فيديو لقصيدة كريم العراقي قبل رحيله في المستشفى
تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT
أبو ظبي - صفا
أعاد مغردون نشر قصيدة ألقاها الشاعر العراقي، كريم العراقي، على سرير المرض، بعد رحيله الجمعة عن عمر ناهز 68 عاما، وترك الشاعر الراحل سجلا شعريا كبيرا.
وصوّر الفيديو لكريم العراقي داخل مستشفى كليفلاند في أبو ظبي، في يوم 31 أغسطس عام 2022، حيث كان يتعالج من مرض السرطان.
وألقى أبياتا من قصيدة "الأرض حبلى"، وكان منها: "ضاقت علي كأنها تابوت.
"والصبر يعرف من أنا منذ الصبا.. وشم له في أضلعي منحتو".
ورغم الوهن الكبير الذي بدا عليه الشاعر العراقي بسبب المرض، إلا أن الابتسامة هيمنت على وجهه.
ولهذه القصيدة معنى بالغ في حياة الشاعر الراحل، إذ كتبها بعد أن انقطع عن كتابة الشعر إثر إصابته بمرض السرطان وهو ما استدعى علاجا مكثفا.
وكان مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الثقافية عارف الساعدي أعلن في وقت سابق الجمعة رحيل الشاعر الكبير.
وقال الساعدي على صفحته الرسمية في "فيسبوك": "أنعي لكم الشاعر كريم العراقي الذي رحل فجر هذا اليوم في أبوظبي".
يموت الشاعر و لا تموت القصيدة
عزاء واجب لكل محبي الشعر العربي في وفاة الشاعر الكبير الأستاذ #كريم_العراقي أحد أبرز الشعراء العرب المعاصرين ، نسأل الله أن يتقبله بواسع الرحمة والمغفرة، وأن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان وانالله وانا اليه راجعون. pic.twitter.com/OznglfEEkR
من هو كريم العراقي؟
ولد في بغداد عام 1955.
حاصل على دبلوم علم النفس وموسيقى الأطفال من معهد المعلمين في بغداد.
عمل كريم العراقي معلما في مدارس بغداد لعدة سنوات ثم عمل مشرفا متخصصا في كتابة الأوبريت المدرسي.
بدأ الكتابة والنشر منذ كان طالبا في المدرسة الابتدائية في مجلات عراقية عديدة منها: مجلة المتفرج، والراصد، والإذاعة والتلفزيون، وابن البلد، ووعي العمال ومجلة الشباب.
حصل على جائزة منظمة اليونسيف لأفضل أغنية إنسانية عن قصيدة تذكّر التي لحنها وغناها الفنان كاظم الساهر.
من أعماله، ديوان "للمطر وأم الضفيرة"، "ذات مرة"، "سالم يا عراق"، "الخنجر الذهبي"، و"الشارع المهاجر".
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: كريم العراقي رحيل الشاعر كريم العراقي کریم العراقی
إقرأ أيضاً:
"بضدها تتميز الأشياء".. رؤية فنية لعينية ابن زريق "قمر في بغداد"
د. جمال فودة **
لوحة فنية رائعة رسمها ابن زريق لتحاكي تجربة نفسية مريرة عاشها في غربته؛ حيث لا أهل ولا وطن، لم يكن أمامه إلا أن يسطر بمداد من قلبه تلك الكلمات التي خلدت ملحمة إنسانية تفيض بالشجن، ولسنا بصدد شرح لمعنى القصيدة، فقد كتبها ابن زريق بأسلوب السهل الممتنع، وحسبنا هنا أن نسلط الضوء على أبرز الملامح الأسلوبية في بنية القصيدة.
بنية التضاد والمقابلة
عمد الشاعر إلى التضاد والمقابلة كركيزة أساسية بنى عليها قصيدته؛ وذلك للتعبير عن هذه المتناقضات المؤتلفة والمؤتلفات المختلفة، حيث يكتسب العمل الفني ديناميكية وحرارة تثري الحركة داخل النص، ولا تأتي أهمية التضاد والمقابلة من غرسهما في بنية النص، ولكن الأهم هو أن يُحسن الشاعر توظيفهما حيث يصبح التقابل مرتكزًا بنائيًا يتكئ عليه النص في مكوناته وعلاقاته.
ويكمن جمال المقابلة في خلق المفاجأة بالانتقال من نقطة إلى أخرى تضادها أو تحدث توترًا بينهما، مما يحدث متعة جمالية لدى المتلقي من وراء هذه المفارقات التي تتيح له فرصة البحث والكشف عن أسرار هذه الهيئات وسبر أغوارها، وعلاقة ذلك كله بالدلالة النصية، وبذلك يسهم المتلقي في كشف رسالة البث الشعري.
لقد استطاع ابن زريق أن يوزع المقابلة على مستوى النص، ليجعل منها نواة يتحرك المعنى حولها، فتبعث سكونه، إذ تمثل المقابلة مؤشرًا بيانيًا للنزعات النفسية التي تموج بها حركية النص، مما يجعل الدلالة قادرة على استيعاب تموجات الشعور ودفقاته.
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي// صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
إنه صراع أزلي بين القلب والعقل، فوداعه لها بالعقل، أما القلب فله رأي آخر، فلو نأت بهما البلاد فالمدى بين القلوب قريب، ولأسلوب التناقض دور أساسي في تصوير التجربة والتعبير عنها، والتناقض - هنا - له صفة الشمول والكلية في بنية النص، وليس مجرد فكرة تساعد على إبراز المفارقة بين موقفين.
لقد أحصينا ثمانية عشر موضعًا للتضاد والمقابلة في بنية القصيدة، ومنها على سبيل المثال :(لا تعذليه/ العذل)، (سمعت/ ليس يسمعه)، (يضر/ ينفعه)، (الرفق، عنفه)، (آب/ سفر)، (حل/ مرتحل)، (واصلة/ تقطعه)، (حرصا/ تقنعه)، (يعطي/ يمنعه)
(ودعته/ لا أودعه)، (تشفع/ لا تشفعه)، (وسع/ لا يوسعه)، (هجع/ لست أهجعه)، (أمضت/ ترجعه)، (فأضيق/ أوسعه)، (بفرقتنا/ تجمعه).
يعد التضاد اللغوي والمفارقة التصويرية سمتًا واضحًا من سمات ابن زريق، فهو لا يذكر كلمة إلا واستدعى ما يقابلها في اغلب الأحيان، فيصبح النص - حينئذ - مجموعة من الطبقات المتعارضة على مستوى البنية الداخلية، كما يكتسب النص طابعًا دلاليًا رحبًا ينشأ من المقابلة بين الأنماط اللغوية المتعددة، الأمر الذي يوحى بوجود علاقة خفية بين الأشياء تكمن في العمق وتظهر آثارها على السطح، ومن المحاور الدلالية للمقابلة في هذه القصيدة " محور تقابل الأزمان "، حيث يتعامل الشاعر مع الزمن ليس فقط بمفهومه الطبيعي بوصفه مجرد نتاج للحوادث، ولكن أيضًا بمفهومه النفسي المرتبط بمأساة الشاعر الشخصية، والزمن عند " ابن زريق " هو " الزمن الذي يؤطر منزعًا عاطفيًا أو يلازم نزعة فكرية لديه، فنلاحظ أن المأساة تتلخص فيما كان فيه وفيما أصبح عليه:
اعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ // كأسًا أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
فالماضي والحاضر ليس لأي منهما دلالة منفصلة عن الآخر، والتضاد الذي بينهما تقل مسافته بالتطور الذي يلحق الطرفين عن طريق تنامي الأول منهما في ضوء الثاني، وتلاشي الثاني في ضوء الأول من خلال التفاعل، وذلك لأن كل طرف من طرفي التناقض يحمل بعدًا شعوريًا لدى الشاعر أو بمعنى آخر يعبر عن حالة خاصة من حالات تجربته الشعرية.
لقد جاء هذا التقابل في إطار شكوى الشاعر الزمن وما حل به، لقد أبدل بالكوثر العذب وسدرته زقومًا وغسلينا! ولا يقف دور التضاد عند نقل التناقض فحسب؛ بل يقوم بدور الباحث عن الأمل بين أنقاض اليأس وركام الإحباط.
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا // أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
كما يترك التضاد مساحة للمتلقي ليشارك في الوقوف على دلالة المقابلة، وذلك عن طريق التصرف في طبيعة التركيب واستغلال إمكانيات اللغة لمزج المتناقضات في كيان واحد يعانق في إطاره الشيء نقيضه، ويمتزج به مستمدًا منه بعض خصائصه، ومُضفيًا عليه بعض سماته، تعبيرًا عن الحالات النفسية والأحاسيس الغامضة المبهمة التي تتعانق فيها المشاعر المتضادة.
يعكس هذا البيت حركة تقابلية تمثل آصرة نفسية، حيث يستقطب هذين النقيضين محور واحد هو الواقع الذي لا يعطي قدر ما يأخذ، ومن ثم يتضام كل تركيب مع دلالته، وبين استيحاء الدلالة واستيحاء عكسها تكمن المفارقة؛ ليستشرف أملًا بين ثنايا اليأس، ويلتمس قبسًا من نور خلف المحاق والدجى الذي يتمنى أن يتبعه انبلاج الفجر.
عِلمًا بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجًا // فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
فلا يملك إلا الصبر؛ بل الاصطبار، وهو أمر لا يعرفه إلا من يكابده، فهو يحسن الظن بربه، وينتظر الفرج بعد الكرب والهم والضيق، وإلا فليقض الله أمرًا كان مفعولًا.
وهكذا استطاع ابن زريق أن يكشف من خلال التقابل طبيعة الواقع النفسي الذي يعيشه ويعانيه في ظل الآصرة الوجودية التي تربط بين الماضي والحاضر.
إننا لكي نعي مثل هذه التقابلات الشعرية بحاجة إلى أن نتعالى فوق المنطق التقليدي لنلوذ بمنطق آخر هو منطق الشعر ذاته، ذلك المنطق الذي لا يأبى اتحاد الأضداد، ولا يحول دون امتزاج المتقابلات، ويرضى بأن تُقدم الأشياء والأفكار ممتزجة بالعواطف والانفعالات، أو لنقل يؤمن بأن هذه العواطف وتلك الانفعالات هي الروح التي تسري في الأفكار، والدماء التي يجريها الشاعر في الأشياء.
إنَّ التقابل بهذا الشكل يمثل نوعًا من التضافر الأسلوبي الذي يعمل على تماسك العمل الفني، ويجعل الدلالة المطروحة متماسكة لا يكاد ينفرط عقدها؛ مما يجعلها أكثر إيحاءً ونجاحًا لدى المتلقي، كما مثلت ضربًا من الالتفات الذي ينعش البث الشعري ويُوقظه.
عضو الاتحاد الدولي للغة العربية، كاتب وناقد وأكاديمي مصري