نظام قديم يختفى.. نظام جديد يولد
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
ستظل قمة البريكس التى انعقدت فى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا فى الذاكرة، باعتبارها نقطة تحول فى التاريخ الحديث، بانضمام ست دول كبيرة إلى الأعضاء الخمسة الحاليين. ترغب بضع عشرات من الدول فى الاشتراك، لكن شعبية النادى ليست علامة على أن هناك كتلة مناهضة للغرب تتجمع، حيث تضم «بريكس 11» حليفتين للولايات المتحدة: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ومع تزايد انقسام العالم، تؤكد البلدان النامية على الاعتماد على الذات وتبحث عن تحالفات جديدة لإبقاء خياراتها مفتوحة. ما يوحد دول البريكس 11 هو نظرتها للجغرافيا السياسية. منذ الغزو الروسى لأوكرانيا، تعزز التحالف عبر الأطلنطى، وتقاربت موسكو وبكين. يرى أعضاء البريكس أن العالم يتحرك نحو عقلية الحرب الباردة بين تحالف من الديمقراطيات بقيادة الولايات المتحدة ومجموعة منافسة من الأنظمة. وهذا ليس بالأمر الذى يرغب فيه القادة فى العديد من الدول ذات الترتيب المتوسط. قليلون قد يرحبون بوضع يقيد حريتهم فى العمل السياسى والاقتصادى، كما حدث خلال عقود من التنافس السوفييتى الأمريكى.
وتقدر البلدان النامية القدرة على المساومة للحصول على صفقات أفضل فى مجالات التجارة والتكنولوجيا والأسلحة. لا شك أن دولًا مثل الأرجنتين وإيران ترى فى عضوية البريكس وسيلة للوصول إلى الاستثمارات الصينية. وكان بين أعضاء النادى الأصليين أمران مشتركان: كان اقتصادهم ضخماً ويتمتع بمعدلات نمو محتملة عالية. إن إضافة جنوب إفريقيا فى عام 2010 يشير إلى أن النادى كان مهتمًا بإعادة صياغة هياكل السلطة فى النظام الدولى. لكن الولايات المتحدة وحدها كان لديها نفس الناتج المحلى الإجمالى الاسمى الذى حققته دول البريكس فى عام 2022. وربما كان الإنجاز الأكثر وضوحا الذى حققته دول البريكس هو بنك التنمية الجديد؛ وهى المؤسسة التى وافقت على ما يقرب من 33 مليار دولار من القروض بشكل رئيسى لمشاريع البنية التحتية منذ عام 2015.
ولأن مجموعة البريكس تعمل على أساس الإجماع، فإن إعلان جوهانسبرج المكون من 26 صفحة يشكل انتصاراً للصياغة وليس الدبلوماسية. فعندما يتفق أعضاء البريكس، على سبيل المثال بشأن سوريا وليبيا، فإنهم يصدرون بيانا جماعيا، وعندما تكون لديهم مواقف متباينة ــ كما هو الحال بشأن أوكرانيا ــ فإنهم لا يفعلون ذلك. إن التوصل إلى اتفاق على عملة مشتركة عبر مثل هذه المجموعة المتنوعة من شأنه أن يقزم نوع المشاكل التى تمت مواجهتها حتى الآن.. المهرجان الدولى الكبير التالى هو الاجتماع السنوى لقمة مجموعة العشرين، المجموعة التى تضم معظم الاقتصادات الكبرى فى العالم، ستنعقد فى الهند فى سبتمبر. وكما هو الحال مع اجتماع البريكس، لن يحضر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قمة مجموعة العشرين، على الرغم من أنه خاطب زعماء البريكس عبر رابط فيديو.
فى العام الماضى، ترأست إندونيسيا مجموعة العشرين وزعمت بنجاح أن الأمن الغذائى العالمى يقع ضمن اختصاص القمة، مما فتح الباب أمام إدانة الأعمال العدائية الروسية. وقد وُصِف بوتين بأنه «رسول الثأر». ومن خلال تمسكه بموقفه، ربما لوَّحت إندونيسيا ودعيت لعضوية البريكس هذا العام. ولا تزال الصين وروسيا تحاولان عرقلة إدانة مجموعة العشرين لغزو أوكرانيا. إن النظام القديم يختفى، ونظام جديد يكافح من أجل أن يولد. هذه العملية ستعنى أن بوتين سيكون قادراً على السيطرة على قمة البريكس المقبلة؛ لأنه سيكون مضيفها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى محمود جنوب أفريقيا التاريخ الحديث الدول مجموعة العشرین
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحيي منظمة الأمم المتحدة اليوم الدولي للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام في مثل هذا اليوم 24 أبريل، ولا يمكن اختزال مفهوم التعددية في كونه مجرد بديل للثنائية أو الأحادية في العلاقات الدولية، ولا في كونه تعاوناً بين ثلاث دول أو أكثر. فالتعددية، في جوهرها، تعبر عن توافق سياسي نابع من منظومة قيم ومبادئ يتشارك فيها الفاعلون الدوليون.
هي ليست ممارسة طارئة، ولا مجرد تكتل عابر، بل مسار من التعاون يقوم على التشاور، والانفتاح، والتضامن. كما تعتمد على إطار من القواعد التي صيغت جماعياً لضمان استمرارية التعاون وفعاليته، وتُطبّق هذه القواعد بالتساوي على جميع الأطراف، مما يرسّخ مبدأ التوازن بين الحقوق والمسؤوليات.
ومن هنا، تصبح التعددية أسلوباً فعّالاً لتنظيم التفاعل بين الدول ضمن نظام دولي مترابط، لا يستقيم إلا بتوزيع عادل للأعباء والمهام.
التعددية في السياق التاريخي
ورغم أنّ التعددية أصبحت عنصراً راسخاً في هيكل النظام الدولي الحالي، فإن فهمها لا يكتمل إلا بالعودة إلى جذورها التاريخية وتأمل تطورها ضمن شبكة العلاقات الدولية.
في قمة المستقبل التي استضافتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2024، جدد قادة العالم التزامهم بمسار التعددية، مؤكدين تمسكهم بقيم السلام، والتنمية المستدامة، وصون حقوق الإنسان. وفي ظل عالم يزداد ترابطاً، باتت التعددية والدبلوماسية أدوات لا غنى عنها لمواجهة التحديات المعقدة التي تواجه البشرية.
تمثل الأمم المتحدة النموذج الأبرز للتعددية الحديثة. فميثاقها التأسيسي لا يقتصر على تحديد هياكل المنظمة ووظائفها، بل يشكّل مرجعية أخلاقية للنظام الدولي المعاصر. وقد وصفه الأمين العام أنطونيو غوتيريش في تقريره لعام 2018 بأنه “البوصلة الأخلاقية” التي توجه العالم نحو السلام، وتصون الكرامة، وتعزز حقوق الإنسان وسيادة القانون.
ويؤكد الميثاق على أهمية التنسيق بين الدول لاتخاذ إجراءات جماعية فعّالة للحفاظ على الأمن، وتعزيز علاقات ودية قائمة على المساواة واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها، فضلاً عن تعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات.
شهدت التعددية تطوراً ملحوظاً منذ عام 1945، إذ ارتفع عدد الدول الأعضاء من 51 إلى 193، بالإضافة إلى مشاركة أوسع من قبل المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، حيث تحظى أكثر من ألف منظمة بصفة مراقب في الأمم المتحدة.
وقد أثمرت هذه التعددية عن إنجازات كبيرة، بدءاً من القضاء على أمراض خطيرة مثل الجدري، وصولاً إلى توقيع اتفاقيات دولية للحد من التسلّح، والدفاع عن حقوق الإنسان. ولا تزال جهود التعاون ضمن إطار الأمم المتحدة تُحدث فارقاً ملموساً في حياة ملايين البشر يومياً.
تأسست الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية بهدف منع تكرار مآسي النزاعات، حيث شدّد ميثاقها على أهمية تسوية الخلافات بطرق سلمية.
ورغم أن الدبلوماسية الوقائية قد لا تحظى دوماً بالاهتمام الإعلامي، فإنها تظل أداة أساسية لمنع الأزمات ومعالجة أسبابها الجذرية قبل تفاقمها.
في سبتمبر 2018، أعاد قادة العالم تأكيد التزامهم بالتعددية خلال اجتماعات الجمعية العامة، وتبع ذلك حوار رفيع المستوى في أكتوبر من نفس العام حول تجديد هذا الالتزام. وفي ديسمبر 2018، تبنت الجمعية العامة القرار رقم A/RES/73/127، معلنة 24 نيسان/أبريل يوماً دولياً للتعددية والدبلوماسية من أجل السلام، وداعية الدول والمؤسسات حول العالم إلى إحياء هذا اليوم وزيادة الوعي بأهمية التعددية كنهج يضمن الأمن والاستقرار والعدالة في العالم.