مأزق اللجنة العليا لتنظيم الإيرادات والنفقات العامة في ليبيا
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
ما أن صدر بيان اللجنة العليا لمتابعة وتنظيم الإيرادات والنفقات العامة للدولة الليبية والتي شكلها المجلس الرئاسي وضمت أعضاء يمثلون جبهتي النزاع في الغرب والشرق، حتى أعقبه بيان ممهور بأسماء أربع من أعضاء اللجنة العليا يمثلون الجبهة الشرقية تحفظوا فيه على ما ورد في بيان اللجنة الأم بخصوص الاتفاق حول إدارة البابين الثالث والرابع من أبواب الميزانية العامة.
وللتذكير فإن اللجنة تشكلت تحت ضغط جبهة طبرق ـ الرجمة ودعم أمريكي لموقفهما حيال استئثار حكومة الوحدة الوطنية في الغرب بتحصيل الإيرادات وتحديد أوجه إنفاقها، بعد أن اتجه تركيز جبهة طبرق ـ الرجمة إلى خيار الضغوط بوسائل عدة لتقاسم عوائد النفط إثر فشل البدائل العسكرية في فرض أمر واقع مختلف.
كان من المتوقع أن تتعثر اللجنة العليا ولا تصل إلى ما أعلنت عنه من أهداف والتي في حقيقتها لا تعكس مبتغى الأطراف المحتجة والساخطة، فالمسألة ليست متعلقة بالفساد وهدر المال، فالجميع يتورط في الفساد والهدر، ولا هي بخصوص الإدارة المثلى لموارد البلاد، فالدوافع سياسية والغاية هي الحصول على حصة من الإيرادات العامة، وبالتالي فإن النهج الفني المحاسبي الرقابي الذي اتبعته اللجنة العليا لا يلبي مطالب أطراف النزاع، وقد كان تخريجة لاحتواء مظهر جديد من الصراع، بعد أن فشلت المفاوضات بين الطرفين على تقاسم السلطة.
هناك تطور مهم قد يكون له انعكاسه على الجدل الذي ثار حول أعمال اللجنة العليا وبيانها الأخير والرد عليه من قبل أعضاء اللجنة عن جبهة الشرق، وهو الإعلان عن توحيد المصرف المركزي من قبل المحافظ الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي، فهذا التطور له دلالته التي لا تنفك عن أعمال اللجنة العليا والأزمة التي تواجهها الآن، ويمكن أن تُفهم استقالة مرعي البرعصي من عضوية اللجنة في هذا السياق.
لا يمكن فصل الإعلان عن توحيد المركزي الليبي عن ضغوط مارسها مجلس النواب وقيادة الجيش التابعة له بخصوص تحكم حكومة الوحدة الوطنية مسنودة من قبل المصرف المركزي طرابلس في الإيرادات وطرق صرفها، والتهديد بالتحرك إذا لزم الأمر.
من المحتمل جدا أن يلقي مسار توحيد المصرف المركزي بظلاله على آداء اللجنة العليا، وفي حال تقدم مسار توحيد المصرف وعمل تحت سلطة مجلس إدارته مجتمعا بانسجام ودون مشاكل فلن يكون هناك حاجة للجنة العليا، أما إذا تعثر مسار توحيد المركزي، وهو ووارد، فإن اللجنة ستكون ورقة الضغط حتى تتاح بدائل أفضل بالنسبة للجبهة المتحفظة على الوضع المالي الحالي والتي تطالب بحصة من عوائد النفط.هناك مؤشرات على تغيير في موقف المحافظ تجاه الصراع ومحركاته، بالمقابل، فإن جبهة الشرق تزحزحت عن موقفها المتعنت ضد المحافظ الحالي والذي صدر في حقه قرار إقالة العام 2016م وظلت رئاسة مجلس النواب والقيادة العسكرية التابعة له تناصبه العداء، لكن يبدو أن الموقف تغير، ويظهر ذلك في الخطاب الرسمي والمواقف على الأرض.
من المحتمل أن يكون للعامل الخارجي تأثيره على رأي المحافظ في التقارب مع جبهة الشرق والذي حظي بدعم أمريكي جعله يصمد أمام المواقف المتصلبة لطبرق والرجمة تجاهه، ولا تخطئ العين سياسة المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا، ريتشارد نورلاند، الذي يدفع بقوة لترتيب الوضع المالي بشكل ينزع فتيل التأزيم ويرضي طرفي النزاع، مع عدم استبعاد العامل الشخصي في التأثير على موقف الكبير من توحيد المصرف المركزي، فقد كان الخلاف على أشده بين المحافظ ونائبه السابق، علي الحبري، ويبدو أن الكبير رأى في إبعاد الحبري من قبل جبهة الشرق بادرة للتقارب فتماهى معها.
المصرف المركزي هو خزانة الدولة وثبت أن المركزي قادر على ممارسة رقابة وفرض قيود على إدارة المالية العامة للدولة خاصة تنفيذ قرارات الإنفاق العام التي تصدر عن الحكومة حتى صار المحافظ شخصية يخطب ودها الجميع بما في ذلك رؤساء الحكومات المتعاقبة، ومن غير المستبعد أن تراهن جبهة طبرق ـ الرجمة على هذا الخيار بعد سلسلة من الإخفاقات التي منيت بها البدئل الأخرى بدء بإقالة المحافظ مرورا بشن حرب على العاصمة وصولا إلى تغيير الحكومة. ومع التأكيد على أن الرهان على الحصول على التمويل الذي تطالب به جبهة الشرق غير مضمون النتائج، فلا أقل من أن تغل يد حكومة الوحدة الوطنية التي ينظر إليها بأنها تبني أمجادا وتكسب ومؤيدين للانتخابات القادمة عبر توظيف المال العام.
إذاً من المحتمل جدا أن يلقي مسار توحيد المصرف المركزي بظلاله على آداء اللجنة العليا، وفي حال تقدم مسار توحيد المصرف وعمل تحت سلطة مجلس إدارته مجتمعا بانسجام ودون مشاكل فلن يكون هناك حاجة للجنة العليا، أما إذا تعثر مسار توحيد المركزي، وهو ووارد، فإن اللجنة ستكون ورقة الضغط حتى تتاح بدائل أفضل بالنسبة للجبهة المتحفظة على الوضع المالي الحالي والتي تطالب بحصة من عوائد النفط.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ليبيا اقتصاد خلافات لجنة مالية مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة صحافة أفكار صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة توحید المصرف المرکزی اللجنة العلیا من قبل
إقرأ أيضاً:
بن زير: ليبيا أمام خيارين إما تسريع العملية السياسية أو مواجهة انفجار شعبي
أكد الدكتور رمضان بن زير أستاذ القانون الدولي والأمين العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي، أن الوضع السياسي المؤلم الذي تعيشه ليبيا في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخها هو بسب الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي والنهب المنظم لثروات البلاد بسبب غياب المساءلة القانونية والمواطن هو من يدفع الثمن.
جاء ذلك في مداخلة له في الندوة التي نظمها المنتدى العربي للتعدد الثقافي بالعاصمة البريطانية لندن حول المشهد السياسي والاقتصادي في ليبيا وبمشاركة مجموعة من الأكاديمين العرب والليبيين.
وأضاف د. بن زير أن التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن، الخميس الماضي، قد أشاد فيه بجهود اللجنة الاستشارية التي استمدت شرعيتها من الفقرة 2 والفقرة 5 من قرار مجلس الأمن رقم 2725 لسنة 2024 معتبرا عمل اللجنة عملية سياسية شاملة منها إنجاز قاعدة قانونية توافقية لإنجاز الانتخابات التشريعية والرئاسية والتي عجز عن إنجازها مجلسي النواب والدولة طيلة أكثر من عقد.
وتابع د. بن زير: “من هذا المنبر نشيد بعمل اللجنة الاستشارية واتشرف بمعرفة بعض منهم من شارك معنا في هذا المنتدى فهم قادرون بعون الله على إنجاز ما كلفوا به”.
وأشار إلى أن ليبيا في حاجة لحكومة تكنوقراط تبسط سيطرتها على كامل تراب الوطن وتعمل على إنجاز الانتخابات وتوحيد المؤسسات وإعادة هيكلية المؤسسات الأمنية والعسكرية على أسس وطنية.
واختتم د. بن زير كلمته بالقول: “الوقت لم يعد في صالح الوطن والمواطن.. بلادنا أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما تسريع العملية السياسية أو مواجهة انفجار شعبي بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب الشفافية وانتشار الفساد بشكل غير مسبوق.