هكذا انعكست العقوبات على السجاد اليدوي الإيراني
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
طهران- "بعد أن تربّع طوال عقود على عرش المنسوجات اليدوية عالميا، واحتل المرتبة الثانية في قائمة أهم الصادرات الإيرانية بعد النفط، تظهر البيانات الرسمية تراجع صناعة السجاد اليدوي الإيراني"، بهذه العبارات يعبّر الحاج "علي رضا كاشاني" (66 عاما) صاحب أحد الأجنحة في معرض طهران للسجاد والصناعات اليدوية، عن حزنه "بسبب الفوضى التي حلّت بفخر الصناعة الفارسية"، وفق تعبيره.
ويستذكر الحاج كاشاني في حديثه للجزيرة نت، أنه ورث المهنة من أبيه، وطالما رمدت عيناه وقرحت جفونها؛ طوال العقود التي أفناها في حياكة السجاد، موضحا "بالرغم من أن سوق السجاد اليدوي يعاني انكماشا؛ فإنه لا يزال يمثّل تحفة الصناعات اليدوية، ويتمتع بشهرة كبيرة لدى شعوب العالم".
وعلى هامش معرض السجاد اليدوي الإيراني في دورته الـ30، الذي يقام سنويا في العشر الأواخر من شهر أغسطس/آب، في المقر الدائم للمعارض الدولية شمالي العاصمة طهران، يعتقد "عباس كلبايكاني" (44 عاما) خريج فرع "الغزل والنسيج"، أن السجاد الإيراني رمز للحضارة الفارسية، وأن الإقبال الواسع الذي يحظى به المعرض سنويا، يدل على أن هذا المنتج الشهير سيبقى عصيا على الانكسار والإزاحة من عرشه".
"تراجع صادرات المنسوجات اليدوية وانخفاض مبيعاتها في الداخل، لا يعني تراجع جودة هذا الفن التقليدي الطاعن في التاريخ"، وفق كلبايكاني الذي عزا السبب –في حديث للجزيرة نت- إلى تأثر السجاد اليدوي الإيراني بالعقوبات الأميركية من جهة، وتراجع القدرة الشرائية لدى الإيرانيين من جهة أخرى.
تاريخيا، يقول كلبايكاني، إن بلاد فارس كانت قد عرفت حياكة السجاد منذ الحقبة الأخمينية، وتحديدا في 539 قبل الميلاد، حيث فتح الملك كوروش بن كمبوجية مملكة بابل، وأتی بهذه الصناعة إلى البلاد، مضيفا أن مقبرة مؤسس الإمبراطورية الفارسية الأخمينية كوروش الكبير –الواقعة حاليا في مدينة باساركاد بمحافظة فارس جنوبي البلاد- كانت قد فُرشت بأجود السجاد اليدوي الإيراني.
أما في تاريخنا المعاصر، فإن "سجادة بازيريك" التي اكتشفت في 1949، خلال المرحلة الثانية من الحفريات الروسية بمنطقة بازيريك الواقعة في سيبيريا، تعدّ من أقدم السجاد اليدوي في العالم، ويعود تاريخ حياكتها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وتحتفظ بها موسكو في متحف "هيرميتاج" بمدينة سان بطرسبرغ.
وتذكر الدراسات الإيرانية أن السجاد اليدوي العجمي شق طريقه لأول مرة في القرن 19 الميلادي إلى القارة الأوروبية؛ حيث ازدهرت الصناعة في العصر الصفوي؛ لا سيما علی يد الملك شاه عباس الصفوي (1571- 1629)؛ الذي أمر بإنشاء أكبر مصنع للسجاد اليدوي في مدينة أصفهان وسط البلاد.
وواصل السجاد اليدوي الإيراني ازدهاره وتفوقه حتى قبل نحو عقدين؛ حيث بلغت حصته 45% من صادرات السلع غير النفطية بحلول 1995، وفق أحمد كريمي أصفهاني، رئيس نقابة مصدّري السجاد اليدوي، الذي أوضح –في تصريح صحفي- أن قيمة صادرات هذا القطاع بلغت حينها مليار و750 مليون دولار، في حين تراجعت مؤخرا إلى نحو 50 مليون دولار فقط.
في السياق، نشرت "وكالة أنباء فارس" المقربة من الحرس الثوري، تقريرا تحت عنوان "السجاد الإيراني يهوي من عرشه ويتراجع من المرتبة الأولى إلى الرابعة عالميا"، مؤكدة أن صادرات السجاد اليدوي انخفضت بنسبة 85% في الحجم، و90% في القيمة منذ 1999 حتى ربيع العام الإيراني الماضي.
واستنادا إلى بيانات منظمة الجمارك الإيرانية، يفيد التقرير أن حصة البلاد من صادرات السجاد اليدوي تراجعت إلى أقل من 1% من إجمالي صادرات السلع غير النفطية، وذلك بعد أن كانت قد سجلت أكثر من 17% منها بحلول 2000.
من ناحيتها، وجّهت فرحناز رافع، رئيسة المركز الوطني للسجاد الإيراني، أصابع الاتهام إلى العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية عقب انسحابها من الاتفاق النووي في 2018، مؤكدة أنه عقب تراجع صادرات السجاد اليدوي الإيراني في الأسواق العالمية بفعل العقوبات، أطاحت الهند بالصناعة الإيرانية واحتلت المرتبة الأولى.
وفي مؤتمرها الصحفي على هامش معرض طهران للسجاد اليدوي، تحدثت المسؤولة الإيرانية عن مبالغة في الأرقام المعلنة عن تراجع صادرات السجاد اليدوي، مؤكدة أن جزءا من صادرات بلادها من السجاد اليدوي يتم بشكل غير رسمي بسبب العقوبات المفروضة على هذا القطاع، ولا يدخل في الإحصاءات الرسمية.
وأشارت فرحناز، إلى أن السجاد اليدوي كان يتربع على المركز الأول في قائمة صادرات السلع الإيرانية غير النفطية، والمرتبة الثانية من صادرات البلاد بعد النفط حتى قبيل عودة العقوبات، حيث بلغت قيمة صادراته 700 مليون دولار، مضيفة أن الصين تعدّ أكبر مستورد للسجاد اليدوي الإيراني، وأن الولايات المتحدة الأميركية كانت تستورد ثلثي سجادها من إيران حتى قبل 2018.
من ناحيته، يلخّص أحد عظيم زاده، رئيس نقابة مصدري السجاد الإيراني بمدينة تبريز، أبرز أسباب تراجع صادرات السجاد اليدوي وفق التالي:
العقوبات الأميركية ما أدى إلى عرقلة المبادلات المالية، وحظر بعض الدول استيراد السجاد الإيراني. السياسيات الاقتصادية والمالية ومنها: تأرجح سعر الصرف، وضرورة إعادة العوائد وتحويلها إلى العملة الوطنية خلال فترة زمنية محددة. تراجع الدعم الحكومي لهذا القطاع، بما في ذلك إهمال الدعاية والتسويق داخليا وخارجيا.وفي حديثه للجزيرة نت، يرى عظيم زاده أن الحل يكمن في اتخاد السلطات الإيرانية دبلوماسية خاصة؛ لإيجاد حلول بديلة لتجاوز قضية المبادلات المالية، وإبطال مفعول الحظر الأميركي، والتسويق للسجاد اليدوي داخليا وخارجيا، إلى جانب تطوير الصناعة الإيرانية، والمحافظة على شهرتها العالمية لكي تبقى عصية على المنافسة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غیر النفطیة من صادرات
إقرأ أيضاً:
أسرة قبطية تُضيء رمضان بالفوانيس اليدوية في الإسكندرية: «نحن إخوة وأعيادنا واحدة»
وسط أجواء يملؤها التسامح والمحبة، تحوّل منزل أسرة قبطية في سيدي بشر بالإسكندرية إلى ورشة فنية لصناعة الفوانيس الرمضانية اليدوية على مدار 15 عامًا، في تقليد سنوي يعكس روح الإخاء والتعايش بين أبناء الوطن الواحد.
فن وإبداع بلمسة رمضانية
تقول رانيا نسيم، صاحبة الورشة، إن شغفها بالمشغولات اليدوية بدأ منذ الصغر، متأثرة بوالدتها التي غرست فيها حب الإبداع. ومنذ 15 عامًا، قررت تحويل منزلها إلى ورشة متخصصة في صناعة الفوانيس من خامات معاد تدويرها، معتمدةً على التصاميم التراثية والابتكارات الحديثة التي تضفي لمسة خاصة على زينة رمضان.
وتضيف أنها تبدأ العمل على الفوانيس والهدايا الرمضانية منذ منتصف شهر شعبان، حيث تبدع في تصميم عربات الفول، صانع الكنافة، مدفع رمضان، والمجسمات الرمضانية، مستخدمةً مهاراتها في الكروشيه، الحياكة، والتطريز، لتقديم هدايا رمضانية مميزة لجيرانها وأصدقائها المسلمين.
روح المحبة والتعايش
تؤكد رانيا أن صناعة الفوانيس ليست مجرد حرفة، بل هي رسالة محبة تشارك من خلالها فرحة الشهر الكريم مع الجميع، قائلة: "نحن إخوة وأعيادنا واحدة". وتشير إلى أن ابنها هذا العام يجسد شخصية المسحراتي في توزيعات رمضانية مبتكرة بجانب الفوانيس الخشبية ذات الأحجام المختلفة.
من جانبها، توضح فيبرونا، إحدى أفراد الأسرة، أن عملية تجهيز الفوانيس تبدأ مع حلول شهر شعبان، حيث يتوجهون إلى منطقة المنشية لشراء المواد الأولية مثل القماش، الكرتون، والخرز، لتصنيع فوانيس مزينة يدويًا، والتي تلقى رواجًا كبيرًا بين محبي المشغولات اليدوية.
وتضيف أنها لا تكتفي بصناعة الفوانيس، بل تشارك أيضًا في تجهيز السلال الرمضانية داخل الكلية، مشيرة إلى شعورها بالسعادة الغامرة عندما تحتفل بشهر رمضان مع أصدقائها المسلمين، وتشاركهم الأجواء الروحانية.
رمضان.. شهر يجمع الجميع
تُجسد هذه العائلة نموذجًا فريدًا للوحدة الوطنية، حيث أصبح منزلها قبلةً للراغبين في اقتناء فوانيس تحمل بصمةً تراثيةً ممزوجةً بالمحبة والتآخي، مؤكدةً أن رمضان ليس شهر صيام فقط، بل شهر تسامح ومحبة تجمع الجميع تحت سماء واحدة.