أهم أسباب فشل المعارضة التونسية
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
منذ أن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن إجراءاته يوم 25 تموز/ يوليو 2021، كان واضحا أن تفعيله للفصل 80 من الدستور بعيد عن منطوق الفصل وروحه. فحالة الاستثناء التي تهدف إلى عودة السير الطبيعي لدواليب الدولة لا تستوجب تجميد عمل البرلمان (ثم حلّه)، ولا إقالة رئيس الوزراء أو السيطرة على الجهاز القضائي ومختلف الهيئات الدستورية وغير الدستورية.
لقد كان الوضع الاستثنائي يفترض إدارة مشتركة للدولة واستمرارا لعمل الحكومة والبرلمان، كما كان يستوجب سقفا زمنيا لا يتعداه. ولكنّ الرئيس -بحكم غياب المحكمة الدستورية من جهة، وغياب أية مقاومة فعّالة من لدن النخب وعموم الشعب- نجح في فرض قراءته الدستورية ومعها "خارطة طريق" حولت المرحلة المؤقتة إلى مرحلة تأسيسية لجمهورية "جديدة"، بعد أن استغل الانقسامات العميقة بين مختلف الفاعلين الجماعيين ومختلف أجسامهم الوسيطة داخليا، ودعم أهم القوى الإقليمية والدولية التي حرّضت على الإطاحة بمسار الانتقال الديمقراطي وإعادة هندسة المشهد التونسي بصورة تُشبه ما قبل الثورة، لكن بشرعية مختلفة.
كان غياب الإنجاز سببا كافيا لتحييد الإرادة العامة وإبعادها عن الساحات في الحد الأدنى، وجعلها ظهيرا للنظام الجديد وعدوّا لما سُمّى بـ"العشرية السوداء" في الحد الأقصى. ولم يكن الخروج إلى الساحات للتذكير بالمكاسب الحقوقية وبتعددية مراكز القرار قبل 25 تموز/ يوليو ومقابلة ذلك كله بتضييقات النظام الجديد على الحريات العامة وعلى مبدأ الشراكة؛ كافيين لتغيير هذا الوضع
لقد أكّدت إجراءات 25 تموز/ يوليو أنّ "الاستثناء التونسي" الذي استمر بعد تهاوي أغلب الثورات العربية إلى درك الحروب الأهلية والانقلابات؛ لم يكن هو الآخر إلا مجرد بناء هش وقابل للهدم، كما أكّدت تلك الإجراءات كذب السرديات المتغنّية بنجاح الانتقال الديمقراطي السياسي، خاصة سردية "التوافق". ومنذ اليوم الذي أعقب الإجراءات، كان كاتب هذا المقال من أوائل من استشرف ما أسماه بـ"الاستحالة المزدوجة": أولا، استحالة تَونسة السيناريو الانقلابي المصري أو استنساخه رغم العلاقات النوعية للنظام التونسي بنظيره المصري، ورغم ما رُوّج من وجود أياد مصرية وراء ما وقع، ثانيا، استحالة تَونسة السيناريو التركي المقاوم للانقلاب العسكري. لقد كان الواقع التونسي بعد 25 تموز/ يوليو يتحرك باستقلالية نسبية عن النموذج الانقلابي المصري، ولكنه كان يتحرك بصورة معاكسة كليا للنموذج المقاوم التركي. وهو أمر لم تفهمه المعارضة الجذرية التي عوّلت على التحرك الشعبي أو على تحول مطلب "عودة الشرعية" إلى مطلب شعبي.
منذ الأيام الأولى لـ"تصحيح المسار"، لم تُدرك المعارضة الجذرية أنّ الرئيس سعيد ليس سيسيّ مصر، وأن ما أوصله إلى قرطاج لم تكن دبابة بل شبه إجماع شعبي. كما لم تستطع المعارضة أن تعترف بأن الشعب التونسي لم يجد في "الديمقراطية التمثيلية" وفي هيمنة الأحزاب مكاسب اقتصادية واجتماعية ما يدعوه إلى الخروج للدفاع عنها. لقد كان غياب الإنجاز سببا كافيا لتحييد الإرادة العامة وإبعادها عن الساحات في الحد الأدنى، وجعلها ظهيرا للنظام الجديد وعدوّا لما سُمّى بـ"العشرية السوداء" في الحد الأقصى. ولم يكن الخروج إلى الساحات للتذكير بالمكاسب الحقوقية وبتعددية مراكز القرار قبل 25 تموز/ يوليو ومقابلة ذلك كله بتضييقات النظام الجديد على الحريات العامة وعلى مبدأ الشراكة؛ كافيين لتغيير هذا الوضع.
أثبتت هيمنة السرديات الانقلابية أن "الديمقراطية" لم تكن مطلبا حقيقيا لأغلب النخب فضلا عن أن تكون مطلبا لعموم الشعب، كما أثبتت الأحداث منذ الفترة التأسيسية أن لا مركزية السلطة وتعدد مراكزها قد كان سببا من أسباب عطالة الدولة من جهة، كما أنه كان واقعا متقدما على وعي أغلب المواطنين والنخب الذين تربّوا -فكريا ومخياليا- على منطق الزعيم الأوحد والحزب الواحد ومركزية القرار. وهو وعي يمكننا أن نجده عند أغلب النخب بمن فيها النخب المعارضة التي عاشت في ظل زعامات "تاريخية" لا تتغير
بعد الثورة التونسية، أثبتت هيمنة السرديات الانقلابية أن "الديمقراطية" لم تكن مطلبا حقيقيا لأغلب النخب فضلا عن أن تكون مطلبا لعموم الشعب، كما أثبتت الأحداث منذ الفترة التأسيسية أن لا مركزية السلطة وتعدد مراكزها قد كان سببا من أسباب عطالة الدولة من جهة، كما أنه كان واقعا متقدما على وعي أغلب المواطنين والنخب الذين تربّوا -فكريا ومخياليا- على منطق الزعيم الأوحد والحزب الواحد ومركزية القرار. وهو وعي يمكننا أن نجده عند أغلب النخب بمن فيها النخب المعارضة التي عاشت في ظل زعامات "تاريخية" لا تتغير، وتحركت دائما بمنطق أحادية الحقيقة سواء أكانت من اليمين أم من اليسار.
منذ 25 تموز/ يوليو 2021، ارتكبت المعارضة الجذرية العديد من الأخطاء التقديرية التي جعلتها تتحول موضوعيا إلى أداة لترسيخ سلطة الأمر الواقع من حيث أرادت أن تُسقط تلك السلطة. فقد تعاطت جبهة الخلاص مثلا مع السلطة الجديدة بمنطق الرغبة لا بمنطق الواقع، ذلك أن مطلب العودة إلى ما قبل 25 تموز/ يوليو كان مطلبا عبثيا بحكم إنكاره لشرطين من شروط تحققه: أولا، إنكار عدم توحد القوى التي حكمت قبل "تصحيح المسار"، بل التحاق أغلبها بالرئيس أو على الأقل عدم مقاومتها لإجراءاته، ثانيا، إنكار أنه لا يوجد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا من المكاسب أو الإصلاحات ما يغري جزءا معتبرا من الشعب غير المسيس أو المتحزب بالخروج إلى الشارع والمخاطرة بالسجن أو بما هو أكبر منه.
أما الخطأ التقديري الآخر فهو الدفع بـ"وجوه الفشل" لإسناد سردية الإنقاذ، فأغلب رموز المعارضة الجذرية هم إما من رموز التوافق أو من الرموز الانقلابية منذ المرحلة التأسيسية. وفي غياب أية مراجعات أو نقد ذاتي فإن من الخطل توقع أن يكون هؤلاء أداة جذب لمن هم خارج النواة الصلبة للمعارضة الجذرية (أي حركة النهضة وائتلاف الكرامة)، أما أن يتحول هؤلاء إلى طليعة "الكتلة التاريخية" فهو من أمحل المحال كما يقول القدامى.
هل يمكن أن يكون من فشل (أو أُفشل وعجز عن مواجهة أسباب فشله أو على الأقل مصارحة الشعب بها) هو البديل؟ كيف أضمن أن لا تتحول الديمقراطية التمثيلية والأجسام الوسيطة مرة أخرى إلى أداة تخريب لمسار الانتقال الديمقراطي وأداة تفقير للشعب وتزييف للحقيقة؟ هل هذه المعارضة قادرة على التحول إلى رافعة لمشروع التحرير الوطني أم إنها ستظل -كما كانت خلال فترة حكمها- جزءا بنيويا من منظومة الاستعمار الداخلي؟
منطقيا، فإن سردية الفشل لا يمكن أن يتصدرها إلا وجوه الفشل، ولكنّ غيرَ المنطقي هو توقع النجاح في هذه الوضعية العبثية والتعويل عليها لتهديد السلطة تهديدا وجوديا. فبصرف النظر عن الدعم الذي يلقاه النظام الجديد من منظومة الاستعمار/ الاستحمار الداخلي ومن وكلائها في "الموالاة النقدية" بأذرعها السياسي والنقابية والمدنية والإعلامية، وبصرف النظر كذلك عن الدعم الخارجي "المشروط" استراتيجيا بالتطبيع وبتنفيذ إملاءات الجهات المانحة، فإن "التناقضات الداخلية" التي تحملها المعارضة الجذرية ستجعل من احتمال نجاحها في تغيير المشهد السياسي احتمالا يكاد يكون صفريا.
ختاما، سواء أكنت مواطنا تونسيا عاديا أم مواطنا مؤدلجا فإنك لا محالة ستسأل نفسك جملة من الأسئلة فيما يتعلق بالمعارضة الجذرية، ومهما كانت صياغة تلك الأسئلة فإنها لن تخرج عن المحاور التالية: هل يمكن أن يكون من فشل (أو أُفشل وعجز عن مواجهة أسباب فشله أو على الأقل مصارحة الشعب بها) هو البديل؟ كيف أضمن أن لا تتحول الديمقراطية التمثيلية والأجسام الوسيطة مرة أخرى إلى أداة تخريب لمسار الانتقال الديمقراطي وأداة تفقير للشعب وتزييف للحقيقة؟ هل هذه المعارضة قادرة على التحول إلى رافعة لمشروع التحرير الوطني أم إنها ستظل -كما كانت خلال فترة حكمها- جزءا بنيويا من منظومة الاستعمار الداخلي؟ أي هل إن الصراع الحالي بين السلطة والمعارضة هو صراع ضد النواة الصلبة للمنظومة القديمة وسرديتها التأسيسية وخياراتها الكبرى، أم هو مجرد صراع داخل تلك المنظومة؟ إنها أسئلة قد يكون على المعارضة الجذرية أن تفكر فيها إذا ما أرادت فعلا أن تخرج من موقع "البديل داخل المنظومة" إلى موقع التأسيس الحقيقي لشروط السيادة والتحرر الوطني.
twitter.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسي قيس سعيد الديمقراطية الإنقلاب تونس الديمقراطية قيس سعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الحد أو على
إقرأ أيضاً:
المعارضة وأخواتها في التقاليد السياسية العربية
د. عبدالله الأشعل **
شاع بين العامة أن الذي لا يُنافق الحاكم مُعارض، وهذه المقالة هدفها شرح فكرة المعارضة وما التبس بها من مصطلحات.
أولًا: المعارضة
المعارضة عنصر أساسي في النظام الديمقراطي فلا توجد ديمقراطية بلا معارضة لسبب بسيط وهو أنَّ جميع المرشحين يراهنون على موافقة الناخبين عليهم في انتخابات حرة تديرها الحكومة وفقًا للقانون وفي بعض النظم الديمقراطية يتم تشكيل حكومة خاصة لإجراء الانتخابات تحوطًا في النزاهة. لن نقارن بين النظم الديمقراطية والنظم الأخرى حتى يستقيم المعنى، وحتى نقتصر في حديثنا على الجانب الأكاديمي، مفهوم على أنه يلتقي مع الملاحظة والدراسات التجريبية وليس كما يفهمه السطحيون من الناس فهم يفهمون الأكاديمي بمعنى النظري المنفصل عن الواقع وأن النظريات شيء والواقع شيء آخر. وهذا المفهوم السطحي ناجم عن الجهل بحقائق الموضوع الأكاديمي؛ فالذي فاز بالانتخابات يتولى تشكيل الحكومة والذي هُزم يتولى المعارضة، والمعارضة في هذه الحالة ليست انتقامًا من الذي فاز، وإنما فرصة لإظهار الذي فاز من خلال سلوكه العملي بأنه التزم أو لم يلتزم بمصالح الوطن، وليس هناك شخص في المعارضة أو في الحكم فوق القانون وإنما تشكل المجالس النيابية من مرشحين يعرف الناخبون عنهم كل شيء.
وفي مجتمع مفتوح تنساب فيه المعلومات ولا يحتكرها أحد وليس هناك سرية ودرجات السرية المبتكرة في أماكن أخرى ولا شك أن موقف المعارضة من الحكم فيه مسحة من الانتقام وتلك طبيعة بشرية، ولكن المعيار الذي يحكم به على الحكم والمعارضة في مجتمع مستنير هو مصالح الوطن والمصلحة العليا يقررها كل الشعب وكل الأجهزة ولا ينفرد بها أحد وليست حكرًا على أحد.
والمعارضة لها تقاليد، فإذا فازت في الانتخابات القادمة انتقلت السلطة بسهولة إليها وينظم القانون عملية التغيير وعملية انتقال السلطة ويفصل القضاء المستقل والذي يتمتع بالنزاهة والكفاءة في أي نزاع يتعلق بهذه المسألة ولا نريد حتى أن نضرب أمثلة تجنبًا للحساسيات وتركيزًا على النظرية العامة.
أما سيادة القانون؛ فهي مُطبَّقة بالفعل في النظم الديمقراطية ويراقب حسن تطبيقها القضاء ونلاحظ أن كل كلمة في القوانين أو في الدساتير الديمقراطية تعرف طريقها إلى التطبيق وليس هناك فرق بين النص والواقع.
وفي الأسبوع الأخير من نوفمبر 2024، رفعت منظمات حقوق الإنسان دعوى أمام المحكمة العليا في هولندا لإبطال القانون الذي أصدره البرلمان ويسمح للحكومة بتوريد السلاح لإسرائيل، ودفعت الحكومة بأنَّ هذا الأمر من أعمال السيادة، لكن المحكمة العليا الهولندية ردّت الحكومة وأفصحت عن تأكيد التطبيق السليم لنظرية أعمال السيادة في النظم الديمقراطية؛ فقالت المحكمة العليا الهولندية إنه عندما يُصدر البرلمان قانونًا بتوريد الأسلحة لإسرائيل وهي تقوم بأعمال الإبادة فإن البرلمان والحكومة يعتبران شريكًا في أعمال الإبادة، لكن المحكمة العليا الهولندية اقتصرت على إبطال القانون أصلًا؛ لأنه يؤدي في النهاية إلى مخالفة أحكام القانون الدولي الإنساني.
والحق أن هولندا التي تحتضن محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية في قصر السلام في لاهاي ومعهما أكاديمية القانون الدولي، حريصةٌ على التطبيق السليم للقانون الدولي، وقد تتاح الفرصة لنا في المستقبل لكي نقدم دراسة وافية عن موقف القضاء الهولندي المشرف انسجامًا مع القانون الدولي. وفي نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1899، شُيِّد قصر السلام خصيصًا لكي يجتمع فيه مؤتمر السلام الأول الذي أعقبه مؤتمر السلام الثاني 1907، وفي المؤتمر الأول تم إقرار أعراف وقوانين الحرب التي عرفت بلوائح لاهاي، وفي المؤتمر الثاني تم إنشاء المحكمة الدائمة للتحكيم الدولي التي بدأت عملها عام 1909.
ولا يُمكن أن نتصور المعارضة إلّا في النظام الديمقراطي، وهي ليست منحة للمعارضين وإنما هي ركن أساسي من أركان الديمقراطية. والمعارضة لا توجد خارج النظام الديمقراطي؛ ولذلك ليس صحيحًا أن الذي لا يؤيد الحاكم خارج النظام الديمقراطي يُعد معارضًا؛ بل إن المعارضة التزام أساسي في الدستور الديمقراطي، وهكذا تطورت بنية النظام الديمقراطي الأوروبي عبر القرون.
وإذا كان الملك الفرنسي قد قال في القرن الرابع عشر أن "الدولة هي أنا"، فإن ذلك القول سابق على نشأة فكرة الدولة في القرن السادس عشر، وكان لويس الرابع عشر في العصور الوسطى.
أما نشأة الدولة بعد "صُلح وستفاليا" فإنه يؤشر إلى بداية العصور الحديثة.
ثانيًا: المخالفة
ومعناها أن لا يؤيِّد المواطن السُلطة تأييدًا مطلقًا، وإنما يكون له رأي في سياسات الحكومة. وفي هذه الحالة، فإن المواطن جزء من الدولة والحكومة تقتصر مهمتها على إدارة هذه الدولة وأدائها عرضة للتقييم من جانب المواطنين؛ ولذلك فالذي لا يُؤيِّد الحكومة مخالفٌ، وليس معارضاً، أما المُنافق والمُنتفِع؛ فهو يصمت أو يُؤيِّد سياسات الحكومة تأييدًا مُطلقًا.
المخالف يجب أن يخالف سياسات الحكومة بطريقة سلمية وبطريقة مهذبة وعادة يعرف المخالف بأنه ليس من الجوقة التي تؤيد الحكومة تأييدًا مُطلقًا، مع ملاحظة أن هذا المخالف في النظم غير الديمقراطية لا يستطيع أن يُعبِّر عن رأيه بأي طريقة ولا تُفتح أمامه وسائل الإعلام وتتم مقاطعته؛ بل واضطهاده. وبهذه المناسبة يختلط مفهوم المُخالِف مع مفهوم المُعارِض، فليس هناك معارضة داخلية إلّا في النظم الديمقراطية، ولا يضطر المعارض للهجرة للخارج لكي يُعارض، كما لا توجد معارضة مسلحة، وهذا خطر شائع في الإعلام العربي. والخلط بين المخالف والمعارض هو كالخلط بين الحكومة والدولة، عن جهل أو عن عمد، ولكن أوضحنا الفرق بين المعارض القانوني والمعارض الوهمي كما في الاستخدام الشائع في العالم العربي.
أما المُعارِض المُسلَّح ليس له وجود؛ لأن المُعارَضة دائمًا سلمية وسياسية وداخلية؛ فليس هناك معارضة مُسلحة أو خارجية؛ لأن طرق التغيير السلمي وتداول السلطة مكفولة في الدستور الديمقراطي.
ثالثًا: المناهضة أو التربص بالسلطة
وفي هذه الحالة يكون أحد أطراف الصراع فائزًا بالسُلطة ويعتقد الطرف الآخر أنه أحق منه بها، وفي العادة هذه الحالة نجدها في البيئات المتخلفة والصراع فيها مفتوح؛ فالأقوى ينتزع السلطة من الأضعف ويكون المناهض فهمه للسلطة ضيقًا؛ إذ يعتبر السلطة كسبًا خاصًا له وليست متداولة وفق الدستور والقانون.
ويترتب على ذلك أن المُناهِض ليس معارضًا ولا مخالفًا لأنه يريد السلطة لينتزعها ممن يتولى السلطة بأي طريق ويكون دافعه هو الانتقام، وكلا الطرفين يعتقدان أن الحصول على السلطة هو لصالح الوطن، ولذلك فإن الذي انتزع السلطة يظل دائمًا هدفًا للمناهض؛ فيتربص به ويصطاد أخطاءه ويخرج في هذه الحالة عن الموضوعية في ترصد الممسك بالسلطة.
رابعًا: المقاومة
وهذه في حالة المُحتَل للبلاد، ولا يُمكن تصوُّر المقاومة لحكومة قائمة في داخل البلاد، مهما كان انحرافها؛ فالمقاومة دائمًا متصورة للعدو؛ ولذلك في فلسطين المحتلة نُفرِّق بين المخالَفة للسلطة الفلسطينية والمقاوَمة للاحتلال الإسرائيلي. والمشكلة في فلسطين أن السلطة الفلسطينية تعتبر المقاومة للاحتلال إخلالًا بالأمن، ولذلك تشتبك معها في جنين وغيرها من مدن الضفة الغربية تحت ستار التنسيق الأمني بين السُلطة وإسرائيل ضد المقاومة، وهذا أمر مُستهجَن كثيرًا ولن يغفره التاريخ للسُلطة الوطنية الفلسطينية.
وفي الختام، نرجو أن نكون قد وضعنا النقاط على الحروف بالنسبة للمعارضة وأخواتها الثلاثة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر