مسؤولون أميركيون يكشفون الأسباب التي دفعت واشنطن للإنسحاب من أفغانستان
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
تطرق الجزء الثاني من الفيلم الوثائقي -أفغانستان.السنوات الصعبة-الذي بثته قناة الجزيرة مساء الجمعة، إلى قرار الإدارة الأميركية التخلي عن الخيار العسكري في أفغانستان وفتح باب الحوار مع حركة طالبان، وصولا إلى انسحاب القوات الأميركية والغربية من هذا البلد وعودة حركة طالبان إلى السلطة في 15 أغسطس/آب 2021.
فبعد أن أعادت حركة طالبان تنظيم صفوفها وبدأت في شن هجمات على قوات التحالف خاصة بداية من عام 2007، احتدمت المعارك أكثر عام 2009، مما أسفر عن مقتل 502 جندي أجنبي وإصابة أكثر من 2000 منهم، كما ورد في الفيلم.
ومع زيادة الهجمات، قرر الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما إرسال 30 ألف جندي لتعزيز قوات التحالف وتكثيف الغارات الليلية واستعمال المسيّرات للقضاء على مقاتلي طالبان.
ولكن بعد العديد من الأخطاء توصلت الإدارة الأميركية إلى قناعة بأن الحل العسكري لا ينفع، وأنه لا بد من فتح حوار مع طالبان لكن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" رفضت الذهاب إلى هذا الخيار قبل تحقيق نصر على طالبان، وهو ما ورد في شهادة جون دمبسي المفاوض منذ عام 2010 في وزارة الخارجية الأميركية الذي نوّه إلى أن الإدارة الأميركية اتضح لها حينها أن الحل العسكري الذي كانت تريد تطبيقه في أفغانستان لم يكن ناجعا، ولذلك كانت بحاجة للبحث عن بديل، لكنه أشار إلى موقف البنتاغون الذي كان مصرا على قتل المزيد من مقاتلي طالبان قبل الجلوس معهم.
وفي السياق نفسه، يؤكد دوغلاس لوت، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي لشؤون العراق وأفغانستان سابقا أن مشكلة الأميركيين أنهم أنكروا الحقائق على الأرض وخدعوا أنفسهم بشأن إمكانية نجاعة الحل العسكري في أفغانستان.
ويتابع لوت أن الولايات المتحدة الأميركية أنفقت موارد هائلة تتراوح قيمتها ما بين 80 و90 مليار دولار في بناء قوات الأمن الأفغانية، ويقول في شهادته ضمن الفيلم الوثائقي " ارتكبنا أخطاء فادحة خلال قيامنا بذلك.. بنينا جيشا أفغانيا مطابقا لجيشنا إلى حد كبير وبددنا الكثير من الأموال المستثمرة في قوات الأمن الأفغانية".
ورغم حجم الأموال الهائلة التي أنفقتها الولايات المتحدة، إلأ أن الفيلم الوثائقي كشف كيف تفاقمت الأوضاع الأمنية سوءا في أفغانستان، ووصول الأمور إلى طريق مسدود خاصة مع استشراء الفساد المالي وتصارع أشرف غني وعبد الله عبدالله على السلطة بعد انتخابات 2014، وهي الانتخابات التي يقول عنها إيمال جمال، وهو موظف في وزارة الأشغال العمومية في أفغانستان إنها كانت بمثابة لعبة في الحضانة وإن العالم كان يسخر منها.
وبحسب ما ورد في "أفغانستان,السنوات الصعبة" فقد قرر الأميركيون بعد قناعتهم بفشل الخيار العسكري تغيير استراتيجيتهم و التفاوض مع حركة طالبان، وتوجت 4 سنوات من المحادثات السرية بالإفراج عن الجندي الأميركي "بو بيرغدال" عام 2014.
ويشير المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان سابقا، جيمس دوبيينز إلى أن المحادثات بين الأميركيين وطالبان تضمنت تبادل الأسرى، 5 عناصر من طالبان كانوا معتقلين في سجن غوانتانامو الأميركي مقابل الجندي الأميركي.
ولم يكن العنصر المهم في المحادثات -بحسب جون دمبسي- مبادلة الأسرى فقط، بل كان اختبارا أميركيا لمدى مصداقية الحركة الأفغانية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
طالبان في القصر الرئاسيويتطرق الفيلم الوثائقي – الذي بث في (2023/9/1) – إلى دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى أفغانستان بدءا من عام 2014 وهو الذي يعتبر طالبان عدوة له مثلها مثل الأميركيين.
كما يشير إلى مرحلة ما بعد مغادرة أوباما البيت الأبيض، وكيف أن الجيش الأميركي زاد من استخدام الطائرات المسيّرة الموجهة من قاعدة في ولاية نيفادا، وتضاعُف الضربات 10 مرات في غضون عامين، مما أسفر عن سقوط قتلى في أوساط المدنيين الأفغان.
ووفق جون دمبسي، فقد قررت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في نهاية عام 2018 الجلوس مع حركة طالبان من أجل إبرام صفقة معهم تسمح للأميركيين بمغاردة أفغانستان والتأكد من تلبية مصالحهم.
وتوجت جلسات الحوار مع طالبان التي بدأت عام 2018 باتفاق الدوحة في نهاية فبراير/شباط 2020.
ومن جهة أخرى، جاء في الفيلم أن الرعب الأميركي المسلط من السماء عزّز في قناعة جيل جديد من الشعب الأفغاني الانضمام لصفوف حركة طالبان، كما حصل مع الشاب مولوي عزيز الرحمن الذي يقول إنه استخدم وسائل التواصل الاجتماعي لكسب القلوب والعقول، كما كشف المتحدث باسم وزارة المالية الأفغانية، أحمد والي حكمال أنه كان محاضرا في الجامعة ويقوم هو وآخرون بتعليم الأفغانيين من هم الأجانب؟ ومن أصحاب هذه البلاد؟
واضطرت القوات الأميركية أخيرا إلى الانسحاب بشكل مفاجئ من أفغانستان تاركة وراءها الفوضى وحكومة هشة سرعان ما انهارت بعد هروب رئيسها واستسلام قواتها لمقاتلي طالبان.
وسيطرت حركة طالبان على القصر الرئاسي في أغسطس/آب 2021 و فتحت الباب أمام فرص السلام بعد 40 عاما من الحرب- كما جاء في الفيلم الوثائقي- لكنها مع ذلك واجهت مشاكل بتوقف جميع الموارد الأجنبية عن أفغانستان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الفیلم الوثائقی فی أفغانستان حرکة طالبان
إقرأ أيضاً:
8 دساتير خلال قرن واحد في أفغانستان.. أين الخلل؟
كابل- منذ عودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس/آب 2021 لم تضع دستورا رسميا لإدارة شؤون البلاد، وعوضا عن ذلك تستند في حكمها إلى الشريعة الإسلامية والتفسيرات الفقهية التي تتبناها مع الاعتماد على فتاوى وقرارات زعيم حركة طالبان هبة الله آخوند زادة.
فلم تعترف حركة طالبان بالدستور الذي أقرته الحكومة الأفغانية السابقة عام 2004، معتبرة أنه مستوحى من نماذج غربية لا تتماشى مع رؤيتها الإسلامية، ومع ذلك لم تعلن دستورا بديلا، مما ترك فراغا قانونيا في الإطار الدستوري للحكم.
ويرى الخبراء أن غياب الدستور الرسمي يعكس طبيعة حكم حركة طالبان التي تفضل نهجا يعتمد على الأحكام الدينية وقرارات القيادة، بدلاً من نموذج دستوري حديث، مع ذلك يبقى مستقبل الإطار القانوني في أفغانستان غير واضح رغم الدعوات الداخلية والدولية لوضع هيكل قانوني أكثر وضوحا يحدد حقوق المواطنين وآليات الحكم في البلاد.
ويقول المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد للجزيرة نت "الإمارة الإسلامية تعتمد في إدارة شؤون البلاد على الأحكام الإسلامية وفقا للمذهب الحنفي، وفي فرصة مناسبة سنضع دستورا يتوافق مع المبادئ الإسلامية، وحاليا لا نواجه الفراغ الدستوري وهناك دول وحكومات ليس لديها دساتير مكتوبة ولكن أمورها تمشي وفق آلية يرونها مناسبة لإدارة بلادهم".
إعلان سبْق تاريخيوبحسب خبراء يمكن القول إن أفغانستان كانت أول دولة بين الدول الإسلامية تضع دستورا ينبع من النظرية الدستورية، متبعة الأفكار الإصلاحية للسيد جمال الدين الأفغاني، وكانت ثالث دولة بعد تركيا وإيران، تضع دستورا بعد سقوط الدولة العثمانية.
يقول الخبير القانوني عبد الكريم نبيل للجزيرة نت، إن الأمير أمان الله خان وضع أول دستور بعد سقوط الخلافة العثمانية، وأعد أغلب مواده في عهد الأمير شير علي خان بمساعدة السيد جمال الدين الأفغاني وقوبل القانون بالرفض ولم يتمكن الأمير من تنفيذه.
ويرى خبراء القانون في أفغانستان أن عملية صياغة الدساتير في البلاد ترتبط ارتباطا وثيقا بالأزمات والانقلابات وتغير الأنظمة بالقوة، فتاريخيا شهدت أفغانستان خلال القرن الماضي 8 دساتير، إضافة إلى مشروع دستور غير مكتمل اثناء حكم الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني عام 1993 ولم يصادق عليه لأسباب كثيرة أهمها الخلافات بين قادة المجاهدين السابقين.
دستور يحدث الشرخالاستثناء الوحيد للتغيير الدستوري الذي لم ينتج عن أي انقلاب أو تغيير للنظام كان دستور عام 1964، والذي بدأ بحكم الملك الراحل محمد ظاهر شاه -1933 إلى 1973- تحت مسمى التحديث والإصلاحات.
يقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت، إن الدستور الملكي لعام 1964 كان أكثر دقة وتطورا من الدساتير السابقة في كثير من النواحي ولكنه كان بمثابة بداية عدم الاستقرار في البلاد.
وأشار إلى أن الدستور نص على أن أبناء الملك وعائلته وأبناء عمومته، لا يجوز لهم الانضمام إلى الأحزاب السياسية، ولا يمكنهم أن يُقَلَّدوا مناصب حكومية أو انتخابهم أعضاءً في البرلمان أو تعيينهم قضاةً في المحكمة العليا"، الأمر الذي فسر بأنه إبعاد وعزل لابن عم الملك رئيس الوزراء الأسبق محمد داود خان، ما أدخل البلاد في فوضى جراء التناحر بين الطرفين.
إعلانيقول محللون سياسيون إن عمر الدستور في أفغانستان يتجاوز مائة عام وفي هذه الفترة كان دائمًا في تطور وتقلب بفعل التطورات السياسية والعسكرية وما يميز فترة حكم طالبان الأولى والثانية أنها لم تضع دستورا بسبب موقفها من الدستور والمصطلحات القانونية الغربية.
ويرى أستاذ كلية القانون والحقوق بجامعة كابل كريم جليلي للجزيرة نت أن "الخلاف في الدستور في أفغانستان له جذور تاريخية، حيث عارض عدد من العلماء أول دستور في أفغانستان بغض النظر عن طبيعته ومصادره، واعتبروه بديلا من القرآن ووصفوه بالكفر ولم يقبلوا به.
ويوضح جليلي أن "الصراع بشأن الدستور كان قائما على مدار هذا القرن، وخلال هذه الفترة شهدنا 8 دساتير، أغلبها جاء إلى الوجود بإلغاء الدستور السابق، حيث واجه أحدث دستور في أفغانستان نفس المصير الذي واجهه الدستور الأول".
أبرز دساتير أفغانستانفي القرن الماضي، وُضعت عدة دساتير أساسية في أفغانستان، حيث شهدت البلاد تغييرات سياسية متكررة أثرت على النظام القانوني والدستوري، وإليكم أبرز الدساتير التي تم تبنيها:
دستور 1923، وُضع في عهد الأمير أمان الله خان، وكان أول دستور مكتوب في أفغانستان، ويهدف إلى تحديث البلاد وإدخال إصلاحات قانونية وإدارية. دستور 1931، صدر في عهد الملك نادر شاه، وكان أكثر تحفظا مقارنة بدستور 1923، حيث أعاد تأكيد الحكم الملكي القوي مع بعض الإصلاحات. دستور 1964، صدر في عهد الملك ظاهر شاه، وأرسى أساس النظام الملكي الدستوري، حيث أدخل إصلاحات ديمقراطية مثل إنشاء برلمان منتخب، لكنه لم يستمر طويلًا بسبب الانقلابات اللاحقة. دستور 1977، وضعه الرئيس الأفغاني الأسبق محمد داود خان بعد إنهاء النظام الملكي عام 1973، لكنه لم يُطبق بسبب الانقلاب الشيوعي عام 1978. دستور 1980، صدر في ظل الحكم الشيوعي بقيادة الحزب الشيوعي الأفغاني، وكان يعكس التوجهات الإشتراكية المدعومة من الاتحاد السوفياتي السابق. دستور 1987، عُدل خلال حكم محمد نجيب الله آخر رئيس شيوعي، حيث حاول إدخال بعض الإصلاحات وإعطاء مجال أوسع للمشاركة السياسية. دستور 1990، أُقر في أواخر عهد نجيب الله كجزء من محاولة التوفيق بين مختلف الفصائل، لكنه لم يُنفذ بسبب الحروب الأهلية. دستور 2004: تم تبنيه بعد سقوط نظام طالبان الأول عام 2001 حيث أرسى نظامًا جمهوريًا ديمقراطيًا في ظل حكم الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي. إعلان