عربي21:
2025-01-18@13:03:40 GMT

الحكمة والمعرفة.. التأمل والتفكر والتدبر

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

عندما نتأمل في كتاب الله نجد أن هنالك دعوة للتفكّر وعقل ما يقال حتى في آيات الله وكتابه، وعندما نتدبر نجد أن عاملا مهما يبرز بذاته وهو المنظومة العقلية ذات الأهلية. فلم ينزل القرآن بافعل ولا تفعل، أو قل ولا تقل أو هذا حسن وذاك قبيح، وإنما وضعت تعاليمه قيما، ولا بد من يقرأ القرآن على مكث أن يتفاعل معه بالتفكير فأسلوبه ليس إملائيا بل مثيرا للتساؤل ومتفاعلا مع السؤال، ويبين أن الإنسان حر وكامل الأهلية في خياراته.

يقول الله تعالى إن الله يكره كذا وكذا، ذلك ما يعظكم به، فهو وعظ وليس إجبار لاختيار لأنك أصلا في تصميم الخليقة كامل الأهلية وليس هنالك من يحاسبك في الدنيا والآخرة إلا الله على خياراتك، ما لم تضر القوانين والمجتمع أو تقلق استقراره وتخترق قوانينه عندها يحاسبك القانون والسلطة.

السلالة التي أراد الله جل وعلا أن تكون في الأرض هي سلالة آدمية، ويبدو من التأمل في الآيات أن هنالك نسخا سابقة وسلالات سابقة في الأرض كانت تفسد فيها، لكن علم الله أوسع من المشاهدة، ففي هذا المخلوق البشري ميزة مختلفة من التصوير الحسن إلى ميزة التفكير والحفظ والتذكر وفيه مع الغرائز منظومة العقل هذه التي تدير المعلومة. هل أدار آدم المعلومة؟ وهنا الدرس الأول للآدمية بآدم نفسه، فقد أعطاه الله المعرفة وعلمه كل شيء، لكنه لم يتفكّر بالمعلومة وهذا درس للبشرية بأبيهم أن المعرفة وحدها ليست نافعة بلا تدويرها في الذهن والتدبر والاستفادة منها في الأحداث، فنسي التحذير من مخلوق اتضحت كراهيته له كمخلوق وليس كراهية السلوك وهنا نقف وقفة قصيرة.

منطق الكراهية يجعلك مؤمنا أو شيطانا

عندما نظر إبليس إلى آدم نظر إلى مخلوق مكرم، لم يفعل آدم شيئا ولم يرتكب هفوة، ولم يبدُ على ملامحه السوء، ارتفعت الأنا عند إبليس وأثارت الحسد فالحقد لأن هذا المخلوق آدم نال تكريم خالقه. إذن الكراهية الإبليسية هي كراهية الذات للذات وكراهية الإنسان للإنسان والتي تأتي من حسد وحقد، كذلك كان قابيل عندما قتل هابيل. وأما كراهية المؤمن فهي كراهية الفعل من الإنسان وليس كراهية الإنسان، كذلك كانت كراهية هابيل لفعل قابيل، كراهية أي إنسان سوي لفعل في إنسان آخر فان أصلح أفعاله فلا كراهية ولا سوء. قال ﷺ: "الإسلام يجبّ ما قبله"، أي إن اعتدال الأفكار يجعل الإنسان نقيا تخلى عن ماضيه بما فيها ذنوبه وهو أمام منهج جديد، فالكراهية لفعل الإنسان هي رغبة بالخير له بصلاح فعله وإيجابية تعامله ونقاء فكره ورقي إنسانيته.

عندما يندمج الإنسان بفعله، ويصبح بالأنا الإبليسية متوحدا مع أفعاله فهو يخرج عن منهج الآدمية وسجيتها. عندما أخطأ آدم كان فعلا تبرأ منه بالتوبة والاستغفار الذي احتاج كلماته ليعلمه خالقه الأمر الذي يظهر مدى تكريم الله لهذا المخلوق وهو الأعلم بخفايا نفسه. لكن الأنا الإبليسية أصرت على التكبر والعصيان، كذلك يكون الإنسان المصر على العصيان فيكون "إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ"، ومع هذا رأف الله بنوح فلم يجعله يرى غرق ابنه، لأن الإنسان له من العواطف ما تجعله أضعف ما يكون أمامها، لكنه ينيب.

السلوك دال على مدى فاعلية المنظومة العقلية ومدى الفهم للقيم، وليس من ملائكة على الأرض، فالإنسان يخطئ ويصيب وإنابته باعتذاره وحسن إصلاحه للأمور، والأولى أن يفكر ولا يصر فالإصرار هو غياب للحكمة وغياب الحكمة هو الفشل للآدمية، والتصالح مع الذات بتصويبها وليس بالإصرار على الخطأ، اللهم إلا من كان مريضا فذاك إنابته بعلاج ذاته ليعود نافعا لأهله وبيئته. ومن هنا نرى الحيز الضيق لكره الإنسان لاندماجه وسلوكه المتشبع بالشر.

الحكمة والمعرفة

لقد كان آدم مزودا بالمعرفة، ولم يفعّلها في تفكيره فكان ما كان، فالمعرفة التي لا تستفيد منها الأمم بخاصتها وعامتها هي كمثل بني إسرائيل عندما لم يفهموا التوراة لا تكفي المعرفة وحدها بلا حكمة وشفافية وإخلاص، مثل الحمار يحمل أسفارا، ينقلها للاستخدام من غيره بيد أنه لا يفيد منها وما أكثرهم بل ما أشدهم قسوة في محاسبة الناس ونسيان أنفسهم، لذا لم يقل الله من يؤت المعرفة، بل قال ومن يؤت الحكمة فالحكمة هي التي تجعل منك آدميا بما لديك من معرفة وليس مكتبة متنقلة بلا سلوك متفق مع القيم التي تتحدث بها.

الحرص على عوامل الحكمة تنعكس على السلوك، لأن من فقد حكمته شوه ما يحمل من علم بمخالفته أو بسوء سلوكه: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ" (الصف: 2)، إنهم مؤمنون بما يقولون ولكن ضعفت النفسية فأمروا الناس بالبر ولم يفعلوه وعلموا الصواب وخالفوه، فيكون بعضهم للناس أذى ومنفرا في القول والفعل وسوء السلوك والمعاملة وقدوة سيئة.. إن مقت الله آت لفقدان التوازن في المنظومة العقلية والسلوك.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات المعرفة السلوك الحكمة الانسان المعرفة الحكمة السلوك مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا ببرهان ساطع

قال الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في خطبته في "مسجد مصر الكبير" بالمركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية بعد ضمه دعويًّا وعلميًّا إلى وزارة الأوقاف، إن من أعظم ما امتن الله تعالى به على هذه الأمة أن خصَّها بهذا الدين القويم الذي اشتمل على الخير للبشرية عامة، وللإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، مبينًا أنه قد اشتمل على مقاصد كلية وقواعد ضرورية تدفع إلى تحقيق المصلحة، وتمنع من المفسدة، جلبًا للخيرات للبلاد والعباد، وتحقيقًا لمبدأ الاستخلاف الذي خلق الله الناس له.


ثم انتقل مفتي الجمهورية، إلى بيان خطورة التكفير الذي يعدُّ من أبرز سمات الفكر المتطرف، موضحًا أنه من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة، وأنه من أهم العوامل التي يمكن أن تقضي على آمالها وتفتح الطريق للآلام، وتساعد الأعداء عليها، ويمكن أن تؤدي إلى هلاك العباد والبلاد.


وأوضح أنه يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا بقرينة واضحة أو برهان ساطع، ويكون ذلك من خلال العلماء مع انتفاء الموانع كالجهل أو الخطأ أو الإكراه أو التأويل، وهذا منهج الأزهر الشريف. 


وأشار إلى جملة من أهم الآثار الخطيرة التي تعود على المجتمعات من جرَّاء التسرع في إصدار الأحكام على الناس وتقسيمهم دون حجة أو بيِّنة، مبينًا أن في هذا انتهاكًا لحرمات الناس، ومؤكدًا أن هذه قضية خطيرة حذَّر منها الإسلام، ونبَّهَ عليها لما يلزم فيها من مفاسد، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا...»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».


وأكد أن هذا الفكر المتطرف يعمل على استباحه المال والعرض تحت مزاعم واهية، وأقوال فاسدة، لا يراد من ورائها إلا التطاولُ على النفس والمال والعرض، وهي مقاصد ضرورية في الإسلام، مستشهدًا في هذا السياق بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وأوضح فضيلته أن المتأمل في هذه الآية يقف على عقوبة تلو الأخرى من جراء استباحة المال والنفس والعرض، كما استشهد أيضًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا»، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ».


وبيَّن أن التكفير والتطرف يتنافى مع طبيعة هذا الدين الذي ينظر إلى الإنسان بكل إجلال وإعظام وإكبار وإكرام، فأقر مبدأ الحرية الدينية، وأكَّدَ أن التنوعَ والاختلاف سنة كونيَّة، ودعا إلى مراعاة الكرامة الإنسانية، وأشار إلى الوحدة في أصل الخلقة، ثم جعل التفاوتَ بين الناس مردَّه إلى تقوى أو عمل صالح، فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بالتَّقْوَى».

وزير الأوقاف: مسجد مصر الكبير سيكون مركزًا لإشعاع القيم الإنسانية والحضاريةمفتي الجمهورية من مسجد مصر الكبير| الفكر التكفيري يستبيح الأموال والأعراض .. الغش خيانة لله ورسوله والمؤمنين| فيديو
وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّرَنا وهو يشير الى هذه العلامات، ويرشد إلى هذه الصفات التي يتصف بها أصحاب هذا الفكر المتطرف؛ ليحذر الإنسان منها في كل عصر، وفي كل مكان، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في بيان أوصافهم: «يَحْقِرُ أَحَدُكُم صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتهم، وصِيَامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّين كما يمرُقُ السهمُ من الرميَّةِ، أينَمَا لَقِيتُمُوهم فَاقتُلوهُم، فَمَنْ قَتَلَهم لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وهو عَنْهُ رَاضٍ». 


ولفت إلى جملة من الآثار الخطيرة لهذا الفكر المتطرف، ومنها: الإساءة للإسلام بعرضه على غير حقيقته، والدعوة إليه بخلاف ما هو عليه، بما يشتمل عليه هذا الفكر من الغلو والتطرف والتشدد واللا مبالاة، وسد اليسر أمام الناس، وهو ما يتنافى مع طبيعة هذا الدين، ويختلف تمامًا عن مقاصده ومآربه، وهذا بخلاف ما فهمه الصحابة والتابعون الذين رأوا فيه الإيمان والعدل وسعة الدنيا والآخرة، ومن آثار هذا الفكر أيضًا: أنه يؤدي إلى الفرقة والاختلاف، ويدعو إلى الانقسام والتنازع، وهو ما يمكِّن أعداءَ هذه الأمه منها، وهو ما يتنافى مع قول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وقوله: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.


وحذَّر مما يتضمنه هذا الفكر الذي يصيب أصحابَه بالخلل في التفكير والسلوك، حيث إنه يُعَدُّ لونًا من ألوان الغش والخداع لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن أبرز صور هذا الغش في الدين: الاعتمادُ فيه على المظهر لا على الجوهر، وهو ما يتناقض مع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».


وشدَّد في التحذير من جميع صور الغش، وأنه جناية على البلاد والعباد، وخيانة لله وللرسول وللمؤمنين، ومخالفة للتوجيهات الإلهية والهدي النبوي الذي يوجه إلى الأمانة والنصيحة الصادقة الخالصة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، موضحًا أن المتأمل يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرن بين مَنْ غَشَّ وبين مَنْ حَمَلَ السلاح على المؤمنين الآمنين، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَيْنَا، فَلَيْسَ مِنَّا»، وقال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».


واختتم الخطبة بهذه النصيحة الغالية بقوله: "فما أحوجَنا أيها الأحبة إلى أن نتلاقى على هذا التوجيه القرآني وتلك المأدبة المحمدية، ننطلق من خلالها لبناء الإنسان وبناء الأوطان، والمحافظة على هذه المقاصد التي تحقق الخير للبلاد والعباد".


 

مقالات مشابهة

  • الرباط تنفي أي صلة بمغربي موقوف بتهمة التجسس  في ألمانيا وتقول إن له "موقف كراهية ضد المملكة"
  • مفتي الجمهورية: التكفير يعدُّ من أهم العقبات التي ابتليت بها هذه الأمة
  • مفتي الجمهورية: يجب ألا يُحكم على الإنسان بالكفر إلا ببرهان ساطع
  • مفتي الجمهورية: الإنسان لا يدرك الحكمة الإلهية وراء القضاء والقدر| فيديو
  • «مجلس الفكر والمعرفة» يناقش رواية ريم بسيوني «الغواص»
  • الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ
  • لماذا رجب من الأشهر الحرم.. وما الحكمة من إفراده عن الثلاثة الأخرى؟
  • الأب بطرس دانيال يكتب: دعوة واستجابة
  • البابا فرنسيس عن المثليين: «مَن أنا لأحكم عليهم؟»
  • بالفيديو.. عمرو الورداني: التدين الحقيقى خلق حسن مع الناس وليس مظاهر