الفاشر- لا تهتم السودانية مريم عبد الله (41 عاما) بالمواجهات المسلحة الدائرة حاليا في البلاد، ولا تتحدث عنها كثيرا رغم مقتل زوجها قبل فترة قصيرة، فقد بات كل همّها الحصول على فرصة لإجراء عملية جراحية بمستشفى النساء والتوليد في مدينة الفاشر، أقدم مدن إقليم دارفور غربي السودان.

وتعاني مريم مرضا في الأوردة الدموية منذ 3 سنوات، وهي بحاجة لعملية جراحية عاجلة، وباتت واحدة من عشرات المنتظرين على أبواب غرف العمليات في ما تبقى من مستشفيات عاملة.

وتحدثت مريم للجزيرة نت بعد أن وصلت من قرية روكرو، بمنطقة شرق "جبل مره"، وقالت إنها فقدت زوجها في القتال الدائر مؤخرا بين قوات الجيش والدعم السريع، وتسببت معاناتها النفسية في تفاقم وضعها المرضي.

وتنتظر مريم منذ 5 أشهر لإجراء الجراحة من دون أن تجد سبيلا لها، وتقول "قسَت علينا الحرب كثيرا".

وحلم مريم بالشفاء والتخلص من أوجاعها يشاركها فيه عدد كبير من النسوة اللاتي ينتظرن داخل ردهات وأقسام المستشفى شبه المنهار، بعد أن ضربت الحرب المؤسسات الصحية، خاصة في إقليم دارفور.

مريضتان تنتظران دورهما لإجراء عمليات جراحية بمستشفى النساء والتوليد في مدينة الفاشر (الجزيرة) واقع مرير

وتُعد مدينة الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور) واحدة من أقدم مدن الإقليم تاريخيا، ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة من جملة سكان الإقليم البالغ عددهم نحو 9.5 ملايين نسمة.

وإلى جانب مراكز ومشاف صغيرة، تضم مدينة الفاشر 5 مستشفيات رئيسية، وهي المستشفى التعليمي، والمستشفى التخصصي للنساء والتوليد، والمشفى العسكري، ومشفى الشرطة، ومستشفى جنوب الفاشر.

وتوقف اثنان من هذه المستشفيات عن الخدمة تماما بسبب الحرب، في حين تعمل مستشفيات "جنوب الفاشر"، و"النساء والتوليد"، و"العسكري" الخاص بالقوات المسلحة، في ظروف صعبة.


مهددات العمل

من جهته، يقول مدير عام وزارة الصحة بحكومة شمال دارفور أحمد محمد الدومة إن انعدام التمويل ونقص الدواء والمستلزمات الطبية من أكثر مُهددات العمل بالمستشفيات هنا، خاصة في مستشفى النساء والتوليد.

وأضاف الدومة -في حديث للجزيرة نت- أن "الرعاية الصحية باتت ضحية الحرب" في دارفور، وتحدّث عن مغادرة عديد من الأطباء الاختصاصيين إلى مناطق أخرى أكثر أمنا، وعن تعرض عدد من المستشفيات لدمار كبير وبنسب متفاوتة، ما سبب خللا في الواقع الصحي.

ومن المراكز الطبية التي تعرضت للدمار مستشفيات محليتي "طويلة" و"كبكابية" غرب الفاشر، التي انهارت تماما بسبب القتال.

مستشفى محلية طويلة بولاية شمال دارفور خرج من الخدمة بسبب تضرره من القتال المسلح (الجزيرة) حالات مضاعفة

وبسبب وقف الخدمة في عدد من المراكز الطبية، لم تعد المستشفيات العاملة في الإقليم قادرة على استقبال جميع المرضى، ومنها مستشفى "النساء والولادة" بمدينة الفاشر على وجه خاص، الذي يعاني اكتظاظ المريضات والحوامل بصورة كبيرة.

وحسب معطيات وزارة الصحة في الولاية، فإن مستشفى الولادة يستقبل يوميا أكثر من 50 حالة ولادة، وهو أعلى رقم منذ بداية الحرب في السودان، مقارنة بـ20 إلى 25 حالة يوميا قبل الحرب.

هجرة الأطباء

من ناحيتها، تقول الطبيبة هادية إسماعيل آدم، من مركز "أولاد الريف الصحي" في مدينة الفاشر، إن ولاية شمال دارفور شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية مغادرة عدد كبير من الأطباء المميزين إلى خارج البلاد، أو إلى عائلاتهم في مناطق أخرى، وكذلك في بقية ولايات دارفور.

وأشارت الطبيبة إلى تحديات وصول الرعاية الصحية للفقراء في القرى والمحليات البعيدة عن مركز الولاية. وقالت إن ذلك بات يمثل مشكلة كبيرة، خاصة مع استمرار القتال وزيادة تأثيره على القطاع الصحي الذي يعاني بشكل مرير.

وتسبب الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع في إلحاق خسائر فادحة بالمرافق الصحية في العاصمة الخرطوم وبعض المدن، ولكن القتال الذي اجتاح إقليم دارفور المضطرب منذ فترة طويلة أحدث خللا في المؤسسات الصحية التي تعاني منذ عدة عقود.

يقول المدير الطبي لمستشفى النساء والتوليد بمدينة الفاشر الطبيب مهند آدم صالح، للجزيرة نت، إن "المستشفى يعاني من مشكلات متراكمة تتمثل في شُح مستلزمات العمليات ووحدات الدم والأدوية العلاجية.

ويرى صالح أنه علاوة على ذلك يكتظ المستشفى بالمرضى، خاصة بعد الأحداث التي شهدتها مدينة نيالا (مركز ولاية جنوب دارفور)، حيث فرت أعداد كبيرة نحو مدينة الفاشر للحصول على العلاج. وشدد على ضرورة إنقاذ الوضع "المعقد والصعب للغاية"، على حد وصفه.

في حين قال طبيب آخر بالمستشفى ذاته (فضل عدم ذكر اسمه) إن الوضع الصحي والإنساني في الإقليم "متدهور"، مما يتطلب تدخلا دوليا عاجلا. ولفت إلى ضرورة إمداد القطاع الصحي بالمستلزمات الطبية والدواء ووحدات الدم "وهذا لا يحتمل التأجيل والمماطلة" في ظل الكارثة التي تهدد المستشفيات المكتظة، حسب تعبيره.

 

 

متطوعون

ورغم المواجهات المسلحة المستمرة بين الطرفين، فإن مجموعات من الشباب المتطوعين تمكّنت من تخفيف المعاناة عن مئات المرضى بالمستشفيات، خاصة النساء والأطفال.

وفي هذا السياق، تقول المتطوعة محاسن إسماعيل، التي تنشط في مستشفى الولادة بالفاشر، إنهم أعادوا تشغيل المستشفى بجهود ذاتية بعد أن توقف عن العمل تماما بسبب الحرب. وأضافت "تمكّنا من الحصول على دعم جيد من الخيرين يتمثل في الأدوية ومستلزمات الجراحة، مما أسهم في إجراء أكثر من 700 عملية جراحية لحوامل ونساء مريضات خلال شهر، بجانب إدخال منظومة للطاقة الشمسية لدعم كهرباء المستشفى، وكذلك توفير خزان للمياه النقية".

وقال المتطوع حمد النيل مختار، إن المتطوعين أسهموا في توفير الغذاء والدواء والمياه، ودعا "الخيّريين والمنظمات الإنسانية" لمساعدة المتأثرين بالحرب في دارفور، وخاصة المرضى.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مدینة الفاشر شمال دارفور

إقرأ أيضاً:

صورة: مصطفى : تطوير القطاع الصحي أولوية لدى الحكونة الفلسطينية

أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى اليوم الأحد 30 يونيو 2024 ،  أن تطوير القطاع الصحي في فلسطين وبناء نظام متكامل ومستدام يشكلان أولوية لدى الحكومة.

وشدد مصطفى، خلال ترؤسه اجتماعا لبحث توطين الخدمات الصحية، في مكتبه ب رام الله ، على ضرورة تعزيز الثقة بالنظام الصحي، ومعالجة التحديات التي يواجهها القطاع الصحي، من خلال الخطط الحالية والمستقبلية التي يتم العمل عليها، مؤكدا أهمية التعاون والتكامل بين جميع أركان القطاع الصحي: الحكومي، والخاص، والأهلي.

وفيما يخص نظام شراء الخدمة- التحويلات الطبية، الذي يشكل تحديًا كبيرًا للموازنة العامة، قال رئيس الوزراء: "من الضروري تطوير نظام التحويلات الطبية ليكون نموذجياً وشفافًا، وقد وقعنا عدة اتفاقيات مع جهات دولية خاصة بهذا الشأن. وبالتزامن، يجري العمل على مراجعة نظام التأمين الصحي وتطويره".

واستعرض وزير الصحة ماجد أبو رمضان رؤية الوزارة لتوطين الخدمات الصحية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة وتوفيرها بشكل متساوٍ للجميع، وتحسين الوصول إليها، وتقليص الحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج، للتسهيل على المواطنين في الحصول على الخدمات العلاجية، وتقليل تكلفة فاتورة التحويلات الطبية، ودعم الاقتصاد المحلي، واستقطاب طواقم طبية متخصصة.


 

وأكد أبو رمضان رؤية الوزارة لتطوير خدمات الرعاية الصحية الأولية الشاملة، وإعادة النظر في توزيع بعض الخدمات الصحية لتغطية الجغرافيا الفلسطينية كاملة، بما يلبي احتياجات المواطنين ويسهّل حصولهم على الخدمات، وبما يقلل الحاجة إلى التنقل بين المحافظات.

وأشار أبو رمضان إلى أن الأورام والقسطرة القلبية وملحقاتها، والعناية بحديثي الولادة والخدج هي أعلى الخدمات الطبية تكلفة التي يتم شراؤها من خارج مستشفيات وزارة الصحة.

وشارك في الاجتماع ممثلون عن الجهات ذات العلاقة، بينهم وزراء: المالية عمر البيطار، والاقتصاد الوطني محمد العامور، والتنمية الاجتماعية سماح حمد، والعمل إيناس العطاري، إضافة إلى وكيل وزارة العدل أحمد ذبالح، ومدير المكتب التنفيذي للإصلاح المؤسسي محمد الأحمد.

المصدر : وكالة سوا

مقالات مشابهة

  • الكنيسة الكاثوليكية تحتفل بذكرى القديس بلاجيوس الصبي الشهيد
  • “الميداني الأردني غزة/78” يستخرج شظية من جمجمة طفل وينقذ يد فتاة من البتر
  • صورة: مصطفى : تطوير القطاع الصحي أولوية لدى الحكونة الفلسطينية
  • مسؤول: وجود الجيش الإسرائيلي في غزة رهن "القوة البديلة"
  • لجان مقاومة الفاشر بولاية شمال دارفور: مقتل الناشط إبراهيم عبد الرحيم “شوتايم”
  • الأونروا ترصد أوضاع أهالي قطاع غزة المأساوية بعد 9 أشهر من الحرب
  • في كلمتها أمام المؤتمر العالمي للبرلمانيات بقطر.."الكيلة": الفلسطينيات رحن ضحية إرهاب الاحتلال في غزة
  • مناشدات لحماية المدنيين في حرب السودان بعد دعوة «هيومن رايتس ووتش» لنشر قوات أممية
  • احتجاز الجثامين في المستشفيات ظاهرة تتسع في مناطق سيطرة الحوثيين
  • دبي تستقبل أكثر من 8 ملايين سائح دولي في خمسة أشهر