أتابع باهتمام شديد، كل ما يدور حول السودان من اجتماعات ولقاءات ونقاشات، وقلبي ينزف بخصوص الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الشعب السوداني بعد اندلاع الحرب قبل 5 أشهر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وكما قلت سابقا في مقال لي بعنوان "الخريف السوداني.. مأساة بكل الألوان"، فإن السودان الذي خرج من ثلاثة عقود قضاها تحت حكم الرئيس السوداني السابق، عمر البشير في المنصب منذ 1989 وحتى الثورة السودانية، في 2019 لم يكن بحاجة لحرب جديدة.

ولكنه كان في حاجة لالتقاط أنفاسه ونقلة سياسية وتنموية، تخرجه من دائرة الدول الأشد فقرا في إفريقيا طوال سنوات.


وجاءت القمة، بين الرئيس السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، وفي أول زيارة خارجية للبرهان منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، لتكون الحدث السياسي الأبرز هذا الأسبوع فيما يتعلق بالسودان لأسباب عدة:- 
- أن يزور البرهان مصر، ويلتقي الرئيس السيسي فهذا يكشف محورية الدور المصري في الأزمة السودانية الثقيلة، والثقة في التحركات المصرية لتطويق الأزمة بعد مرور هذه الشهور، ومحاولة السيطرة عليها وعدم تزايدها أو اتساعها لمدى زمني أكبر.
-  تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان، عقب اللقاء مع الرئس السيسي، كشفت تماما الغرض من زيارة مصر، ولقاء القيادة المصرية في هذا الوقت العصيب الذي يمر به السودان. 

وقد كان البرهان واضحا في الإشادة التامة بالمساندة المصرية الصادقة والحثيثة للحفاظ على سلامة واستقرار السودان في ظل المنعطف التأريخي الذي يمر به، وتأكيده بشكل مباشر، أن القوات المسلحة السودانية لا تسعى للاستمرار في الحكم، وأن ما يسعى له الجيش هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وإنهم يسعون لاستكمال المسار الانتقالي الديمقراطي إلى أن يختار الشعب السودان من سيحكمه. 
- والشاهد أن، قمة السيسي والبرهان في مصر، جاءت بعد أسابيع قليلة من تحرك مصري آخر، للنظر في الأزمة السودانية وتداعياتها، عبر مؤتمر قمة دول جوار السودان، لبحث سبل إنهاء الصراع الحالي والتداعيات السلبية له على المنطقة، حيث أكد الرئيس السيسي خلال هذا المؤتمر وبعده، بذل مصر كل ما في وسعها بالتعاون مع كافة الأطراف لوقف نزيف الدم السوداني، والمطالبة بوقف الحرب، والبدء في مفاوضات لانهاء القتال وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية.
- وعليه فقمة السيسي والبرهان في مصر، خطوة مهمة تحرك المشهد في السودان، كما ان التناول السوداني، لأبعاد وتداعيات هذه القمة يؤكد السعادة بها، وتوقع حدوث تغييرات جذرية بالمشهد السوداني لصالح بدء المفاوضات ووقف القتال.
- ورأيي أن الأطراف السودانية، وإن لم تستجب للتحركات المصرية والعربية عبر قمة جدة وغيرها، لتطويق دائرة النار في السودان، فقد تنزلق البلد بكاملها الى اللادولة لا قدر الله، وهذا ما ستكون له تداعياته الأكثر إيلاما على عشرات الملايين من السودانيين، وقد تسقط في بئر حرب أهلية واسعة النطاق، وهو أقسى ما يخشاه المجتمع الدولي فيما يمر به السودان.
- على الحكماء والقوى الوطنية والسياسية بالسودان، أن ترفع صوتها لإعلاء السلام بين الأشقاء السودانيين والوصول لوقف تام لإطلاق النار والتفاوض سياسيا بخصوص المشهد، لكن التصور أن الحرب والعمليات العسكرية لأي من الطرفين، قد تحقق الهدف في النهاية، فهذا في رأيي تصور قاصر. ولابد من مسار سياسي يضبط الرؤية في السودان، ولابد للقوى والأطراف السودانية، أن تأخذ بعين الاعتبار، أن الخرطوم دمرت خلال شهور قليلة بسبب الحرب، وأن ملايين السودانيين نزحوا داخليا وخارحيا، وأن تقارير أممية تتحدث عن نزوح 4 ملايين سوداني. وتعطل أكثر من 80% من المستشفيات في جميع أنحاء السودان عن العمل، وأن هناك 11 مليون شخص في السودان، يحتاجون إلى مساعدات صحية عاجلة بما في ذلك 4 ملايين طفل وامرأة، وغيرها من الأوضاع الانسانية المؤلمة.
وختامًا.. السودان المنهك بعد حرب دارفور، وانفصال الشمال عن الجنوب وثورة 2019، ووضعه الاقتصادي الصعب، ليس في حاجة أبدا لاستمرار حرب جديدة، ولكنه في أمس الحاجة، لإخماد البنادق وزرع السنابل، والانتباه لحياة ملايين السودانيين ومعيشتهم.. السودان في القلب.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

إبراهيم النجار يكتب: ترامب يحدد مصير نتنياهو!

هل بدأت الجولة الأصعب من مفاوضات غزة؟ وهل تضع إسرائيل، العصا في الدواليب مجددا؟ حبر كثير يسيل في الإعلام الإسرائيلي، عن صورة النصر، التي نسفت خلال أسبوعين أو أقل، من وقف إطلاق النار. لكن نتانياهو، يمني النفس بتغيير المشهد. ولذلك يتجه إلي البيت الأبيض، حاملا في جعبته ملفات ثقيلة. غزة والرهائن والضفة الغربية، والتهديد الإيراني. طائرة نتانياهو، وصلت إلي وجهتها بعد ان اتخذت مسارا استثنائيا للوصول إلي واشنطن. وتجنب دخول مجالات جوية لدول أعلنت أنها ستنفذ أوامر الاعتقال بحقه إذا دخلها.

من المنتظر أن يلتقي نتنياهو، قبل اجتماعه مع ترامب المبعوت الأمريكي للشرق الوسط، ستيف ويتكوف، لتناول بداية المرحلة الثانية من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح المحتجزين. ترامب، من جهته، اعلن عن وجود تقدم في العلاقات بشأن الشرق الأوسط، مع إسرائيل ودول أخري. مؤكدا إن اللقاء مع نتانياهو، سيكون ذا اهمية كبيرة. وتاتي هذه الزيارة في وقت حرج. وسط ترقب في المنطقة، حول الملفات التي ستناقش. قبيل مغادرته إلي واشنطن، أكد نتنياهو، أن الملفات الثلاثة الرئيسية التي سيناقشها مع ترامب، تشمل الانتصار علي حركة حماس، وإعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين، ومواجهة التهديدات الإيرانية. كما كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن مقترحات تتعلق بمستقبل قطاع غزة، بما في ذلك مناقشة خيارات عسكرية مختلفة، من بينها اقتراح تهجير سكان غزة، إلي خارج أراضيهم. الصحيفة كشفت أيضا، أن نتانياهو، يهدف من زيارته لـ واشنطن، الحصول علي تعهد أمريكي، بإنهاء حماس. في حين تخشي عائلات الأسري، من نية نتانياهو، افشال اتفاق وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى. 

من جانب أخر، أكد مسئولون، إن هذا اللقاء سيكون بمثابة نقطة تحول حاسمة، في مسار المفاوضات. وقد يحدد مصير الاتفاق بشكل كامل. نتانياهو، أشار في وقت سابق، إلي أن هذا اللقاء سيكون الأول من نوعه بين ترامب وزعيم أجنبي، منذ تنصيبه. مما يعكس قوة التحالف بين إسرائيل وواشنطن. وأضاف أن هذه الصداقة والتعاون أسفر عن نتائج هامة لإسرائيل في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • ترحيل السودانيين من جنوب السودان والله شي عجيب!
  • الجيش السوداني يفرض حصارا على شرق النيل قبل توغله بالخرطوم
  • إبراهيم النجار يكتب: ترامب يحدد مصير نتنياهو!
  • اشتباكات في السفارة السودانية بجوبا بسبب أزمة وثائق السفر
  • وزير الخارجية السوداني "للوفد": الحرب في السودان علي وشك الانتهاء وجيشنا في طريقه لتحرير البلاد
  • وزير الخارجية السوداني: جيشنا في طريقة لتحرير الخرطوم وحسم الحرب
  • البراءة من الدماء ورفض الوحشية- الحرب السودانية وصراع المصالح
  • وزير الخارجية السوداني: بلدنا سيعود لما كان عليه بفضل دعم القيادة المصرية
  • نظرة اليهود العنصرية للعرب اشبه بنظرة بعض السودانيين لبعضهم البعض احتقار واقصاء (1)
  • فيلم «بعد ذلك لن يحدث شيء» للمخرج السوداني إبراهيم عمر: معالجة لظاهرة القلق في الدول العربية غير المستقرة