صحيفة الأيام البحرينية:
2025-05-02@14:19:49 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

تاريخ النشر: 2nd, September 2023 GMT

علي عمران: القصيدة التي لم تكتب

ينزاح علي عمران من مملكة البحرين ليطال مطارح الجمال في تعبيره اللغويّ، وإلى أساليب التراكيب التي يذهب إليها، إذ يأخذنا معه لنقف على الجماليات في دعوة إلى الفرح، لا إلى تذكّر الركام، بل إلى تقبيل الجدران العامرة التي حوت تلك الأصالة والتراث لعبور آمن إلى الحداثة والمعاصرة. في مجموعة الأعمال الشعريّة الكاملة له، «ندى الأشواك، وبطاقة عشق»، مع ترجمة إلى الإنكليزيّة من الدكتور حميد مطر، ينشد عمران مملكة البحرين، فهي الأرض، وهي الأم، وهي الحبيبة، فيصرّح بوضوح: البحرين حبيبتي، فيمضي قائلًا «عيناكِ/‏، يا نخلة الأشواق من سوّاكِ؟/‏، أدمنت حبّك فالهوى عيناك/‏، عشق المنامة في دمي، والله/‏، إن تسأليني!! ما عشقتُ سواكِ»، (من افتتاحية الديوان).

يذكر مملكة البحرين لتكون غرّة الديوان، شوقًا وانصرافًا إلى تبيان فرادتها وفرادة عينيها، وندرة نخيلها المشتاق، فالتّجذر يشابه النخلة، يقول الروائي السوداني الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، إذ «أَنظر إلى جذعها القويّ المعتدل، وإلى عروقها الضاربة في الأرض، وإلى الجريد الأخضر المنهدل فوق هامتها، فأحسّ بالطمأنينة. أحسّ أنني لست ريشة في مهب الرّيح، ولكني مثل تلك النخلة، مخلوق له أصل، له جذور، له هدف». من هنا ألا تجمع النخلة بين العلوّ والانبساط؟ أو ليست على شاكلة المؤمنين، أعمدة سامقة إلى ربّها، وحنيّات راكعة مُصلّية؟. من هنا فإنّ الشكل العموديّ للنخلة يوافق حرف الألف. جاء عند الناقد اللبنانيّ عبد الحميد جيدة في كتابه إنشاء الكتابة عن العرب: «والألف، من بين سائر الحروف، انفردت عن أشكالها بأنّها لا تتصل بحرف في الخط، وسائر الحروف تتصل بها إلاّ حروفًا يسيرة، فينتبه العبد، عند تأمّل هذه الصّفة، إلى احتياج الخلق بجملتهم إلى المولى واستغنائه عن الجميع»، كما ينقل قولًا صوفيًّا:«النخلة الشاهقة التي ترى ما لم يره غيرها من الأشجار (...) إذا قطعت رأسها من دون الشّجر، ماتت كالإنسان». هذا يبرّر قول الشاعر السوريّ أدونيس (علي أحمد سعيد) في كتابه مفرد بصيغة الجمع:«سلامًا أيتها النخلة يا أختي». النخلة كائن حيّ، نبات يتنفّس، يشعر، يسمع. يقول الشاعر العراقيّ بدر شاكر السيّاب: «التّوت فوق الشاطىء الغربي، والسّعف الصموت لا يجهلان تنهداتي وهي بينهما...تموت». إنّ النخلة عند عمران هي الأرض، البحرين، الأم، الطفولة، كلّ هذا تهادى بعفوية. من هذه النخلة يمضي علي عمران إلى الطبيعة، إلى كلمتها الأولى، «وردة الربيع»، التي يتوجّه إليها أيضًا بصيغة المنادى، باحثًا عن خلودها (ص54) «في شراييني»، كي يكون من الرائين، كي لا ينزل «سواد الحزن في عينيك، والأحلام موصدة». يركّز علي عمران على الشريان الذي يسع العالم، ربّما لأنّ النبض هناك يجري، وهناك تشعر الحياة بوجوده، ليلقى الوجه الذي لا بديل عنه، هو نجاوى الشرايين، ولكن في حضور الملامح الأليفة: «هذا وجهك القمريّ/‏ يسكن في شراييني». يجمع علي عمران المتناقضات ليبرز الصورة الشعريّة المطلوبة، فعنوان ديوانه «ندى الأشواك» يشي بهذا التنافر بين الندى الرقيق والشوك المزعج. لكنه يستخدم عناصر الطبيعة، متداخل المشاعر معها، كما في قوله (ص 13): «كدمعة الندى»، يعيد التسميات إلى مواقعها مع انزياح واستفاضة في تلك الدمعة التي تجعله «غريبًا»، هذه غربة الشاعر، ولو أَلِفَ المكان وآلفَهُ، وكان له الفضاء مطرحًا، وإن جنح «عقلي الذاهب في جنح الظلام»، لكنه متمسّك بالضياء، ومسح الجراح، وخوض المغامرة «ونركب الشراع، ليومنا المعدّ للسفر». (ص 13)، هذا رحيل الشعراء إلى محجّات لا يدركها سواهم، خارجين من قمقم سواد محابرهم إلى نورانيّة الآتيات. إنّ قاموس علي عمران يندرج في هذا اللهب الشعريّ، إذ تكرّ مفردات الجرح المفتوح في القصيدة لتنمو (ص53): فالنار المقدّسة حارقة مطهّرة: «يلهبني، يحرقني، الشمس، النار»، والعين مبصرة قادرة على استشراف ما قد مضى، وما هو آت: «الأحداق، الأوراق»، لتغور المشاعر في الداخل الإنسانيّ فتحييه: «أحشائي»، كما تتساقط حبّات المطر في باطن الأرض العطشى: «الشتاء، الرمل»، فتخرج من بين «الأنقاض» الوردة الخالدة و«الأشواك»، دليل الحياة الموعودة. لكن بحثه في مواجهة الشمس، يرمز إلى الحقيقة، كما جرى مع «إيكار»، في الميتولوجيا اليونانيّة، الذي حلّق باتجاه الشمس/‏ الحقيقة، فأحرقت أجنحته وسقط، ولم يكتشف الحقيقة، بل يرى أنّ«لا حبّ يحملني،/‏ لا نار تحرقني/‏ لا أشواق/‏ أودّ لو كانت كتابتي... رموزا، وأحرفي... ألغازا (...). هذا البحث عن هويّة الرمز يشدّك في النزوع إلى الامتزاج بقضايا الناس وروح الطبيعة الفانية. لم يهرب عمران من الصورة بل غار فيها. هذا الغور يشكّل التمزّق بين المكان /‏ الأم، والأفق/‏ الآتي، شبيهًا بالتمزّق بين الذات وتصوّف الوجود، من أجل حضور جديد، أو التفتيش عن ذلك الحضور الذي لا ينتهي عند الشاعر. لذا يمضي إلى ثيمة الحبّ فيقول:» حبّك يا حبيبتي الشقراء،/‏ يقذفني/‏ يرميني/‏ يحرقني مثل الأوراق/‏«، لذا تبرز دعوته إلى المألوف الظاهر، ولو على غرابة الأعماق وغموضها،» اقتربي أو اغتربي يا حبيبتي/‏ فأنت في الأعماق/‏ فأنت في الأعماق (ص 55). علي عمران حصّاد في زمن البيادر القاحلة، يأتي بسنابله المنحنية الملأى بألف قصيدة وقصيدة، جامعًا التعابير من سهول طبيعة الألفاظ، طاحنًا حبّاتها، واضعًا رغيف الإيحاءات الإبداعيّة، موزّعًا ما لديه من جماليات على القرّاء، فيصير مع القارئ واحدًا، كما الرغيف المعجون بالأحلام.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا علی عمران

إقرأ أيضاً:

وقفات قبلية في عمران إعلانا للنكف والنفير العام لمواجهة العدوان

الثورة نت/..

نظمت في عدد من مديريات محافظة عمران اليوم الخميس، وقفات قبلية مسلحة إعلانا للنكف والنفير العام في مواجهة تصعيد العدوان الأمريكي تزامنا مع الذكرى السنوية للصرخة في وجه المستكبرين.
حيث أكدت قبائل مديرية جبل يزيد في وقفة قبلية، بحضور وكيل أول المحافظة عبدالعزيز أبو خرفشة وقيادة المديرية ومشايخ وشخصيات اجتماعية، ثبات الموقف الإيماني في نصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة والأراضي المحتلة بكل الوسائل الممكنة ومهما كانت التحديات.
وأعلن المشاركون في الوقفة جاهزيتهم الكاملة في مواجهة التصعيد الأمريكي في إطار معركة ” الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
فيما أعلن أبناء ومشايخ ووجهاء مديرية العشة في وقفة قبلية مسلحة بحضور مسؤول التعبئة بالمحافظة سجاد حمزة، الاستمرار في التحرك لنصرة المظلومين في فلسطين وغزة ومواجهة تصعيد العدوان الأمريكي.
وفي مديرية قفلة عذر، أعلنت قبائل المديرية في وقفة حاشدة، النفير العام والتعبئة الشاملة ورفع الجهوزية لمواجهة العدوان على اليمن وغزة.
وباركت عمليات القوات المسلحة اليمنية في استهداف عمق الكيان الصهيوني وحاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية.
فيما جدد أبناء وقبائل مديرية عيال سريح في وقفة قبلية مسلحة، تأييدهم لكافة الخيارات التي تتخذها القيادة الثورية، والجهوزية التامة لمواجهة تصعيد العدوان الأمريكي والوقوف إلى جانب القوات المسلحة في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
ودعت قبائل مديرية شهاره في وقفة قبلية بحضور قيادة المديرية ومشايخ وشخصيات اجتماعية إلى توحيد الصف لمواجهة أعداء الأمة الحقيقيين أمريكا وإسرائيل.
الى ذلك أعلن قبائل عزلت ذو جعمان بمديرية المدان، البراءة من كل خائن وعميل لأمريكا وإسرائيل.. مؤكدين أن المواجهة مع العدو الأمريكي باتت واضحة ولم يعد هناك مغرر بهم بل خونة وعملاء.
وحيا بيان الوقفات، صمود المجاهدين في غزة وثباتهم أمام آلة القتل والإجرام الصهيونية المدعومة أمريكياً.
وجدد العهد بالاستمرار في مساندة الشعب الفلسطيني حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحذر البيان من مغبة التعاون مع العدو الأمريكي بأي شكل من الأشكال، سواء عبر المواقف أو المعلومات والإحداثيات.. معتبرا ذلك خيانةً عظمى لا يمكن التغاضي عنها.. مؤكدا براءة القبيلة ورفع يد الحماية عن كل خائن يشارك العدو في جرائمه ويعبث بأمن واستقرار اليمن وسلامة أبنائه.
وطالب الجهات الأمنية والقضائية بضبط العملاء وسرعة اتخاذ أقسى العقوبات بحقهم وفقا للشرع والقانون.
وشدد البيان، على أهمية استمرار التحشيد والتعبئة والتأهيل استعداداً للمواجهة المصيرية دفاعاً عن الوطن، ووفاءً لقضية فلسطين العادلة.

مقالات مشابهة

  • فيديو أشخاص بحالة سُكر في البحرين يشعل تفاعلا والداخلية ترد
  • علاء عمران يعلن عن تخصيص 600 وحدة سكنية للصحفيين في العبور وحدائق أكتوبر
  • وقفات قبلية في عمران إعلانا للنكف والنفير العام لمواجهة العدوان
  • د.نجلاء شمس تكتب: بسواعدهم تُبنى الحضارات
  • “شذا” تفتتح مشروعها الفندقي الأول في البحرين
  • البحرين تستضيف البطولة الثانية لكأس الإمارات العالمي لجمال الخيل العربية
  • جلسة ثقافية توثّق ريادة الكتّاب العُمانيين في مجلة “صوت البحرين”
  • هايدي هشام تكتب: مسلسل "لام شمسية "أثبت أنه صوت من لا صوت له
  • من أرض أبين إلى عنان السماء: مريم عبدالله تكتب التاريخ كأول كابتن طيار
  • اجتماع برئاسة يناقش مستوى الأداء بمكتب الأشغال في عمران