صحيفة الأيام البحرينية:
2025-02-02@13:50:41 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

ينزاح علي عمران من مملكة البحرين ليطال مطارح الجمال في تعبيره اللغويّ، وإلى أساليب التراكيب التي يذهب إليها، إذ يأخذنا معه لنقف على الجماليات في دعوة إلى الفرح، لا إلى تذكّر الركام، بل إلى تقبيل الجدران العامرة التي حوت تلك الأصالة والتراث لعبور آمن إلى الحداثة والمعاصرة. في مجموعة الأعمال الشعريّة الكاملة له، «ندى الأشواك، وبطاقة عشق»، مع ترجمة إلى الإنكليزيّة من الدكتور حميد مطر، ينشد عمران مملكة البحرين، فهي الأرض، وهي الأم، وهي الحبيبة، فيصرّح بوضوح: البحرين حبيبتي، فيمضي قائلًا «عيناكِ/‏، يا نخلة الأشواق من سوّاكِ؟/‏، أدمنت حبّك فالهوى عيناك/‏، عشق المنامة في دمي، والله/‏، إن تسأليني!! ما عشقتُ سواكِ»، (من افتتاحية الديوان).

يذكر مملكة البحرين لتكون غرّة الديوان، شوقًا وانصرافًا إلى تبيان فرادتها وفرادة عينيها، وندرة نخيلها المشتاق، فالتّجذر يشابه النخلة، يقول الروائي السوداني الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، إذ «أَنظر إلى جذعها القويّ المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها، فأحسّ بالطمأنينة. أحسّ أنني لست ريشة في مهب الرّيح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف». من هنا ألا تجمع النخلة بين العلوّ والانبساط؟ أو ليست على شاكلة المؤمنين، أعمدة سامقة إلى ربّها، وحنيّات راكعة مُصلّية؟. من هنا فإنّ الشكل العموديّ للنخلة يوافق حرف الألف. جاء عند الناقد اللبنانيّ عبد الحميد جيدة في كتابه إنشاء الكتابة عن العرب: «والألف، من بين سائر الحروف، انفردت عن أشكالها بأنّها لا تتصل بحرف في الخط، وسائر الحروف تتصل بها إلاّ حروفًا يسيرة، فينتبه العبد، عند تأمّل هذه الصّفة، إلى احتياج الخلق بجملتهم إلى المولى واستغنائه عن الجميع»، كما ينقل قولًا صوفيًّا:«النخلة الشاهقة التي ترى ما لم يره غيرها من الأشجار (...) إذا قطعت رأسها من دون الشّجر، ماتت كالإنسان». هذا يبرّر قول الشاعر السوريّ أدونيس (علي أحمد سعيد) في كتابه مفرد بصيغة الجمع:«سلامًا أيتها النخلة يا أختي». النخلة كائن حيّ، نبات يتنفّس، يشعر، يسمع. يقول الشاعر العراقيّ بدر شاكر السيّاب: «التّوت فوق الشاطىء الغربي، والسّعف الصموت لا يجهلان تنهداتي وهي بينهما...تموت». إنّ النخلة عند عمران هي الأرض، البحرين، الأم، الطفولة، كلّ هذا تهادى بعفوية. من هذه النخلة يمضي علي عمران إلى الطبيعة، إلى كلمتها الأولى، «وردة الربيع»، التي يتوجّه إليها أيضًا بصيغة المنادى، باحثًا عن خلودها (ص54) «في شراييني»، كي يكون من الرائين، كي لا ينزل «سواد الحزن في عينيك، والأحلام موصدة». يركّز علي عمران على الشريان الذي يسع العالم، ربّما لأنّ النبض هناك يجري، وهناك تشعر الحياة بوجوده، ليلقى الوجه الذي لا بديل عنه، هو نجاوى الشرايين، ولكن في حضور الملامح الأليفة: «هذا وجهك القمريّ/‏ يسكن في شراييني». يجمع علي عمران المتناقضات ليبرز الصورة الشعريّة المطلوبة، فعنوان ديوانه «ندى الأشواك» يشي بهذا التنافر بين الندى الرقيق والشوك المزعج. لكنه يستخدم عناصر الطبيعة، متداخل المشاعر معها، كما في قوله (ص 13): «كدمعة الندى»، يعيد التسميات إلى مواقعها مع انزياح واستفاضة في تلك الدمعة التي تجعله «غريبًا»، هذه غربة الشاعر، ولو أَلِفَ المكان وآلفَهُ، وكان له الفضاء مطرحًا، وإن جنح «عقلي الذاهب في جنح الظلام»، لكنه متمسّك بالضياء، ومسح الجراح، وخوض المغامرة «ونركب الشراع، ليومنا المعدّ للسفر». (ص 13)، هذا رحيل الشعراء إلى محجّات لا يدركها سواهم، خارجين من قمقم سواد محابرهم إلى نورانيّة الآتيات. إنّ قاموس علي عمران يندرج في هذا اللهب الشعريّ، إذ تكرّ مفردات الجرح المفتوح في القصيدة لتنمو (ص53): فالنار المقدّسة حارقة مطهّرة: «يلهبني، يحرقني، الشمس، النار»، والعين مبصرة قادرة على استشراف ما قد مضى، وما هو آت: «الأحداق، الأوراق»، لتغور المشاعر في الداخل الإنسانيّ فتحييه: «أحشائي»، كما تتساقط حبّات المطر في باطن الأرض العطشى: «الشتاء، الرمل»، فتخرج من بين «الأنقاض» الوردة الخالدة و«الأشواك»، دليل الحياة الموعودة. لكن بحثه في مواجهة الشمس، يرمز إلى الحقيقة، كما جرى مع «إيكار»، في الميتولوجيا اليونانيّة، الذي حلّق باتجاه الشمس/‏ الحقيقة، فأحرقت أجنحته وسقط، ولم يكتشف الحقيقة، بل يرى أنّ«لا حبّ يحملني،/‏ لا نار تحرقني/‏ لا أشواق/‏ أودّ لو كانت كتابتي... رموزا، وأحرفي... ألغازا (...). هذا البحث عن هويّة الرمز يشدّك في النزوع إلى الامتزاج بقضايا الناس وروح الطبيعة الفانية. لم يهرب عمران من الصورة بل غار فيها. هذا الغور يشكّل التمزّق بين المكان /‏ الأم، والأفق/‏ الآتي، شبيهًا بالتمزّق بين الذات وتصوّف الوجود، من أجل حضور جديد، أو التفتيش عن ذلك الحضور الذي لا ينتهي عند الشاعر. لذا يمضي إلى ثيمة الحبّ فيقول:» حبّك يا حبيبتي الشقراء،/‏ يقذفني/‏ يرميني/‏ يحرقني مثل الأوراق/‏«، لذا تبرز دعوته إلى المألوف الظاهر، ولو على غرابة الأعماق وغموضها،» اقتربي أو اغتربي يا حبيبتي/‏ فأنت في الأعماق/‏ فأنت في الأعماق (ص 55). علي عمران حصّاد في زمن البيادر القاحلة، يأتي بسنابله المنحنية الملأى بألف قصيدة وقصيدة، جامعًا التعابير من سهول طبيعة الألفاظ، طاحنًا حبّاتها، واضعًا رغيف الإيحاءات الإبداعيّة، موزّعًا ما لديه من جماليات على القرّاء، فيصير مع القارئ واحدًا، كما الرغيف المعجون بالأحلام.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا علی عمران

إقرأ أيضاً:

ولي عهد البحرين يستقبل وزير الإعلام

استقبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في مملكة البحرين، في قصر القضيبية اليوم، معالي وزير الإعلام الأستاذ سلمان بن يوسف الدوسري، بحضور سعادة وزير شؤون مجلس الوزراء حمد بن فيصل المالكي، وسعادة وزير الإعلام البحريني الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي، وذلك بمناسبة زيارة معاليه لمملكة البحرين ليرأس وفد المملكة في أعمال الاجتماع الرابع للجنة التنسيق في مجالات الثقافة والإعلام والسياحة والتنمية الاجتماعية المنبثقة عن مجلس التنسيق السعودي البحريني الذي تستضيفه البحرين.

وجرى خلال اللقاء استعراض أطر التعاون والتنسيق الثنائي بين البلدين الشقيقين، ومناقشة أبرز القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.

اقرأ أيضاًالمملكةتحت رعاية وزير الداخلية.. “السجون” تقيم حفل تكريم متقاعديها

وأكد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة أن ما يجمع مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية من تعاونٍ وتنسيقٍ مستمر في شتى المجالات؛ يستند إلى تاريخٍ ممتد من الحرص المتبادل على الدفع بمسارات العلاقات الأخوية الوثيقة نحو مستويات أكثر شمولًا، مشيرًا إلى أهمية مواصلة العمل على تطوير مسارات التعاون والتنسيق بين البلدين الشقيقين تحقيقًا للرؤى المشتركة في ظل ما تحظى به العلاقات الثنائية من رعايةٍ واهتمام من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظهما الله.

وأشار إلى الجهود الطيبة التي يبذلها أخوه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لمواصلة تطوير أوجه التنسيق والعمل والشراكة بين البلدين الشقيقين، ومنها المبادرات التي تعمل عليها لجان مجلس التنسيق السعودي البحريني في مختلف المجالات ومنها الإعلامية والثقافية والسياحية والاستثمارية والاقتصادية والتنموية، لافتًا النظر إلى أهمية الدفع بها نحو نطاقاتٍ أكثر تكاملًا بما يحقق الرؤى والمصالح المشتركة، معربًا عن تمنياته أن تتكلل جهود اجتماع لجنة التنسيق بالتوفيق والنجاح وفقًا للأهداف المنشودة.

 

من جانبه، أكد معالي الأستاذ سلمان الدوسري عن شكره وتقديره لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في مملكة البحرين لما يوليه من حرصٍ واهتمامٍ مستمر على مواصلة تعزيز وتطوير أوجه التعاون المشترك بين البلدين الشقيقين؛ بما يحقق الأهداف والتطلعات المشتركة، متمنيًا لمملكة البحرين مزيدًا من التقدم والنماء.

مقالات مشابهة

  • سعر الذهب في البحرين اليوم الأحد 2 فبراير 2025
  • إلهام أبو الفتح تكتب: ولا شبر من أرض مصر .. فيديو
  • إلهام أبو الفتح تكتب: ولا شبر من أرض مصر
  • كريمة أبو العينين تكتب : قبلة الحياة ورصاصة الرحمة
  • سعر الذهب في البحرين اليوم السبت 1 فبراير 2025
  • لمزارعي نخيل البلح.. أهم التوصيات الواجب مراعاتها خلال فبراير
  • عائشة الماجدي تكتب: (جودات)
  • فوائد التحصين بسورتي البقرة وآل عمران وفضل قراءتهما
  • سلطنة عمان تطّلع على تجربة مملكة البحرين في مكافحة الاتّجار بالبشر
  • ولي عهد البحرين يستقبل وزير الإعلام