع، حيث إن من خصائص الوقف ديمومة العين وصرف الريع في مصارف الخير التي حددها الواقف، ولهذا الغرض أحيطت الأوقاف بأحكامٍ كثيرةٍ يمكن اعتبارها حمايةً وتفعيلاً للوقف وعنايةً بالموقوف عليهم.
من جانبه أكد الدكتور عمر الدرعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة أن المراد من الوقف أن يكون دومًا شريانَ حياةٍ لقلبِ المجتمعِ النابضِ بالعطاءِ، يسدُّ احتياجاتِ أبناء المجتمع مسلمين كانوا أوغيرَ مسلمين.
واستذكر جهود مؤسسِ الدولة الشيخِ زايدَ بن سلطان آل نهيان، طيبَ اللهُ ثراهُ، الإنسانيةَ، ومنها الوقفُ الذي كانَ يُوليهِ أهميةً كبرى؛ وقال وعلى هذا النهجِ يواصلُ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مسيرةَ دعمِ الأوقافِ وتطويرِها.

ميثاق الوقف..عهد المويجعي

وقام الشيخ نهيان بن مبارك والضيف بجولةٍ في معرض الوقف المصاحب الذي يعرف بتاريخ الوقف في الإمارات عبر الأجنحة المصورة والمنصات الرقمية ومراحل تطوره ونهضته خلال تاريخ دولة الإمارات، والقوانين المنظمة لشؤون الوقف وتنميته.
وأطلقت الهيئة في المؤتمر "ميثاق الوقف.. عهد المويجعي" استلهامًا لهذا العهد المبارك والإرث الحضاري لدولة الإمارات، وتعزيزاً للتكافل الاجتماعي في عام المجتمع، وانطلاقًا من الدور المحوري الذي اضطلعت به الأوقاف عبر مختلف حقب التاريخ.
وتخلل المؤتمر توقيع اتفاقية تعاونٍ بين الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، ومؤسسة الأوقاف وإدارة أموال القصر في دبي "أوقاف دبي" لتحقيق الأهداف المشتركة وتنمية الوقف لخدمة المجتمع وفق رؤية الإمارات.

مقالات مشابهة

  • تنديد بقصف مركز للسرطان ومخازن أدوية في صعدة
  • وزارة الصحة تدين استهداف العدو الأمريكي لمركز السرطان ومخازن الأدوية في صعدة
  • وزارة الصحة تدين تدمير العدو مبنى مركز السرطان ومخازن الأدوية في صعدة
  • الصحة تدين تدمير العدو الأمريكي مبني مركز السرطان ومخازن الأدوية بصعدة
  • نهيان بن مبارك: الوقف ركيزة أساسية لتنمية المجتمع وتعزيز التكافل
  • في حفلها السنوي.. "بوشر الوقفية" تحتفي بالمبادرات الخيرية وتؤكد أهمية الشراكة المجتمعية
  • مرغم: وزارة الأوقاف ليس لها سلطة على المساجد.. وأموال الأوقاف يجب أن تكون مستقلة عن الدولة
  • فتاوى
  • الاحتلال يرفض تسليم كامل مرافق الحرم الإبراهيمي للأوقاف الفلسطينية
  • "الشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة" تنظم مؤتمر الوقف والمجتمع