بوابة الوفد:
2025-02-22@09:01:38 GMT

مؤنسة المائة عام

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

منذ ما يربو على المائة عام وضعونى هاهنا، حملتنى يدان غليظتان وأودعتنى ركنًا قصيًّا فى تلك الظلمة، لأفترش أرضًا تكسوها الحناء، ما لبثت بكرور الأيام أن اختلطت بالثرى، لتصبح جزءا منه، ولطالما تساءلت: لِمَ أنا هنا؟ عندما أخذتنى ذات نهار يدان بضتان، احتضنتنى بحرص، وربتت على انتفاخى كأم حنون، وهمست لى بصوتها المتهدج: «سترافقين أغلى الناس، كونى له أنيسا حتى ألحق به ذات يوم».

. ظننت حينها أننى سأسكن بيتًا وارفًا، ستظللنى شجرة توت تقبع بجانب بابه، أو تكعيبة عنب تحتضن شرفته.. لكن خاب أملى، ليصبح مآلى ذلك الظلام الدامس الذى لا أعى سببه.

اليوم يفتح باب تلك الغرفة المظلمة، شخصت ببصرى علهم أتوا لإنقاذى، لكن لعجبى، لقد وضعوا أحدهم بجانبى، يغطيه رداء أبيض، ولا يحرك ساكنا، تمتموا كثيرا ثم تركوه وذهبوا، ليصبح هناك من يقتسم معى الظلمة والصمت..  

ومنذها ما عاد الصمت صمتا، يتسلل إليّ كل فترة صوت حنون، هو ذاته الصوت المتهدج الذى همس لى ذات يوم، لكنه الآن يبدو مختلطا بنشيج، وبعض التمتمات التى لا أميزها، فلماذا لا تنزل إلينا صاحبة هذا الصوت، كم أشتاق لتربيتة يدها!

لم يمر طويل وقت حتى فتح الباب وأرقدوا جسدا آخر، يغطيه الرداء الأبيض ذاته، أنهوا تمتماتهم ونشيجهم، ثم قرعوا بنعالهم سقف حجرتنا ولم أعد أسمع لأحدهم صوتا.. انتظرت أن يصلنى صوتها المتهدج، لكنه لم يصل، وفجأة سمعته قريبا قريبا.. إنها هى من أرقدوها معنا، أهلا ذات التربيتة الحنون، أخيرا نزلت إلينا..

انتظرت أن تحملنى يداها، لكنها لم تفعل، كانت يداها مشغولتين بمعانقة يديه، كان لقاؤهما عظيما، انزويت على إثره أرقبهما فى تأثر، وما انقطعت حكاياتهما لحظة، صار للغرفة أنيس حقيقى، وذهب الصمت إلى غير رجعة.

توالت تلك الأجساد المتدثرة فى بياضها، يسجدى الواحد تلو الآخر، وظللت أنا هنا، أشهد لقاءات عدة، وحكايات عدة، بعضها يغلب عليه الحب والاشتياق، والآخر يغزوه البرود أو الندم، لكنهم على كل حال عائلة واحدة، هكذا أدركت.

كم من السنين مرت؟ ربما مائة، اليوم أسمع جلبة غير عادية تأتينا من أعلى، فتح الباب عن رجال كثيرين، نزل بعضهم، و.. وشرعوا فى حمل الأجساد واحدا واحدا، إلى أين تذهبون بأصدقائى؟ انتظروا..

أخذوهم جميعا، وتركونى وحيدة، عاد الصمت والظلمة لغرفتى ثانية، وزاد انزوائى، لم تمر دقائق حتى اختطفتنى يد أكثر غلظة، صعدت بى لأعلى، إنه النهار، لكنه هنا أكثر ظلمة من غرفتنا التى كان ينيرها لقاءات الأحبة، تلقفتنى أياد عدة، ودارت حولى تساؤلات كثيرة: «ما هذه؟ وماذا كانت تفعل فى مقبرتنا؟»، ليجيب أحدهم: «كانت تؤنس الموتى.. هكذا اعتقد الأقدمون»، فجأة طوحتنى اليد الغليظة على امتدادها، لتلقى بى بقسوة بعيدا وصاحبها يغمغم: «إنها مجرد قُلة، لا حاجة لنا ولا لموتانا بها»..

نزلت بقسوة بين أشواكها، إنها شجرة الصبار، التى جىء بها يوم جىء بى، لم أرها منذ نزلت، لكنها اليوم تبدو منهكة، ذابلة صفراء، غير قادرة حتى على البكاء، حاولت أن تربت على انتفاخى، لكن ضعفًا منعها، سألتها بفزع: «ما الذى يحدث، وأين أصدقائى، ولماذا أنت مريضة هكذا، أين ماؤك؟»، أجابتنى بانكسار وكأنها تصارع الموت: «لا شىء سيبقى، أصدقاؤك ذهبوا إلى بيت آخر، أما نحن وبيتنا هذا فسوف يهدمه هذا الشىء»، قالتها وأشارت نحو بلدوزر ضخم يقترب منا دون رحمة، مصدرا صوتا متوحشا، شخصت ببصرى بعيدا فى نظرة أخيرة نحو ما تبقى من ظل أصدقائى، قبل أن تواريه ظلال البنايات الشاهقة، وأنا أتذكر لقاءاتهم وعناقهم وحكاياتهم، ثم حانت منى دمعة مقهورة. 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات المائة

إقرأ أيضاً:

كريم حافظ: كوبر ظلمني لكنه المدرب الأقرب لقلبي

تحدث كريم حافظ لاعب الفريق الأول لكرة القدم بنادي بيراميدز في تصريحات لبرنامج "VIP" مع الإعلامي أحمد المصري على إذاعة أون سبورت.

وقال حافظ إن المدير الفني السابق لمنتخب مصر الأرجنتيني هيكتور كوبر هو أحد أفضل المدربين الذين لعب تحت قيادتهم والأقرب إلى قلبه لكنه أيضا هو المدرب الذي ظلمه.

وتابع كريم حافظ: كوبر مدرب كبير ومن أفضل من تولى قيادة الفراعنة وكان يعرف كيف يتعامل مع اللاعبين.

وأضاف “حافظ” أنه لم يكن يتوقع بأن كوبر لم يضمه لقائمة منتخب مصر خلال مشاركة الفراعنة بمونديال روسيا 2018 رغم تواجده ضمن قائمة المنتخب على مدار 4 سنوات متتالية تحت قيادته.

وتابع كريم حافظ تصريحاته ببرنامج VIP أن يوم إعلان قائمة منتخب مصر المشاركة في بطولة كأس العالم روسيا 2018 يعد اليوم الاسوأ في حياته وذلك لعدم تواجد اسمه داخل القائمة.

واختتم كريم حافظ تصريحاته لبرنامج VIP، قائلا، مباراة صعود الفراعنة لكأس العالم روسيا 2018 أمام الكونغو هي أفضل ذكرى لي خلال مشواري الكروي وأفضل لحظات حياتي ولا يمكن نسيان لحظاتها.

مقالات مشابهة

  • طبيب: البابا فرنسيس لم يتعافَ بعد لكنه لا يواجه خطر الموت
  • محمد مغربي يكتب: تداعيات «DeepSeek».. انقلاب في عالم الذكاء الاصطناعي
  • مسلسل «ظلم المصطبة» يرصد سطوة التقاليد العرفية في الريف
  • «ياسمين»: «لم أفقد الأمل» وأتمنى عدم عودة الهجمات على قطاع غزة
  • طالبات مدرسة ثانوية بقنا يوفرن مصروفهن لشراء هدايا رمزية لمعلم بلغ سن المعاش
  • «بوليتيكو»: ملاحقة ترامب لأعدائه السياسيين المفترضين وتقديمهم للمحاكم العسكرية بالونة اختبار
  • مصطفى شعبان.. نجم الدراما المتجدّد
  • مسلسل حكيم باشا.. صراع على «ميراث حرام» من تجارة الآثار
  • كريم حافظ: كوبر ظلمني لكنه المدرب الأقرب لقلبي
  • بوتين: ترامب وعد بحل الأزمة الأوكرانية لكنه غيّر موقفه بعد توليه الرئاسة