مع وصول قطار الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلى الغابون، بعد أقل من شهر على انقلاب النيجر، تأكد فشل السياسات الغربية وفي القلب منها سياسات فرنسا صاحبة الحضور القوي في تلك الدول.

ويقول المحلل الفرنسي ليونيل لوران في تحليل نشرته وكالة "بلومبرغ" للأنباء إن "العواصم الغربية لم تشهد أحداثاً مفاجئة وخارجة عن سيطرتها منذ ثورات الربيع العربي في مطلع العقد الثاني من القرن الحالي، كما يحدث الآن في منطقة الساحل الغربي لإفريقيا حيث يتوالى سقوط أنظمة حكم كان يفترض أن قبضتها قوية، على أيدي ضباط شباب طموحين ويؤيدهم جيل جديد من الشباب الشاعر بخيبة آمل، بسبب عدم تحقق وعود الديمقراطية طوال العقود  الماضية، ليبدو الأمر وكأنه وباء كما وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".

وتكمن أهمية سقوط قطعة الدومينو الأحدث في المنطقة ممثلة في  الرئيس الغابوني المخلوع علي بونغو، في حقيقة أن عدم الاستقرار ينتقل إلى خارج منطقة الساحل الإفريقي. ففي منطقة الساحل أثار فشل المعركة المدعومة من فرنسا ضد الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، سخط السكان وشجع على الإطاحة بأنظمة الحكم في دول مثل مالي والنيجر عبر انقلابات عسكرية، وفتح الباب أمام تزايد نفوذ جماعة فاغنر الروسية المسلحة التي تقدم خدماتها للكثير من أنظمة الحكم في المنطقة.

It may be too late for Macron to brush away the cobwebs of old-school francafrique paternalism, writes @LionelRALaurent https://t.co/mmeyqqDWby via @opinion

— Bloomberg Africa (@BloombergAfrica) September 1, 2023

وربما كان فشل الغرب أو التجمعات الإقليمية الإفريقية مثل تكتل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، في إجهاض الانقلابات العسكرية وإعادة الحكم المدني إلى النيجر ومالي على سبيل المثال، هو ما شجع العسكريين في الغابون ليطيحوا بالرئيس علي بونغو الذي تحكم عائلته البلاد منذ أكثر من 55 عاماً، والتي كانت شريكاً في خدمة المصالح الفرنسية  في المنطقة على مدى سنوات طويلة.

وما يجعل انقلاب الغابون تطوراً محرجاً لفرنسا وحلفائها الأوروبيين الذين عقدوا اجتماعاً أول أمس الخميس، لبحث سبل الرد على انقلاب 30 يوليو (تموز) الماضي في النيجر، بما في ذلك إمكانية فرض عقوبات على نظام الحكم العسكري الجديد، هو أن بعض قطع الدومينو الأخرى ربما تنتظر السقوط.

وفي حين تحيا عائلة بونغو حياة مرفهة للغاية  بفضل الثروة النفطية الكبيرة التي تمتلكها الغابون،  يعيش نحو ثلث سكان البلاد بأقل من 7 دولارات يومياً للفرد بحسب بيانات البنك الدولي.

ويقول ليونيل لوران إن "السبب المباشر لانقلاب الغابون ليس انتشار الجماعات الإرهابية ولا الوجود العسكري الفرنسي في البلاد كما كان الحال في مالي والنيجر، وإنما إعلان فوز الرئيس بونغو بفترة حكم ثالثة في انتخابات متنازع على نتيجتها، وهو ما يمثل جزءاً من موجة (العهد الثالث)  في قارة يبلغ متوسط عمر سكانها 19 عاماً، في حين يبلغ متوسط عمر حكامها 63 عاماً".

#النيجر والغابون تخطّان نهاية النفوذ الفرنسي في الساحل الإفريقي https://t.co/Ant6fYev5k pic.twitter.com/d3p5JvkD4p

— 24.ae (@20fourMedia) August 31, 2023

ولهذا احتفى المواطنون في شوارع الغابون بالانقلاب وهو عمل غير ديمقراطي بطبيعته، لكن ينظر إليه باعتباره خلاص من حكم مستبد. وكما هو الحال في تاريخ فرنسا نفسها، يستفيد الجنرالات من  الفوضى السياسية والاقتصادية للاستيلاء على السلطة، كما يرى تيري فيركولون الباحث في مركز أبحاث "آي.إف.آر.آي" والذي يطلق على اللحظة الراهنة في إفريقيا "لحظة بونابرت".

وأما الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل فقال إن "الانقلابات العسكرية  ليست الحل، لكن لا يمكن أن ننسى الغابون أجرت قبل الانقلاب انتخابات كانت مليئة بكل المخالفات".

وكل هذا يفسر رد الفعل الغامض تجاه الغابون بعد النيجر. فباريس أدانت الانقلاب، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن دعت المجلس العسكري الذي استولى على السلطة إلى المحافظة على الحكم المدني. في الوقت نفسه يترقب الجميع قطعة الدومينو القادمة التي ستسقط في إفريقيا.

والكثير من القادة الأفارقة سيتلفتون حولهم بقلق، خوفاً من تكرار سيناريو النيجر والغابون. ففي الكاميرون قرر الرئيس بول بيا البالغ من العمر 90 عاماً والذي يحكم منذ 1982 تغيير العديد من قيادات الجيش. وتستعد السنغال التي أعلن رئيسها أنه لن يسعى لفترة حكم ثالثة، لإجراء انتخابات رئاسية  في العام المقبل.

ويقول ستيفاني جومبرت مدير إدارة إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية سابقاً إن: "هناك شعوراً حقيقياً بانتقال العدوى".

ويرى ليونيل لوران أن التعامل مع التطورات الأخيرة في القارة الإفريقية، يحتاج إلى لمسة دبلوماسية ماهرة مازالت مفقودة حتى الآن، حيث تراوحت ردود الأفعال على انقلاب النيجر ما بين التهديدات النارية بالتدخل العسكري ورفض إطلاق وصف الانقلاب على الانقلاب. 

انقلاب الغابون.. نكسة جديدة لفرنسا https://t.co/nR8OTQ8UgP pic.twitter.com/eibNRHkSFP

— 24.ae (@20fourMedia) August 31, 2023

وأدى تركيز فرنسا على تعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل والميل إلى "العمل كالمعتاد" مع القادة المستبدين، إلى فقدان نفوذها ومصداقيتها لدى شعوب تلك الدول، في الوقت الذي يدور فيه صراع أكبر بين الغرب من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية على  النفوذ في القارة الإفريقية الغنية بمواردها الطبيعية.

كما يجب تحقيق التوازن بين استخدام العقوبات الموجهة التي لا تعاقب الشعوب، كما حدث في عام 2011 عندما فرضت أوروبا قيوداً على نظام حكم جباجبو في كوت ديفوار، وبذل جهود مقنعة لتشجيع أي تحول ديمقراطي  نحو التعددية ووجود معارضة سياسية قوية.

والحقيقة أن الرئيس ماكرون حاول بشجاعة التخلص من إرث المدرسة الفرنسية القديمة، التي تعتمد على علاقة الرعاية الأبوية مع الدول الفرانكفونية في إفريقيا، من خلال قراراته تقليص الوجود العسكري الفرنسي في تلك الدول والسعي لإقامة علاقات اقتصادية أكثر توازناً، وغير ذلك.

وفي الأسبوع الماضي، قال ماكرون إنه "قال للدبلوماسيين الفرنسيين مازلنا نميل إلى الحديث فقط إلى العواصم الإفريقية ومن هم في السلطة... علينا إعادة الانخراط مع المجتمع المدني. ومع هؤلاء الذين في المعارضة". وهذا كلام جيد لكنه جاء متأخراً للغاية على حد قول ليونيل لوران.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني انقلاب الغابون فرنسا وسط إفريقيا انقلاب النيجر إيكواس منطقة الساحل فی إفریقیا

إقرأ أيضاً:

الرئيس التنفيذي لـ «فولكس فاجن» إفريقيا: الشركة مهتمة للغاية بدخول السوق المصرية

التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، على هامش اليوم الثاني لمؤتمر الاستثمار المصري-الأوروبي المشترك، مارتينا بينى، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن أفريقيا، لاستعراض خطط الشركة للعمل في السوق المصرية.

حضر اللقاء كل من الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ووليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأيمن سليمان، الرئيس التنفيذي لصندوق مصر السيادي، وأولريش شوابى، رئيس قطاع الإنتاج بشركة فولكس فاجن أفريقيا، والمهندس كريم سامي سعد، رئيس مجلس إدارة شركة شرق بورسعيد للتنمية، والدكتور أحمد فكري عبد الوهاب، نائب رئيس مجلس الإدارة، والمهندس حسام عبد العزيز، عضو مجلس الإدارة.

واستهل رئيس الوزراء الاجتماع، بالتأكيد على الأهمية الكبيرة التي توليها الدولة المصرية لملف توطين صناعة السيارات في مصر، مشيرًا في هذا الصدد إلى الإجراءات التي تم اتخاذها على مدار الفترة الماضية للنهوض بهذه الصناعة، ومن ذلك إطلاق استراتيجية تطوير صناعة السيارات، وسن تشريع يتضمن المزيد من الحوافز لشركات تصنيع وتجميع السيارات، كما تم تدشين مناطق صناعية متخصصة في مجال صناعة السيارات مثل منطقة شرق بورسعيد.

وقال رئيس الوزراء: من أجل ذلك لدينا خطة لجذب كبريات الشركات العالمية في قطاع صناعة السيارات للعمل في مصر، ووقعنا بالفعل العديد من الاتفاقيات مع هذه الشركات، مشيرًا إلى أن شركة فولكس فاجن هي إحدى هذه الشركات التي نتطلع إلى تعزيز التعاون معها وبناء شراكة استراتيجية معها.

مدبولي يلتقي الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن

بدورها، أشارت مارتينا بينى، الرئيس التنفيذي لشركة فولكس فاجن أفريقيا، إلى أن الشركة مهتمة للغاية بدخول السوق المصرية، مشيرة إلى أن الشركة على مدار الفترة الماضية زارت عددًا من المواقع مثل المنطقة الصناعية شرق بورسعيد، للاطلاع على قدرات البنية التحتية بها، في ظل ما تدرسه الشركة من البدء في التصنيع في مصر.

وقالت إن مجموعة فولكس فاجن أفريقيا توسّع تعاونها مع الجهات الممثلة للحكومة المصرية وشركة شرق بورسعيد للتنمية الرئيسية، من خلال توقيع اتفاقية جديدة، لإعداد دراسة جدوى لبناء واستغلال مباني لحام هياكل السيارات وخط التجميع، والتي من المخطط أن تكون بمنطقة صناعة السيارات بالمنطقة الصناعية بشرق بورسعيد.

وأضافت أن هذا يأتي استكمالًا للفهم المتبادل الذي تحقق بموجب الاتفاقية الموقعة في نوفمبر 2023 للعمل المشترك على إعداد دراسة جدوى لإنشاء مجمع مشترك لطلاء السيارات بمنطقة شرق بورسعيد الصناعية لصناعة السيارات(EPAZ)، حيث وضعت تلك الاتفاقية الأساس للجهود المشتركة والتي تهدف إلى تعميق وتوطين صناعة السيارات في مصر من خلال مجمع صناعي مشترك، وقد أكد ذلك التزام الحكومة المصرية بتعزيز صناعة السيارات محلياً، حيث تم في يونيو 2022، إعلان الحكومة المصرية عن إطلاق برنامج لتطوير صناعة السيارات، والذي يهدف إلى تعزيز القيمة المحلية المضافة، وزيادة حجم إنتاج السيارات، وتعزيز وجذب الاستثمارات الجديدة، وتحسين معايير الانبعاثات في قطاع السيارات.

بدوره، استعرض وليد جمال الدين، رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، جاهزية البنية التحتية بمنطقة شرق بورسعيد لاستقبال الاستثمارات الخاصة بتصنيع وتجميع السيارات بالمنطقة، مشيرًا إلى أن العديد من شركات السيارات العالمية زارت المنطقة وأبدت استعدادها للتعاون والعمل في المنطقة، وقد حظيت البنية التحتية بالمنطقة بإشادة مهمة منها.

اقرأ أيضاًمدبولي: تحقيق استقرار مصر أمر غاية في الأهمية وسط الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة

مدبولي: اتخذنا العديد من الإجراءات الإصلاحية الجادة أبرزها استقرار سعر صرف النقد الأجنبي

مدبولي: مصر تمسكت بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي رغم التحديات العالمية

مقالات مشابهة

  • تايمز: في أفريقيا بأكملها قنبلة الاضطرابات توشك على الانفجار
  • المملكة المتحدة تعارض إعلان إسرائيل شرعنة خمس بؤر استيطانية في الضفة الغربية
  • الرئيس التنفيذي لـ «فولكس فاجن» إفريقيا: الشركة مهتمة للغاية بدخول السوق المصرية
  • لماذا يجب علينا اليوم الاهتمام بالسياسات العامة؟
  • مصر تدين إعلان إسرائيل شرعنة 5 مواقع استيطانية في الضفة الغربية
  • إدانات عربية للقرارات الإسرائيلية في الضفة الغربية ووصفها بـ "انقلاب كامل"
  • المجلس الأوروبي يدين إعلان الاحتلال بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية
  • المجلس الأوروبي يدين إعلان إسرائيل بناء مستوطنات جديدة بالضفة الغربية
  • أبو الغيط يدين القرارات الإسرائيلية في الضفة الغربية ويصفها بـ"انقلاب كامل على أوسلو"
  • أبو الغيط يدين القرارات الإسرائيلية في الضفة الغربية ويصفها بـ "انقلاب كامل على أوسلو"