من خلال مبادرة التراث الحديث، ميزت أبوظبي نفسها عن المراكز الحضرية الأخرى في الإمارات والمنطقة، حتى باتت تمثل المدينة نموذجًا للتنمية المقاسة والمستدامة والنمو الحضري الذي لا يسعى فقط إلى اكتساب الأهمية من خلال الهندسة المعمارية الرائعة، ولكنه يهدف أيضًا إلى الحفاظ على الماضي لخدمة الحاضر.

هكذا يتحدث تقرير لـ"معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، وترجمه "الخليج الجديد"، لافتا إلى عمل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، على تحديد المواقع التي تروي التاريخ الحديث للإمارة لحمايتها والحفاظ عليها وصيانتها، تماشياً مع قانون التراث الثقافي لإمارة أبوظبي الصادر عام 2016، والذي يعطي التراث الثقافي الحديث القدر ذاته من الأهمية للمواقع الأثرية والمباني التاريخية.

ويشير إلى زيارة الأمير البريطاني تشارلز آنذاك، للإمارات عام 1989، حيث أجرى جولة في منطقة البستكية القديمة التي أسسها مهاجرون إيرانيون في أوائل القرن العشرين.

وفي البستكية، التي تتميز بمصدات الرياح المرتفعة، المستوحاة من مدينة بستك الإيرانية، فضلاً عن الأزقة الضيقة والمنازل المبنية بالشعاب المرجانية، واجه الأمير البريطاني معدات بناء، وقيل له إن المنطقة تتعرض للهدم.

وبعد أن أزعجه هذا الخبر، كتب تشارلز رسالة إلى سلطات دبي عند عودته إلى بريطانيا، يحثهم فيها على إعادة التفكير في عملية الهدم وتسليط الضوء على إمكانات المنطقة كمركز للحفاظ على البيئة.

وبعد ذلك بوقت قصير، توقف مشروع الهدم، وأصبحت البستكية (التي أعيدت تسميتها منذ ذلك الحين باسم الفهيدي لمحو أصولها الإيرانية) موقعًا للحفظ، متحف في الهواء الطلق يضم صالات عرض ومطاعم راقية.

اقرأ أيضاً

تنقيح التراث الإسلامي…دعوة عبثية

ووفق التقرير، فقد شكلت هذه الحادثة تحولاً في كيفية النظر إلى الهياكل والمناطق القديمة في الإمارات.

وبينما كان تشارلز يركز على الحفاظ على الهياكل التقليدية، هناك شعور مماثل يقود جدول أعمال مبادرة التراث الحديث التابعة لوزارة الثقافة والسياحة في أبوظبي، والتي تم الإعلان عنها في يوليو/تموز الماضي.

وبدلاً من أن تكون بمثابة تذكير بالماضي الفقير، يتم الاحتفال بالمناطق القديمة باعتبارها عنصرًا لا ينفصل عن هوية البلاد وثقافتها، على الرغم من أن الاحتفال لم يضمن الحفاظ عليها في كل حالة.

وحتى الهياكل الحديثة من السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات تلقت دعوات للحماية.

وكشفت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، عن المجموعة الأولى من المواقع التي تضم 64 موقعاً تراثياً حديثاً، وتتطلب حماية فورية وغير مشروطة.

ولن يسمح بأي طلبات هدم لهذه المواقع، بل ستعطى الأولوية لصيانتها وإعادة تأهيلها وفقاً لدرجة تصنيفها.

وتضم قائمة التراث الثقافي الحديث: المجمع الثقافي، ومحطة باصات وتاكسي أبوظبي، وقصر المنهل، ومسجد زايد الثاني، والمسرح الوطني، ومدينة زايد الرياضية، والبطين مول، وسوق هيلي الشعبي (السوق القديم)، والمجلس الوطني الاتحادي، ومبنى سعيد محمد الكليلي (مبنى الإبراهيمي).

اقرأ أيضاً

خلال أبريل.. الولايات المتحدة تحتفل بشهر التراث العربي الأمريكي

يقول رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي محمد خليفة المبارك: "تراثنا المعماري والحضري عنصر بالغ الأهمية في تاريخنا الحديث الذي يستحق التقدير والعناية".

ويضيف: "تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية مدنية مشتركة لحماية هذا التراث الحديث، ليس بسبب القيمة التي يحملها في الذاكرة الجماعية لسكان الإمارة فحسب، بل لأنه أيضاً شهادة تاريخية حية تحمل في طياتها سرد قصة أبوظبي من خلال هويتها المعمارية والحضرية، التي تجمع بين التراث التقليدي الماضي وتطلعاتنا للمستقبل".

فيما يقول رئيس دائرة البلديات والنقل – أبوظبي محمد علي الشرفا الحمادي: "تمثل مبادرة حماية التراث الثقافي بعداً عميقاً في الحفاظ على مظهر مدننا بهويتها وأصالتها وتراثها العمراني والحضري".

ويتابع الشرفاء: "تنسجم مشاركتنا في هذه المبادرة الطموحة مع مسؤولية الدائرة نحو دعم النمو والتطور العمراني والبنية التحتية لتعزيز جودة حياة المجتمع في إمارة أبوظبي، ودور المبادرة النوعي في الحفاظ على المباني والمعالم التي تمثل شاهد عصر على مرحلة معينة من تاريخ الإمارة وتطورها، لتعكس التناغم الجميل ما بين التراث والمعاصرة ما يجعلها ذات قيمة معنوية لا تقدر بثمن".

ووفق التقرير، فإن هذه المبادرة تستحق الاهتمام بشكل خاص، بالنظر إلى الجهود المبذولة لمحو رموز الماضي القريب للمنطقة، لتقديم نسخة أكثر حداثة من مراكزها الحضرية.

ويضرب مثالين بمبنيين رئيسيين تم منحهما مكانة التراث الوقائي من قبل دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وهما المجمع الثقافي ومحطة حافلات أبوظبي.

اقرأ أيضاً

التنافس المحموم يصل للتراث الثقافي.. الإمارات تستقطب مديرة هيئة تطوير الدرعية السعودية

وتم تصميم وبناء المجمع الثقافي، الواقع في وسط أبوظبي، في السبعينيات من قبل شركة هندسة معمارية أمريكية، وكبير مصمميها العراقي هشام أشكوري.

وهذا هيكل حديث مستوحى من مبادئ الحداثة، خطوط عريضة وهندسة بسيطة ولوحة ألوان بيضاء.

والمجمع الثقافي كان بمثابة مركز اجتماعي لسكان أبوظبي، وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قررت السلطات إزالة المبنى واستبداله بهيكل جديد، وتجمع سكان المدينة معًا للاحتجاج وتمكنوا من منع هدمه والتحريض على مخطط ضخم للحفاظ على الموقع بأكمله إلى ساحة عامة.

وشمل ذلك تجديد أقدم مبنى في المدينة، قصر الحصن، وإضافة مسجد جديد بالإضافة إلى نافورة عامة وغيرها من المرافق.

أما محطة حافلات أبوظبي، فقد تم تصميمها من قبل شركة معمارية بلغارية وافتتحت في عام 1989.

وتتميز المحطة بلون أخضر متوهج (انحراف عن طلاءها الأبيض الأصلي) ولكنها تمثل بالنسبة للعديد من السكان طبقة مهمة في التنمية الحضرية للمدينة.

وعلى الرغم من أنها لم تعد مناسبة لمتطلبات مركز النقل في القرن الحادي والعشرين، إلا أنها تمتلك صفات معمارية واجتماعية هامة.

اقرأ أيضاً

رمز التناسق والجمال.. اليونسكو تدرج الخط العربي بقائمة التراث

وفي الواقع، فالمحطة ليس مجرد مكان لركوب الحافلة، بل هو مكان اجتماعي حيث يجتمع السكان من مختلف مناحي الحياة معًا، أو يشاهدون الآخرين، أو ببساطة يستريحون في مكان مظلل.

ووفق التقرير، تعتمد مبادرة التراث الحديث على أبحاث مكثفة أجراها استشاريون مكلفون من قبل وزارة الثقافة والسياحة لوضع إطار لتحديد قيمة عددية للمرشحين للحماية.

وتأخذ النتيجة في الاعتبار جماليات المبنى وقيمه المعمارية، ودوره في تاريخ المدينة، ومدى مشاركته الاجتماعية والمجتمعية في المدينة.

ولكن ربما الأهم من ذلك أنه يتضمن أيضًا مكونًا حضريًا، حيث يتم تقييم المبنى على أساس تكامله مع المناطق المحيطة به.

وهذا مشابه جدًا للعديد من القوائم الأخرى لمواقع التراث في جميع أنحاء العالم.

وبناءً على ذلك، لا يمكن تغيير تلك التي تم تعيينها لأعلى قيمة بأي طريقة مهمة، في حين قد يُسمح بدرجات متفاوتة من التغييرات للمباني التي حصلت على درجات أقل.

ولتحسين المبادرة، يقول التقرير: "ينبغي توسيع القائمة لتتجاوز المباني الفردية لتشمل ساحات المدينة ومناظر الشوارع".

اقرأ أيضاً

السيسي وبن زايد يفتتحان مهرجان شرم الشيخ التراثي (صور)

أحد الأمثلة على هذا، هو شارع إلكترا في وسط مدينة أبوظبي، وهو مليء بالجواهر الحديثة المبكرة التي تجسد جوهر العاصمة الإماراتية، بما في ذلك مبنى الإبراهيمي، وسينما، ومجموعة متنوعة من مؤسسات البيع بالتجزئة والباعة الجائلين.

وفيما يتعلق بساحات المدينة، فإن بعضها مخفي داخل مباني سكنية كبيرة ويجب أخذها في الاعتبار أيضًا، وهي عبارة عن مساحات لتجمع المهاجرين، مثل "ساحة الشجرة"، وهو مركز اجتماعي للبنغلادشيين يقع خلف مبنى اتصالات، ومركز الاتصالات في المدينة، ومبنى بنك "إتش إس بي سي".

وربما ينبغي أن تشمل القائمة أيضًا مؤسسات البيع بالتجزئة، مثل المخابز والمطاعم، التي تشكل جزءًا مهمًا من المشهد الحضري في أبوظبي.

ويعد مطعم "الزهرة اللبنانية"، أحد أقدم المطاعم في المدينة، أحد الحالات المؤثرة بشكل خاص.

في المقابل، يتصاعد الجدل في دبي، حول تدمير المعالم المحبوبة التي تدل على طموحات الإمارة التحديثية، بما في ذلك مقهى "هارد روك"، الذي بني في التسعينيات، وبرج التلفزيون من الثمانينات، وفندق متروبوليتان، أقدم فندق في المدينة، ومبنى صنعاء، وهو مبنى سكني متعدد الاستخدامات يعود تاريخه إلى السبعينيات.

وعلى الرغم من القيمة التي أولاها بعض السكان لهذه المباني الحديثة سابقًا، استمر التدمير بلا هوادة، بما في ذلك إعادة تطوير حديقة الصفا، كجزء من مشروع الخليج التجاري، وتمديد خور دبي باتجاه الخليج.

اقرأ أيضاً

أمير الكويت وممثل قطر يشاركان في مؤتمر التراث بأبوظبي

المصدر | معهد دول الخليج العربية في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الإمارات التراث أبوظبي دبي مباني دائرة الثقافة والسیاحة التراث الثقافی التراث الحدیث فی المدینة الحفاظ على اقرأ أیضا من قبل

إقرأ أيضاً:

الابتكار الثقافي.. تصميم المستقبل بمقاييس إماراتية

محمد عبدالسميع

أخبار ذات صلة آرت دبي 2025.. احتفاء بالتنوع أدباء وباحثون: القراءة.. صانعة الخيال والابتكار الثقافي

إذا كان الابتكار، بمفهومه البسيط والمركّب، يدخل فيه التجديد والإضافة، فإنّ مفهوم الابتكار الثقافي لابدّ أن يتضمّن هذه العناصر وأكثر، بحسب التصنيفات والقراءات المتبعة في هذا الشأن، ومع أن الثقافة كمفهوم، عالم واسع متعدد الأبعاد ومتفاعلها، فإنّها كانت ولا تزال محلاً مناسباً لتطبيق الابتكار، وقراءة أثره على المساحة الثقافيّة في الفنون والثقافة، دون أن ننسى أنّ الأفكار تبقى أفكاراً على الورق وتنظيرات، إن لم يتمّ العمل بها، ولهذا فمن الإنصاف القول إنّ قياس الأثر يصلح وبامتياز على الحالة الإماراتيّة في هذا الموضوع، وهي الحالة التي اتخذت من الموجود والتراث والفنون والعناصر الثقافيّة الأخرى بيئةً مناسبةً للابتكار فيها، تحت مظلّة الدولة، أو إدارة القطاع العام، وحفز القطاع الخاص في ظلّ تشجيع الدولة وإدراكها أهميّة هذا التحوّل من التقليدي في العمل الثقافي إلى الأيسر والأنجع والأمثل، مع قراءة ما يسوقه المتخصصون والمنظّرون من التنبّه إلى أخطار فقدان الثقافة بريقها، أو الاستثمار في الثقافة دون وجود قيم وأصالة تحفظ للموروث حضوره وللثقافة وهجها، إذ تبدو هذه المسألة في غاية الأهميّة ونحن نتحدث عن الابتكار الثقافي، وفي ذلك يكثر الحديث ويتم تناول الموضوع من أكثر من جانب.
على أنّ الدولة/النموذج (الإمارات)، والتي سنقرأ من خلالها أهميّة فكر التجديد أو الابتكار وقراءة الاستثمار الواعي في هذا الموضوع، إنّما هي دولة تعي وتدرك جيّداً هذا الأمر، فهي تسير خلال المتاح وتتأمّل بنيته ومادته الثقافيّة، لتروّج له وتعمل على تيسيره وتقديمه للجميع، بل وفهم المعنى الاقتصادي المتضمّن في هذا النوع من الابتكار، أي الابتكار الثقافي، في أن تدرّ الصناعات الثقافيّة والإبداعيّة دخلاً جيّداً، فنكون قد حققنا عن طريق الابتكار الشهرة وانتشار المنتج الثقافي، وحافظنا على القيمة الجماليّة المتضمّنة والمميزة لمفردات الثقافة والفنون، والأرقام والنسب الإحصائيّة التي تطالعنا بها مراكز الدراسات والصحف، تعطينا مؤشراً مفرحاً على حجم المنجز قياساً إلى النسبة العربيّة والعالميّة المتحققة في هذا الموضوع.
اقتصاديّات الثقافة
ويؤكّد المتخصصون في هذا الشأن والمهتمون وبما يعرف بـ«اقتصاديّات الثقافة»، أهميّة العمل على الإبداع أو الابتكار أو الخلق أو تقديم النوعي والمفيد في الموضوع الثقافي، بشقّيه الوظيفي والثقافي، مع الحفاظ على الجماليات والإرث والأصالة والروح، وما يتخلل كلّ ذلك من عادات وموروث، فنكون قد وصلنا إلى مرحلة التجديد والإضافة بالوعي والفهم إلى أين نحن سائرون.
وقد عملت دولة الإمارات العربيّة المتحدة على تحقيق الوجهة الإبداعيّة للعالم، ومثال ذلك ما حققته استراتيجيّة دبي للاقتصاد الإبداعي، نحو أن تكون دبي وجهةً مفضلة لكلّ المبدعين، بل وعاصمةً للاقتصاد الإبداعي، فتضاعف عدد الشركات الإبداعيّة في مجالات المحتوى والتصميم والثقافة إلى 15 ألفاً، وتضاعف عدد المبدعين إلى 140 ألفاً، ترفد ذلك كلّه المؤسسة الثقافية ذات العلاقة، مثل «مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي عام 2014، وذلك لتعزيز تنافسيّة حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، لتصبح ضمن الحكومات الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم.
ويؤثّر هذا التوجّه الواعي على موضوع الابتكار، بالربط بين كلّ المتغيرات والأسباب التي تدعم هذا الأمر، وهو عمل تكاملي تتم فيه قراءة محفّزات الإبداع والتقنيات والإضافة والمواكبة العصريّة للتكنولوجيا، ويأتي دعم الدولة ليكلل كلّ ذلك، ولهذا كانت مواضيع تحدّي القراءة والترجمة ونسب الريادة وخطّة اقتصاديات الإبداع، كهدف وطموح، بل لقد كانت منصّة «ابتكر»، التي طوّرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تصبّ في هذا الاتجاه، كمنصّة تفاعليّة، وتوصف بأنّها الأولى من نوعها باللغة العربية للابتكار الحكومي، لصنع جيل من المبتكرين العرب وقادة المستقبل. ولتوضيح أهميّة هذه المنصّة، فقد كان هدفها الوصول إلى 30 مليون مشارك عالمياً، إضافةً إلى تنفيذ دبلوم في الابتكار بالتعاون مع جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، كدبلوم يعدّ الأول من نوعه أيضاً، لإعداد جيل من الرؤساء التنفيذيين للابتكار في الجهات الحكومية، وكذلك استحداث منصب الرئيس التنفيذي للابتكار في كلّ جهة حكومية اتحاديّة، وهو ما يؤكّد نظرة الدولة الواعية والواثقة نحو المستقبل، بما في ذلك من ريادة ونبوغ معرفي وتقني وتحقيق نسب عالية في موضوع الابتكار.
دعم الابتكار
وفي مجال رؤية الدولة أيضاً ورسالتها، يمكن وبكلّ جدارة أن نذكر «صندوق محمد بن راشد لدعم الابتكار»، والذي تبلغ قيمته 2 مليار درهم، وكذلك مبادرة «أفكاري»، الرامية إلى تشجيع موظفي الجهات الحكومية الاتحادية على تقديم أفكارهم ومشاريعهم المبتكرة، ويؤكّد كلّ ذلك ما يسمّى بـ«مسرّعات دبي المستقبل»، لصنع منصّة عالميّة متكاملة لصناعة مستقبل القطاعات الاستراتيجيّة، وكذلك خلق قيمة اقتصاديّة قائمة على احتضان وتسريع الأعمال وتقديم الحلول التكنولوجيّة في المستقبل.
إنّ «شهر الابتكار»، كموضوع عملي وعلمي أيضاً في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، هو شهر يستحق الحفاوة والاعتزاز المجتمعي بما انعكس على الأجيال من ثمار موضوع الابتكار، أمام تحديات القادم التكنولوجي الذي لا تستطيع أيّ دولة واعية أن تقف على الحياد منه، فإمّا أن ندخل بقوّة أو ننعزل عن العالم وما يحيط بنا من ثورة معرفيّة وتكنولوجيّة، فأجندة دبي المستقبل، دليل على التحدي والإيمان بالمخرجات المهمّة، كمبادرات رائدة عالمياً، كما في استراتيجيّة دبي للطباعة ثلاثيّة الأبعاد، واستراتيجيّة دبي للقيادة الذاتيّة، والمجلس العالمي للتعاملات الرقميّة، ومتحف المستقبل ومرصد المستقبل، وتنظيم بطولة العالم لرياضات المستقبل.
ولهذا، فإنّ كلّ ما ذكر يدور حول المستقبل، بما يحمله هذا المفهوم من تحديات، وفي الصميم من ذلك، كان «متحف المستقبل» بانوراما رائعة على مستقبل العالم، كمتحف تمّ تغذيته بأحدث الإنجازات التقنية وآخر الاكتشافات العلميّة، إذ اعتبر هذا المتحف مختبراً شاملاً لتقنيات المستقبل وأفكاره، لندخل إلى الاستثمار في العقل المبدع ودعم الأفكار والمشاريع الرياديّة والمبادرات والأبحاث التي تضيف قيمةً نوعيّة وتسهم في تحقيق التأثير الإيجابي، وفي السياق علينا أن نذكر أهميّة موضوع الطباعة ثلاثيّة الأبعاد، وما تشتمل عليه من مزايا تنافسيّة مرتبطة بالكلفة المنخفضة، والسرعة في الإنجاز، باعتبار ذلك يشكّل نموذجاً عصريّاً في التصميم.
ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل إنّ الطموحات تتواصل في دولة الإمارات العربيّة في استحقاقات هذا العصر والابتكار الذي بات أمراً واقعاً فيه، ففي النسخة السادسة من «هاكاثون الإمارات»، كانت هناك قراءة تستشرف المستقبل، حتى سنة 2031، بما في ذلك من تعزيز للهوية الوطنيّة وتعزيز الاستدامة وتطوير الرؤية والمؤشرات والمخرجات، وكذلك توسيع الشراكات.
أمّا «قمّة الابتكار» التي عقدتها الإمارات، سنة 2016، فكانت رؤية تؤسس لكلّ هذا النجاح الذي نعيش، خاصةً القراءة المبكّرة لدور الابتكار في موضوع الاقتصاد المعرفي، وتعزيز استخدام الحاسوب والأجهزة الذكية في المدارس، والاهتمام بالتعليم الإلكتروني في الدولة، والمؤسسات البحثيّة والمعاهد التقنية لتعزيز الإبداع والابتكار، والمجمعات المتنوعة، في إطار حفز ثقافة التعليم الإلكتروني في القطاعات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة، وإطلاق العديد من البرامج التي جاءت في سياق رؤية الدولة لما نحن مقبلون عليه من تحديات التقدّم والتحوّل الرقمي والحاجة إلى ابتكارات تدعمها وتشجعها الأعمال المؤسسية في الدولة.
من ناحية أخرى فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لها حضورها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تحقيق أكبر قطاع إبداعي يعتمد على تصدير المنتجات والخدمات الإبداعية، وقيمتها 13.7 مليار دولار أميركي.
إنّ الابتكار، وبما يحمله من تغيير إيجابي في المضامين والأسلوب والأفكار، ومن عمليات إبداعيّة معقدة تغذيها تدفقات المعرفة والتنوّع الإبداعي في المجتمع، نحو الصناعات الثقافيّة والإبداعيّة، والتصميمات المتوقّعة في الآداب والفنون والموسيقى والأزياء والمهارات الحياتيّة الأخرى، هو مفهوم جدير بقراءته، وهو في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، وكما هو واضح، محمولٌ على جناح ثقة الدولة وقيادتها الرشيدة بالمردود الثقافي والحضور القويّ للإمارات في العالم، ولهذا فالمعايير الإبداعيّة تحتاج دائماً إلى قراءة وإعادة قراءة وفهم للتحديات وسبل تقديم الحلول.

مقالات مشابهة

  • الابتكار الثقافي.. تصميم المستقبل بمقاييس إماراتية
  • مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ويهاجمون مزارعين شمال رام الله
  • غدًا .. انعقاد مجلس الحديث الأربعين من مسجد الإمام الحسين
  • المفتي قبلان: اللحظة للتضامن الوطني وليس لتمزيق القبضة الوطنية العليا التي تحمي لبنان
  • رؤية المستقبل الحديث
  • مصطفى بكرى: أيها العالم الجبان أين الحديث عن حقوق الإنسان
  • أكبر أزمة أيتام في التاريخ الحديث.. أرقام صادمة لضحايا العدوان على غزة من الأطفال
  • البزري: لجبهة داخلية متماسكة تحمي لبنان من تكرار الاعتداءات الاسرائيلية
  • كيف تحمي نفسك من مضاعفات السكر؟.. هيئة الدواء توضح
  • كيف تحمي نفسك من هشاشة العظام؟