الجزيرة:
2024-12-19@03:05:54 GMT

اليمن من الداخل.. رحلات في أمكنة التاريخ

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

اليمن من الداخل.. رحلات في أمكنة التاريخ

يطوف الصحفي والناقد والكاتب المتخصص بالشأن الثقافي اليمني، أحمد الأغبري، بقارئه في مناطق شتى من اليمن ضمن كتابه الصادر حديثا "اليمن من الداخل.. المكان شاهدا" عن دار "عناوين بوكس" في القاهرة.

في 200 صفحة، تتوزع رحلات الأغبري على 20 مكانا؛ تبدأ من مدينة إب وسط البلاد وتنتهي بشارع المطاعم الواقع في زاوية بميدان التحرير في قلب العاصمة صنعاء الذي يعد ملتقى للأدباء والكتّاب والفنانين، حيث صخب الحياة اليومية وحزمة مطاعم تقدم وجبات شعبية يؤمها البسطاء في الأغلب.

يحاول الكتاب، تقديم قراءة مختلفة لليمن من داخله، كشهادة حية عن بلد يتصدر المكان واجهته الثقافية؛ حيث المكان هو أول الدروب إلى ذاكرة الإنسان، وأهم شاهد على هُويته ومنجزه الثقافي، كما هو وسيلته للتعبير عن خصوصيته.

وتشمل الرحلة مدنا كصنعاء وعدن وإب وشبام حضرموت وثِلاء والهجرين ودمت وتريم والطويلة، وهي مدن تتناثر جغرافيا من شمال البلاد مرورا بوسطها وإلى جنوبها، وجزيرة سُقطرى؛ حيث الطبيعة البكر وحديث الناس بلغتهم السقطرية المختلفة عن لغة اليمنيين المعتادة ولهجاتهم المنبثقة عنها.

"الزمردة الخضراء"

ويذهب الكاتب إلى محمية عُتمة الواقعة في محافظة ذمار (وسط اليمن)، حيث ينبسط جمال الطبيعة ببذخ، يفترش الأرض متموجا وصاعدا إلى المرتفعات بمدرجاتها الساحرة وهابطا في الوديان المكسوة بالاخضرار معظم أيام السنة.

ويُطلِق الكاتب على محمية عُتمة اسم "الزمرّدة الخضراء"؛ نسبة إلى تنوع خصوصياتها النباتية والحيوانية معتمدة على غطاء نباتي يمتد إلى أحراش وغابات جبلية يوفر مرعى للحيوانات الأليفة ومرتعا لحيوانات وطيور برية متنوعة.

ويحذر الكاتب من مخاطر التحطيب الجائر الذي تزايد في السنوات الأخيرة متسببا في استهلاك نحو 90% من الأشجار المعمرة في ظل أزمات انعدام وارتفاع أسعار غاز الطهي، كما يحذر من الحفر العشوائي المتزايد لآبار المياه واتساع زراعة القات على حساب بؤر رئيسة في المحمية.

كبرياء وإهمال

ويتوقف الكاتب أمام شواهد المكان وخصوصيته في قرية "بيت بوس" الأثرية المنتصبة بكبرياء أسطوري على تل صخري جنوب غرب مدينة صنعاء، فيعدها شاهدا ليس فقط على خصوصية القيمة الحضارية للحصون والقلاع في التاريخ اليمني، وإنما أيضا على فداحة ما يشير إليه بـ"المأساة التي ترتكبها المدينة الحديثة بعمقها التاريخي الحضاري لضواحيها وتداعيات إهمال الصيانة والترميم".

ويذهب بعيدا إلى قرية "حيد الجزيل" الواقعة غربي محافظة حضرموت؛ حيث يمر "وادي دوعن" الشهير وتجثم بيوت طينية على سطح جرف صخري ضخم يقع على ربوة تتوسط ملتقى واديين، في مشهد يتداخل فيه موقع الصخرة الفريد وبهاء المعمار الطيني الجميل، ومن حولهما خضرة الوادي وزهو الجبال وأنفتها.

ومنتهيا من "جهة المدينة" أو ما يقول عنه "الناصية الأولى" التي شملت 9 مدن، تتبعها قريتان ضمن طريقه "جهة القرية"، ثم الطريق الثالث "جهة المدرسة والقصر"، حيث يتوقف الكاتب في رحاب "المدرسة العامرية" في "رداع" وسط البلاد الشاهدة على فن الزخرفة، ومنها يتجه الكاتب (والقارئ معا) إلى دهشة العمارة الطينية في "قصر سيئون" بأقصى شرق البلاد الحضرميّ، ثم عودة إلى "دار الحجر" القصر الذي شُيّد بروح قصيدة.

والطريق الرابع "جهة الجزر والمحميات" يطوف فيه الأغبري "جزيرة سُقطرى" البكر بطبيعيها المنفردة وبلغتها وطقوس وإرث إنسانها، وينتهي به الطريق عودة إلى محمية "عتمة" غير القريبة تماما.

مقهى مدهش.. ملتقى الإبداع

أما الجهة الأخيرة في تبويبات الكتاب فتتأمل زوايا واحتشادات "شارع المطاعم" في قلب مدينة صنعاء، الذي لا يقتصر ارتياده على "المتعبين والمثقلين بالخسارات" من الفئة العمالية الكادحة وغيرهم، ولا فئة السياسيين من وزراء وسفراء ورجال أعمال وطلاب وموظفين.

غير أن الكاتب، يتوقف هناك ليقرأ علاقة الشارع بالمبدعين والإبداع عموما، فهؤلاء "وإن كانت لهم خساراتهم وهمومهم أيضا"؛ فإنهم أضافوا زخما آخر لهذا المكان، فقد صار "مقهى مُدهِش" -أحد مقاهي شارع المطاعم- ملتقى يوميا يقصده كثير من الأدباء والفنانين والصحفيين.

مشروع ثقافي يمتد منذ ربع قرن

يقول الكاتب أحمد الأغبري للجزيرة نت إن كتاب "اليمن من الداخل" يأتي ضمن مشروع ثقافي يشتغل عليه منذ ربع قرن خلال عمله في الصحافة والكتابة، ويستهدف إعادة تقديم اليمن من زاوية غيّبتها السياسة والحرب والصراع على السلطة على مدى العقود الماضية؛ وهي زاوية القيمة الإبداعية الجمالية لنتاج البلد الثقافي.

وينوه الأغبري إلى أن الكتاب هو "نتاج 10 سنوات من التنقل بين مناطق اليمن والكتابة عنها، وقد ارتكز على المكان باعتباره الشاهد الأهم على عظمة الفن، الذي انتمى إليه أسلافنا، كهوية حمت تنوعهم".

ويضيف أن الكتاب يمثل دعوة للأجيال الحالية من اليمنيين للعودة للانتماء للفن؛ الذي تتجلى عظمته بين ظهرانيهم، وتحديدا فيما قدمه الأجداد من تنوع وجمال، تفلسفه علاقتهم بالمكان، وتترجمه المدن والقرى والحصون والقلاع والمدارس والقصور.

وتابع "تنقل الكتاب بين الجهات الأربع لليمن على امتداد تنوعه: تفاصيل انطلقت من الجغرافيا، تعاملت مع التاريخ، واعتمدت أدب الرحلة، كتبتها بجوارحي كشهادة مرتبطة بأسباب الحياة والنهضة في بلد تتزاحم فيه أخبار الموت والتخلف".

وهذا الكتاب هو سرديات وصفية لرحلات مكانية مرتدية ثوب الأدب ومتحدثة بلغة الفن؛ تقدم شهادة متخففة من أي تحيز عن بلد يتآكل حضوره الابداعي في وعي أبنائه: شهادات تروي سير الأجداد مع المنجز الحضاري، ودليل يرشد إلى طريق النجاة واستئناف النهوض.

وهذه الطريق هي الانتماء للإبداع والفن، حيث يتتبع الكتاب ملامح الفن في المكان في سياق التعرف إلى الهوية من خلال ثنائية المكان والإنسان؛ لقراءة أبرز ملامح شخصية هذا البلد.

ويفيد الأغبري بأن هناك كتابين آخرين له يصبان في ذات الاتجاه، سيصدران لاحقا، الأول يُعيد الاعتبار لليمن في علاقته بالفن، لكن هذه المرة سينطلق من الحاضر، وتحديدا من أبرز تجليات الفن الحديث، وعلى وجه الخصوص الفن التشكيلي؛ وفيه يقدم قراءات في أبرز التجارب التشكيلية اليمنية. والكتاب الآخر يشتغل على تجربة اليمن مع فنون الأداء (المسرح والغناء والموسيقى والسينما والدراما).

20 نصا

من جهته، يلفت الروائي اليمني، وجدي الأهدل، الانتباه إلى أنه جرت العادة أن يكتب الرحالة العرب والمستشرقون الأجانب عن رحلاتهم وإقامتهم في اليمن، ولكن الكاتب والصحفي اليمني أحمد الأغبري كسر هذه القاعدة، وسخّر قلمه لوصف بلاده والتغزل بمحاسنها، فقد جاب اليمن من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وتنقل بين سهولها وشعابها وجزرها وسواحلها، ودوّن -خلال سنوات- ثروة من المعلومات والأوصاف؛ جامعا بين التأريخ والجغرافيا.

وقال الأهدل للجزيرة نت "إننا أمام 20 نصا، كل نص يتحدث عن بقعة جغرافية أو معلم تاريخي يتميز بفرادة وعراقة ضاربة في جذور التاريخ".

وكان صدر للأغبري عام 2020 كتاب بعنوان "أجنحة الكلام وفضاء الأسئلة- مقاربات يمنية"، حيث يقدّم اليمن من خلال نتاجات سردية وشعرية على امتداد عقود؛ بما فيها التي صدرت خلال سني الحرب، متضمنا شهادة مغايرة ومنصفة عن بلد "يتحول إلى مقبرة كبيرة لأبنائه، ويعكس للآخر صورة ليست هي صورته المتأصلة في متن شخصيته"، على حد تعبير الكاتب الأغبري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الیمن من

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الوطن المعتقل

#الوطن_المعتقل

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 17 / 2 / 2018

يا إلهي، أي ترف هذا الذي يعيشه المواطن الغربي! إنه بعيد عن دخان الحروب ومرمى البراميل الطائرة، ولا يثير عطاسه القومي غبار “بعير” البسوس، ولا أرضه مغتصبة، ولا بلاده على مائدة التقسيم. وإنه إنسان قد اكتملت إنسانيته، ولديه من رصيد الكرامة ما يكفيه للعيش عمرين متتالين، حقوقه مستلمة، وواجباته مؤداة، والقانون يطبق على كل من حوله بالتساوي كأسنان المشط، لا ينام منزعجا من قرار، ولا يموت كمدا لأنه قد جرى تعيين أغبى أغبياء الدنيا في موقع المسؤولية، وإنه مطمئن على أن الوطن بصحّة جيدة، وقابل أن يعيش مليون عام أخرى بقوة وتقدّم وازدهار.. فإن لديه طاقما من المسؤولين يعتذرون إن كذبوا ويستقيلون إن تأخروا.. فأي ترف هذا؟؟

مقالات ذات صلة د. حسن البراري يكتب .. الطغاة يجلبون الغزاة 2024/12/17

 
وزير الخارجية الهولندي “هالبي زيلسترا” قدم استقالته الأسبوع الماضي، فقط لأنه أقرّ بالكذب قبل عامين، حول حادثة جرت قبل 12 عاما؛ عندما ادّعى أنه حضر اجتماعا مع الرئيس الروسي بوتين وهو لم يحضره!! القصة برمّتها غير مهمّة، ولا تستدعي جلسة طارئة للبرلمان، فنحن يوميا على الصعيد الشخصي نكذب مثلها ألف مرّة، ثم إن الخبر الذي كذب به الوزير “هالبي” لا يضر بمصالح بلاده ولا يورطها بقروض طويلة الأمد وفوائد عالية النسب، ولا تتستّر على مصائب الزعيم، ولا تهدد الأمن القومي، ولا تدمّر الاقتصاد.. هي كذبة لطيفة لا يفرق جدّها من هزلها، فلماذا انزعج الصديق إلى هذا الحد وأنّب ضميره إلى هذه الدرجة وقدّم استقالته للملك وأنهى مستقبله السياسي..؟! ما قمت به يا رجل لا يذكر أمام ما يقوم به المسؤول العربي كل نهار، ولا يعترف رغم تراكم الأدلّة ضدّه..!!

قبل أسابيع أيضا استقال الوزير البريطاني “مايكل بيتس” لأنه تأخر عن جلسة البرلمان خمس دقائق، ولم يتمكّن من سماع الأسئلة الموجهة إليه، حيث نوقشت بغيابه فشعر بالإحراج، وقال بأنه لا يستحق أن يكون في هذا الموقع.. تخيّلوا الوزير البريطاني يشعر بالحرج لأنه لم يجب على سؤال وجّه إليه؟؟ وهناك أكثر من 80 سؤالا وجهه مجلس النواب الأردني للحكومة ولم تجب عليه؛ لا لانشغالها ولا لازدحام جدول أعمالها، وإنما هكذا “تطنيش” وعدم رغبة، بمعنى آخر “مش جاي عبالها” أن تجيب على هذه الأسئلة..

صحيح، ذكرني هذا الوزير البريطاني المتأخر لمدة خمس دقائق بحادثة جرت معي قبل سنتين تقريبا؛ عندما اتصل بي المحامي الذي يدافع عن قضاياي في المطبوعات والنشر وأكد أكثر من مرة على ضرورة الحضور والاستيقاظ باكرا والوصول للمحكمة قبل الموعد، لأن المشتكي “مسؤول مهم” وسيكون حاضرا جلسة الادّعاء، ولا بدّ من وجودي، فمن غير اللائق أن أتأخر في حضرة القضاء ووجود المسؤول المشتكي، وبالفعل كنت من أوائل من حضروا إلى قصر العدل، حتى قبل القـضاة والكاتبات وشرطة التنفيذ القضائي.. وعند المناداة على اسمي وقفت في غرفة القاضي ووقف قربي محامي.. ووقف محامي الخصم “المسؤول”، لكن المسؤول لم يحضر.. سأله القاضي: أين المشتكي؟؟ ردّ محاميه.. في “روما”.. صاح القاضي: لا تمزح أنت في حضرة القضاء.. اعتدل المحامي وقال: أقسم بالله إنه في روما، لقد سافر فجر اليوم برغم علمه بموعد الجلسة.. أغلق القاضي الملف وأجّل القضية شهرا آخر.

 
وزير يستقيل لأنه كذب قبل سنتين.. وآخر يستقيل لأنه تأخر خمس دقائق.. أي جنون هذا وأي احترام للدولة هذا! لقد كذبوا علينا حتى ملّهم الكذب، أقسموا أن يحرسوا الوطن فأخرسوه وسرقوه، أقسموا على خدمة الأمة فاكتشفنا “خدعة” الأمة، قالوا إننا سنلمس التحسن الاقتصادي بعد عامين، فمضى عقدان والاقتصاد من سيئ إلى أسوأ، ولم يتحسن إلا وضعهم الاقتصادي الشخصي، قالوا إنهم لا يساومون بالقضايا الوطنية، وبالفعل، لقد باعوها دون أن يساوموا عليها، قالوا إن كرامتنا أغلى ما يملكون، وعلى ما يبدو “أنها جابت سعر كويس” لصندوق النقد الدولي فباعوها وتركونا لا نفكّر الآن إلا في سدّ الجوع.. لقد كذبوا وتأخروا وأخرونا معهم.. ومع ذلك يصرّون في كل خطاب أنهم لن يسمحوا لأحد أن يلمس “الكرسي الذي يجلسون عليه”، ويطربون لتصفيق الطحالب التي تعيش على فتاتهم..

عندما يصبح الحاكم جلادا، ووزيره سمسارا، والشعب رؤوسا في مزرعة، والعدالة موسمية.. فتأكّد أنك لم تعد في وطن.. أنت في معتقل تسيّجه الأحلام الشائكة!

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#169يوما

#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي

#أحمد_حسن_الزعبي

#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال يعلن اعتراض الصاروخ الذي تم إطلاقه من اليمن
  • دبي..مبادرة لمشاركة الركاب في رحلات الحافلات الصغيرة
  • مطار في اليمن سيشهد تشغيل رحلات جديدة مع مصر
  • من عصور ما قبل التاريخ.. أمريكي يتفاجأ بأسنان حيوان منقرض في منزله
  • معركة برية تنطلق من الداخل.. محلل سياسي يتحدث عن الخطر الحقيقي على الحوثيين وماذا يريدون من الهجمات على إسرائيل
  • وزير الآثار: ندرس السماح لشركات الطيران الأجنبية بتشغيل رحلات سياحية داخل مصر
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. الوطن المعتقل
  • ما الذي يحدث في المنطقة ؟
  • في ذكرى تأسيسها.. انتقادات لحماس بسبب احتفالات الخارج ومعاناة الداخل
  • أهم مميزات بطاقة درب المقدمة من مترو الرياض لتسهيل رحلات الركاب