“اليمن من الداخل”.. رحلات في أمكنة التاريخ
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
يمن مونيتور/الجزيرة
يطوف الصحفي والناقد والكاتب المتخصص بالشأن الثقافي اليمني، أحمد الأغبري، بقارئه في مناطق شتى من اليمن ضمن كتابه الصادر حديثا “اليمن من الداخل.. المكان شاهدا” عن دار “عناوين بوكس” في القاهرة.
في 200 صفحة، تتوزع رحلات الأغبري على 20 مكانا؛ تبدأ من مدينة إب وسط البلاد وتنتهي بشارع المطاعم الواقع في زاوية بميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء الذي يعد ملتقى للأدباء والكتّاب والفنانين، حيث صخب الحياة اليومية وحزمة مطاعم تقدم وجبات شعبية يؤمها البسطاء في الأغلب.
يحاول الكتاب، تقديم قراءة مختلفة لليمن من داخله، كشهادة حية عن بلد يتصدر المكان واجهته الثقافية؛ حيث المكان هو أول الدروب إلى ذاكرة الإنسان، وأهم شاهد على هُويته ومنجزه الثقافي، كما هو وسيلته للتعبير عن خصوصيته.
وتشمل الرحلة مدنا كصنعاء وعدن وإب وشبام حضرموت وثِلاء والهجرين ودمت وتريم والطويلة، وهي مدن تتناثر جغرافيا من شمال البلاد مرورا بوسطها وإلى جنوبها، وجزيرة سُقطرى؛ حيث الطبيعة البكر وحديث الناس بلغتهم السقطرية المختلفة عن لغة اليمنيين المعتادة ولهجاتهم المنبثقة عنها.
“الزمردة الخضراء”
ويذهب الكاتب إلى محمية عُتمة الواقعة في محافظة ذمار (وسط اليمن)، حيث ينبسط جمال الطبيعة ببذخ، يفترش الأرض متموجا وصاعدا إلى المرتفعات بمدرجاتها الساحرة وهابطا في الوديان المكسوة بالاخضرار معظم أيام السنة.
ويُطلِق الكاتب على محمية عُتمة اسم “الزمرّدة الخضراء”؛ نسبة إلى تنوع خصوصياتها النباتية والحيوانية معتمدة على غطاء نباتي يمتد إلى أحراش وغابات جبلية يوفر مرعى للحيوانات الأليفة ومرتعا لحيوانات وطيور برية متنوعة.
ويحذر الكاتب من مخاطر التحطيب الجائر الذي تزايد في السنوات الأخيرة متسببا في استهلاك نحو 90% من الأشجار المعمرة في ظل أزمات انعدام وارتفاع أسعار غاز الطهي، كما يحذر من الحفر العشوائي المتزايد لآبار المياه واتساع زراعة القات على حساب بؤر رئيسة في المحمية.
كبرياء وإهمال
ويتوقف الكاتب أمام شواهد المكان وخصوصيته في قرية “بيت بوس” الأثرية المنتصبة بكبرياء أسطوري على تل صخري جنوب غرب مدينة صنعاء، فيعدها شاهدا ليس فقط على خصوصية القيمة الحضارية للحصون والقلاع في التاريخ اليمني، وإنما أيضا على فداحة ما يشير إليه بـ”المأساة التي ترتكبها المدينة الحديثة بعمقها التاريخي الحضاري لضواحيها وتداعيات إهمال الصيانة والترميم”.
ويذهب بعيدا إلى قرية “حيد الجزيل” الواقعة غربي محافظة حضرموت؛ حيث يمر “وادي دوعن” الشهير وتجثم بيوت طينية على سطح جرف صخري ضخم يقع على ربوة تتوسط ملتقى واديين، في مشهد يتداخل فيه موقع الصخرة الفريد وبهاء المعمار الطيني الجميل، ومن حولهما خضرة الوادي وزهو الجبال وأنفتها.
ومنتهيا من “جهة المدينة” أو ما يقول عنه “الناصية الأولى” التي شملت 9 مدن، تتبعها قريتان ضمن طريقه “جهة القرية”، ثم الطريق الثالث “جهة المدرسة والقصر”، حيث يتوقف الكاتب في رحاب “المدرسة العامرية” في “رداع” وسط البلاد الشاهدة على فن الزخرفة، ومنها يتجه الكاتب (والقارئ معا) إلى دهشة العمارة الطينية في “قصر سيئون” بأقصى شرق البلاد الحضرميّ، ثم عودة إلى “دار الحجر” القصر الذي شُيّد بروح قصيدة.
والطريق الرابع “جهة الجزر والمحميات” يطوف فيه الأغبري “جزيرة سُقطرى” البكر بطبيعيها المنفردة وبلغتها وطقوس وإرث إنسانها، وينتهي به الطريق عودة إلى محمية “عتمة” غير القريبة تماما.
مقهى مدهش.. ملتقى الإبداع
أما الجهة الأخيرة في تبويبات الكتاب فتتأمل زوايا واحتشادات “شارع المطاعم” في قلب مدينة صنعاء، الذي لا يقتصر ارتياده على “المتعبين والمثقلين بالخسارات” من الفئة العمالية الكادحة وغيرهم، ولا فئة السياسيين من وزراء وسفراء ورجال أعمال وطلاب وموظفين.
غير أن الكاتب، يتوقف هناك ليقرأ علاقة الشارع بالمبدعين والإبداع عموما، فهؤلاء “وإن كانت لهم خساراتهم وهمومهم أيضا”؛ فإنهم أضافوا زخما آخر لهذا المكان، فقد صار “مقهى مُدهِش” -أحد مقاهي شارع المطاعم- ملتقى يوميا يقصده كثير من الأدباء والفنانين والصحفيين.
مشروع ثقافي يمتد منذ ربع قرن
يقول الكاتب أحمد الأغبري للجزيرة نت إن كتاب “اليمن من الداخل” يأتي ضمن مشروع ثقافي يشتغل عليه منذ ربع قرن خلال عمله في الصحافة والكتابة، ويستهدف إعادة تقديم اليمن من زاوية غيّبتها السياسة والحرب والصراع على السلطة على مدى العقود الماضية؛ وهي زاوية القيمة الإبداعية الجمالية لنتاج البلد الثقافي.
وينوه الأغبري إلى أن الكتاب هو “نتاج 10 سنوات من التنقل بين مناطق اليمن والكتابة عنها، وقد ارتكز على المكان باعتباره الشاهد الأهم على عظمة الفن، الذي انتمى إليه أسلافنا، كهوية حمت تنوعهم”.
ويضيف أن الكتاب يمثل دعوة للأجيال الحالية من اليمنيين للعودة للانتماء للفن؛ الذي تتجلى عظمته بين ظهرانيهم، وتحديدا فيما قدمه الأجداد من تنوع وجمال، تفلسفه علاقتهم بالمكان، وتترجمه المدن والقرى والحصون والقلاع والمدارس والقصور.
وتابع “تنقل الكتاب بين الجهات الأربع لليمن على امتداد تنوعه: تفاصيل انطلقت من الجغرافيا، تعاملت مع التاريخ، واعتمدت أدب الرحلة، كتبتها بجوارحي كشهادة مرتبطة بأسباب الحياة والنهضة في بلد تتزاحم فيه أخبار الموت والتخلف”.
وهذا الكتاب هو سرديات وصفية لرحلات مكانية مرتدية ثوب الأدب ومتحدثة بلغة الفن؛ تقدم شهادة متخففة من أي تحيز عن بلد يتآكل حضوره الابداعي في وعي أبنائه: شهادات تروي سير الأجداد مع المنجز الحضاري، ودليل يرشد إلى طريق النجاة واستئناف النهوض.
وهذه الطريق هي الانتماء للإبداع والفن، حيث يتتبع الكتاب ملامح الفن في المكان في سياق التعرف إلى الهوية من خلال ثنائية المكان والإنسان؛ لقراءة أبرز ملامح شخصية هذا البلد.
ويفيد الأغبري بأن هناك كتابين آخرين له يصبان في ذات الاتجاه، سيصدران لاحقا، الأول يُعيد الاعتبار لليمن في علاقته بالفن، لكن هذه المرة سينطلق من الحاضر، وتحديدا من أبرز تجليات الفن الحديث، وعلى وجه الخصوص الفن التشكيلي؛ وفيه يقدم قراءات في أبرز التجارب التشكيلية اليمنية. والكتاب الآخر يشتغل على تجربة اليمن مع فنون الأداء (المسرح والغناء والموسيقى والسينما والدراما).
20 نصا
من جهته، يلفت الروائي اليمني، وجدي الأهدل، الانتباه إلى أنه جرت العادة أن يكتب الرحالة العرب والمستشرقون الأجانب عن رحلاتهم وإقامتهم في اليمن، ولكن الكاتب والصحفي اليمني أحمد الأغبري كسر هذه القاعدة، وسخّر قلمه لوصف بلاده والتغزل بمحاسنها، فقد جاب اليمن من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وتنقل بين سهولها وشعابها وجزرها وسواحلها، ودوّن -خلال سنوات- ثروة من المعلومات والأوصاف؛ جامعا بين التأريخ والجغرافيا.
وقال الأهدل للجزيرة نت “إننا أمام 20 نصا، كل نص يتحدث عن بقعة جغرافية أو معلم تاريخي يتميز بفرادة وعراقة ضاربة في جذور التاريخ”.
وكان صدر للأغبري عام 2020 كتاب بعنوان “أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة- مقاربات يمنية”، حيث يقدّم اليمن من خلال نتاجات سردية وشعرية على امتداد عقود؛ بما فيها التي صدرت خلال سني الحرب، متضمنا شهادة مغايرة ومنصفة عن بلد “يتحول إلى مقبرة كبيرة لأبنائه، ويعكس للآخر صورة ليست هي صورته المتأصلة في متن شخصيته”، على حد تعبير الكاتب الأغبري.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الأغبري الثقافة اليمن الیمن من
إقرأ أيضاً:
مجموعة “أ3+” في مجلس الأمن تدعو لاحترام سيادة اليمن ووقف التصعيد العسكري
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
أعربت مجموعة “أ3+” بمجلس الأمن الدولي، الخميس، عن قلقها حيال تصاعد التدخلات العسكرية الخارجية في اليمن بما في ذلك الضربات الجوية الصهيونية، داعيا إلى احترام سيادة اليمن والامتناع عن أي تصعيد عسكري.
جاء ذلك، في كلمة القاها نيابة عن المجموعة التي تضم (الجزائر والصومال وسيراليون وغوايانا)، عضو البعثة الدائمة للصومال لدى الأمم المتحدة، محمد ربيع يوسف، خلال الاجتماع الدوري لمجلس الأمن بشأن الأزمة باليمن.
قلقها حيال تصاعد التدخلات العسكرية الخارجية في اليمن بما في ذلك الضربات الجوية الصهيونية والتبعات الأوسع نطاقا للحرب في غزة.
وحذرت الدول الأربع من الضربات الجوية الصهيونية والتبعات الأوسع نطاقا للحرب في غزة، تقوض جهود السلام في اليمن وتؤدي الى مزيد من زعزعة وضع هش أصلا.
وشددت المجموعة، في الوقت نفسه على أهمية احترام وقف إطلاق النار في قطاع غزة لأنه “سيساهم بلا شك في خفض حدة التصعيد في المنطقة”.
وأبرز الديبلوماسي الصومالي دعم الدول المجموعة الإفريقية الراسخ لجهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة وجهود الوساطة الإقليمية بما في ذلك تلك التي تترأسها سلطنة عمان والسعودية الهادفة الى تحقيق تسوية سياسية بقيادة وملكية يمنية لهذا النزاع.
كما أعربت مجموعة “أ3+” في هذا الإطار عن ‘يمانها بأن “يمن مستقر وسلمي هو أساسي لأمن المنطقة الأوسع نطاقا ومواصلتها الدعوة لعملية سياسية سلمية بقيادة وملكية يمنية تحت رعاية الأمم المتحدة.
وبخصوص الوضع الإنساني في اليمن، أبدت مجموعة “أ3+” مخاوفها حيال الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن بفعل نقص الغذاء وانعدام الاستقرار الاقتصادي مع انخفاض كبير وارتفاع في مستويات التضخم، مذكرة بالتقارير الأخيرة التي كشفت عن أن حوالي نصف السكان (تقريبا 17 مليون شخص) سيواجهون انعدام أمن غذائي حاد في العام 2025.
في هذا الاطار، دعت المجموعة “أ3+” إلى الزيادة في التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2025 مع تأكيدها على الحاجة لآليات التعافي الاقتصادي المستدامة لدعم الاستقرار طويل الأمد لليمن.