عربي21:
2025-03-12@10:25:48 GMT

الكورونا خيار وغيرها فقوس*

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

أثبتت حملات مكافحة فيروس كوفيد 19 المسبب لمرض الكورونا، أن التضامن الأممي كفيل باجتثاث الكثير من العلل، فقد سطر بنو البشر على اختلاف أجناسهم وسحناتهم ومِللِهم ونِحلِهم، ملحمة بطولية دامت عامين، ونجحوا في تحجيم أخطر جائحة تعرضت لها مختلف الشعوب في التاريخ الحديث، وعلى غير العادة، مدت الدول الغنية يد العون السخية للبلدان الفقيرة، وزودتها بالأمصال الواقية من الفيروس، ولم يدفعها لذلك الحس الإنساني، بل إدراك أن الفيروس عابر للحدود برا وبحرا وجوا بدون فيزا، وطالما هو نشط في بقعة ما، ستظل باقي بقاع العالم مرشحة للاجتياح، وفوق هذا كله فقد أفادت الكثير من الدول الغنية من حملة مكافحة الكورونا.



بنهاية عام 2021 كانت شركة فايزر الأمريكية قد سيطرت على معظم سوق لقاح كورونا، الذي باعت الجرعة الواحدة منه بعشرة دولارات أمريكية، وارتفعت إيراداتها السنوية في تلك السنة إلى أكثر من 81 مليار دولار، منها 36.8 مليار دولار من لقاحات كورونا. ثم بلغت عائدات خزائنها من اللقاح وعقاقير علاج الكورونا في عام 2022 أكثر من خمسين مليار دولار، بينما جنت شركة استرا زينيكا البريطانية أكثر من 13 مليار دولار من مبيعات اللقاح.

بعد حملات دولية مكثفة قام بدور المنسق فيها هيئة الصحة العالمية، كاد فيروس كوفيد 19 أن يصبح نسيا منسيا، وصار ما بقي منه قيد التداول شديد الهشاشة، ولا يختلف كثيرا في أعراضه وعواقبه عن الأنفلونزا العادية، ولكن عللا لا تقل فتكا عن الكورونا لا تزال تجتاح أقساما كبيرة من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، دون أن تأبه لها الدول الغنية، بل إن هذه الدول هي من تسبب في تفاقمها واتساع رقاعها.

بعد حملات دولية مكثفة قام بدور المنسق فيها هيئة الصحة العالمية، كاد فيروس كوفيد 19 أن يصبح نسيا منسيا، وصار ما بقي منه قيد التداول شديد الهشاشة، ولا يختلف كثيرا في أعراضه وعواقبه عن الأنفلونزا العادية، ولكن عللا لا تقل فتكا عن الكورونا لا تزال تجتاح أقساما كبيرة من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، دون أن تأبه لها الدول الغنية..فالملاريا التي يتسبب فيها الناموس أصابت في عام 2021 وحده أكثر من 247 مليون شخص في المناطق المدارية، وفي أفريقيا وحدها يموت بضعة آلاف يوميا بسبب طفيل الملاريا، فنحو 95% من المجموع العالمي لحالات الإصابة بالملاريا، وما نسبته 96% من الوفيات الناجمة عنها تحدث في أفريقيا، حيث يمثّل الأطفال دون سن الخامسة نحو 80٪ من مجموع الوفيات الناجمة عن الملاريا، ومع هذا الوضع المأساوي لم تحرك شركات صنع الأدوية الغربية ساكنا للتوصل إلى مصل يقي من الملاريا، ولكنها لا تقصر في اختراع عقاقير تعالج المرض أو تخفف وطأته، وتعمل بهمة ودأب على رصد الطفرات التي تطرأ على الطفيل المسبب للملاريا، كي تواكب ذلك بإصدار العقاقير اللازمة لقمعه، وهكذا فان تفشي الملاريا يعود ب"الخير" على شركات تصنيع الأدوية، ولهذا ما إن تم التوصل إلى وسيلة لإصابة أنثى البعوض وهي الناقل للملاريا بالعقم، حتى أقامت تلك الشركات مأتما وعويلا على "البيئة".

وأس العلل العضوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية هو الفقر، وجاء في تقرير للأمم المتحدة أن عامي 2020  و2021 شهدا، وبسبب متطلبات مكافحة الكورونا، دخول 165 مليون شخص في دائرة الفقر من مختلف دول العالم، حيث إن دخل الفرد منهم تدنى إلى ما دون الأربعة دولارات يوميا، ويعرِّف البنك الدولي الفقر على أنه حيث ينخفض دخل الفرد عن 600 دولار أمريكي سنوياً، ويقول إن هناك 45 دولة يتفشى فيها الفقر وبائيا معظمها في أفريقيا، منها 15 دولة يقل فيها متوسط دخل الفرد عن 300 دولار سنويا. وحتى في دولة غنية مثل الولايات المتحدة هناك 30 مليون فرد (أي 15% من السكـان) يعيشون تحـت خط الفقـر في الولايات المتحدة الأمريكية، أخذا في الاعتبار أن معايير الفقر في السودان مثلا تختلف عن معاييره عند الأمريكان.

ما يزيد حالات الفقر تفاقما وفق تقرير آخر للأمم المتحدة، هو أن 3.3 مليارات شخص، أي نحو نصف سكان العالم، يعيشون في بلدان تنفق في تسديد فوائد الدين مبالغ أكبر من تلك التي تنفقها على التعليم أو الصحة. ولم تجد المنظمة الدولية سبيلا لعون هذه الثلاثة مليارات ونيف من البشر، سوى نصح حكوماتها بتأجيل سداد ديونها الخارجية.

عندما استشرت متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) في الولايات المتحدة، وصار ضحاياها يتساقطون موتى، هرعت شركات الأدوية الأمريكية لاختراع عقاقير تمنع اشتداد وطأة المرض ونجحت في ذلك، وعندما كادت المتلازمة أن تتحول إلى وباء في جمهورية جنوب أفريقيا، اضطرت حكومتها إلى إعطاء شركات الأدوية المحلية تصريحا باستنساخ تلك العقاقير، في تحد لحقوق الاختراع لمنتجيها الأصليين الذين ارتفعت عقيرتهم بالاحتجاج، ولكن جنوب أفريقيا لم تأبه لهم وواصلت إنتاج عقاقير الأيدز محليا، وفعلت الأرجنتين أمرا مشابها في عام 2000 عندما تكاثرت عليها الديون، فامتنعت عن السداد تماما طوال خمس سنوات، حتى أرغمت الدائنين على إلغاء بعضها، وإعادة جدولة البعض الآخر.

****

*الفقوس نوعٌ من القثاء، يشبه الخيار شكلاً، إلا إن الناس ظلوا يفضلون الخيار عليه، وتستخدم عبارة "خيار وفقوس" للإشارة إلى أن هناك تفريقاً ما، غير منصف، بين شخصين أو جماعتين أو أمرين بتفضيل واحد على الآخر على ما في ذلك من ظلم للآخر الذي تم إهماله، وهكذا كانت الكورونا هي الخيار (بمعنى صنف الخضار، وبمعنى ما وقع عليه الاختيار)، الذي حظي بالاهتمام، وتم إهمال فقوس الملاريا والفقر والإيبولا وغيرها، لأنها علل الدول النامية وشبه النامية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العالم العالم مواقف رأي أوبئة مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة صحافة أفكار صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول الغنیة ملیار دولار أکثر من

إقرأ أيضاً:

شيءٌ من المجاملة على الأقل!

انتهت القمة العربية غير العادية، التي استضافتها القاهرة في الرابع من مارس الجاري، بمشاركة كل الدول العربية، وهي القمة التي خُصصت للرد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٢٥ من يناير الماضي، عن ضم غزة وضرورة تهجير الفلسطينيين منها إلى مصر والأردن، وأن الولايات المتحدة ستقوم بالسيطرة على غزة وتحويلها إلى منتجع سياحي، يعود ريعه بالنفع على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في إشارة واضحة إلى عدم احترام القانون الدولي أو المواثيق والعهود الدولية، وتعد جريمة تطهير عرقي، أي جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة (٧) من ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، توجب محاسبة مرتكبيها.

انتهت القمة، التي تم التجييش لها إعلاميًا بطريقة غير مسبوقة، وذلك لخطورة وأهمية المشهد الخاص بفلسطين وغزة تحديدًا، وتأثير هذا المشهد على السيادة الوطنية لكل من مصر والأردن، باعتماد الخطة المقدمة من جمهورية مصر العربية «التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة»، بالتنسيق مع دولة فلسطين والدول العربية.

وتتكون الخطة من ٩٠ صفحة، حيث تشمل الوضع السياسي والأمني والوضع الإنساني والاقتصادي، وتوضح منهجية ونطاق وأهداف الخطة، وكذلك تقييم الأضرار والخسائر والاحتياجات، وتوضيح آلية التنفيذ، ابتداء من الإسكان المؤقت وتحديد المدى الزمني للتنفيذ، وكذلك الاحتياجات التمويلية ومصادر التمويل، المقدرة بـ ٥٣ مليار دولار، خلال مدة زمنية قدرها ٥ سنوات، باعتبارها خطة عربية جامعة. واستندت هذه الخطة إلى الدراسات التي أجراها البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة.

لم تمر دقائق على انتهاء هذه القمة وإصدار البيان الختامي، والذي ركز كالعادة على عبارة العرب الشهيرة «على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته» ـ وكأن العرب ليسوا جزءا من المجتمع الدولي ويتحملون جزءا من هذه المسؤوليات ـ واعتماد هذه الخطة، حتى أعلن الكيان الصهيوني - من خلال وزارة خارجيته - رفضه مخرجات وقرارات القمة العربية، ومن ضمنها خطة الإعمار هذه. وبعدها بدقائق معدودات، أعلن الرئيس الأمريكي رفضه لهذه الخطة، وتمسكه بمقترحه الهادف إلى تهجير سكان قطاع غزة، مما أفسد على العرب قمتهم وفرحتهم بهذا الإنجاز النظري.

وإن كان مفهومًا أن الكيان الصهيوني متخصص في التنغيص على الفلسطينيين والعرب، وهذا شيء طبيعي لكونه كيان مجرم وخارج عن الفطرة السوية للبشر، إلا أن المفاجأة، أن الحليف الأكبر والاستراتيجي للدول العربية - الولايات المتحدة -، والتي تتغنى هذه الدول وعلى مدى عقود بخصوصية هذه العلاقة، لكونها علاقة بين حلفاء تربطهم مصالح مشتركة. حيث لم تشفع المصالح المشتركة هذه للعرب، وأعلنت الولايات المتحدة بوضوح، كما أسلفنا، أنها ترفض الخطة - مع أنها خطة متكاملة وهناك جهد واضح في الإعداد لها. بمعنى أن الولايات المتحدة لا تنظر للعرب النظرة الواجبة من الاحترام والحرص على هذه المصالح، وذلك لسبب واضح، أنها لم تر من هذه الدول - على ما يبدو - أي رأي يخالف رأيها.

بل طاعة تامة لكل ما يصدر من واشنطن، إلا موضوع التهجير هذا، لأنه إن تم، فسيكون نهاية حقيقية للنظام الرسمي العربي، وسيضع حكومات الدول المعنية، في مأزق حقيقي تاريخي أمام شعوبها قد لا تحمد عواقبه. وبالرغم أن البيان الختامي لهذه القمة بدأ في فقرته الأولى بخطاب تطبيعي، فيه الكثير من الخنوع والضعف واستجداء هذا التطبيع، في انفصام واضح عن حقيقية ما جرى من مجازر وإبادة جماعية، قام بها هذا الكيان الصهيوني المجرم.

وبمعاونة ودعم واضح من الولايات المتحدة الأمريكية، عسكريًا واستخباراتيا واقتصاديا. كانت نتيجتها أكثر من ١٦٠ ألف فلسطيني بين قتيل وجريح - ٧٠٪ منهم من النساء والأطفال والعزل -، و١٤ ألف مفقود، وتدمير ١٧٠ ألف مبنى، وكل الجامعات والمدارس والمستشفيات والمنشآت الرسمية -تقريبا. كذلك خلفت هذه المجازر الوحشية وراءها ٤٠ ألف طفل فلسطيني يتيم.

كل هذه الخسائر في الأرواح ليس لها قيمة - كما يبدو - عند العرب، ولا زالوا ينادون بالتطبيع، ويرددون نفس العبارة منذ مارس عام ٢٠٠٢م. عندما قدموا «مبادرة السلام العربية» في قمة بيروت، التي تهدف إلى تطبيع تام بين الدول العربية وإسرائيل، مقابل إقامة دولة فلسطينية. ولم تقم إسرائيل بالرد على هذه المبادرة حتى الآن، وفضلت القيام بعملية تطبيع ثنائي وليس جماعي مع الدول العربية، حتى لا تقوم بتنفيذ هذه الرغبة، حيث لم تلزمها اتفاقيات التطبيع الثنائية هذه بتقديم أي شيء للعرب تجاه القضية الفلسطينية.

لقد راعت القمة العربية مشاعر مجرم الحرب نتنياهو، فلم تتم الإشارة إليه كمجرم حرب مطلوب لدى العدالة الجنائية الدولية، تسبب في كل هذا الدمار البشري والمادي الهائل، ولم يطلب منه كذلك حتى المشاركة في التعويض المالي لخطة الإعمار هذه. وكذلك تمت الإشادة في أكثر من موقع في البيان الختامي بالولايات المتحدة، وهي التي تسببت من خلال وكيلها في الشرق الأوسط - الكيان الصهيوني المحتل - بكل هذه المأساة.

فلم يجامل مجرم الحرب نتنياهو أصدقاءه العرب، وبالمثل فعل ترامب. فهل بعد هذا التصرف يعتقد البعض أن للعرب مكانة أو تقديرا على الساحة الدولية، وهم - بالرغم من قوتهم - لم يستطيعوا منذ بداية شهر رمضان الفضيل إدخال عبوة ماء واحدة، لأشقائهم الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة، وهم مقبلون على مجاعة قاتلة.

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة، ولغة الخطاب الأمريكي فيها، أن لا مكان للضعيف في هذا العالم، وأن لغة الدبلوماسية والعبارات المنمقة قد ولى زمانها، وأن التاريخ سيحاسب أبناء هذا الجيل من العرب، على ضعفهم «المتعمد» هذا، ووقوفهم موقف المتفرج تجاه قضيتهم التاريخية العادلة وهي القضية الفلسطينية.

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية.

مقالات مشابهة

  • شيءٌ من المجاملة على الأقل!
  • تيك توك بين خيار البيع وتهديد الحظر
  • تيك توك بين خيار البيع وتهديد الحظر.. الصراع يشتد
  • «الأغذية العالمي»: 620 مليون دولار لمواصلة دعم النازحين غرب ووسط أفريقيا
  • مصدر إيراني لـبغداد اليوم: خيار واحد أمام ترامب لاستئناف المفاوضات النووية
  • برنامج الأغذية العالمي يدعو لتمويل عاجل للمساعدات في أفريقيا
  • قفزة للواردات المصرية رغم قيود الاستيراد
  • قفزة للواردات المصرية رغم قيود الإستيراد
  • الإفطار بالماء.. رمضان يحل على اليمنيين وسط أزمات غير مسبوقة
  • الملاريا تهدد إفريقيا بسبب قرارات ترامب