صحيفة الأيام البحرينية:
2025-03-12@04:51:13 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

ينزاح علي عمران من مملكة البحرين ليطال مطارح الجمال في تعبيره اللغويّ، وإلى أساليب التراكيب التي يذهب إليها، إذ يأخذنا معه لنقف على الجماليات في دعوة إلى الفرح، لا إلى تذكّر الركام، بل إلى تقبيل الجدران العامرة التي حوت تلك الأصالة والتراث لعبور آمن إلى الحداثة والمعاصرة. في مجموعة الأعمال الشعريّة الكاملة له، «ندى الأشواك، وبطاقة عشق»، مع ترجمة إلى الإنكليزيّة من الدكتور حميد مطر، ينشد عمران مملكة البحرين، فهي الأرض، وهي الأم، وهي الحبيبة، فيصرّح بوضوح: البحرين حبيبتي، فيمضي قائلًا «عيناكِ/‏، يا نخلة الأشواق من سوّاكِ؟/‏، أدمنت حبّك فالهوى عيناك/‏، عشق المنامة في دمي، والله/‏، إن تسأليني!! ما عشقتُ سواكِ»، (من افتتاحية الديوان).

يذكر مملكة البحرين لتكون غرّة الديوان، شوقًا وانصرافًا إلى تبيان فرادتها وفرادة عينيها، وندرة نخيلها المشتاق، فالتّجذر يشابه النخلة، يقول الروائي السوداني الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، إذ «أَنظر إلى جذعها القويّ المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها، فأحسّ بالطمأنينة. أحسّ أنني لست ريشة في مهب الرّيح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف». من هنا ألا تجمع النخلة بين العلوّ والانبساط؟ أو ليست على شاكلة المؤمنين، أعمدة سامقة إلى ربّها، وحنيّات راكعة مُصلّية؟. من هنا فإنّ الشكل العموديّ للنخلة يوافق حرف الألف. جاء عند الناقد اللبنانيّ عبد الحميد جيدة في كتابه إنشاء الكتابة عن العرب: «والألف، من بين سائر الحروف، انفردت عن أشكالها بأنّها لا تتصل بحرف في الخط، وسائر الحروف تتصل بها إلاّ حروفًا يسيرة، فينتبه العبد، عند تأمّل هذه الصّفة، إلى احتياج الخلق بجملتهم إلى المولى واستغنائه عن الجميع»، كما ينقل قولًا صوفيًّا:«النخلة الشاهقة التي ترى ما لم يره غيرها من الأشجار (...) إذا قطعت رأسها من دون الشّجر، ماتت كالإنسان». هذا يبرّر قول الشاعر السوريّ أدونيس (علي أحمد سعيد) في كتابه مفرد بصيغة الجمع:«سلامًا أيتها النخلة يا أختي». النخلة كائن حيّ، نبات يتنفّس، يشعر، يسمع. يقول الشاعر العراقيّ بدر شاكر السيّاب: «التّوت فوق الشاطىء الغربي، والسّعف الصموت لا يجهلان تنهداتي وهي بينهما...تموت». إنّ النخلة عند عمران هي الأرض، البحرين، الأم، الطفولة، كلّ هذا تهادى بعفوية. من هذه النخلة يمضي علي عمران إلى الطبيعة، إلى كلمتها الأولى، «وردة الربيع»، التي يتوجّه إليها أيضًا بصيغة المنادى، باحثًا عن خلودها (ص54) «في شراييني»، كي يكون من الرائين، كي لا ينزل «سواد الحزن في عينيك، والأحلام موصدة». يركّز علي عمران على الشريان الذي يسع العالم، ربّما لأنّ النبض هناك يجري، وهناك تشعر الحياة بوجوده، ليلقى الوجه الذي لا بديل عنه، هو نجاوى الشرايين، ولكن في حضور الملامح الأليفة: «هذا وجهك القمريّ/‏ يسكن في شراييني». يجمع علي عمران المتناقضات ليبرز الصورة الشعريّة المطلوبة، فعنوان ديوانه «ندى الأشواك» يشي بهذا التنافر بين الندى الرقيق والشوك المزعج. لكنه يستخدم عناصر الطبيعة، متداخل المشاعر معها، كما في قوله (ص 13): «كدمعة الندى»، يعيد التسميات إلى مواقعها مع انزياح واستفاضة في تلك الدمعة التي تجعله «غريبًا»، هذه غربة الشاعر، ولو أَلِفَ المكان وآلفَهُ، وكان له الفضاء مطرحًا، وإن جنح «عقلي الذاهب في جنح الظلام»، لكنه متمسّك بالضياء، ومسح الجراح، وخوض المغامرة «ونركب الشراع، ليومنا المعدّ للسفر». (ص 13)، هذا رحيل الشعراء إلى محجّات لا يدركها سواهم، خارجين من قمقم سواد محابرهم إلى نورانيّة الآتيات. إنّ قاموس علي عمران يندرج في هذا اللهب الشعريّ، إذ تكرّ مفردات الجرح المفتوح في القصيدة لتنمو (ص53): فالنار المقدّسة حارقة مطهّرة: «يلهبني، يحرقني، الشمس، النار»، والعين مبصرة قادرة على استشراف ما قد مضى، وما هو آت: «الأحداق، الأوراق»، لتغور المشاعر في الداخل الإنسانيّ فتحييه: «أحشائي»، كما تتساقط حبّات المطر في باطن الأرض العطشى: «الشتاء، الرمل»، فتخرج من بين «الأنقاض» الوردة الخالدة و«الأشواك»، دليل الحياة الموعودة. لكن بحثه في مواجهة الشمس، يرمز إلى الحقيقة، كما جرى مع «إيكار»، في الميتولوجيا اليونانيّة، الذي حلّق باتجاه الشمس/‏ الحقيقة، فأحرقت أجنحته وسقط، ولم يكتشف الحقيقة، بل يرى أنّ«لا حبّ يحملني،/‏ لا نار تحرقني/‏ لا أشواق/‏ أودّ لو كانت كتابتي... رموزا، وأحرفي... ألغازا (...). هذا البحث عن هويّة الرمز يشدّك في النزوع إلى الامتزاج بقضايا الناس وروح الطبيعة الفانية. لم يهرب عمران من الصورة بل غار فيها. هذا الغور يشكّل التمزّق بين المكان /‏ الأم، والأفق/‏ الآتي، شبيهًا بالتمزّق بين الذات وتصوّف الوجود، من أجل حضور جديد، أو التفتيش عن ذلك الحضور الذي لا ينتهي عند الشاعر. لذا يمضي إلى ثيمة الحبّ فيقول:» حبّك يا حبيبتي الشقراء،/‏ يقذفني/‏ يرميني/‏ يحرقني مثل الأوراق/‏«، لذا تبرز دعوته إلى المألوف الظاهر، ولو على غرابة الأعماق وغموضها،» اقتربي أو اغتربي يا حبيبتي/‏ فأنت في الأعماق/‏ فأنت في الأعماق (ص 55). علي عمران حصّاد في زمن البيادر القاحلة، يأتي بسنابله المنحنية الملأى بألف قصيدة وقصيدة، جامعًا التعابير من سهول طبيعة الألفاظ، طاحنًا حبّاتها، واضعًا رغيف الإيحاءات الإبداعيّة، موزّعًا ما لديه من جماليات على القرّاء، فيصير مع القارئ واحدًا، كما الرغيف المعجون بالأحلام.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا علی عمران

إقرأ أيضاً:

خيرية شعلان تكتب: عن المرأة وانتخابات نقابة الصحفيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مع إطلالة يوم المرأة وموسم انتخابات نقابة الصحفيين، وجدتها مناسبة للحديث عن الدور النقابى للصحفيات، الذى ينقصه الكثير من القوة والدفع خاصة فى مجال الترشح لمنصب النقيب وعضوية مجلس النقابة، وذلك على الرغم من مرور ما يزيد على 90 عاما على نشأة نقابة الصحفيين التى تأسست فى 31 مارس عام 1941.

على الرغم من الدور الحيوى الذى لعبته صحفيات عديدات فى دعم النقابة والتفاعل مع قضاياها المختلفة، ومؤازرة زملائهم الصحفيين فى شتى المواقف، ورغم أنها ليست -كمالة عدد- حيث تتخطى عضوية المرأة بالنقابة أكثر من ٤٥٪ من أعضائها. إلا أنها ما زالت -للأسف- تعانى داخل نقابة الصحفيين من غياب تمثيلها بصورة عادلة فى المواقع النقابية مع استمرار سيطرة المجتمع الصحفى الذكورى على مجلس النقابة ومنصب النقيب، فضلا عن رئاسة الإدارة والتحرير بالمؤسسات الصحفية العامة والخاصة.

وخلال الدورات الانتخابية الأخيرة  وخلال أكثر من تسعة عقود لم تحظ من الصحفيات بعضوية مجالس النقابة المتعاقبة سوى ١٠ صحفيات فقط وهن:

 

أمينة السعيدأمينة السعيد

أولى الصحفيات اللائى حصلن على عضوية المجلس ولمدة ثلاث دورات منذ عام ٥٤ حتى عام ١٩٦٤، وكانت أول صحفية تشغل منصب وكيل النقابة.

 

نوال مدكور

فازت بعضوية مجلس النقابة عام ١٩٦٨.

 

أمينة شفيقأمينة شفيق

صاحبة التاريخ الحافل فى العمل النقابى بداية من أوائل السبعينيات وحتى ١٩٩٩، تقلدت خلالها منصبى السكرتير العام والوكيل.

فاطمة سعيدفاطمة سعيد

انتخبت لعضوية المجلس من ١٩٧٣ حتى ١٩٨١.

بهيرة مختاربهيرة مختار

التى فازت بعضوية المجلس فى الفترة من ٧٥ حتى ١٩٧٩.

سناء البيسىسناء البيسى

حصلت على عضوية مجلس النقابة فى الفترة من ٨٧ وحتى ٩١.

شويكار طويلةشويكار طويلة

كانت عضوا بمجلس النقابة دورة ٩٣ ولكن لم تكمل دورتها لتطبيق القانون ١٠٠ وإعادة الانتخابات برمتها لكل أعضاء المجلس.

عبير سعدىعبير سعدى

نجحت فى انتخابات النقابة عام ٢٠٠٧ حتى عام ٢٠١٣ لدورتين نقابيتين، وجاءت سعدى بعد غياب للمرأة عن عضوية مجالس النقابة لفترة طويلة، وقدمت نموذجا جديدا من العمل النقابى حيث كانت ممثلا مشرفا للصحفية المقاتلة فى ظل ظروف مغايرة مرت بها المهنة والعمل النقابى وقد اهتمت بالتدريب طوال فترة عضويتها وحصلت على منصب وكيل النقابة.

حنان فكريحنان فكري

حصلت على عضوية المجلس فى دورة ٢٠١٧/٢٠١٣ وتزاملت مع سعدى فى فترة عضويتهما للمجلس.

وتولت العديد من المواقع خلال فترة عضويتها.

دعاء النجار دعاء النجار

فازت بعضوية المجلس فى دورة٢٠٢١ ورأست لجنة النشاط، وتعتبر أول مقررة للجنة المرأة بنقابة الصحفيين بعد تأسيسها خلال دورة ٢٠٢٥/٢٠٢١، ولعبت دورا فاعلا ومهما فى القضايا الخاصة بالصحفيات والدفاع عن حقوقهن فى العمل وتكريمهن فى مختلف المجالات الصحفية.

.. ويشهد تاريخ مجالس نقابة الصحفيين وجود ثلاث صحفيات فى مجلس واحد وهن: بهيرة مختار وفاطمة سعيد وأمينة شفيق، دورة عام ٧٥ حتى ٧٩.

أما منصب نقيب الصحفيين فلم تحظ حتى الآن صحفية واحدة بتوليه، وإن كانت هناك خمس صحفيات نلن شرف المحاولة بدءا بـ:

أمينة السعيد

التى ترشحت فى الستينيات أمام الأستاذ حافظ محمود.

صافيناز كاظم

فى ثمانينيات القرن الماضى أمام إبراهيم نافع.

نورا راشد

ترشحت فى دورات ٢٠١٣ و٢٠١٦ وهذا العام ٢٠٢٥. 

جيهان شعراوي

نافست على المنصب مع نورا راشد فى دورة ٢٠١٦.

سمية العجوز

فى دورة ٢٠١٩

وعلى مدار هذه السنوات رغم ما واجهن الصحفيات ويواجهن من صعوبات ومعوقات، فلا تزال المبادرات مستمرة حتى الآن، وهو مؤشر جيد يحتاج الى دعم المجتمع الصحفى له، مثلما يحتاج إلى بحث أسباب محدودية وضعف فرصهن فى الوصول إلى المواقع القيادية أسوة بزملائهم من الرجال، حيث ترشح لعضوية المجلس ١٢ زميلة فى دورة ٢٠١٧، وترشح فى دورة ٢٠١٩ عشر زميلات، وللأسف لم تحظ ولا واحدة منهن بشرف عضوية مجلس النقابة.

وفى دورة هذا العام ٢٠٢٥ تقدمت زميلات للترشح لعضوية المجلس هن،: 

إيمان عوف ودعاء النجار وراندا بدر وشاهيناز مجاهد وشيرين العقاد، وعبير المرسى وفيولا فهمي ومحاسن السنوسي ونرمين سليمان.إيمان عوف

 

شيرين العقاد

 

عبير المرسى

 

فيولا فهمي

 

 

محاسن السنوسي

 

نرمين سليمان

.. لقد رتبت الأسماء أبجديا تحسبا لأى حرج.

تحية لكل الصحفيات المبادرات بالترشح فى الانتخابات مع أطيب التمنيات لهن بتحقيق أكبر مشاركة فى المجلس القادم ليسهمن فى رقى وتقدم وتميز العمل النقابى الحقيقى داخل قلعة الحريات فى ظل ظروف وتعقيدات كبيرة تتعرض لها المهنة والعاملون فيها.

مقالات مشابهة

  • قيادي حوثي يعتدي على شيخ قبلي في عمران
  • منال الشرقاوي تكتب : مارس يمرُّ.. والمرأة تبقى
  • نورهان حشاد تكتب: المرأة المصرية سند لأهلها وبلادها
  • موقع “إندبندنت”: سانت ريجيس دبي –النخلة يجمع بين فخامة نيويورك وسحر نخلة جميرا
  • عمران يكشف المعاناة.. قصة ولادة الحياة والموت في ريف كسلا
  • خيرية شعلان تكتب: عن المرأة وانتخابات نقابة الصحفيين
  • عمران ..!!
  • شيخة الجابري تكتب: المرأة في مسلسلات رمضان
  • فيديو | 300 مزارع يستفيدون من مبادرة "النخلة" و"البيئة" في الأحساء
  • إلهام أبو الفتح تكتب: هل يلتئم الجرح؟