بري يكسر صيامه ويعود إلى المبادرة.. هل يلقى التجاوب المطلوب؟!
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
بعد "صيام طويل" عن المبادرات، منذ "سقوط" دعوتيه إلى الحوار بضربة "الثنائي المسيحي" القاضية، معطوفًا على تحوّله إلى "طرف" كما يقول بتبنّيه ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، عاد رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى ممارسة الدور الذي أتقنه لسنوات طويلة، فأطلق "مبادرة جديدة" يتوخّى من خلالها إنهاء الفراغ، و"الاحتفال بانتخاب رئيس" خلال مهلة وجيزة.
استبق بري عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت الشهر المقبل، أو لعلّه سعى إلى "ملاقاة" الرجل في منتصف الطريق، بعدما تعرّضت مهمّته للكثير من التصويب، وأفرِغت من مضمونها، حتى بات إعلان انتهاء "المبادرة الفرنسية" مسألة وقت لا أكثر بنظر كثيرين، لدرجة أنّ بعض القوى السياسية بدأت تستعدّ لمرحلة "ما بعد لودريان"، مع تكهّنات بدخول "وسطاء جدد" على الخطّ، لاستكمال ما بدأه الفرنسيّون، من زوايا أخرى.
لكنّ بري قرّر على ما يبدو محاولة "إنعاش" ما سُمّيت "فرصة أخيرة"، عبر دعوة ثالثة إلى الحوار، لكن مع "مدة صلاحية" محدودة، لا تتخطّى الأيام السبعة، على أن تعقبها "جلسات مفتوحة ومتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية"، كما تطالب القوى المعارضة، فهل تتجاوب الأخيرة مع اقتراحه، وتكون "الثالثة ثابتة"، إن جاز التعبير ويلتئم الحوار أخيرًا؟ وهل تقع "صحوة الضمير" التي تحدّث عنها بري في خطابه، ويبدو أنّه "يراهن" عليها؟!
اقتراح "متوازن ومدوزَن"
قد تكون أهمية "مبادرة" بري المستجدّة أنها تأتي بعد فترة طويلة من "الصيام" عن المبادرات، مع "فرملة" رئيس البرلمان لمساعيه وجهوده، لأكثر من سبب، بينها مواقف الطرفين المعنيَّيْن قبل غيرهما باستحقاق الرئاسة، أي "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" اللذين يتحمّلان مسؤولية "إفشال" الحوار الذي دعا إليه بري منذ ما قبل اليوم الأول للشغور، إضافة إلى اعتبار بري أنّه أضحى "طرفًا"، وما عاد بمقدوره قيادة أيّ حوار.
هنا، يلفت العارفون إلى نقطتين "أساسيتين" يُبنى عليهما في مبادرة بري، فهو بدعوته إلى الحوار، لم يقل إنّه من سيقوده أو سيرعاه، بل اكتفى باستخدام تعبير "تعالوا لحوار"، أي بمنطق "الجماعة"، وهو على الأرجح، يبني في ذلك على المبادرة الفرنسية المُنتظَر استكمالها في شهر أيلول الذي حدّده الموفد الرئاسي الفرنسي للعودة، علمًا أنّ البعض يؤكد وجود "تكامل" بين الجانبين، في ظلّ "تنسيق" قائم بينهما على إطلاق الحوار قريبًا.
أما النقطة الثانية، فتكمن بحديث بري الصريح للمرّة الأولى عن "جلسات انتخابية مفتوحة ومتتالية"، ولعلّ هذا بالتحديد هو "بيت قصيد" حديثه، خصوصًا أنّ لودريان سبق أيضًا أن تحدّث عن الأمر، لكنه قوبل بتشكيك البعض بمضيّ بري و"حزب الله" بهذا الخيار، ومطالبة البعض الآخر بـ"ضمانات"، ليأتي كلام بري المستجدّ بمثابة "التعهّد" المطلوب في هذا الإطار، ما يعني أنّ الحوار لن يكون مفتوحًا، وبعده ستتحقّق رغبات المعارضين.
هل يتجاوب "الثنائي المسيحي"؟
ومع أنّ مبادرة بري، المتكاملة مع المبادرة الفرنسية شكلاً ومضمونًا، بدت "متوازنة ومدوزَنة" إلى حدّ بعيد، فهو تمسّك بفكرة الحوار للتوافق والتفاهم، كما يطالب هو ومعه "حزب الله" وآخرون منذ اليوم الأول، عمد إلى تلبية مطالب، وربما "هواجس"، الطرف الآخر بتضمين اقتراحه "الجلسات المتتالية والمفتوحة"، إلا أنّ ذلك لم يَبدْ كافيًا لحسم "تجاوب" الأفرقاء، ولا سيما "الثنائي المسيحي"، الذي أشار إليه بري في خطابه، ولو من دون تسميته بالاسم.
بالنسبة إلى "التيار الوطني الحر"، يعتقد العارفون أنّ مقاربته ستكون "إيجابية"، على الرغم من موقف "السلبي" من رئيس البرلمان، فـ"التيار" الذي يتحاور أصلاً مع "حزب الله"، ويتجاوب من الأصل مع الحراك الفرنسي، يقول صراحةً إنّه "يرحّب" بأيّ حوار شرط أن يكون "بنّاءً وغير مفتوح"، لكنّ أوساطه تصرّ على أنّ الحوار إن تمّ، لا يجب أن يتمّ بقيادة بري، الذي لا يمتلك برأيها، مواصفات "الوسيط النزيه"، وهو ما جعل "التيار" يرفض مبادرتيه السابقتين.
لكنّ موقف "التيار" المَرِن يُقابَل حتى الآن، بآخر أكثر "تشدّدًا" من جانب "القوات اللبنانية"، التي تعتبر أوساطها أنّ "تعهّد" بري، إن صحّ الوصف، جاء "متأخّرًا جدًا"، وأشبه بـ"الابتزاز" في مكان ما، على طريقة "خذوا الجلسات المفتوحة وأعطونا الحوار". وفيما ترى هذه الأوساط أنّ الإصرار على الحوار بهذا الشكل "مريب" في مكانٍ ما، تصرّ على أنّ المطلوب "تطبيق الدستور"، ولا شيء سوى ذلك، وبالتالي الذهاب إلى الجلسات فورًا، وبلا أيّ "مقايضات".
تقول أوساط "القوات" إنّ الأمور اختلفت اليوم، وإنّ "جبهة طويلة عريضة" تعلن جهارًا أنّها ترفض الجلوس مع "حزب الله"، وأنّ انتخاب الرئيس يجب أن يحصل أولاً، ليأتي الحوار برعاية "فخامته" بعد ذلك. لكن ثمّة من يسأل في المقابل عن سبب هذا "الخوف" من الحوار، وهو الذي يناقض "الفرض" بمفهومه العريض، ولماذا رفضه إذا ما كان ضمن "خارطة طريق" ستقود حتمًا إلى انتخاب رئيس، إما بالتفاهم أو بالانتخاب إذا ما تعذّر الأول؟!
المصدر: لبنان 24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
التيار العالق في المنطقة الرمادية.. هل يحسم خياراته؟
في المشهد السياسي اللبناني المُتشابك، يبرز "تيار"واحد، يواجه تحدياتٍ وجوديةً بعد انهيار تحالفاته السابقة وعجزه عن نسج تحالفات جديدة مع قوى المعارضة. "التيار الوطني الحر"، الذي كان يُعتبر لسنواتٍ جزءاً من شبكة تحالفاتٍ واسعة، يجد نفسه اليوم في عزلةٍ سياسيةٍ مُقلقة، خصوصاً بعد انفصاله عن "حزب الله"، ما يطرح تساؤلاتٍ حول مستقبله وقدرته على الحفاظ على تأثيره في ظلّ نظامٍ طائفيٍ يعتمد على التوازنات الهشة.
بدايةً، كان تحالف "التيار" مع "حزب الله" يعكس محاولةً لتعزيز القوة التفاوضية لكلا الطرفين في مواجهة كتلٍ سياسيةٍ أكبر. لكن الخلافات الداخلية، التي تفاقمت بسبب اختلاف الرؤى حول قضايا حساسة مثل الموقف من الملف الاقتصادي والإصلاحات المطلوبة، أو التعامل مع الصراعات الإقليمية، أدت إلى انهيار هذا التحالف. لم يقتصر الأمر على خلافاتٍ تكتيكية، بل تحوّل إلى صراعٍ حول الهوية السياسية للتيار نفسه، حيث اتُهم بتبنّي سياساتٍ انتهازيةٍ تُقدّم المصالح الضيقة على المبادئ المُعلنة وهذا ما عرضه لموجة هجمات اعلامية من كل الاطراف.
بعد هذا الانفصال، حاول "التيار الوطني الحر" تعويض خسارته بالتقارب مع قوى معارضةٍ أخرى، لكنّ تلك المحاولات باءت بالفشل. تعود أسباب هذا الفشل إلى عوامل متعددة، أولها انعدام الثقة بين التيار وخصومه السابقين، خاصةً بعد تورطه في تحالفاتٍ مع أطرافٍ اعتبرها المعارضون جزءاً من النظام القائم. كما أن خطاب التيار، الذي يجمع بين شعبوية طائفية ومواقف غامضة من قضايا الإصلاح، جعله عاجزاً عن تقديم نفسه كبديلٍ مقنعٍ للقوى التقليدية. في الوقت ذاته، تنظر إليه قوى التغيير بشكٍّ كبيرٍ بسبب تاريخه السياسي المرتبط بتحالفاتٍ مع احزاب السلطة، ما يجعله في عين هذه الاطراف امتداداً للواقع الذي تُحاربه.
من ناحيةٍ أخرى، يعاني "التيار" من أزمةٍ داخليةٍ تُعمّق عزلته. فغياب رؤيةٍ واضحةٍ للتغيير، واعتماده على زعيم فردي يفتقر إلى الحاضنة الحزبية الواسعة، قلّص قدرته على جذب شرائح جديدة أو استقطاب أحزابٍ صغيرةٍ قد تُشكّل حلفاءً محتملين. كما أن التحديات الاقتصادية الخانقة في لبنان، والتي حوّلت الأولويات الشعبية نحو قضايا المعيشة اليومية، جعلت الخطاب السياسي التقليدي الذي يعتمده التيار أقلَّ جاذبيةً بالنسبة للناخبين الذين يطالبون بحلولٍ عمليةٍ عوضاً عن الشعارات.
في الخلفية، تُفاقم العزلةُ السياسيةُ للتيار مخاطرَ تهميشه في المعادلات المستقبلية. ففي نظامٍ يعتمد على المحاصصة، يُهدّد انخفاضُ قدرة التيار على تشكيل تحالفاتٍ بفقدانه حصته في المؤسسات، بل ربما اندماجه في كتلٍ أكبر للحفاظ على وجودٍ رمزي. لكن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو تحوُّله إلى تيارٍ هامشيٍ يعتمد على الخطاب الطائفي في معاقله التقليدية، من دون أن يكون لاعباً رئيسياً في صناعة القرار.
بالتالي، فإن عجز التيار الوطني الحر عن تكوين تحالفاتٍ جديدةٍ ليس مجرد تحدٍّ تكتيكي، بل هو تعبيرٌ عن أزمةٍ بنيويةٍ في خطابه وسياساته. ففي مشهدٍ سياسيٍ يتّجه نحو الاستقطاب الحاد بين مختلف الاطراف، يبدو التيار عالقاً في منطقةٍ رماديةٍ لا هو بالمتمسك بالقديم ولا هو بالمنخرط في الجديد، مما يجعله ضحيةً لتحوّلاتٍ تاريخيةٍ قد تُعيد رسم خارطة القوى من دونه.
المصدر: خاص "لبنان 24"