قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن المذاهب الفقهية المختلفة والآراء المعتبرة جزءٌ من التراث الإسلامي والإنساني، وهي مدارس علمية لها مراجعها وأصولها، لذا فلا ضرر من تبني أحدها أو الاختيار من بينها فقها وإفتاءً وفق الضوابط المعتبرة في ذلك.

وأضاف فضيلة المفتي -خلال لقائه الأسبوعي مع برنامج "نظرة" مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية "صدى البلد" مساء اليوم الحمعة- أن "هذه المذاهب الفقهية حفظت لنا الدين وحملت عنا عبء النظر والاستدلال الذي يستغرق سنوات وسنوات من الجهد المضني والتعب الشديد، وحفظت علينا العبادات والمعاملات وكل شئون الحياة، نؤديها ونحن مطمئنون إلى صحة ما ورد إلينا من أقوالهم فيها مع ما اشتملت عليه من اختلاف في طرق الاستدلال وتباين وجهات النظر، وكل هذا لا يمنع من التفاعل مع ما يقع من حوادث ومستجدات، فهذه المذاهب تركت لنا المعايير والمناهج التي تتيح لنا التعامل مع الواقع وَفق مراد الشرع الشريف".

وأشار المفتي إلى أن منهج الأزهر فيما يخص الفقه الإسلامي قام في الأساس على التعدد، ففتح أبوابه لدراسة المذاهب الفقهية التي تلقتها الأمة بالقبول، وجعل من ساحاته وأروقته مجالًا لدراسة هذه المذاهب جميعها، ولم يُقصِر الدارسين فيه على واحد منها دون الآخر، ولم يُقْصِ أبدًا أيَّ مذهب من المذاهب المعتبرة، فضلًا عن أن المذهبية تتَّسع للجميع.

وأوضح أن منهجية دار الإفتاء المصرية في إصدار الفتاوى منهجية علمية موروثة قائمة على احترام المذاهب المعتبرة وتقديرها، وعندما يرد سؤال إلى دار الإفتاء فلدى علمائها منهجية وخبرات متراكمة، مشيرًا إلى أن الدار تلجأ أحيانًا إلى المتخصصين في العلوم المختلفة، مثل الطب والاقتصاد والسياسة وغيرها قبل أن تصدر فتوى في أمر يتعلق بهذا التخصص، لاستجلاء الأمر والإلمام بكافة تفاصيله.

ولفت إلى أن المذاهب الفقهية تركت لنا فكرًا منتظمًا متَّسقًا له غايات واضحة على مدى زمني طويل، يساعدنا على التعامل مع الوقائع الحادثة في المجتمع وَفق مراد الشرع الشريف، مشيرًا إلى أن هؤلاء العلماء أصحاب المذاهب الفقهية كانوا يكنون لبعضهم البعض كل تقدير واحترام، وسيرتهم في ذلك معروفة مشتهرة.

ونفى تحيز أي من المفتين على مر العصور داخل دار الإفتاء المصرية لمذهبه الفقهي، موضحًا "مذهب المفتي لم يؤثر في حركة الفتوى، حيث إن التمذهب لا يعني انغلاق العقل وتحجر الفكر، بل يعني إطلاق العنان للعقل وتحرر الفكر، لإنزال حكم الله الوارد في النصوص الشرعية على الوقائع الحادثة بضوابط علمية رصينة ومناهج واضحة وتسلسل موصول برسول الله صلى الله عليه وسلم".

ولفت مفتي الجمهورية إلى أن الجماعات الإرهابية لديها خلل في منهجها الفقهي الذي تعتمد عليه، فهم لا يعترفون بالتعددية التي هي من مقومات المنهج الأزهري الذي يقوم على ثلاثة أركان، هي التعددية المذهبية، والعقيدة الأشعرية، وتهذيب النفس والسلوك وهو التصوف، موضحا أن المنهج الأزهري يتعامل مع النص بفهم واسع وهو مسلك الصحابة الكرام.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شوقي علام المفتي المذاهب الفقهية إلى أن

إقرأ أيضاً:

أفكارٌ عمليةٌ لتجاوزِ الانقساماتِ الطائفيةِ!

"بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية ليس تَرَفا ولا فضولاً، وإنما هو من صميم واجب الوقت، المتعين على الجميع النهوض به، على مختلف المستويات، وضمن دوائر التأثير المتعددة"، وِفقَ رئيس "مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي" الشيخ عبد الله بن بيه، والذي أكد على أن هذه الدعوة تستند إلى"أصل أصيل من أصول ديننا الحنيف، ومبدأ متين من مبادئه القطعية، وهو مبدأ الوحدة الإسلامية، والائتلاف ورفض الاختلاف والتنازع والفرقة".
         حديث العلامة بن بيه أعلاه جاء في الجلسة الافتتاحية لـ"المؤتمر الدولي لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، والذي نظمته في مكة المكرمة "رابطة العالم الإسلامي"، مارس 2025، بمشاركة نخبة من المرجعيات الدينية والمفكرين، للعام الثاني على التوالي، رغبة من "الرابطة" في مواصلة الجهود العملية لتجاوز مسببات الانقسام بين المسلمين، والبدء الفعلي في مشاريع عملية مشتركة، تعود بالصالح العام على الجميع، وتساهم في تعزيز مبادئ التعددية واحترام الآخر.
         هنالك جزء من التأريخ للماضي، هو تأريخ دموي بين الفرق الإسلامية، علت فيه خطابات التكفير والإقصاء، ومورس فيه العنف باسم "الفرقة الناجية"، وهذه الفصول المغرقة في قسوتها هي جزء من تأريخ المسلمين، ينبغي التبصر فيها وأخذ العبرة، دون الغرق في تفاصيلها. إلا أنها رغم شدتها، ليست قدراً حتمياً لا يمكن تجاوزه، خصوصاً إذا تم النظرُ إليها بعين الناقد الموضوعي الحُرِ ضمن سياقاتها الزمانية وظروفها السياسية، ويلاحظ أن جزء من هذه النزاعات تم استخدام الدين فيه كوسيلة للحكم والغلبة والنفوذ، أي أن فريقاً ممن كان يدعي الدفاع عن "المقدس" استخدم هذا الشعارَ راية لتحقيق أهدافٍ دنيوية بحتةٍ، أو مصالح حزبية، أو منافع طائفية أقلوية، لا تمثل صميم الدين، بل تنتهك رحمانيته وسعته!
         هذا الصدامُ المذهبي الذي يبرزُ على السطح بين فينة وأخرى، حذر منهُ الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي" الشيخ محمد العيسى، قائلاً ‏"كلنا على علمٍ بأن المسارات السلبية للسِّجالات المذهبية لم تقتصر مآسيها على فاعليها، وإنما امتد شرَرُها إلى النَّيْل من الإسلام والمسلمين في وقائعَ مؤلمةٍ دوَّنها التاريخ في صفحاته المظلمة"، وهو ليس التحذير الأول من العيسى، بل سبق وأن وجه دعوات صريحة وشجاعة شدد فيها على حتمية تجاوز هذا الإرث الثقيل من الخلافات، التي يجبُ أن لا يبقى المسلمون سجناء مآسيها!
         هذه "الصفحات المظلمة" ولكي تطوى بشكل جادٍ، لا بد أن تكون هنالك جهود حقيقية على أكثر من مستوى: الأول، إصلاح الخطاب الديني والتأكيد على رحمانية الإسلام وسعته وتعدديته. والثاني، مواجهة خطابات الكراهية والعنف والإرهاب، ونقضِ أسسها الفكرية والفقيهة. والثالث، وجود القانون العادل الذي يُجرمُ دعوات التكفير والتحريض الطائفي. والرابع، ترسيخ مبدأ المواطنة الشاملة التي تكفل لجميع المواطنين ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة وتحت سقف القانون العادل.
         العلامة عبد الله بن بيه، شدد في ورقته على ضرورة "التوقف عن التكفير والتبديع والتضليل" لأن "نتيجة التنازع هي الفشل والتمانع". مقترحاً في ذات الوقت على المشاركين في المؤتمر "تكوين مجموعة دائمة تقوم بالاتصال بمختلف أطراف النزاع بين المسلمين لرأب الصدع وجمع الشمل"، ولكي يكون هذا الاتصال فعالاً، اقترح بن بيه " إنشاء قسم في رابطة العالم الإسلامي لمتابعة ملفات النزاع ودراستها وتقديم المقاربات مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الدولية منها، لتكون للدين كلمته عبر ما يسمى بالدبلوماسية الدينية".
         مقترحات رئيس "مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي"، تقاطعت مع ما جاء في البيان الختامي لـ"المؤتمر الدولي لبناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"، والذي نص على إنشاء "المجلس التنسيقي بين المذاهب الإسلامية"، على أن يتولى المجلس العمل على مسارات تفعيل بنود "وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" في المجتمعات المسلمة، كما "الإشراف على تنفيذ الخطة الاستراتيجية والتنفيذية لوثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية، ومتابعة البرامج والمبادرات المنبثقة عنها".
         هذا "المجلس التنسيقي" سيكون أحد الأذرع الهامة التي تعمل على بناء "المؤتلف الإسلامي" الجامع، وحل الخلافات التي قد تنشأ، بالحكمة والبصيرة، والأهم تشكيل سياق تراكمي ورأي عام واسع يعزز السلم، وينبذ التعصب والخطابات العنصرية والتأزيمية، خصوصاً التي تستغل الدين لأهداف طائفية – سياسية!

مقالات مشابهة

  • المفتي : تعدد مصادر التشريع يُظهر رحمة الإسلام ومرونته وصلاحيته لكلِّ زمان ومكان
  • المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024
  • القبض على 8 متهمين بقضايا قانونية مختلفة في بغداد
  • أفكارٌ عمليةٌ لتجاوزِ الانقساماتِ الطائفيةِ!
  • حكم صيام من نهاه الطبيب عن الصوم.. وهل عليه وزر إذا صام.. الإفتاء تجيب
  • المفتي عن انتصار العاشر من رمضان: يطلق عليه غزوة بدر الثانية
  • طلبة طب الأسنان بالدار البيضاء يشنون إضرابا عن "التداريب الاستشفائية" يستغرق 15 يوما
  • ما قيمة زكاة الفطر والحالات التي لا تجزئ فيها الفدية عن الصيام؟.. المفتي يجيب
  • يكلفه 300 مليون .. هل يواجه جورج كلوني وأمل علم الدين شبح الانفصال؟
  • إذ أراد الجيش انتصار بالخرطوم عليه التصدي بشكل حاسم لظاهرة الشفشفة في المناطق التي يستعيدها