بردية "سميث".. أيقونة الطب في العالم القديم
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
في عام 1862 كان إدوين سميث، عالم المصريات الأمريكي، يتجول في مدينة الأقصر الواقعة في صعيد مصر، ورغم أنه أقام فيها فترة طويلة، لكن سميث كان على موعد مع الحضارة المصرية التي نذر نفسه لها، والتي دفعت شهرته إلى أقصاها، وجعلت اسمه خالدا في علوم الطب، بعد أن عثر على أشهر برديات الطب المصري القديم.
في تلك الفترة من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عرض تاجر مصري اسمه «مصطفى أغا» البردية- التي كان يجهل محتوياتها- للبيع، فاشتراها إدوين سميث الذي كان أول من كشف الصفة الطبية لها، وظلت في حوزته حتى وفاته.
وفي عام 1930 ترجم الدكتور جيمس هنري برستد البردية، وطبعت أول نسخة مترجمة للإنجليزية. وفي عام 1938 نقلت البردية إلى متحف بروكلين، وفي عام 1948 انتقلت البردية إلى أكاديمية نيويورك للطب، وهي موجودة بها حتى الآن.
وتؤرخ هذه البردية بما يقرب من 1600 ق.م، ولكن من خلال لغتها يتضح أنها تعود إلى حقبة تاريخية أقدم من ذلك، إذ كان كاتبها قد نسخها من وثيقة أقدم عهًدا منها تعود إلى الفترة من 3000- 2500 ق.م؛ كما تعددت الآراء بخصوص كاتب البردية، إذ يرجح برستد أن كاتبها هو «إيمحوتب» وزير الملك «زوسر» من الأسرة الثالثة.
بينما يميل «ساندسن» أن مؤلف هذه البردية شخص يتميز بالخبرة العلمية الكبرى في معالجة الكدمات والجراحة العامة، والأكثر قبولا أنه قد اكتسب خبرته هذه من العمل في مواقع البناء في منطقة الأهرام، وذلك نظًرا لحدوث إصابات أثناء العمل.
ما الذي تضمه البردية؟
وفق ما ذكره الدكتور محمد خميس السيد في دراسته «البرديات الطبية في مصر الفرعونية.. دراسة في علم الكوديكولوجيا»، فقد نُشرت البردية بالإنجليزية مشفوعة بتعليقات طبية للطبيب «أرنو لوكهارد» وكانت تلك الترجمة هي الدليل الأول لكتاب طبي في مصر القديمة.
ويرى «برستيد» أن الجراح ناقش كل حالة من حالات هذه البردية بأسلوب مرتب من حيث المنهج، ولم يعدل عن ذلك إلا في ست حالات، فقد نظم الحالات وفق: عنوان الحالة، الفحص، التشخيص، العلاج إلا في الحالات السيئة، بيانات تفسريية لعبارات طبية غامضة.
تألفت البردية من سبعة عشر عمودًا أفقيا من النصوص على وجه واحد في 377 سطراً، وخمسة أعمدة من النصوص على الظهر في 92 سطراً. وهي مكتوبة من اليمين إلى اليسار بالهيراطيقية، بالحبر الأسود مع التوضيح بالحبر الأحمر.
واهتمت الغالبية العظمى من البردية بالإصابات والجراحة، مع أقسام قصيرة عن أمراض النساء ومستحضرات التجميل في الجزء الخلفي.
وعلى الجانب الأمامي، هناك 48 حالة إصابة، توضح كل حالة نوع الإصابة وفحص المريض والتشخيص والعلاج.
ويتكون الجانب المقابل من ثمانية تعاويذ سحرية وخمس وصفات طبية؛ حيث تعد تعاويذ ذلك الجانب وكل من الحالة 8 والحالة 9 استثناءات للطبيعة العملية لهذا النص الطبي. ربما كان استخدام التعويذات كملاذ أخير في الحالات الصعبة.
وتصف البردية، في اللوحتين 6 و7 الملاحظات التشريحية والجراحة التطبيقية والفحص والتشخيص والعلاج لأزيد من 48 نوعا من الأمراض والمشاكل الطبية بشكل مفصل. من بين العلاجات الموصوفة: إغلاق الجروح مع خياطة الجروح، ومنع العدوى وعلاجها باستخدام العسل والخبز المتعفن.
كما تتحدث البردية عن وقف النزيف باستعمال اللحوم النيئة، وكذلك علاج الشلل من الرأس وإصابات النخاع الشوكي، ومن خلالها نتعرف على الطب المصري القديم. وتذكر البردية كذلك علاج إصابات الرقبة والذراعين والجذع، حيث تفصل الإصابات بترتيب تشريحي تنازلي مثل العرض التشريحي الحديث.
ويوضح عنوان كل حالة طبيعة الصدمة، مثل «التعامل مع فجوة جرح في رأسه، والتي اخترقت العظم وقسمت الجمجمة». حيث تضمنت عملية الفحص الموضوعي أدلة بصرية وشمية، وجسًا وأخذ النبض.
بعد الفحص يتم التشخيص، حيث يحكم الطبيب على فرص بقاء المريض على قيد الحياة ويقوم بإجراء واحد من ثلاثة تشخيصات: «مرض سأعالجه»، «مرض سأواجهه»، أو «مرض لا يمكن علاجه». وأخيرًا، يتم تقديم خيارات العلاج. في العديد من الحالات، يتم تضمين شرح للإصابة لتوفير مزيد من الوضوح.
تشخيص وعلاج
من بين العلاجات المذكورة بالبردية إغلاق الجروح بالغرز لجروح الشفة والحنجرة والكتف؛ وكذلك طرق التضميد، الجبائر، الكمادات، منع وعلاج العدوى بالعسل، ووقف النزيف باللحم النيء. وضمت البردية نصائح بمنع الحركة لإصابات الرأس والحبل الشوكي، بالإضافة إلى كسور الجزء السفلي من الجسم.
كما تضم البردية أيضًا ملاحظات تشريحية وفسيولوجية ومرضية واقعية؛ منها أول أوصاف معروفة للتراكيب القحفية والسحايا والسطح الخارجي للدماغ والسائل الدماغي الشوكي والنبضات داخل الجمجمة. تظهر البردية كذلك الإجراءات التي تشملها البردية مستوى المعرفة المصرية القديمة للأدوية بشكل يتجاوز «أبقراط»، أسطورة الطب الإغريقي الذي عاش بعد 1000 عام من كتابة أوراق البردي هذه. وتوضح البردية، أيضا، المعرفة القديمة بتأثير إصابات الدماغ على أجزاء أخرى من الجسم، مثل الشلل. كما تم تسجيل العلاقة بين موقع الإصابة في الجمجمة وجانب الجسم المصاب، في حين لوحظ أن إصابات سحق الفقرات تضعف الوظائف الحركية والحسية. نظرًا لطبيعتها العملية وأنواع الإصابات التي تمت دراستها فيها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: بردية سميث الطب العالم القديم فی عام
إقرأ أيضاً:
الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: الحرس القديم عطل إعادة معمودية الكاثوليك
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الأب جون جبرائيل الراهب الدومنيكاني، المتخصص في اللاهوت العقيدي أنه كان من المفترض أن يكون هناك إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك خلال زيارة البابا فرانسيس لـ الكنيسة القبطية الأرثوكسية بمصر، مكملاً أنه ولظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقف هذا الموضوع.
واضاف الأب جون جبرائيل فى تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» : نوضح أن الكنيسة الكاثوليكية هى كنيسة مؤسسات، فهي تعمل بدساتير ووثائق فليس هناك بابا يستطيع أن يلغي أو يخفي الوثائق التي تسبقه؛ فالبابا فرانسيس في علاقته مع الكنائس الأرثوذكسية «اللا خلقدونية»، فقد صار في مسار الكنيسة الكاثوليكية التي بدأت في الخمسينات، حيث بدأ الحوار مع كنائس الروم الأرثوذكس، وتسمى هذه الحركة باسم «الآباء الجدد»، فقد اجتمعوا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها خصوصاً في باريس.
وتابع، ومن ناحية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، أبرزهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومن المعتاد أن يولي بابا الفاتيكان اهتماماً بالكنائس الضخمة مثل الأنجليكانية أو الروم الأرثوذكس؛ ولكن أولى البابا فرنسيس اهتماماً كبيراً بالكنيسة القبطية ونشأت صداقة بينه وبين البابا تواضروس الثاني، وبدأ هذا الاهتمام منذ لقاء البابا بولس السادس مع الأنبا شنودة الثالث قبل أن يرسم كبطريرك للكنيسة القبطية، ونوصف هذا العلاقة بأنها علاقة محبة، واستمرارية وذلك في ظل وجود بطريرك محب ووديع ويملك عقلية منفتحة مثل البابا تواضروس الثاني.
مشاكل عقائدية ولاهوتية
وأكمل، هناك تطور في العلاقة ولكن فقط من ناحية الكنيسة القبطية وصراعاتها الداخلية، فالكنيسة الكاثوليكية ترى أنه ليست هناك مشاكل عقائدية ولاهوتية كبيرة، بينما على جانب الكنيسة القبطية، نرى خلافات أكثر وخصوصاً في وجود البابا تواضروس الثاني، مع وجود تيار موال للبابا الذي يسبقه، فهناك صراعات داخلية وتصفية حسابات؛ فيضغط هذا التيار على البابا تواضروس، فمثلاً كان هناك حديث عن إعادة إيقاف المعمودية وهو شيء لم يتم أبداً في تاريخ الكنيسة القبطية غير بعد وصول البابا شنودة بسنوات؛ فإذن هو شيء فرضه البابا شنودة على الكنيسة؛ وذلك بسبب ضغط بعض الأساقفة الملقبين بالحرس القديم وهذا الذي يوقف التطور، في النهاية الكنيسة الكاثوليكية ثابتة على موقفها والكنيسة الكاثوليكية لا تستطيع أن تدخل في صراعات الكنيسة القبطية الداخلية، ولكنها تُبقي القنوات مفتوحة وخصوصاً أنه ليست هناك خلافات لاهوتية كبيرة بين الكنيستين، فالكنيستان رسوليتان وعريقتان.
معمودية الكاثوليك
واختتم الأب جون معلقاً على زيارة البابا فرنسيس لمصر، كان من المفترض أن يكون في هذه الزيارة إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك، وهذا في الكنائس التقليدية ترفضه، فكيف لكنيسة رسولية أن تعمد شخص من كنيسة رسولية أخرى؛ فهذا شيء مريب، ولاهوتي، ولكن لظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقفت هذا الموضوع، ودائماً تكون هذه الاتفاقيات في التعاون، ولكن أكبر اتفاق قد حدث كان مع البابا شنودة الثالث وكان يتعلق بالمسيح وناسوته، وكان ذلك أساس الانشقاق القديم؛ فإذن العقبة الكبيرة قد تم إزالتها فإذن لم يتبق الكثير.
بابا المحبة والسلام... كيف وطد البابا فرنسيس علاقته مع كنائس العالم؟