فضيلة مفتى الجمهورية فى حوار لـ"البوابة نيوز": لا يوجد فى الإسلام زى محدد للمرأة أو الرجل.. والأصل هو الحشمة بأى شكل.. والمسلم يستطيع أن يندمج فى أى مجتمع محافظًا على هويته دون أن يفرض ما يريده
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أجرت الحوار: داليا عبدالرحيمأعده للنشر: محمد غنوم ومحمود سمير وتصوير: محمد سويلم نحتاج إلى بذل العديد من الجهود لإعادة الصورة التى ورثناها عن رسول الله والصحابة والتابعين والعلماء عقدنا مؤتمر «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد فى الخارج» عندما لاحظنا أن الأئمة بالخارج يحتاجون إلى تأهيل وتدريب من أجل تصويب الخطاب الدينىمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة نتج عنه ما يزيد على 700 تقرير تدور حول التنظيمات المتطرفة فى العالمالمسلمون الأوائل عندما ذهبوا إلى الغرب لم يكن خطابهم الدينى بمثل ما نحن عليه الآن.
التقت داليا عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة وموقع «البوابة نيوز»، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية لملف الإسلام السياسى بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، فضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، أحد أهم علماء الإسلام، ورئيس المجلس الأعلى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم.. حضر اللقاء الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية، والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ورئيس مركز سلام لمكافحة التطرف.. كما حضره الكاتب الصحفى محمود حامد مدير عام تحرير «البوابة».
فى بداية حديثه، قال فضيلة المفتى إن الإسلام جاء رحمة للعالمين جميعًا وجاء لبناء الإنسان والذى ينطلق من خلال هذا البناء إلى العمران والبناء الحقيقى والخلافة الحقيقية عن الله فى الأرض.. وأكد مفتى الجمهورية خلال حواره، أننا لا يمكن أن ننسب التطرف لدين بعينه، ولا بد من العودة مرة أخرى للطريق القويم والصحيح، ولا بد من إيجاد القواسم المشتركة التى نعيش من خلالها فنحن جميعًا أبناء الكرة الأرضية.. وإلى نص الحوار:
■ بدايةً.. الإسلام والمسلمون مُتَهمون فى الغرب دائمًا بالإرهاب.. ماذا فعلت المؤسسات الإسلامية لتصحيح هذه الرؤية؟
فضيلة المفتي: الإسلام جاء رحمة للعالمين جميعًا.. جاء لبناء الإنسان، والذى ينطلق من خلال هذا البناء إلى العمران والبناء الحقيقى والخلافة الحقيقية عن الله فى الأرض، والإسلام يكون فى نطاقه الحضارى المتقدم إذا وصلت صورته إلى العالم بصورته التى تركها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتفسير الصحيح لما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحن نحتاج إلى بذل العديد من الجهود لإعادة الصورة التى ورثناها عن سيدنا رسول الله والصحابة والتابعين والعلماء وعن أثر الحضارة الإسلامية فى العالم كله.. نحن نريد أن نعيد هذه الصورة بأن الإسلام جاء أولًا ليبني، جاء للتعاون والتشارك ولم يفترض أن يكون هو فقط فى هذا الكون بل إن دلالة النصوص الشرعية على أن الإنسان المسلم يعلم تمام العلم ويوقن تمام اليقين بأنه ليس وحده وأن التنوع والاختلاف سنة كونية أرادها الله سبحانه وتعالى فى قوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، وفى قوله (ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعًا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).. وأمام قضية التنوع التى هى سنة كونية لا بد من أن توجد الوسائل لكيفية التعامل مع العالم كله ومع الآخرين بما يفترض بالنسبة لنا نحن المسلمين "التعاون والتشارك لا الصراع" ولذلك نحن نرفض رفضًا تامًا قضية الصراع أو وجود ما يسمى بـ "صراع الحضارات" بل هناك تكامل وحوار للحضارات وإيجاد مساحة مشتركة، وما أكثر هذه المساحات المشتركة فيما بين الإنسان المسلم وبين غيره فى الكون كله.
■ هل هناك برنامج محدد لدار الإفتاء المصرية أو مشروع لتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام فى الغرب؟
فى أغسطس ٢٠١٥، عقدنا أول مؤتمر لدار الإفتاء المصرية تحت عنوان "الفتوى.. إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل:، ونتج عن هذا المؤتمر توصية على إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم بقصد التواصل والحوار فيما بيننا فى القضايا المهمة كمفتيين على مستوى العالم الاسلامى والعالم على وجه العموم، وبالفعل فى ١٥ ديسمبر ٢٠١٥ تم إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم والتى أنشأت جملة من المشاريع المنسوبة للأمانة ودار الافتاء المصرية وهى جهد مصرى حقيقي.. بعد ذلك عقدنا ٧ مؤتمرات باسم الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وبالفعل لاحظنا أن المراكز الاسلامية بالخارج والأئمة بالخارج يحتاجون إلى تأهيل وتدريب من أجل رصانة الخطاب الدينى ومن أجل تصحيح المسار فى كثير من القضايا ولذلك عقدنا مؤتمرًا بعنوان "التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد فى الخارج" وجاء إلينا وفود كثيرة يعرضون وجهة نظرهم فى هذا الأمر، والحقيقة كان المؤتمر مثمرًا، فى هذا الإطار أيضا وبعد أن قدم مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة الذى أنشأته دار الافتاء المصرية فى يناير ٢٠١٤ عملًا متقًنا فى قضية الرصد والتحليل وكتابة التقارير، ونتج عن هذا المرصد ما يزيد على ٧٠٠ تقرير تدور حول التنظيمات المتطرفة فى العالم والتى اعتمدت النصوص الشرعية فى تفسيراتها وتأويلاتها بعيدًا عن ارض الواقع وفى ظل الفهم الصحيح للدين الإسلامي، ولذلك فإن هذا المرصد درس حالات عديدة ورصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة وأوجد المعايير العلمية التى تنبنى عليها الفتوى وعرضنا هذه الفتاوى التكفيرية والمتشددة على المعايير التى نسير عليها ووجدنا خللا كبيرا فى هذه الفتاوى فقمنا بكتابة التقارير التى تعمل فى هذا الاتجاه.
تطور هذا المرصد إلى مركز سلام لدراسات التطرف والذى عقد أول مؤتمر له فى شهر يونيو عام ٢٠٢٢، وحضر هذا المؤتمر العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية على رأسها المسئولون عن مكافحة التطرف فى الأمم المتحدة ويتقدمهم الدكتور جاهنكير خان.
■ جماعات الإسلام السياسى تنتشر وتتوغل فى الغرب عن طريق السيطرة على المساجد.. هل قدمت مصر عن طريق دار الإفتاء مشروع للتعاون مع حكومات الغرب فيما يتعلق بإرسال أئمة لبعض المساجد هناك لإحلالهم محل الأئمة الحاليين؟
امتدادا لهذا الحضور فى مؤتمر مركز سلام ذهبنا إلى الأمم المتحدة فى شهر يونيو الماضى بعد المؤتمر بسنة، والتقينا بالمسئول عن حوار الحضارات والمسئول عن مكافحة التطرف، وعرضنا وجهة نظرنا فى تجديد الخطاب الدينى وكيفية مكافحة التطرف وليس فقط على مستوى الإسلام لكن هناك متطرفين من أتباع ديانات أخرى، لذا لا يمكن أن ننسب التطرف للديانات أو لدين بعينه.
وفيما يختص بدورنا كدار الإفتاء المصرية بالفعل نحن نرسل علماء الدار إلى أماكن متعددة فى العالم فى مناسبات ومؤتمرات مختلفة وبلا شك أن الخطاب الذى تطرحه دار الافتاء المصرية ضمن الخطابات المتعددة مؤثر فى الحضور فى هذا الوقت، ويوجد بعثة أزهرية مستمرة للتعليم وأيضا أئمة يرسلون فى شهر رمضان الكريم من قبل وزارة الاوقاف المصرية، لكن على مستوى دار الافتاء المصرية نحن نرسل علماء الدار فى مناسبات مختلفة، ونريد أن نؤكد أننا أنشأنا تطبيق على الهواتف الذكية باسم: "فتوى برو" باللغتين الإنجليزية والفرنسية لنضع أقدامنا فى الموضع الصحيح فى سبيل تصويب الخطاب فى الغرب لأن هذا التطبيق موجه للعقل الغربى ولذلك حتى الفتاوى والافكار التى تطرح فى هذا التطبيق هى موجهة بأسلوب يفهمه العقل الغربى وليس بأسلوب الفتوى فى مصر أو العالم العربى فنحن نراعى السياق ومن نخاطب فى مثل هذا التطبيق لذلك أظن بعد أن يضع هذا التطبيق كل إمكانياته سوف ينافس ويأخذ مكانه بين الآخرين فى سبيل إيجاد خطاب دينى مستنير ومعتدل يصدر من مصر العظيمة بتاريخها.
■ في وقت سابق أصدر وزير التربية والتعليم الفرنسي قرارًا بمنع دخول الطالبات حال ارتدائهم العبايات أو الحجاب.. من وجهة نظركم كيف ترون هذا القرار؟ وهل للتمسك بالزي الاسلامي (الحجاب على سبيل المثال) في الغرب وعدم الاندماج في تلك المجتمعات ضرورة يحض عليها الدين الإسلامي أم هي شعارات سياسية استفادت منها جماعات الإسلام السياسي للتوغل والانتشار؟
الالتزام بالأحكام الشرعية لا يقتصر على فرنسا فقط أو غيرها من الدول وإنما هى ثابته من حيث الأصل ثم إذا ما حدثت حالة فردية تستدعى أن تغير هذه الاحكام لمواجهة ظروف طارئة يجب أن يصدر الحكم فى حدود الضرورة والحاجة التى تنزل منزلة الضرورة وهو ما يضبط الخطاب الدينى فى هذه الحالة لذلك المسلم يستطيع أن يعيش بأريحية شديدة جدًا فى كل الكون ويستطيع أن يندمج وأظن أن تجربة المسلمين الأوائل عندما ذهبوا إلى تلك الأماكن فى الغرب لم يكونوا بخطابهم الدينى فى هذا الوقت بمثل ما نحن عليه الآن.. وإنما كانت تصدر الأخلاق والسلوك الحضارى قبل الكلام الذى يفصح عن شخصية المسلم ويدعو إلى التساؤل عن هذا الانسان من هو وماذا يتبنى، إذا اتضحت هذه الصورة الأخلاقية أولًا وصورة السلوك الحضارى أظن بأن القلوب ستفتح أكيد قبل الأماكن وسيكون المسلم فى مرحلة اندماج ايجابى حقيقى فى المجتمع الذى يعيش فيه..
ونحن فى الفتوى نقول لا بد من احترام الخصوصيات.. الفتوى عندما تنزل إلى أرض الواقع تراعى فى أبعادها الخصوصية التى عليها المجتمعات والتى عليها الأفراد والأحوال ولذلك عندنا الفتوى تتغير بتغير الأحوال والأزمان والأماكن والأشخاص بما يعنى أن الفتوى مراعية للحالة ومتطورة مع الواقع وتعالج الواقع بأريحية كبيرة جدًا ولذلك نحن ندعوا المسلم دائما إلى أن يكون إنسانًا ايجابيًا فى أى موقع من المواقع التى يعيش فيها.
وفى هذا الشأن فكرنا فى ملتقى للعلماء الذين يعنون بدراسة قضايا الاقليات فى العالم الغربى وهذا الملتقى نفكر فيه ونرتب له فى أن نجمع كل المعنيين بدراسة واقع الأقليات وفقه الأقليات فى الخارج بأن نجلس سويًا على الطاولة ونتناقش فى هذه القضايا وكيف لهذا الانسان المسلم أن يحافظ على شخصيته وهويته الإسلامية ويعيش فى هذا المجتمع الذى ربما لا يعترف ببعض الخصوصيات له وكيف يعيش فيه مع الاحتفاظ التام بهذه الشخصية المسلمة ويكون فى نفس الوقت مؤديًا لدور ايجابى فى تلك المجتمعات.
وعمومًا، لا أحب التعامل بازدواجية إذا كان سيطبق القرار على كل الفئات دون التمييز فإن على المسلم أن يندمج فى هذا المجتمع، الإسلام ليس له زى محدد الشكل، ولذلك المسلم يستطيع أن يعيش فى أى مجتمع من المجتمعات محافظًا على هويته، والهوية هى الإيمان والأخلاق، كما أن الاحتشام والستر هو جزء لا يتجزأ من أحكام الشريعة وهذه الحشمة يُعَّبر عنها بهذا التعبير وهو الحجاب، والحجاب ليس له شكل معين إنما له مواصفات معينه، والزى عمومًا خاضع لثقافات الشعوب فمثلًا فى روسيا نجد أن المرأة تفضل ارتداء البالطو والقبعة فهى بذلك قد احتشمت، والمسلمة عليها أن ترتدى من الثياب ما تمليه عليها الثقافة أو البيئة بما يستر جسدها ولا يكشف إلا عن الوجه واليدين بأى زى تستطيع ارتداءه فى أى مجتمع من المجتمعات، فنحن لا نحدد شكلًا نمطيًا للزى الذى ترتديه المرأة ولكن نضع أوصافًا لهذا الزى بحيث لا يكشف ولا يشف ولا يصف ولا يظهر إلا الوجه والكفين.
والمسلم يستطيع أن يتحرك من خلال الأحكام الشرعية فى حال السعة وحال الاضطرار بما يجعله يعيش فى هذه المجتمعات ويعيش حتى فى مجتمعنا، على سبيل المثال لو ان الانسان يعيش فى مصر ثم استدعت ظروف معينة ان يخرج عن النمط العام فى الاحكام لظروف طارئة عنده لن نجبره ان يظل على ظروفه الحالية.
■ نعلم أن لكم تجربة فى بريطانيا وبخاصةً فى مجلس العموم البريطاني.. كيف نستقم لهذه التجربة وما هى نتائجها وماذا كانت محددات خطابكم هناك؟
تجربة كانت ناجحة فى تقديرى الشخصى ووفق المعطيات التى كانت تغطيها التجربة فى هذا الوقت لهذه الزيارة اولا نالت اهتماما كبيرا على مستوى الداخل والخارج كان الهدف هو توضيح الصورة وايصال رسالة الاسلام فى نمطها الصحيح وصورتها الصحيحة غير هذا الفكر الذى عرض عليهم ولذلك هناك خطاب أُلقى أمام مجلس العموم البريطانى وايضًا تقرير وزع عن جذور العنف لدى الاخوان وهناك محاضرة كانت مهمة للغاية ألقيت فى جامعة إكسفورد حول "من يتحدث باسم الإسلام" وهذا صلب المسألة من الذى سيتحدث هل هذه الجماعة؟ فوضعنا إطارًا عن الذى يتحدث عن الإسلام فى ثوبه الصحيح والنقى وهو الشخص الذى تخصص وتعلم ودرس فى معاهد معترف بها كالأزهر الشريف والقرويين فى المغرب والزيتونة فى تونس ومحاضر العلم فى اليمن مثلها من هذه المدارس العلمية التى تلتقى حول هدف واحد وهو الاسلام الصحيح الذى يحقق استقرار المجتمعات والذى ينبى ويحافظ على شخصية الإنسان المسلم أما من يستغل الدين للوصول لأغراض سياسية فخطابه فى الحقيقة ليس معتمدًا.
■ هل بالإمكان أن يحدثنا فضيلتكم عن التحول الرقمى فى مجال الإفتاء؟
لدار الإفتاء المصرية تجربة فريدة وسابقة فى الدخول بقوة إلى هذا المجال الحيوي؛ وهى تنطلق فى ذلك من خلال رؤية استراتيجية متكاملة شملت ميكنة العمل فيها وتعزيز وتطوير خدمات دار الإفتاء الشرعيَّة، التى تقدمها للمسلمين فى جميع أنحاء العالم، ومن ورائها منهجية شرعية علمية رصينة، مع رؤية متناسقة ومنسجمة للإنسان والكون والحياة.
فالأجيال المعاصرة تعيش فى ظل التطوُّر التكنولوجى الهائل والسريع مرحلة جديدة؛ حيث تعددية الاتصال والثورة الرقمية التى توغلت فى جميع المجالات، واندمجت فيها مختلف التخصصات.
وقد أصبح هذا التطور أمرًا جوهريًّا فى مسيرة نجاح المؤسسات الإفتائية التى تعتمد وبدرجة كبيرة على قدرتها وعزمها على تبنى عملية الرقمنة وتطويرها؛ لتقوم من خلالها بأداء مهامها فى إرشاد الأمة وتوعية أفرادها بالأحكام الشرعيَّة، خاصة أن المعلومات بأبعادها الثلاثة (النصى والصوتى والمرئي) بات التعبير عنها عبر الوسائل الرقمية المتنوعة أسبق من الكلمة المكتوبة والمطبوعة.
ويضاف إلى ذلك أن التطوُّر الرقمى أسهم وبصورة مباشرة فى طرح أنماط جديدة على ساحة الخطاب الدينى والبحث الفقهي، متزامنة مع انتشار للتيارات المتشددة والإرهابية عبر هذا الفضاء الواسع وأفكارهم الهدامة، مما يستوجب على المؤسسات الإفتائية أن تدخل وبقوة هذا المجال بفرصه الواعدة؛ لأن هذه المؤسسات الراسخة تنتهج منهجًا منفتحًا على العالمين، تنطلق فيه من مقصد شرعى أصيل يستمد من قول الله تعالى فى حق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، فضلًا عن شعور علمائها والقائمين على شئونها بأن الأمانة تفرض عليهم المساهمة بفاعلية فى نشر المعرفة الصحيحة، وبناء الوطن، ونهضة الأمة، وإسعاد الإنسانية.
لقد بدأتم فى إنشاء فروع لدار الإفتاء بالمحافظات هل بالإمكان معرفة أسباب ذلك؟
الدار توجهت لإنشاء فروع جديدة لها فى محافظات مصر؛ تنفيذًا لخطتها الاستراتيجية الخمسية التى بدأتها الدار، وتهدف فى المقام الأول إلى تعزيز قنوات الاتصال مع الجمهور، والتيسير عليهم للحصول على الفتوى الصحيحة من أمناء الفتوى المتخصصين بدار الإفتاء، وغيرها من الخدمات الشرعية.
آخر إنجازات المؤشر العالمى للفتوى
أهم إنجازات المؤشر العالمى للفتوى نشر أكثر من (٧٥) إصدارًا متنوعًا بين الإصدارات الرصدية أو التحليلية، التى ضمَّت التقارير المختصرة أو البيانات أو الدراسات الموسعة، وكان أهمها التقرير السنوى الرئيسى للمؤشر العالمى للفتوى، وهو تقرير سنوى يصدر لتحليل للخطاب الإفتائى فى العالم.
وقد تمثلت جهود المؤشر خلال العام ٢٠٢٢م فى رصد وتحليل الخطاب الإفتائى محليًّا وعالميًّا للتصدى لكافة الظواهر السلبية المتعلقة بالخطاب الإفتائى وتفنيدها، حيث تم الاعتماد على محرك البحث الإلكترونى للمؤشر فى رصد الفتاوى والقضايا المتعلقة بها، وتقديم المعالجة لتلك القضايا. وتمخضت هذه المعالجة عن مجموعة من التقارير التحليلية، والدراسات النوعية، وتقديرات الموقف والبيانات والتقارير الإعلامية، والأبحاث المحكمة.
وقد أصدر المؤشر تقريرًا شاملًا لحصاد المؤشر السنوي، تحت عنوان "اجتهاد إفتائى فى المستجدات.. وتصدٍّ حثيث للتطرف"، وهو التقرير المعتمد على رصد وتحليل ما قارب (٤٠٠٠٠٠) فتوى بالاعتماد على محرك البحث الإلكترونى للمؤشر، ويقوم على التحليل الإحصائى الموضوعى للفتاوى خلال العام.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام شوقي علام مفتي الجمهورية دار الافتاء المصریة الإفتاء المصریة دار الإفتاء هذا التطبیق على مستوى رسول الله فى الغرب لا بد من من خلال فى هذه فى هذا جمیع ا
إقرأ أيضاً:
د. عمرو عبد المنعم يكتب: عقل الإخوان فى زنزانة 65 بعنبر قناة مكملين.. استحضار العمل لتاريخ تنظيم سيد قطب.. ومساحات المظلومية ما زالت تعكس واقعًا مأزومًا لدى الجماعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق عقدة ضابط أمن الدولة الراسخ فى وجدانهم.. وقناة مكملين تتحول لعنبر فى سجن الإخوان الكبير الإخوان يستغلون مشاعر البسطاء كأداة للتجنيد وتناقض عقلية البناء مع واقع المحن هناك سجون ريفيرا وهناك منشقون فى أسر التنظيم حتى الآن عقلية المظلومية تتنافى مع بناء المجتمعات الحديثة
زنزانة ٦٥ يُعد أول عمل درامى تتناول فيه جماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر أوضاع السجون فى مصر. يضم المسلسل فى بطولته كل من محمد شومان، هشام عبد الله، وجدى العربى، همام حوت، عمرو مسعد، عمرو ممدوح، وعبد الله المصرى، ويتولى إخراجه عبادة البغدادى. العمل من إنتاج قناة "مكملين"، التى تُدار من قِبَل أحمد الشناف، وهى واحدة من القنوات التابعة للإخوان المسلمين ومقرها تركيا.
تؤسس جماعة الإخوان دائمًا لفكرة "المظلومية التاريخية"، حيث تُصور نفسها كضحية للاستبداد السياسى. لهذه الغاية، توظف عددًا من شركات الإنتاج الإعلامى والاستثمار الفنى، بالإضافة إلى شركات تسويق تعمل لصالح القنوات الخارجية، بعض هذه الشركات تحمل أسماء وهمية، فيما يلجأ البعض الآخر إلى تغيير سجلاتها باستمرار لتجنب الرقابة أو الالتفاف على الملاحقة القانونية أو التهرب من الضرائب المتعلقة بالإنتاج.
تعدد الأسماء وقائمة الشركات تعكس القدرات المالية والموارد الإعلامية المباشرة المتاحة لهم، مما دفعهم لاستغلال أسواق الإنتاج الإعلامى المستقل بطرق مختلفة، تنتج هذه الشركات فى بعض الأحيان مقاطع فيديو قصيرة، وأفلامًا وثائقية طويلة، أو أعمالًا درامية مثل "زنزانة ٦٥"، بل وتدعى نجاحها فى مهرجانات غير معروفة مثلما حدث مع فيلم "بسبوسة بالقشطة"... هذا الفيلم من إنتاج نفس الفريق بقيادة وإخراج عبادة البغدادى وتأليف أحمد زين، أداء تمثيلى لهشام عبد الله تحت مظلة شركة A to Z التى تتبع أيضًا لعبادة البغدادى. قيل إن الفيلم حصد "الجائزة الماسية" فى مهرجان أوروبى، لكن البحث يظهر أنه لا وجود لمثل تلك الجائزة أو المهرجان أصلًا، وأقصى ما وُجد هو إدراجه ضمن قائمة مدفوعة لنشاطات إنتاجية مجهولة فى أوروبا.
برومو العمل أعلن أنه العمل الممنوع من العرض، ولم يكشف أى من صناع العمل أن هناك خلافا على عرض المسلسل وفكرته من الأساس لذلك تأخر عرضه أربع سنوات من تاريخ انتهاء تصويره، إضافة إلى مشكلات إدارية جعل بعض الممثلين ينتظر بقية أجره فترة بعد انتهاء التصوير، لكن تمسك المخرج عبادة البغدادى حال دون إلغاء المسلسل كونه شريكا فى الفكرة بشكل كبير وراهن عليه بشكل شخصى، وهو مايدحض العنوان الدعائى أن المسلسل ممنوع من العرض، لكنها علامة إفلاس لضعف فكرة المسلسل وحبكته الباهتة وأداء التمثيل المتواضع، وقد توقف تصوير المسلسل فترة ثم استأنفوا العمل من باب النظرية المعروفة اقتصاديا فى الإنتاج الوثائقى "التكلفة الغارقة" أى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
تدور أحداث المسلسل داخل أحد السجون المصرية، والتى تستعد لزيارة من منظمات حقوق الإنسان. فى إطار التحضير لهذه الزيارة، تختار الإدارة مجموعة من السجناء لتدريبهم وتأهيلهم ليظهروا كمتحدثين داعمين للنظام، من خلال التلاعب بالحقائق وتزييف الواقع، بهدف خداع اللجنة الزائرة. ومع انتهاء الزيارة، تُستأنف الممارسات المعتادة داخل السجن. تتعمق الأحداث داخل زنزانة جماعية تضم سجناء سياسيين لم يتم الكشف بشكل واضح عن أسباب اعتقالهم أو علاقتهم المحتملة بجماعة الإخوان المسلمين. يصبح هذا السجن، بكل ممراته وزنازينه ومكاتب ضباطه، عالمًا مغلقًا يعج بالصراعات بين الشخصيات، محاطًا بأسئلة غامضة حول مصير السجناء الذين تم نقلهم فجأة إلى زنزانة جديدة دون إبلاغهم بالأسباب أو بما ينتظرهم.
من جهة أخرى، ووفقًا لمصادر مقربة من الإخوان المسلمين، هناك نفى لاعتبار قناة "مكملين" تابعة للجماعة أو ملتزمة بخطها الفكرى. وذكرت هذه المصادر أن القناة تتجاهل معظم فعاليات الإخوان فى تركيا ودول أخرى. بالعودة إلى أرشيف القناة، تم العثور على حوار مع محمود حسين، القائم بالأعمال، فى مارس ٢٠١٩. وفى المقابل، أكد الفنان وجدى العربى فى حديثه مع محمد الناصر أن المسلسل من إنتاج الإخوان المسلمين، وهو ما ذهب إليه أيضًا الصحفى عبد المنعم محمود من قناة الجزيرة، عبر تدوينة نشرها على تويتر، مشيرًا إلى أن شركة الإنتاج قريبة من الجماعة.
1 - صانعو العمل.. مخرج مكملين «عبادة البغدادى»هو إعلامى إخوانى كان يعمل مونتيرًا بقناة «مكملين»، ثم أسس شركة "خان فيلم" بتوجيه من القيادى الإخوانى أحمد زين، وهم من قادة الإخوان البارزين والعاملين فى مجال الإعلام والأفلام الوثائقية. تتغير الشركة والشخصيات المرتبطة بها كل فترة، وتشرف على إنتاج بعض الأعمال لبرامج مثل "للقصة بقية" و"خارج النص" لقناة الجزيرة الوثائقية والتليفزيون العربى ومكملين والشرق والحوار.
يدير البغدادى أحمد زين، منتج القناة والمختص فى الأفلام الوثائقية. عمل لفترة كمدير لقناة الجزيرة مباشر مصر، وأسس شركة "إيه تو زد"، وهى شركات تعرف بـ "أوف شور"؛ حيث تأسست هذه الشركات لغرض العمل خارج الدولة التى تم تسجيلها فيها، وذلك للتهرب من دفع الضرائب أو للتمتع بأنظمة مخففة من الرقابة.
أخرج البغدادى قبل الزنزانة ٦٥ فيلم "بسبوسة بالقشة" الذى يحمل حبكة إخوانية مستهدفة الإساءة إلى الشرطة، وبالأخص قطاع الأمن الوطنى، وبطولته الثنائى المصرى الهارب هشام عبدالحميد ومحمد شومان مع محمد عبداللطيف ومحمود سعداوى. يجسد الفيلم مشاهد تمثيلية عن سجن العقرب وضباط السجون المصرية، وكيف يدير الأمن الوطنى بعض غرف السجناء السياسيين.
بعيدًا عن الثغرات الدرامية فى الحبكة القصصية، وبعيدًا عن الأداء التمثيلى الذى يحتوى على بعض المشكلات والهنات الفنية، باستثناء ممثلين بقوة وتاريخ هشام عبد الله، الذى يغلب عليه الانفعالات المصطنعة أكثر من التأثيرات الواقعية الجادة، وكذلك وجدى العربى الذى يمثل بسليقة وإحساس المستضعف وكأنه يتقمص دور عبد القادر عودة أو محمد فرغلى قيادات الإخوان فى محاكمات ٥٤، فهناك فرق كبير بين دوره فى الشباب فى فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" ورجل الأعمال الأبصيرى الصوفى الذى يردد أغانى أم كلثوم ومتهم بالانتماء للإخوان المسلمين فى هذا المسلسل.
أيضًا، خرج أداء بعض الشباب التمثيلى وكأنه يعيش تجربة السجين المستضعف، فكان أغلب الممثلين أداؤهم وظيفيًا أكثر من الإحساس الفنى الجياش بستثناء الشاب عمرو مسعد وهو طاقة فنية شابة له أعمال فنية جيدة، شاب ليس له انتماءات سياسية، وقد تجلى هذا على أدائه التمثيلى المتجرد من أى هوى إيديولوجى، ومن الأفضل أن تستثمر شركات الإنتاج المصرية تلك المواهب الشابة فى أعمال وطنية هادفة فى المستقبل.
أما الفنان محمد شومان ولن أخوض كثيرًا فى تركيبته ومواقفه الأمنية إلا أن تجاربه الشخصية المحيطه به تؤثر على شخصيته أكثر من الاداء الفنى الذى تعود المشاهد أن يراه عليه وظهر فى بعض اللقطات فى هذا المسلسل وكانه شخصيته الطبيعية لا التمثيلية.
2 - عقلية الزنزانة الإخوانيةلم يغادر الإخوان عقلية الزنزانة ولا طموح الزنزانة ولا أدبيات الزنزانة، لم يغادر الإخوان البوابة السوداء وسرداب الشيطان وأيام من حياتى، ولماذا أعدمونى، ولا أقسمت أن أروى، ولا أى من الشهادات التى روجوا لها جيل السبعينيات غن السجون عبر تاريخ الجماعة. ربما كان التعذيب الذى لا أتفق معه ولا أستبيحه على الإطلاق، وأنا الذى تربيت على أدبيات الجماعة والتنظيم القديم منه والحديث، وخبرت المشهد عن قرب، وكم أشفق على أى من الشبان والفتيات والزوجات التى يُزج بها فى أتون محن لا طائل لهم بها سوى أنهم لا يعون تجارب الماضى غيرهم.
لكن الزنزانة لم تغادر عقلية الجماعة ولا التنظيم، ولا حتى الذين خرجوا منها، فالزنزانة فى عقولهم ووجدانهم، وأقصد التكوين الفكرى وفقه الزنزانة بمشتملاته، ورغم أننى اخترقت كثيرًا من الزنازين وأعرف ما يُدار خلفها من نقاشات ومرويات وحوارات باردة خلف جدران ساخنة بعتبرارى سوسيولوجى وليس صحفى، إلا أن شهادتى أن الزنازين ليست سواء، وما يتحدث عنه مسلسل الزنزانة عندى مشاهد تؤكد عكسه تمامًا، أن بعض السجون مثل والحجزات فندق ثلاث نجوم به كل ما يريده السجين ما عدا الحرية والنساء فقط، فالمسلسل به أخطاء وتوجهات فى غاية الخطورة واللاإنسانية.
التاريخ يكشف عندما أفرج السادات عن الإخوان بعد حرب أكتوبر، كانت الجماعة فى حالة من الضياع النفسى والنهايات شبه الدرامية، وكانت تسيطر عليها عقلية المؤامرة، وأن عبد الناصر "فقهش" "ف" فرعون، "قارون" "هامان" ش "شيطان"، فهو طاغوت العصر الحديث الذى جمع الخبائث كلها، وهو العدو الأوحد والأول. وسيطرت عقلية المساحات الضيقة على الإخوان، فتمادوا فى نشر أدبياتهم وسيرهم الذاتية، وانطلقوا من هذه السير يشرحون للناس فى المساجد ويداعبون مشاعر الشباب للاستقطاب جيل جديد، وهذا ما جعلنا نتعاطف مع التجربة الإخوانية على الإطلاق، وانطلقت أناشيد "لا السجن يرهبنى ولا السجان ما دام فى قلبى الإيمان".
عقلية الإخوان فى الزنزانة تعتبر الرفاهية لا تصنع رجالًا، والضغوط فى سبيل الله تجعلك إنسانًا متألقًا. النبى صلى الله عليه وسلم عاش حياة مفعمة بالضغوط، فقد هاجر من بلده وذاق فى حياته ألوانًا وأشكالًا شتى من العذاب. وكلما ذاق منها الإخوانى شيئًا، ازداد قربًا من الله عز وجل، وازداد ثباتًا على طريقه ومنهجه ودعوته، وازداد يقينًا فى نصرة الله له ولو بعد حين. إن الأمر لا يتسع إلا إذا ضاق، وإن الصبح لا يتنفس إلا بعد ليل دامس مظلم، (فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). لم يتعلم الإخوان أن تجربة السجون كلما زادت السنين، يفقد بسببها الإنسان الكثير، فدورة الحياة كما تبدأ قوية تنتهى ضعيفة، وبينهما سيرة ومسيرة وتجارب ومراجعات.
قديمًا كان يقول الإسلاميون من لم يعش التجربة الدعوية بدون محن لا يثبت فى المحن، وعند تجربة السجون كانوا يقولون السجون مصنع الرجال، وبدون الخبرات التى يجب ان يخرج الإنسان بتجارب تؤثر فى حياته المستقبلية فلن تستقيم تجاربه، نفس هذه المعنى هو ما دفع القيادى صلاح عبد الحق جبهة لندن حاليًا بعد تجربة سجون ٦٥ من تقييم التقربة بقوله الاخوان لا يجيدون سوى التعامل مع البلاء وليس الخيروالاوضاع السوية، فالانسان اشبه بمحمصة البن فحبة البن تتحرك داخل المحمصة حتى تنضج، وأكثر محمصة للإنسان هى السجون والمعتقلات، فهناك تتعلم وتتألم ويحدث لك الحرمان المادى والعطفى، وجوع وغضب وكرامة مهدرة اقصها الحرمان من الحرية واقلها القيود الحديدية، فالسجن والسجان والسجين بينهما علاقات طردية.
3- التجارب والمراجعاتفى السجن، لحظة يتعلم منها المناضل الحر التجربة. فى السجن، لحظات صفاء نفسى عجيبة لا يتمتع بها سوى من تجرد من أهواء التعصب وطموح السياسة. ربما يكتب الإنسان عنها أصدق لحظات حياته، لأنها تشبه تغريدة البجعة التى ترسلها قبل وفاتها، ترسل أبدع وأعذب الأصوات، وبعدها نكتشف الذات والحياة. ليست فقط تجربة السجن وتقييمها من الجلاد والسجان، فربما ساقك السجان لأروع قصة خبرة فى حياتك، لأنه فى السجن يجتمع الإنسان بأنماط مختلفة من البشر، بما فيهم القتلة ومهربى المخدرات بلغة السجون السياسية "الجنائي". يجتمع مع العميل والمرشد الذى يدل الضابط كل فترة على نواقصك الفكرية والنفسية بلغة السجون (السيكة أو العين أو البصاص)، فيتعرف أكثر على طبيعة البشر بشكل واقعى. فهناك أناس يدفعون مالًا مقابل هذه الخبرة فى التعرف على حقيقة البشر ومعادن الرجال، وما يدب فى الإنسان من خوالج، فهى تتم فى السجون بشكل مجانى.
هناك أبحاث أجريت داخل سجن مزرعة طرة العمومى فى أواخر السبعينيات قبل هدمه، وقادها فريق من مركز البحوث الجنائية باقتراح وإشراف الدكتور سعد الدين إبراهيم، وانتهت بنتيجة قالها سعد نفسه فى حوارى معه ذات مرة: " أن المسجونين فى قضيتى الفنية العسكرية والتكفير والهجرة هم الذين يدرسون فريق البحث وليس العكس"، وهنا تحول الباحث إلى مبحوث وليس العكس كما يردد ضعاف التجربة البحثية فى زماننا.
عاش الإخوانى السرى خارج السجن يخفق قلبه مع كل قرعة باب ليلًا لأنه يظن أنه مطلوب للسجن. يجهز متاعه ويضعه خلف الباب كلما سمع بهجمة "الداخلية" بعد كل نشاط متطرف فى منطقته أو معلومة عن أخ له تم القبض عليه وسبقه إلى المعتقل. بينما السجين يخفق قلبه فرحًا مع كل قرعة باب لأنه يتوقع الإفراج عنه والخروج من السجن. فى السجن يعرفون "السجين بأنه أخو المجنون"، كما يقول السجناء القدماء. نسى الإخوان كل هذه التجارب وتذكروا فقط تجربة ٦٥. فقد قال الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾. فالسجن تجربة أليمة يجب أن تخرج منها الجماعة بتقييم، فمجتمعاتنا لا تتعاطف مع المسجون سوى لحظات الإفراج عنه فقط، لكنها وقت الاختبار الفعلى تقول لك: "أنت سجين سابق مجرم إرهابى مدان قانونًا، لا حق لك فى الحياة والعيش الكريم، بل لا حق لك فى الزواج والإنجاب لأنك لن تكون سويًا على الإطلاق".
المحنة لابد لها من تقييم التجارب، والإخوان عبر سنوات النشأة والتكوين منذ عام ١٩٢٨م لم يقيموا ولم يخضعوا للتقييم سواء منهم أو من أى جهة محايدة يقبلونها. أى شركة استثمارية ناجحة تقوم بتقييم حساباتها الختامية كل عام، كم نجحت فى تحقيق طموحاتها وكم فشلت، وهى المعروفة بخبرة الإنتاج والاستثمار، حتى يكون حفظ رأس المال مقدمًا على الربح فى أحيان كثيرة، ومتى تكون المغامرة الإنتاجية محسوبة. فما بالك بجماعة تدعى الربانية، فهل غمار الحرب والوعد والوعيد تحقق فى مسيرتها؟ لكن الحقيقة أن كل تجربة خاضتها الجماعة تقول فى نهاياتها: "ما ينبغى إذا لبست الجماعة لامت الحرب أن تنزعها حتى تلقى العدو"، فخابت وخسرت، وانتهى بها المقام بوجود أحد قيادات السلفية الجهادية السابقة على مقعد رئاسة الجمهورية فى سوريا. أما هى فلم تبرح الجماعة ولا قناة مكملين ولا غرفة ٦٥ ولا حتى تنظيم سيد قطب الذى تعاطفت مع بعض رؤيته بعض قيادات الدول العربية.
تجربة السجن بدون مراجعة وتقييم وتمحيص تجربة فاشلة، ويكون نتاجها هو شخصية وجدى العربى، رجل الأعمال الكهل الذى تستوى عنده الحياة والموت، لأنه أدى غرضه وانتهى، ويريد أن يموت بطلًا بصرف النظر عن الأجيال القادمة هل تعلمت من الدرس أم لا. أما الجماعة فلا أظن أنها تعرف حتى الآن أنها أدت دورها وانتهت، ولا يشغلها سوى أمر البطولة التاريخية فقط.
4 - قيام الحضارات يتنافى مع المحنلم يعرف هؤلاء أن الحضارة بُنيت فى الرخاء والعافية. صحيح أن المحن تصنع الرجال، لكن أى محنة هذه التى يعيشها تنظيم ما يقرب من مئة عام؟ البلاء يدفع الإنسان إلى التأمل ومراجعة الذات ورؤية الماضى بعين الحاضر والمستقبل.
إذا كانت الجماعة فى عام ١٩٤٠م هى نفس الجماعة فى ٢٠١١، وهى نفس العقلية فى ٢٠٢٥، فبئس الأسلوب وبئس التصور. فنفس طريقة تعامل السجين مع ضابط الأمن الوطنى هى نفس طريقة تعامل الإخوانى مع قياداته، وهى رؤية تتحكم فى مصائر الجماعة وتكويناتها وتوجهاتها.
فكل من يفكر من داخل الجماعة يُنظر إليه على أنه تخلى عن الطريق، وأصابه فتنة، واخترقه الإيدز الحركى. فعقلية المؤامرة هى التى تسيطر، فتتخيل أن داخل كل تكوين حركى مرشدًا للأمن يبلغ عنهم ويدفعهم للحديث حتى ينقل لهم كل ما يريد النظام معرفته.
إن التطور الروحى والحركى والسياسى فقدته الجماعة على باب غرف الزنازين ومقرات الأمن الوطنى. معروف أن سن الأربعين هو سن الرشد، وجماعات الإسلام السياسى لم تبلغ سن المراهقة بعد، سواء فكريًا أو حركيًا. حتى مع عناصرها التى دخلت معها فى نفس التجربة، وبعدها تخرج بنتائج عكسية تدفعها إلى تبنى أى خطاب ضدها، حتى تُربى أتباعها أن المحن تربى الرجال، وليس كيفية تجنب المحن هو ما يُربى الرجال.
كل من يفكر فى الخروج من الزنزانة تواجهه أفكاركم، وتعلن له: "من أعان ظالمًا سلطه الله عليه" لمجرد المحاولة لينكسر أمامكم كل من يبحث عن البراءة يطلقون عليه أناشيد الخسران المبين: "لبيك إسلام البطولة، كلنا نفدى الحمى.. إن المرتدين قد باعوا البلاد، وعملوا لظوغلي" (مقر الأمن الوطني). مكه قال بابه مفتوح: "قال نتوب ونرجع"، أما الإخوان فلن تحيد عن قتال الطاغوت. حصار الأفكار داخل الزنزانة أخطر من حصار أمن الدولة والمحاكم على أبواب السجون والمعتقلات. فمن تخلى عن الطريق فهو خائن وعميل ومرتد، وإصابته الفتنة.
5 - أدب السجون وسينما الزنازينأدب السجون والمحن قديم، وقد عُرضت مقالات كثيرة عن أدب الزنزانة لكافة التيارات السياسية فى مجلة الهلال المصرية منذ أكثر من مئة عام. بعض الأعمال الدرامية مثل فيلم "الكرنك" لسعاد حسنى، و"إحنا بتوع الأتوبيس"، و"البرئ" كلها صُنعت فى الفترة الساداتية بعد التجربة الناصرية. بل ومعظم سير السجون انتشرت فى مرحلة الثمانينات مثل "فى الزنزانة" لعلى جريشة، و"البوابة السوداء"، و"سرداب الشيطان" لأحمد رائف، وغيرها من أدبيات الإخوان فى السجون.
ظهرت نماذج من الكتب التى تتحدث عن السجون والزنازين من الإسلاميين أو خصومهم من اليسار واليمين مثل "سنة أولى سجن" لمصطفى أمين، و"أقسمت أن أروزي" لروكسى معكرون، و"حوار مع الشيوعيين فى أقبية السجون" لعبد الحليم خفاجى، ومسرحية "التحقيق" لكاتب المسرح الألمانى بيتر فايس، وكثير من السير المرعبة عن حقبة عبد الناصر.
من أهم الأعمال السينمائية فيلم "الكرنك" لنجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثى وإنتاج جمال الليثى عام ١٩٧٥، أحد قيادات مجلس قيادة الثورة، الذى سُجن فى قضية نواب القروض تقريبًا فى نفس الأقبية التى صُور فيها "الكرنك" بحسب ما روى لى فى إحدى الحوارات.
فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس" لجلال الحمامصى، إنتاج ١٩٧٩، يظهر فيه السجين محمود. وفيلم "ليل وقضبان" والسجان شلقامى الشرير، تأليف الرائع نجيب الكيلانى، بإبداع حوارى مصطفى محرم، ونلاحظ أن تاريخ إنتاجه هو فبراير ١٩٧٣م، والعجيب أننا خرجنا بتعاطف مع السجين محمود ياسين.
عبقرية التفريغ السياسى فى المرحلة الساداتية أفرزت هذه المجموعة من الأفلام السياسية المعبرة عن واقع السيتينات، لكن سرعان ما جاءت حقبة الدراما الاجتماعية لتشد وتر المجتمع لحالة من القيم العالية، ولا ننسى "ليالى الحلمية" و"أربسك" و"المال والبنون".
الإخوان دائمًا ما يركزون على فكرة المحن والزنازين، وليس على الحضارة وبناء الواقع الطبيعى الذى تعيشه مجمل الشخصيات الإنسانية. فلو تبدلت المقاعد وأصبح الإخوانى حاكمًا، فسوف يمارس نفس العقلية الأمنية التى تتحسب وجوده وتحركاته. عقلية الإخوانى بعيدة عن النقد الذاتى، ولن يجيبوا عن الأسئلة الآتية أبدًا: لماذا أدى الأمر إلى السجون؟ وما هو الدافع لوجود سجون ومعتقلات تدفع الشخصيات الإخوانية إلى السجون؟ لماذا لا يتأمل الإسلاميون سر الفشل المتكرر فى كثير من الأمور السياسية؟ لماذا ينكسر كثير منهم فى تجربة السجون؟
فى مجمل تصورى، الفكرة مركب نفسى ناتج عن التوتر بين اليأس والاطمئنان، مما يدفعهم إلى تبنى المحن دائمًا. إن الدارسين للتاريخ دائمًا ما يلاحظون أن المحن تتبعها تجارب إنسانية رائدة وناجحة، مثل حياة النحل والنمل، حيث يكون هناك عمل شاق ولكن ينتج عنه حالة الرحيق المختوم والشغيلة فى حياة النمل.
المحنة التى تطول بهذا الشكل ينتج عنها خلل فى التكوين النفسى والإيمانى، لأن الجماعات والتنظيمات والدول لها دورة حياة متكاملة، تبدأ من الصعود ثم القوة، ثم الأفول، ثم السقوط، تمامًا كالجماعة البشرية. فدورة الحياة المتكاملة لا تقف عندها الإخوان ولا أخواتها من جماعات الإسلام السياسى.
عقلية تجربة تنظيم ٦٥ تبدو واضحة فى اختيار عنوان المسلسل والرقم، ويبدو أنه مقصود لأن الرقم بحسب بعض المصادر تغير عدة مرات، وهذا يشى بدلالات كثيرة، أهمها تاريخ القبض على سيد قطب ووقوع تنظيمه الشهير فى قبضة السلطات الأمنية، وانتقال الجماعة من المرحلة البناوية إلى القطبية.