أثير- عبدالرزّاق الربيعي

في آخر زيارة للشاعر الكبير الراحل كريم العراقي لمسقط، حضرت معه دعوة أقامتها نخبة من الأطباء العراقيين المقيميين في سلطنة عمان، وبينما كان الجميع منشرحا، ومنطلقا مع الشعر والموسيقى والغناء وكلمات الثناء والترحيب، والمحبّة، تعكّر مزاج الشاعر الضيف فجأة، وأطرق برأسه، لاحظتُ هذا التحوّل المفاجئ في المزاج، وكنت أجلس إلى جواره، فقلت له:
-أبا ضفاف، ما بك؟ هل حدث شيء أزعجك؟
أجابني بانفعال” شلون قهر! بعد خمسين سنة، نصير تحت التراب، ويجي ناس غيرنا يجلسون بهذا المكان؟ ”
كان سؤالا صادما، جاء في غير أوانه، فقد كنّا في قمّة المرح، والسعادة، فما الذي جعل شبح الموت، ومآل البشرية، والمصير المحتوم، تقف أمام عينيه فجأة؟ أهو إحساس الشاعر المرهف بالحقائق الحتمية الكبرى التي لا يستطيع تجاهلها حتى وهو في أقصى لحظات الفرح؟
وبالطبع، كان عليّ واجب إخراجه من هذه الدوامة من الأفكار السوداوية التي تداهم الشعراء والمفكرين في الأوقات غير المناسبة، فقلت له” والله أنت متفائل، خمسون سنة؟ هذا إذا كنا محظوظين، ربما أقلّ من ذلك بكثير”
فقال بروحه المرحة ” خويه أبو دجلة على كيفك وياي، اشبيك عليّه؟ يعني لازم تطيّنهه؟”، واستغرقنا بضحكة طويلة أعادتنا إلى الأجواء اللطيفة، هكذا كان كريم العراقي، مجبولا من ألم دفين، يبحث عن منطقة رخوة، ليطلّ برأسه، ربّما يعود ،هذا الألم، بالإضافة إلى آلام الشاعر الكونية، وأسئلة الوجود، إلى سنوات النشأة البائسة التي تطرّق إليها في روايته (الشاكريّة) وهي أقرب ما تكون إلى رواية سيرة ذاتيّة، والظروف التي مرّ بها في حياته، من دخوله في نفق السياسة المظلم، بعد أن استثمرت جهة معيّنة نجاحه المبكّر، فجرفه التيّار وكانت النتيجة تعرّضه للاعتقال:
دم شعبي فوك الجسر
باني لي غرفة عرس
يالله شبقه؟ هلهلو
درب الجسر للشمس
صافح جسرنا السما
وتلاكه باجر بامس
في ذلك المعتقل كتب قصيدته “يا أمي يا أم الوفه” التي غنّاها المطرب سعدون جابر، وليس في ملعب الشعب الدولي، كما يروي المطرب، وأكثر ما كان يؤلمه اكتشافه في المعتقل أنّ مسؤولين في الجهة التي انتمى إليها وشوا به، وكانت النتيجة الحكم عليه ورفاقه بالإعدام:
خدّي بحلاة الخبز
والدم شتل حنطه
يا وجهي ردّ اللهب
دخان للشرطة
زيدولي نار وحطب
خل اصعد ويا الريح
دم والهتاف انجمع
تسبيح اجه تسبيح
يابويه جن الشعب
طاح السما وما يطيح
لكن لطف الله أنقذه من موت محقّق، فيما نفّذ الحكم برفاقه، وهذه حكاية لا مجال لذكرها في هذا المقال التأبيني، وبعد خروجه من المعتقل تخلّت تلك الجهة عنه، كما جرى تماما مع الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب:
بهيجه يا بهيجه
رديلي خيطي ثوبي
واكعد بفي ابّيتنه
وألكه خبزتي وكوبي
تعبان يابهيجه
عطشان يا بهيجه
وكان يحدّثني عن تلك المرحلة بمرارة شديدة، مدافة بسخريته المعهودة، ولسان حاله يردّد بيت طرفة بن العبد:
إلى أن تحامتني العشيرة كلّها
وأفردت إفراد البعير المعبّد
ثمّ عاش حياة غير مستقرّة اجتماعيا، بعد انفصاله عن زوجته الأولى (الفنانة حميدة العربي)، وحرمانه من ابنته ( ضفاف) التي تعيش مع أمّها في لندن، وذات يوم أقامت لي مؤسسة (الحوار الإنساني) أمسية شعريّة في لندن وبعد عودتي لمسقط تلقيت رسالة طويلة عبر بريدي الإلكتروني من ابنته (ضفاف) تعبّر بها عن أسفها، لأنها حضرت في اليوم التالي للأمسية، لخطأ حصل عند نشر الإعلان، وكانت تودّ حضورها واللقاء باعتباري من أصدقاء والدها المقرّبين، فنقلت الرسالة لوالدها، فتألّم كثيرا، فقد كان متعلّقا بها، لكنّ الظروف المحيطة بهما تمنعهما من التواصل، ورغم أنه تزوّج ثانية وأنجب ولدا وبنتا، لكنّه لم يهنأ بحياة أسرية مستقرّة كونه عاش سنوات عديدة بعيدا عن أسرته، بسبب ارتباطاته بأعمال فنية في دبي، بينما كانت الأسرة تقيم في السويد، وحين التحقت به أسرته، كان المرض قد بدأ يسري في جسده، وعندما كنت أتواصل معه غالبا ما كان وحيدا، لكنه كان متشبّثا بالأمل، مغالبا الألم، مواصلا الكتابة:
ضاقت عليّ كأنها تابوتُ
لكنما يأبى الرجاء يموت
والصبر يعرف من أنا منذ الصبا
وشم له في أضلعي منحوت
فقد كان شعاره الدائم الذي جعله متشبّثا بالحياة ، مغالبا أوجاعه، وشراسة المرض قوله بقصيدته ( رحّال) التي غنّاها كاظم الساهر في مقدّمة مسلسل( المسافر) :
” أوكع وأصيح :الله
وانهض من جديد”
ورغم كل النجاحات التي حصدها إلا أن الكثير من الأعمال التي كتبها، وكان غزير النتاج لا يتوقف عن الكتابة حتى الأسابيع الأخيرة قبل رحيله، لم تر النور لأسباب شتى، وأبرزها أوبريت (أنا ابن كلكامش) الذي كتبه بطلب من المطرب كاظم الساهر، لكنه أجّل تنفيذه، بحثا عن منتج، وربما خطّط الساهر بأن يكون نهاية مشواره الغنائي، والوقت لم يحن بعد، فالساهر في عزّ عطائه، ونجوميّته، ولم تنفع محاولات الشاعر الراحل بحثّ الساهر على تنفيذه، وفي عام 2013م توافق وجود الشاعر كريم العراقي في مسقط في الوقت نفسه الذي دعت دار الأوبرا السلطانية مسقط، الساهر لإحياء ثلاث حفلات فيها، فوجدها الشاعر فرصة للقاء به، بعد انقطاع، وذهبتُ معه إلى فندق (حياة مسقط) لإلقاء التحيّة على الساهر الذي كان يقيم في جناح، وجلسنا مع الساهر، وحين تحدّثا عن ذكرياتهما المشتركة في مطلع التسعينيات عندما كانا يقيمان في بيروت وعمّان، استأذنت، لأتيح لهما المجال للحديث في الخصوصيّات والمشاريع وأهمها مصير الأوبريت الذي كان الهدف الأول من اللقاء، ومضيتُ وبعد خروج الشاعر كريم من لقائه بالساهر، كلّمني، وكان محبطا، لكونه لم يحصل على وعد منه بإنتاج الأوبريت، هذا التأجيل يعني المزيد من تأخير مستحقّاته كمؤلّف له، وخلال سنوات مرضه الأربع، اجتمعا في دبي، كما قال لي، وكان المرض قد استفحل بجسده الذي صار نحيفا، وفقد أجزاء من أعضائه في العمليات الكثيرة التي أجراها له الأطباء في المستشفى في (أبو ظبي)، وبان التعب عليه، واتّفقا على تحويل الأوبريت إلى فيلم سينمائي، فعكف على الكتابة، وهو في أشدّ حالات مرضه، لكنّ الفيلم لم ير النور إلى اليوم، وحين التقيت المطرب كاظم الساهر في كواليس دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السلطانية مسقط قبل بدء الحفل الذي أقامه فيها العام الماضي سألته عن المشروع، فأجاب: لم يحن الوقت بعد!
ورغم آلامه، كان الراحل كريم العراقي، مبتسما، لطيف المعشر، في غاية التواضع، والإحساس، والإنسانيّة، رغم أنه كان نجما، ونجوميّته تضاهي المطربين، ومن النادر أن يحقّق الشاعر نجوميّة في مجتمعاتنا العربيّة، وكثيرا ما كان يقاطع جلساتنا أينما حلّ شباب يطلبون التقاط صور تذكاريّة معه، ومن الطرائف أننا خرجنا ذات يوم من دار الأوبرا السلطانية، بعد حفل المطرب كاظم الساهر، وكان قد تزاحم الجمهور عليه، مثلما تزاحم على حفل الساهر، فخرجنا بصعوبة، متوجّهين إلى أحد المطعم، فاشترطت عليه أن نطلب وجبة طعام (سفري)، تجنّبا للمعجبين، فوافق، وحين جلب عامل المطعم الوجبة، إلى السيارة التي تقلّنا، وكان مصريّ الجنسيّة، تفحّص وجه كريم العراقي، وصاح: الله! ايه النور ده، كريم العراقي؟ ممكن اتصوّر معك؟ ”
فالتفت لي كريم ضاحكا، وقال:” شفت شلون أبو دجلة؟ هاي ما لي علاقة بيهه؟ وين أضم روحي بعد؟”
وكان كريما معه، كما هو الحال مع جميع من يقابله، فالمحبة كانت عنوان إقامته الدائم، رغم كل ّ ما مرّت به من صعوبات وانتكاسات:
عواصف الحقد إن سحقت مزارعنا
فنخلة الحب أرست جذرها فينا
يخبّئ أحزانه، بالسخرية، والمرح، حنونا، وفيّا لأصدقائه، حتى أصدقاء الدراسة، وذات يوم تواصل مع أخي الأكبر د.

حاتم الربيعي، وكان صديق دراسة له، ليسأله عن صديق مشترك، لا يربطه به سوى المقعد الدراسي، وذكريات سنوات الدراسة في ثانوية (قتيبة)، في الوقت الذي كانت عجلة الحياة اليومية قد محت ذاكرة ذلك الصديق !، لكنّ طبقات حزن الشاعر العراقي التي تكلّست في وجدانه، كانت تبحث عن منفذ، لتخرج، على هيئة قصيدة، أو أغنية أو سؤال إشكالي، كالسؤال الذي دار برأسه في تلك الليلة، ولم يكن قد اقتطع من الخمسين سنة التي كان قد خمّن أن يمضي بعدها إلى التراب سوى سنوات قليلة!!

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: کریم العراقی کاظم الساهر ما کان

إقرأ أيضاً:

من«الشعانين»إلى «القيامة»... قصة أسبوع يعيشه الأقباط حدادًا على آلام المسيح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يستعد الأقباط الأرثوذكس لبدء أقدس وأكثر الأيام الروحانية في الفكر الكنسي، حيث يبدأون أيام البصخة المقدسة أو "أسبوع الآلام"، وهو الأسبوع الثامن والأخير من الصوم الكبير، ويبدأ الأسبوع بأحد الشعانين "السعف" وينتهي باحتفالات عيد القيامة أو عيد الفصح المسيحي.

تحظى هذه الأيام بمكانة خاصة في قلوب مسيحيي مصر والعالم، لكونها تحمل في طياتها الفصل الأخير من قصة فداء البشرية من الخطية الأولى في المعتقد المسيحي، وتنفرد الكنيسة القبطية في هذه الأيام المقدسة بطقوس استثنائية تعبّر عن الحزن والتأمل العميق في آلام السيد المسيح.

تتحول كل كنائس مصر خلال هذه الأيام إلى أماكن للصلاة والتأمل، حيث تُقام الصلوات اليومية المعروفة بـ"البصخة المقدسة" وسط ألحان حزينة وستائر سوداء تتزين بها الكنيسة حدادًا روحيًا على آلام السيد المسيح. وفي ظل تلك الأجواء، تأخذكم "الـبوابة نيوز" في رحلة روحية مسلطين الضوء على معالم تلك الأيام.

من البداية 


بدأ الصوم الكبير من العصور الأولى للمسيحية، ومرّ بتطورات كثيرة عبر تاريخ الكنيسة، في البداية بعض المسيحيين كانوا يصومون يوم أو يومين قبل عيد القيامة، لكن مع مرور الوقت بالتحديد في مجمع نيقية سنة 325م، تم الاتفاق فيما بين الكنائس على تثبيت الصوم الأربعيني قبل عيد القيامة اقتداءً بصوم السيد المسيح نفسه حينما صام 40 يومًا و40 ليلة في البرية قبل بداية خدمته مثلما ذكر في إنجيل متى 4:2.

وقال الباحث في التاريخ الكنسي “كيرلس كمال” خلال حديثه لـ"البوابة نيوز": تُعد آلام وقيامة السيد المسيح من الأحداث المهمة التي اهتمت بها الكنيسة في قرونها الأولى حيث كانت الكنيسة الأولي تحتفل بأيام الفصح المسيحي منفصلاً عن الصوم الكبير، وكان البعض يصوم الجمعة الكبير وسبت الفرح فقط وهناك من كان يصوم أربعين ساعة المدة التي قضاها المخلص في القبر، ولكن بدأت كنيسة أورشليم تصوم وتحتفل أسبوعاً كاملاً من ليلة الإثنين حتي الاحتفال الفصحي بليلة القيامة المجيدة وبعد مجمع نيقية المنعقد سنة ٣٢٥ م أصدر الإمبراطور قسطنطين أمراً بجعل أسبوع الآلام إجازة رسمية للعاملين بالدولة ومن هنا بدأت كل الكنائس تحتفل بهذا الأسبوع العظيم.

وذلك ما أكده أيضاً الباحث مينا سليمان خلال حديثه لـ"البوابة نيوز": أن أسبوع الآلام تاريخيًا حينما كان يُصام فقط يوم الجمعة العظيمة تذكارًا لصلب المسيح ومع الوقت تمت إضافة اليوم التالي وهو السبت والصوم في هذين اليومين كان كنوع من الاستعداد لتذكار فصح "قيامة" المسيح -كان هناك البعض الذين يصومون ثلاثة أيام-، ثم تطور الأمر بعد ذلك في القرن الثالث الميلادي أو قبل ذلك بقليل ليصبح الصوم ستة أيام قبل عيد القيامة. 

وتابع، كان صوم الأسبوع العظيم منفصلًا عن الصوم المقدس؛ فقد كانت الكنائس تصوم الصوم المقدس المعروف بالصوم الأربعيني بعد عيد الثيئوفانيا المعروف بعيد الغطاس الذي اعتمد فيه المسيح على يد يوحنا المعمدان وبعد ذلك تم ضم صوم الأسبوع المقدس المعروف باسم أسبوع الآلام إلى الصوم الأربعيني وكانت المحاولات الأولى في حبرية البابا ديمتريوس الكرام البابا الثاني عشر في تعداد باباوات الإسكندرية وأصبح الصوم الأربعيني يحوي صوم الأسبوع المقدس حيث وقتها لم يكن الصوم الأربعيني ينته بجمعة ختام الصوم كما في أيامنا هذه ولكن كان ينتهي بالجمعة العظيمة وظل هكذا حتى أصبح صوم الأسبوع المقدس بعد نهاية الصوم المقدس الأربعيني المعروف حاليًا بالصوم الكبير.

وتطور الصوم الكبير في الكنيسة القبطية بعدها ليأخذ شكله الحالي المكون من 55 يوما (7 أيام استعداد + 40 يوم صوم السيد المسيح + أسبوع الآلام)، بينما في الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية، كاليونانية والروسية، يمتد الصوم الكبير إلى 48 يومًا تقريبًا، ويبدأ يوم الاثنين الذي يلي أحد مرفع اللحم، ويُعرف بـ"الاثنين النظيف"، لا يُحتسب أسبوع الآلام ضمن الأربعين يومًا، بل يُفصل عنه طقسيًا، على عكس الكنيسة القبطية.

في الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية، يبدأ الصوم الكبير يوم الأربعاء الرمادي، يمتد حتى السبت المقدس قبل عيد القيامة، أي نحو 46 يومًا، لكن يُستثنى منها أيام الآحاد من الصوم، باعتبارها أيام احتفال بالقيامة، فيتبقى فعليًا 40 يومًا من الصوم، بينما غالبية الكنائس البروتستانتية لا تفرض صيامًا إلزاميًا، لكنها تحتفل بزمن الصوم الكبير كموسم للتأمل والتوبة، ويمتد بنفس المدة المعتمدة في الكنيسة الكاثوليكية، مع مرونة في الصوم بحسب اختيار الفرد أو الطائفة.

طقوس أسبوع الآلام

تنفرد الكنيسة القبطية خلال هذه الأيام المقدسة بطقوس استثنائية تعبّر من خلالها عن أحزانها وتأملها العميق في آلام السيد المسيح وتُمارس الكنيسة خلال هذه الفترة مجموعة فريدة من الطقوس التي تجمع بين الرمزية العميقة والدقة الطقسية، تهدف من خلالها إلى مرافقة السيد المسيح روحيًا في رحلة الآلام، ساعةً بساعة ويومًا بيوم، حتى القيامة المجيدة.

وتسرد كُتب "طقوس الليتورجية" في الكنيسة القبطية كل الطقوس الخاصة بهذه الأيام نذكر منها كتاب اللآلئ النفيسة في شرح طقوس الكنيسة لـ"القمص يوحنا سلامة"، وبالنسبة للطقوس الكنسية فهى كالآتي:

تبدأ صلوات البصخة المقدسة في أسبوع الآلام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية مساء أحد الشعانين "أحد السعف"، تغطيَ المنجليتين -حاملات الكتب المقدسة- القبطية والعربية بالستور السوداء. يغلق باب الهيكل وتدلى عليه الستائر السوداء، وتغطي أعمدة الكنيسة أيضا بالستائر السوداء، ويوضع في وسط الكنيسة أيقونة المسيح بإكليل الشوك أو مصلوب ويوضع أمامها 3 شمعات إشارة إلي قراءات البصخة الثلاث (النبوات "العهد القديم"، المزامير، البشارات الأربعة "العهد الجديد).

يحتسب اليوم في طقس الكنيسة من الغروب إلي غروب اليوم التالي، تتكون صلوات البصخة المقدسة من 10 ساعات، وينقسم اليوم إلي خمس ساعات نهارية وخمس ساعات لليلة، ويستمر هكذا إلي يوم الجمعة العظيمة ويضاف علي هذه الصلوات صلاة الساعة الثانية عشر.

 

الأديرة القبطية

 

كانت الكنيسة قديماً تصلي كل صلاة في وقتها ثم يرتاح الشعب بعدها إلي وقت الساعة التالية ، ومازالت الأديرة القبطية تتبع هذا النظام إلي وقتنا هذا، أما الكنائس الأرثوذكسية حالياً تجمع الصلوات النهارية معا والمسائية معا، وتقام الصلوات في هذه الأيام خارج خورس الشمامسة والهيكل وذلك لأن السيد المسيح تألم وصلب علي جبل الجلجثة خارج أورشليم.

ويقرأ البشارات الأربعة علي مدار هذه الأيام، يقرأ إنجيل متي بأكمله يوم الثلاثاء، وإنجيل مرقس يوم الأربعاء، وإنجيل لوقا يوم الخميس، وأما إنجيل يوحنا قبل تسبحة نصف الليل يوم أحد القيامة المجيدة

وفي التقليد الكنسي من لليلة الأربعاء إلي آخر يوم السبت "لليلة العيد" لا يقبل الكهنة والشعب بعضهم بعضاً وذلك، استنكار لقبلة يهوذا الخائن للسيد المسيح مقابل ثلاثين من الفضة.

لا تصلي الكنيسة بالأجبية "كتاب السواعي" في أيام البصخة لأنها مليئة بالمزامير التي تحوي نبوءات عن المسيح من ميلاده حتي صعوده؛ فاختارت الكنيسة القبطية منها ما يناسب صلوات البصخة المقدسة، حتي تتفرغ تماماً الكنيسة في صلواتها لآلام المسيح.

- لا تقام جنازات علي الموتي خلال هذا الأسبوع والسبب لأن الكنيسة خصصت هذا الأسبوع للصلاة والصوم والتسبيح وإحياء للآلام المسيح علي مدار هذه الأيام المقدسة، وتصلي الكنيسة عقب قداس أحد الشعانين صلاة الجناز العام لجميع الموتي في هذا الأسبوع فقط ولذلك يجب حضور الشعب كله لهذه الصلاة، وإذا توفي أحد فإنه يعد تمت الصلاة عليه، لكن لا يوجد مانع بدخول المتوفي إلي الكنيسة ليحضر صلاة ساعة من البصخة ثم ينصرفون به.
 

 البصخة المقدسة


ومن جانبه يقول الباحث مينا سليمان: الأسبوع المقدس عُرف تاريخيًا بأسماء عدة منها البصخة المقدسة أو الأسبوع الكبير أو أسبوع القيامة أو الأسبوع العظيم وغيرها من الأسماء وصولًا إلى أسبوع الآلام الأسبوع المقدس عُرف باسم أسبوع البصخة أو الفصح وذلك لأن كلمة بصخة وفصح لهما معنى واحد وهو "عبور أو اجتياز" وهو العمل الذي قام به المسيح حينما مات وقام حيث اجتاز وعبر الموت لصالح البشر وجعل كل مؤمن به وبعمله يقبل الحياة الأبدية حيث يرجع للصورة الإلهية التي وضعها الله في الإنسان مرة أخرى؛ هذه الصورة التي فُقدت بسبب سقوط أبوينا.

وتابع، خلال الأسبوع المقدس المعروف بأسبوع الآلام تضع الكنيسة في أذهان أبنائها صورة المسيح الذي تألم لأجلهم "مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ ٱلنَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ ٱلْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ ٱللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إش53: 3- 7). 

 

قيامة لعازر



وأكمل، حيث تضع الكنيسة القبطية القراءات من الكتاب المقدس بعهديه؛ فمن العهد القديم حيث النبوات عن تحقيق خلاص المسيح وكذلك قراءة الإنجيل حيث نجد ترتيب أحداث الآلام لحظة بلحظة مع المسيح المخلص ووضعت الكنيسة تذكار الآلام بداية من يوم السبت المعروف بسبت لعازر وذلك خلال القرنين السادس والسابع حيث اعتبرت الكنيسة أن الآلام قد بدأت بقيامة لعازر من الأموات حيث قرر اليهود قتل المسيح بسبب إيمان كثير من اليهود بالمسيح بسبب تلك المعجزة العظيمة مرورًا بأحد السعف الذي يعتبر تذكار دخول المسيح إلى أورشليم كملك والكنيسة تعتبره عيدًا ويبدأ الأسبوع من ليلة الإثنين لحظة بلحظة وساعة بساعة حتى جمعة الصلبوت وتذكار موت المسيح وطيلة أيام الأسبوع نجد الكنيسة لا تدخل الهيكل وتصلي خارج الهيكل وذلك تطبيقًا لقول الكتاب "فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ ٱلْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ" (عب 13: 13) إلا أن الكنيسة ترجع للهيكل فقط تصلي قداس خميس العهد وتخرج مرة أخرى إلى أن تعود مرة أخرى في صلوات ليلة السبت التي تنتهي بقداس السبت الكبير الذي يُدعى سبت الفرح وينتهي تذكار الأسبوع بفرحة القيامة في ليلة الأحد.

واختتم الباحث مينا سليمان قائلاً: وتتميز صلوات هذا الأسبوع بألحان خاصة بها تعزية لنفوس المؤمنين؛ حيث يتأمل المؤمنون ويعيشون مع المسيح المخلص ويشاركونه آلامه حتى يكون لهم نصيب في قيامته المجيدة، فصلوات هذا الأسبوع هي صلوات تمتد لوقت طويل وذلك لأن في القديم كان المؤمنون يقضون هذا الأسبوع في الكنيسة حيث نجد الملوك والأباطرة المسيحيين يمنحون موظفي الدولة عطلة ليتفرغوا للصلوات والعبادة في الكنيسة خلال هذا الأسبوع ومن الأمور الجيدة حينما نقرأ عن بعض الأباطرة ومنهم الإمبراطور ثيئودوسيوس الكبير الذين كانوا يطلقون أسرى في هذا الأسبوع ليشتركوا في العبادة مع باقي المؤمنين كنوع من الرعاية الروحية.

موعد عيد الفصح

والتباين بين الكنائس في فترة الصوم لم تقتصر على مدته فقط بل امتدت إلى تحديد موعد عيد القيامة، حيث الكنائس حول العالم لا تحتفل بعيد الفصح في يوم واحد يجمعهم؛ وذلك لاختلاف التقويم المتبع من كل كنيسة عن الأخرى.

 وفي ضوء ذلك يكمل الباحث كيرلس كمال حديثه: تحديد موعد عيد القيامة كان السبب الرئيسي الثاني لَانعقاد مجمع نيقية المجمع المسكوني الأول سنة 325 م هو تحديد موعد عيد القيامة بسبب الخلاف الحادث منذ القرن الثاني الميلادي حول موعد الاحتفال بهذا العيد بين يوم 14 نيسان مع الفصح اليهودي أو الأحد الذي يليه، حيث أن كنائس آسيا الصغرى احتفلت بعيد القيامة يوم الرابع عشر من نيسان "الفصح اليهودي" باعتباره يوم الصلب غير مهتمين بموقع هذا التاريخ في أي يوم من أيام الأسبوع، وقد سميت هذه الكنائس أو المجموعة التي تحتفل بهذا العيد في ذلك اليوم بـ"الأربعة عشريين" غير أن كنائس الغرب في روما والإسكندرية كانوا يعيدون في الأحد الذي يلي الفصح اليهودي.

وتابع، بدأت هذه المناقشة حوالي سنة 155 م بين القديس بوليكاربوس الذي كان يؤيد الاحتفال يوم 14 نيسان، وبين أنسيطَوس أسقف روما عندما زار قيصر روما بوليكاربوس ولكن هذا الخلاف لم يمنع المحبة والسلام بينهم، وفي زمن فيكتور أسقف روما المؤيد للاحتفال يوم الأحد الذي يلي 14 نيسان وكانت صراعات كبيرة عقد بسببها فيكتور أسقف روما مجمع حرم كل من يحتفل بالعيد يوم 14 نيسان مع اليهود لكن تدخل القديس إيريناوس يهدأ من روع الأمور حتى لا تحدث انشقاقات داخل الكنيسة.
وأكمل، لينعقد مجمع نيقية وحل هذه القضية حيث قرر أن كنيسة الإسكندرية هي من تحدد موعد هذا العيد علي أن يكون الأحد الذي يلي الفصح اليهودي بعد الاعتدال الربيعي والفصح اليهودي ١٤ نيسان، وحسب نص الدسقولية "فصل 31" يجب أن يأتي عيد القيامة يوم أحد ويكون يوم الأحد الذي يسبق الفصح اليهودي أي بعد الاعتدال الربيعي الموافق "21 مارس من كل عام".

وتابع، يكون الاحتفال بعيد القيامة مرة واحدة فقط في السنة، ارتبط عيد القيامة بتحديد موعد الفصح اليهودي حتى يكون الأحد الذي يليه لذلك صار يُحسب موعد هذا العيد تبعاً للفصح اليهودي الذي يتبع التقويم العبري القمري، ويكون الفصح اليهودي يوم 14 من الشهر العبري الأول نيسان.

وأضاف كمال، وقد وضع البابا ديمتريوس الكرام الحساب الأبُقطي لَاحتساب الفرق بين التقويمين الشمسي والقمري دون الرجوع لليهود لتحديد اليوم الذي يأتي فيه الفصح اليهودي كان موعد تحديد عيد الفصح حسب السنة الدينية اليهودية يقتصر على كهنة اليهود فقط وليس يعرفه الشعب وكانت الحساب التقويمية اليهودية معقدة جداً لذلك وضع البابا ديمتريوس هذا الحساب لتحديد موعد الفصح بدقة ولا يحتاج لمعرفته من اليهود.

ويختلف موعد الصوم من سنة لأخرى بسبب طبيعة التقويم القمري الذي تختلف دورته عن التقويم الشمسي، حيث أن الشهر العبري القمري عبارة عن "29، 30" يوم وكذلك السنة القمرية أقل من السنة الشمسية حوالي 11 يوما، فالحسَاب الأبقطي يحسب الفرق أو الباقي بين التقويمين ليحُدد بدقة موعد العيد.


 


 

 

الباحث مينا سليمان
 الباحث كيرلس كمال

مقالات مشابهة

  • قصة شاعر أقسم ألا يتزوج حتى تموت أمه! .. فيديو
  • نقل رئيس البرازيل السابق بولسونارو إلى المستشفى إثر آلام حادة في البطن
  • كريم بنزيما يحاول إقناع بول بوغبا بـالانضمام إلى الاتحاد
  • فلكية جدة ترصد البدر اليوم في ظاهرة فلكية مميزة بعد موسم الاعتدال الربيعي
  • من«الشعانين»إلى «القيامة»... قصة أسبوع يعيشه الأقباط حدادًا على آلام المسيح
  • التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب
  • أول بدر بعد الاعتدال الربيعي.. ظاهرة فلكية مميزة ومشهد لافت
  • بدون مسكنات.. حل فعّال وغير مألوف للتخلص من آلام الظهر
  • أعراض الرمد الربيعي لدى الأطفال .. الصحة توضح
  • صحة دمياط تطلق حملة الفحص الربيعي ومكافحة نواقل الأمراض