صحيفة الأيام البحرينية:
2025-03-16@00:11:36 GMT

قراءة في رواية «عندما بكى نيتشه»

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

قراءة في رواية «عندما بكى نيتشه»

«عندما بكى نيتشة» رواية من تأليف الطبيب النفسي إرفين يالوم، أستاذ التحليل النفسي في جامعة ستانفورد، والذي تعمد إيصال أفكاره النفسية لتلاميذه بالأسلوب الروائي الفلسفي. إذ تعد هذه الرواية إحدى رواياته الخيالية العميقة، والتي تجمع بين الرؤية النفسية والفلسفية، وقد اختارلها شخصيات مهمة في تاريخ الفلسفة وعلم النفس، كالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، والدكتور جوسيف بروير، المشهور بأبحاثه في موضوع الهستيريا، ومطور العلاج بالمحادثة «طريقة التفريغ»، وإقامة أساسيات التحليل النفسي الذي طوره ربيبه سيغموند فرويد، أحد أهم شخصيات الرواية، بالإضافة لشخصية لوسالومي، الكاتبة والمحللة النفسية التي عشقها نيتشه.

وبلا شك فإن اختيار الكاتب للعنوان أيضا قد كان شيقًا جدًا وذكيًا بالفعل! فكيف لشخص بكل هذه القوة كنيتشه أن يبكي! هذا العنوان ما جذبني للكتاب ودفعني لاختياره بسبب فضولي لمعرفة الجانب الآخر من شخصية نيتشه، باعتبار أنّي مهتمة لقراءته ومشغوفة بأفكاره ومعجبه بفلسفته القوية جدًا، فلم أكن أتوقع بأن شخص عدمي هكذا، يبكي يومًا ما! أما ما تضمنته الرواية من حوارات فبغض النظر عن أنها كانت خيالية، إلا أن الكاتب استطاع أن يستنبط شخصية كل منهما من خلال سيرتهم وأساليبهم وفلسفاتهم. تدور الرواية حول رحلة العلاج المتبادلة والملحمة النفسية الفلسفية بين نيتشه بروير، وبين بروير وتلميذه فرويد. تغلغلت الرواية في أعماق النفس البشرية حيث كانت مليئة بالأحداث والأفكار العمق الفلسفي والنفسي. والكثير من التحليل النفسي لنوازع النفس وخباياها وانغماسات الفكر، والغرائز الإنسانية والرغبة والفضيلة والحق والواجب والخير والقوة... وقد تحولت الرواية إلى فيلم رائع جدًا في عام 2007. بدأت أحداث الرواية في ثمانينات القرن الماضي في مدينة سان سالفتور. وتتمثل بدايتها برسالة وقحة على حد تعبير الطبيب بريوير من الفتاة الروسية لوسالومي تتمحور حول مستقبل الفلسفة الألمانية والتي باتت في خطر بعد اكتئاب نيتشه الفيلسوف الأعظم، بعد ذلك يتقابل بريوير مع لوسالومي وتطلب منه معالجة نيتشه من اليأس وداء الشقيقة، ليعدل عن رغبته في الانتحار، كونها طرفًا أساسيًا في اكتئابه. رفض الطبيب في البداية علاجه ولكنه لم يقاوم جمال الفتاة، وقال إن فتاة كهذه لا يجب أن يرد عليها بكلمة لا، لذلك يوافق على معالجة نيتشه لشدة افتتانه بجمال لوسالومي، لكن بقي عليها أن تقنع نيتشه بذلك عن طريق صديقه؛ لأن لنيتشه آراء قوية عن الضعف والقوة ساهمت في صعوبة اقناعه بالعلاج. بعد فترة يبدأ علاج نيتشه مع الطبيب، تتخلله مناقشة مواضيع عديدة كالموت والإله والشيخوخة والخوف من سن الأربعين والزواج والفضائل كالإخلاص والواجب والأخلاق وفكرة التكرار الأبدي والحرية ومواضيع فلسفية مختلفة كان لها النصيب الأكبر في الرواية. تسير أحداث الرواية ببطء وخاصة الجزء المتعلق بعلاج نيتشه وتحديدًا العلاج بالتنويم المغناطيسي لأنه على حد تعبيره الهدف منه السيطرة علی الآخرين، وخلال الأحداث يكتشف الطبيب أنه هو الآخر يعاني من ألم نفسي، فيأخذنا الكاتب في رحلة لتحليل النفس البشرية ومكنوناتها مع عدم فقدانها لعنصر التشويق في بعض فصولها، ويصاحبنا في هذه الرحلة فرويد ففي كل مرحلة من مراحل العلاج يلجأ الطبيب إلى استشارته كخبير في التحليل النفسي، ومستفيداً من تجاربه في تفسير أحلام المرضى. وتغيب لوسالومي في بداية الرواية ثم تظهر فجأة وتحاول من الطبيب معرفة صحة نيتشه فيرفض طلبها، متعللاً بواجبه الطبي في حفظ أسرار مرضاه. فدافعه الحقيقي هذه المرة إعجابه بأسلوب نيتشه في ربط الأفكار مع أحلامه، فقد كانت طريقة نيتشه والطبيب في العلاج هي التبادل المهني في الأدوار. هدف هذا التبادل العدول عن قرار نيتشه بإنهاء العلاج عند الطبيب. مع العلم أن نيتشه ذهب إلى أكثر من طبيب لتلقي العلاج لكن دون فائدة. على الرغم من ان الاضطرابات والعقد كانت واضحة على شخصية بروير في الفيلم، ألا أنها كانت من وجهة نظري اضطرابات عادية تواجه الكثير من الاشخاص، فأكثر شيء جذبني في بروير هو تعلقه بمريضته المسماة بيرثا، المصابة بحالة شديدة من الهستيريا، وكان بروير مهتم جدًا بحالتها على نحوٍ غريب، لدرجة أنه جعل من زوجته ماتيلد أن تغار منها. ولكن في نهاية الفلم اكتشف نيتشه أن والدة بروير كانت تحمل نفس الاسم، وفارقت الحياة عندما كان في سنته الخامسة، حيث أمضى حياته من دونها، مما جعله يتعلق بشكل لا واع في مريضته ومطاردتها له في احلامه وواقعه ويقظته، وتعلقه بها بسبب عقدته الأوديبيه تجاه فقد والدته، إلى أن وصل لحالة من الاكتئاب واختلال حياته الأسرية وتفكيره بالهروب منها. أما شخصية نيتشه وهي مستهدفي في التحليل، والتي سأحاول أن أدخل في تفاصيلها بشكل أكبر، فقد اشتهر بشخصيته القوية وأفكاره الفلسفية حول إرادة القوة، وكرهه للنساء على وجه الخصوص، كل تلك القوة الظاهرة، كيف تغيرت عندما اقتربنا من جانبه الإنساني وجانبه اللاواعي! حاول الكاتب جاهدًا أن يبين لنا الضعف الإنساني والمكبوتات التي عانى منها نيتشه، والتي أوصلته للانتحار. فلو بدأنا من طفولته، فسنرى عقدة أوديبية لديه، حيث عاش علاقة سيئة جدًا مع والدته، وامتد ذلك السوء لعلاقته مع أخته حتى الكبر، فقد كونت ظروفه وجهة نظره السلبية والعدائية تجاه النساء وافقدته الثقة فيهم حتى قال: «إن كنت ذاهب لامرأة فاحمل سوطك معك». بات نيتشه على هذا الحال إلى أن غدا في علاقة جديدة ارتبط فيها بفتاة شديدة الجمال والفطنة، ذكية جدًا وذات شخصية قوية تعكس فلسفته في القوة، وكأنها الشخصية التي يحتاجها فعلا لتكمله. أعجب نيتشه بلو سالومي، وقضى معها مرحلة حب رومانسية بعد لقائهما في إحدى محاضراته الجامعية. أما هي فأعجبت بقوته وجرأته وأفكاره. فعاشا أيامًا جميلة مع بعضهما، ولكن الصدمة جاءت بعد أن طلب نيتشه الارتباط به، فرفضته وقطعت العلاقة بينهما، وهنا عاش نيتشه صدمته الأخرى تجاه النساء، وأصيب باكتئاب شديد. كما أثر فيه هذا الموقف وكأنه نشّط مكنوناته تجاه النساء فكان يصف لو سالومي بالخبيثة المفترسة، وخصوصًا أنه اكتشف بأنها وصديقه المفضل في علاقة، فبدا له أن الاثنان يخونانه، وذلك حفز لديه مشاعره الاكتئابية بشكل كبير، حتى وصل للانتحار، وأيضًا قد مارس السلوك الانتحاري كضرب النفس وعدم اللجوء للعلاج. ففقد نيتشه ثقته الكاملة بالجميع، وصار منعزلًا، وأصبح متسترًا على ذاته ولا يفصح لأي أحد بشيء، وبات يخاف من أي علاقة جديدة. ولهذا لاقى بروير مشكلة كبيرة، فقد كانت فكرة لجوء نيتشه للعلاج صعبة؛ فكيف لشخص مثله أن يقتنع بالعلاج النفسي أو أن يفصح لأحد بأسراره وخباياه! كيف من الممكن أن تتعامل مع شخص عمّم جميع افكاره السوداوية على كل شيء في حياته؟ بيد أن لو سالومي استطاعت اقناعه باللجوء للعلاج كعلاج للحالة الفسيولوجية التي يمر بها. وفي أثناء الملحمة العلاجية، لاحظ بروير أن نيتشه لا يرضى أن يسلم نفسه أو أن يكشف ضعفه لأي أحد؛ يتعامل بعلو وجبروت، وكأنه أصبح يخاف الاقتراب من أي شيء، إلى أن بات يعتقد في فلسفته أن استسلامه للعلاج شبيه بالتعري الذي سيعطي أي شخص الفرصة لضرب ثقته مجددًا. آنذاك أطلق بروير منهجًا جديدًا للعلاج بالكلام أسماه هو وفرويد بـ«كنسِ المدخنة»، والقصد تفريغ كل مكنونات النفس ومخلفاتها التي من الممكن أن توصل الشخص لحالة سوداوية وأمراض سيكوسوماتية كما وصل الحال لدى نيتشه. فداء الشقيقة الذي عانى منه والصداع والتلبكات المعوية والغثيان، كان يزيد بشدة وقت حزنه وأثناء مروره بحالة نفسية سيئة. كان يخاف الوحدة ويخاف التنقيب في نفسه، ربما وصل لمرحلة من كره الذات منذ فشله في علاقته مع والدته، ومن ثم حبيبته، ما يعني أنه كان طوال حياته يشعر بالرفض، إلى أن بات يرفض نفسه أو يخاف منها. إلى أن امتنع عن اكتشاف ذاته ومعرفتها! ظل هكذا يتعالى على العلاج وعلى طبيبه بروير، إلى أن خرج بروير بفكرة العلاج التبادلي؛ طلب بروير من نيتشه أن يعالجه بفلسفته، فيما سيعالجه هو بالتحليل النفسي، ولم يفكر قط في استخدام العلاج بالتنويم المغناطيسي؛ لأنه يعرف تمامًا أن شخصًا كهذا ليس من الممكن أن تخضع للتنويم. استمر الاثنان في علاج بعضهما، إلى أن نجح بروير في كشف بعض من نفسية نيتشه وصدماته. وانتهى العلاج ببكاء نيتشة، تعاطفًا مع طبيبه ومع نفسه، وفي هذا المشهد العميق، والمستهدف في الرواية، تبين لنا كيف أن الاقتراب من النفس يكشف لنا الضعف الإنساني، رغم التعالي والتكبر على النفس، ومحاولة إظهار القوة، إلا أنك لابد وأن تستوعب يومًا المناطق الأشد ظلامًا في نفوس الأقوياء، أو المناطق التي لم يزرها أحد، وتسببت في كل تلك القوة والألم. فكما قال نيتشه في فلسفته «أن النمو هو مكافأة الألم».

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا إلى أن

إقرأ أيضاً:

فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟

تبرر إسرائيل وحلفاؤها كل ما قامت وتقوم به من تدمير في الأراضي الفلسطينية بحقها في الدفاع عن نفسها، ولكن بعض الخبراء القانونيين يجادلون بأنها لا تستطيع التذرع بهذا الحق تلقائيا، كما يُفهم في السياق القانوني.

وذكرت نشرة فوكس بأن إسرائيل، منذ دخول الاتفاق بينها وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حيز التنفيذ، صعّدت غاراتها في الضفة الغربية، مما أدى إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وبعد انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار الهش أصلا، قطعت الكهرباء ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، بعد أكثر من عام من الحرب قتلت فيه أكثر من 61 ألف فلسطيني، ودمرت البنية التحتية للرعاية الصحية في القطاع، وشردت حوالي 90% من السكان.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركاlist 2 of 2تايمز: ما قصة الثورة التي يريد ستارمر إطلاق شرارتها في بريطانيا؟end of list

ومع أن لكل دولة حسب القانون الدولي الحق في الدفاع عن النفس -كما تقول النشرة في تقرير بقلم مراسلها عبد الله فياض- فإن لهذا الحق الذي أصبح يتكرر منذ عقود، حدودا تربطه بهجوم مسلح من دولة أخرى، وهو ما ليس متوفرا في حالة إسرائيل التي هاجمتها حماس من أراضٍ تسيطر عليها.

وإذا كان البعض يجادل بأنه لم يكن أمام إسرائيل، من الناحية الأخلاقية، خيار سوى استخدام القوة لمحاسبة حماس على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هذه الحجج الأخلاقية لا تكفي، لأنه في النهاية لا شيء يمكن أن يُبرر أخلاقيا قتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.

إعلان حجج قانونية مبهمة

ولأن القوانين هي التي تحكم العالم، يمكن لإسرائيل الرد بقوة متناسبة لاستعادة النظام، لكن شن حرب والادعاء القاطع بأنها دفاع عن النفس لا يستند إلى أساس قانوني ظاهريا، وادعاؤها لا يغير جوهريا كيفية تصرفها في قطاع غزة والضفة الغربية، ولن يضفي شرعية على جميع أفعالها خلال هذه الحرب، حسب النشرة.

وأشارت النشرة إلى أن الفهم العميق لمعنى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها سيساعد في توضيح ما إذا كانت حربها دفاعا عن النفس أو عدوانا، وإذا تبين أنها عدوان، فإن ذلك يجب أن يدفع حلفاءها إلى إعادة النظر في نوع الدعم السياسي الذي يقدمونه لها في مثل هذه الأوقات.

ويعتمد ادعاء إسرائيل بالدفاع عن النفس على حجج قانونية مبهمة، مع أن هناك إطارين قانونيين رئيسيين للنظر في حق الدفاع عن النفس، أولهما ميثاق الأمم المتحدة، وهو معاهدة ملزمة قانونا للدول الأعضاء، وثانيهما، القانون الإنساني الدولي الذي يُرسي قواعد السلوك المتعلقة بالنزاعات المسلحة.

وقالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن حالة إسرائيل لا ينطبق عليها الحق في الدفاع عن النفس، لأنها لم تتعرض لهجوم من دولة أخرى، بل إن الهجوم شنته جماعة مسلحة داخل منطقة تسيطر عليها إسرائيل وتحتلها بشكل غير قانوني، لا يمكنها ادعاء الحق في الدفاع عن النفس.

وفي عام 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيا استشاريا بشأن الجدار الذي كانت إسرائيل تبنيه حول الضفة الغربية، واعتبرت أن الحاجز غير قانوني، لأنه سيحمي من التهديدات القادمة من منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالفعل، مما يعني أنها لم تكن تتصرف كما زعمت، دفاعا عن النفس. وكتبت محكمة العدل الدولية "لا يمكن لإسرائيل بأي حال من الأحوال الاستناد إلى تلك القرارات لدعم ادعائها بممارسة حق الدفاع عن النفس".

إعلان

وفي سياق هذا الرأي الاستشاري، يُمكن اعتبار أي إجراء يُتخذ لتعزيز أو إدامة قبضة إسرائيل العسكرية على الفلسطينيين امتدادا للاحتلال، وليس دفاعا عن النفس، وقال محامو جنوب أفريقيا إن "ما تفعله إسرائيل في غزة، تفعله في أراض خاضعة لسيطرتها"، واستنتجوا أن أفعالها تُعزز احتلالها، وبالتالي لا ينطبق عليها قانون الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة".

وقد كتب رئيس محكمة العدل الدولية عند إصداره رأي المحكمة الاستشاري، الذي قضى بعدم قانونية الاحتلال، أن "دولة إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة بأسرع وقت ممكن"، ولكن إسرائيل استمرت في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي المحتلة، وحصار غزة، وفرض حكم عسكري على الفلسطينيين ينتهك حقوقهم الإنسانية.

وهذا -حسب النشرة- ما يجعل إسرائيل معتدية بموجب القانون الدولي، قبل وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما دامت كذلك فلا يحق لها ادعاء حق الدفاع عن النفس، وتقول ألبانيز إن "استمرار احتلال ينتهك بشكل عميق لا رجعة فيه حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، يعد شكلا دائما ومستمرا من أشكال العدوان".

حجة إسرائيل

ورغم ذلك يجادل بعض الخبراء بأن مبرر إسرائيل للحرب يندرج ضمن الإطار القانوني الدولي، وذلك لأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول يرقى إلى مستوى "هجوم مسلح"، وهو ما تنص عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومن شأنه أن يُفعّل حق الدولة في الدفاع عن نفسها.

وقد أوضح إريك هاينز، أستاذ الدراسات الدولية بجامعة أوكلاهوما، أسباب لجوء إسرائيل إلى الدفاع عن النفس في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحجة أن حجم الهجوم وعدد الضحايا المدنيين، يُشكل "هجوما مسلحا" ويجعل الرد العسكري مبررا.

بيد أن المسألة لا تقف عند كون السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان هجوما مسلحا، إذ يرى أردي إمسيس، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز، أن ذلك لا يبرر حق الدفاع عن النفس لأن ذلك الحق لا ينطبق داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

إعلان

وهذا يقود إلى الجزء الثاني من الأساس وراء حجة إسرائيل -كما تقول النشرة- وهي المقولة بأن غزة لم تكن تحت الاحتلال منذ أن سحبت إسرائيل مستوطناتها وجيشها من القطاع عام 2005، ومع ذلك، فإن هذا الوصف مرفوض على نطاق واسع من قبل جماعات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي، وحتى وزارة الخارجية الأميركية تُدرج قطاع غزة في تعريفها للأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما أكدت محكمة العدل الدولية مجددا أن غزة، من وجهة نظر قانونية، تحت الاحتلال.

وتساءلت النشرة كيف يمكن لإسرائيل الرد قانونيا ما دام الاحتلال لا نهاية له في الأفق؟ لترد بأن هناك العديد من السبل القانونية التي يمكن لإسرائيل اتباعها مع ضرورة الالتزام بقانون الاحتلال، وهو فرع من القانون الإنساني الدولي، يحدد كيفية التعامل مع الهجمات الصادرة من الأراضي المحتلة.

والرد في هذه الحالة -كما تشير النشرة- يكون من خلال إنفاذ القانون، وذلك بالقمع المتناسب الذي تشنه الشرطة على مرتكبي العنف إذا لم ينتهك حقوق الناس، وكقوة احتلال، كان بإمكان إسرائيل استخدام "القوة الضرورية والمتناسبة لصد الهجوم، كما قال إمسيس، موضحا أنه لكي يكون أي استخدام للقوة قانونيا، "يجب أن يكون ضروريا ومتناسبا مقارنة بالقوة المستخدمة ضدها".

نهج انتقائي

ووصلت النشرة إلى أن إسرائيل يصعب عليها الادعاء بأن حربها على غزة كانت دفاعا عن النفس، أو حربا ضد حماس فقط، ناهيك عن كونها ردا مُتناسبا مع أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لأنها خلال عام، استخدمت التجويع الجماعي كسلاح في الحرب، ودفعت البنية التحتية للرعاية الصحية في غزة إلى الانهيار، وخلقت ظروفا مواتية لانتشار أمراض تمكن الوقاية منها، كما قتلت أكثر من 150 صحفيا.

كل هذا يعني أن إسرائيل، حتى لو استطاعت الادعاء بأنها بدأت الحرب دفاعا عن النفس، فإن أفعالها في الحرب نفسها لا يمكن اعتبارها قانونية، وقال كلايف بالدوين، كبير المستشارين القانونيين في المكتب القانوني والسياسي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "مهما كانت المبررات القانونية المحتملة لاستخدام القوة، يجب على جميع الأطراف دائما الامتثال لقانون النزاع المسلح ومعرفة أن جرائم الحرب لا يمكن تبريرها أبدا".

إعلان

هناك أيضا حقيقة مزعجة لإسرائيل وحلفائها عندما يجادلون بأن مبادئ الدفاع عن النفس تمنح إسرائيل ترخيصا لشن هذا النوع من الحرب في غزة، وهي أن للفلسطينيين، كشعب خاضع للاحتلال، الحق في المقاومة بموجب القانون الدولي، وذلك يشمل المقاومة المسلحة.

وخلصت النشرة إلى أن قبول كون إسرائيل تتصرف دفاعا عن النفس بدلا من كونها قوة احتلال تُوسّع سيطرتها العسكرية، يعني أن حلفاءها على استعداد لانتهاك القانون الدولي كلما كان ذلك مناسبا، وهذا النوع من النفاق نهج انتقائي في تحديد القوانين التي ينبغي تطبيقها على إسرائيل وتلك التي ينبغي تجاهلها، ولا بد أن تكون له عواقب عالمية، لأنه يقوض شرعية النظام القانوني الدولي، ويشجع إسرائيل ودولا أخرى على الاستمرار في انتهاك القوانين دون عقاب.

مقالات مشابهة

  • حبس المتهمة بالتخلص من أبنائها الـ3 بالخانكة وعرضها على الطب النفسي
  • عاجل: رواية أمريكية حول الغارات الجوية على صنعاء قبل قليل وماذا استهدفت؟
  • فوكس: ما الذي يعنيه فعلا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟
  • العقل والشهوة.. طبيب يؤكد ضرورة مقاومة النفس لتحقيق التوازن النفسي
  • القبض على الطبيب القاتل في أربيل
  • هرب باستخدام معقم يدين وورق.. رواية صادمة لرجل حبسته زوجة أبيه لـ20 عاما
  • «الطفولة والأمومة» يبدأ خطة تقديم الدعم النفسي لطفلة واقعة العاشر من رمضان وأسرتها
  • الطفولة والأمومة يبدأ خطة تقديم الدعم النفسي لفتاة واقعة العاشر من رمضان وأسرتها
  • قراءة في الانتخابات القادمة
  • مصر تعقب على تصريحات ترامب بشأن سكان غزة