إقليم كُردفان.. السودان المصغر
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
إقليم يقع في الوسط الجغرافي للسودان، ويضم 3 ولايات هي: شمال كُردفان وجنوب كُردفان وغرب كُردفان. يقع الإقليم شرق دارفور، تحده من الجنوب دولة جنوب السودان، وينقسم جغرافيا إلى 3 مناطق طبيعية هي الحزام الشمالي والحزام الأوسط والحزام الجنوبي.
يمتاز إقليم كُردفان بموقع جغرافي مميز جعل منه منطقة تاريخية وتجارية.
ويضم الإقليم 3 ولايات:
شمال كُردفان وعاصمتها الأُبيض.
جنوب كُردفان وعاصمتها كادوقلي.
غرب كُردفان وعاصمتها الفولة.
ومن أهم مدن الإقليم الأُبيض، وتسمى “عروس الرمال” وأم روابة والرهد وأبو جبيهة وكرشولا والنهود وبابونسة والميرم والدلنج وكادوقلي وبارا.
ويعد إقليم كردفان طريق الصادرات، وهو من أهم الطرق البرية الرابطة بين الأبيض والعاصمة الخرطوم.
ويبلغ عدد سكان الإقليم 5.684.470 مليون نسمة وفقا لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء عام 2020. ويوصف بأنه صورة مصغرة من السودان، إذ يضم تركيبة قبلية متنوعة بين العرب والنوبة، كما يضم قبائل الكبابيش والكواهلة والبديرية والجوامعة والشويحات والغديات والمسيرية، ويتحدث سكان الإقليم العربية واللغات المحلية.
وتعد عرقية النوبة من السكان الأصليين في الإقليم، وينقسمون إلى حوالي 50 مجموعة قبلية، تنقسم بدورها إلى حوالي 10 مجموعات لغوية.
وتتصدر شمال كردفان المركز الأول بالنسبة لولايات الإقليم من حيث عدد السكان بنسبة 49%، مقارنة بولايتي غرب كردفان 30% وجنوب كردفان 21%.
للإقليم عدد من المُسميات منها “كُردفال” و”كُوردفان” ويعود أصل التسمية وفق روايات محلية إلى شعب النوبة، سكان المنطقة الأصليين، وذلك لحوالي أكثر من 6 قرون وتسمى “كُلدوفان” وتعني بلغة النوبة “أرض الرجال”.
تاريخيا قامت في إقليم كُردفان “سلطنة المُسبعات” الإسلامية. وقد أُنشئت ما بين القرن الـ 15 والـ 16 الميلادي شمال كُردفان وعاصمتها الأُبيض، كما قامت مملكة تقلي في الجزء الجنوبي الشرقي من إقليم كُردفان المعروف بجبال النوبة.
وفي منطقة شمال كردفان كانت أهم انتصارات المهدية، في معركة “شيكان” (تسمى أيضا معركة الأُبيض) عام 1883 على حملة هكس باشا، حين قررت الحكومة البريطانية تحريك جيش للقضاء على الدولة المهدية.
وكان حدث سقوط الأُبيض، التي كانت تحت الحكم التركي المصري، في يد مؤسس المهدية محمد أحمد المهدي، حدثا مفصليا في تاريخ الدولة المهدية بالسودان.
وكانت معركة “أم دبيكرات” في نوفمبر/تشرين الثاني 1899 في كردفان آخر معارك المهدية ضد الاستعمار البريطاني، وانتهت بهزيمة قوات المهدي.
أما جنوب كُردفان، التي كانت تسمى تاريخيا بدار النوبة، فظلت بؤرة للتوتر وشكلت أحد التهديدات الرئيسية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في الحرب الأهلية عام 1983، وانتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، وبموجبه تم إلغاء ولاية غرب كردفان ودمجها في ولاية جنوب كردفان، وعام 2013 تمت إعادة ولاية غرب كردفان بعد تعديل حدود ولايتي شمال كردفان وجنوب كردفان.
وتقاتل الحركة الشعبية لتحرير السودان/قطاع الشمال -بقيادة عبد العزيز الحلو- الحكومة السودانية جنوب كردفان منذ يونيو/حزيران 2011، وتسيطر الحركة على أجزاء من جنوب كردفان في مساحة تعادل دولتي رواندا وبوروندي، تطلق عليها اسم “المناطق المحررة” وتعدّ مدينة كاودا هي العاصمة.
وقد ظلت منذ 1983 خارج سيطرة الحكومة السودانية، وتقع على بعد نحو 100 كيلومتر شرق مدينة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان، وتستحوذ الولاية على غالبية حقول النفط بعد انفصال الجنوب في يوليو/تموز 2011.
يعتمد اقتصاد الإقليم على الموارد الزراعية من أراض خصبة وغابات بجانب الثروة الحيوانية، إذ يحتل المركز الأول في السودان إنتاجا لها.
وتقع فيه حقول النفط الرئيسية، ويضم أكبر وأهم الأسواق المصدرة للصمغ العربي الذي يتصدر قائمة صادرات السودان.
ويعتمد الإقليم على الزراعة المطرية، ومن أهم المنتجات: الدخن والذرة والقطن والكركديه والسمسم والفول السوداني والتبلدي.
كما يزخر إقليم كردفان بالصناعات التحويلية مثل معاصر الزيتون ومصانع الصابون ومنتجات الألبان. ويعمل سكان الإقليم في الرعي والزراعة والتجارة.
ويزخر الإقليم بالمعادن مثل الذهب وخام الحديد والنحاس واحتياطي من النفط والغاز الطبيعي. بينما تحتوي أراضي جبال النوبة بالإقليم على احتياطي نفطي كبير، بالإضافة إلى خام الحديد واليورانيوم، ووصل تركيز اليورانيوم في المنطقة إلى (2.6) وهو رقم أكثر من المعدل العالمي، وفي الإقليم ثالث أكبر احتياطي لليورانيوم في العالم ويقدر بـ 1.5 مليون طن.
يتميز إقليم كُردفان بطبيعة ساحرة، ومن معالمه السياحية التاريخية:
منطقة الرشاد جنوب كُردفان.
شلال “كِلْبِي” الذي يقع في الجنوب الغربي من كادوقلي.
بوابة جراب الفول، وهو مبنى أثري يقع شمال كردفان، ويُعد من أقدم مباني الإدارة التركية، إذ يعود تاريخه إلى خمسينيات القرن الـ 19.
جبل الهشابة، ويقع جنوب الأبيض ويتكون من حجارة الجرانيت الأسود والأحمر.
المسجد العتيق بمدينة الأبيض، ويفوق عمره 200 عام، إذ يعود تاريخ بنائه إلى العام 1235 هـ، وتبلغ مساحته الكلية حوالي 7000 متر مربع، وقد صمم على الطراز المعماري الإسلامي العتيق واستنسخت بعض تصاميمه من الحرم المكي.
كاتدرائية الأبيض بنيت عام 1871.
متحف “شيكان” الذي تم افتتاحه عام 1965 تخليدا لذكرى معركة “شيكان”.
عام 2017 أُعلن عن اكتشاف موقع أثري شمال كردفان يعود إلى فترة العصر الحجري الحديث الواقع ما بين 9000 ق.م و4500 ق.م.
أقدم الأسواق الشعبية التاريخية ويسمى “سوق أبو جهل” وسط الأُبيض، ويعد من أشهر الأسواق في بيع المحاصيل الزراعية.
برز من إقليم كُردفان عدد من الرموز الأدبية، الفنية والسياسية، منهم:
إسماعيل الأزهري
وهو سياسي ناضل ضد الاستعمار البريطاني ولُقب بـ “زعيم الاستقلال” وترأس أول حزب سياسي سوداني (حزب الأشقاء) عام 1947، وأعلن الأزهري عام 1955 من داخل البرلمان استقلال السودان، وفي يناير/كانون الثاني 1956 رفع علم الاستقلال على سارية البرلمان. ومن مؤلفاته كتاب “الطريق إلى البرلمان”.
المشير عبد الرحمن سوار الذهب
الذيّ تولى الحكم عقب انتفاضة أبريل/نيسان 1985، ويعدّ أول زعيم يتنازل عن السلطة طواعية للمدنيين، إذ تعهد عند توليه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي بالتنازل عنها خلال عام لحكومة منتخبة.
الفريق عبد الماجد حامد خليل
وهو نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، ينسب له التطوير والتحديث في وحدات الجيش السوداني وأسلحته، تدرج في الجيش وعمل رئيسا لهيئة الأركان وقائدا عاما للجيش ووزيرا للدفاع.
قوات من الجيش السوداني في كردفان (الأناضول)
الفريق توفيق صالح حسن “أبو كدوك”
لُقب بأخطر جنرال في أفريقيا، كان رئيسًا لهيئة الأركان للعمليات في عهد نميري، عمل قائد فصيلة مشاة إبان حرب 1956 والعدوان الثلاثي على مصر، وقائدًا لفصيلة بالقيادة الشرقية، وصاحبت فترته أحداث الفشقة عام 1978ـ 1979 على الحدود السودانية الإثيوبية.
إبراهيم منعم منصور
عدّ رمزا على الصعيد الاقتصادي، وشغل منصب وزير المالية في عهد نميري، وعاصر عددا من الحقب السياسية في السودان، وكتب مذكراته في 3 أجزاء تحت عنوان “مذكرات إبراهيم منعم منصور”.
عبد اللّه حمدوك
شغل منصب رئيس الوزراء بالحكومة الانتقالية 2019 – 2022م، وعزله من منصبه في انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ثم عاد إلى منصبه بعد اتفاق مع الجيش، ثم أعلن استقالته في يناير/كانون الثاني 2022، عرف بخبرته في مجال التنمية الاقتصادية.
رئيس الوزراء السوداني السابق حمدوك أحد الشخصيات المنحدرة من إقليم كردفان (الأناضول)
فيليب عباس غبوش
يعدّ من الشخصيات المؤثرة في منطقة جبال النوبة، ترأس أبوه اتحاد جبال النوبة، وهو كيان مناطقي تكون اعتراضا على ما وصف بالتهميش في المنطقة، انتخب نائبا في البرلمان السوداني دورتي 1965 و1968، ثم عضوا في مجلس الشعب فترة نميري، وبعد انتفاضة 6 أبريل/نيسان 1985 أسس الحزب القومي السوداني.
الفنان عبد القادر سالم
يعدّ الفنان عبد القادر سالم من الرموز الفنية في الإقليم، وهو مطرب وموسيقار كان رئيسا لاتحاد المهن الموسيقية، من أشهر أغانيه “مكتول هواك يا كردفان”.
ملكة الدار محمد عبد اللّه
وهي من أوائل الروائيين والأدباء السودانيين، وتعود أصولها إلى مدينة الأبيض، من مؤلفاتها رواية “الفراغ العريض”، ومجموعة قصصية بعنوان “حكيم القرية”، وقد فازت بجائزة مسابقة الإذاعة السودانية للقصة القصيرة عام 1947، و”المجنونة” و”متى تعودين”.
الجزيرة نت
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: شمال کردفان جنوب کردفان شمال ک
إقرأ أيضاً:
تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة
كانت قضية جبال النوبة، وما زالت، مؤسسة على التهميش الذي لم يخفت في حالات الحرب أو السلم، بل ظلت التوترات على المستويات كافة سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة، وعندما اندلعت الحرب الحالية زادت من مآسي المنطقة لطول عهد الصراع القائم هناك من دون أن يلتفت إليها الإعلام المحلي أو المجتمع الدولي.
التغيير: وكالات
عاشت منطقة جبال النوبة تاريخاً سياسياً مليئاً بالنزاعات، إذ تعرض سكان المنطقة لغزو السلطنات القديمة منذ القرن الـ16 للحصول على الرقيق، واستمر هذا النشاط خلال فترة الحكم التركي – المصري للسودان في بدايات القرن الـ19، واضطر سكان المنطقة إلى الاحتماء بسلسلة من عشرات الجبال مما زاد من عزلتهم.
وفي خضم حرب جنوب السودان التي انتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) عام 2005، ثم انفصاله عام 2011، عانى سكان المنطقة أيضاً، ولكن توقف الحرب في الجنوب لم ينعكس إيجاباً على المنطقة، إذ ظلت على هامش عملية السلام، وأصبحت قضاياها المنصوص عليها في الاتفاق، ضمن القضايا العالقة، حاملة اسم جنوب السودان بعد انفصال الإقليم الذي يحمل الاسم والموقع الجغرافي. وتزامناً مع إعلان انفصال الجنوب، اندلعت الحرب في جنوب كردفان بين جيش “الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال” والجيش السوداني، بسبب الخلاف على نتيجة الانتخابات في الولاية، ثم امتد النزاع إلى ولاية النيل الأزرق. وعلى إثر ذلك أسست “الجبهة الثورية” أو “تحالف كاودا” الذي جمع بين “الحركة الشعبية – شمال” بقيادة مالك عقار، وحركات دارفور المسلحة، “حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد محمد نور.
وعندما اندلعت الحرب الحالية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، كانت المنطقة التي مزقتها الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من نصف قرن، في خضم نزاع آخر منذ اشتعال الاحتجاجات التي أسقطت عمر البشير عام 2019، وذلك على إثر الانقسام الذي حدث في “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال”، بين زعيميها مالك عقار وعبدالعزيز الحلو. وبينما تحالف الأول مع الحكومة (المجلس العسكري) خلال الفترة الانتقالية، ووقع على اتفاق السلام بجوبا 2020، واصل الثاني حربه على السلطة الجديدة ورفض التوقيع على الاتفاق، وكون تحالفاً مع عبدالواحد محمد نور الذي انشق عن “حركة تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي الذي أصبح في ما بعد حاكم إقليم دارفور. وبعد الإطاحة بالنظام السابق، تلاشت الآمال في التغيير لأن الحكومة الانتقالية فشلت في معالجة مظالم شعب النوبة.
قضية التهميشوكانت قضية جبال النوبة، وما زالت، مؤسسة على التهميش الذي لم يخفت في حالات الحرب أو السلم، بل ظلت التوترات على المستويات كافة سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة. وشجع انفصال الجنوب المنطقة على المطالبة بالحكم الذاتي، إذ يرى قادتها أن حرمان الإقليم من المعاملة مثل بقية الأقاليم الأخرى، قد يستمر عقوداً أخرى، لا سيما مع تمتعها بالميزة النفطية، إضافة إلى تجاهل الحكومة القائم للمنطقة، فمع كل عهد جديد تظهر تعقيدات جديدة.
وكانت منطقة جبال النوبة بانتظار حسم قضية أبيي، فعلقت ما بين الوساطات الإقليمية ورفعها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. وبفضل التجميد الذي أحدثته الوساطة والمحكمة، وجد النظام السابق الفرصة سانحة لعدم حسم القضية سلباً أو إيجاباً بالنسبة إلى السودان وسكان المنطقة. من ناحية أخرى، أطالت مدة بقاء النظام لما يقارب عقداً آخر بعد اقتطاع جزء من السودان، إذ كان ذلك الحدث الأضخم منذ استقلال السودان. وأثار حفيظة تركيبات سكانية في عدد من الأقاليم، كما أثار احتجاجات وانتقادات واسعة من فرط السرعة التي تم بها انفصال الجنوب، من دون إظهار النظام السابق أي اعتراض أو مطالب بتأجيل الاستفتاء حوله، إلى حين حل القضايا العالقة، وتأتي أبيي في مقدمها.
وهناك قضية الحدود غير المحسومة فالخلاف حولها يعود لعهد الاستعمار، واقتصاد المنطقة القائم على الزراعة والرعي في مناطق تحركات موسمية تتقاسمها قبيلتا “الدينكا” التابعة لجنوب السودان، و”المسيرية” التابعة للشمال، ثم النزاع الناشئ حول النفط.
واستهدف النظام السابق المدنيين في جبال النوبة، ودمر القرى والمحاصيل والبنية الأساسية لإضعاف دعم الجيش الشعبي التابع لـ”الحركة الشعبية – شمال”. واعترف بروتوكول “ميشاكوس” 2002، الذي كان بمثابة مقدمة لاتفاق السلام الشامل بجبال النوبة كمنطقة متنازع عليها، لكنه لم يتطرق إلى التطلعات السياسية للمنطقة.
واشتمل الاتفاق الذي أبرم في عام 2002، وسمي باتفاق “جبال النوبة” على إنهاء حالة العداء وضمان حرية الحركة للمدنيين، وحركة السلع والمساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار الذي يعني وقف التحركات العسكرية وأعمال العنف والهجمات الجوية والبرية كافة، واستهداف المواطنين على أساس إثني أو ديني أو انتماء سياسي.
خصائص المنطقةوبوصف منطقة جبال النوبة موطناً لمجموعة شديدة التنوع من الإثنيات والثقافات والديانات المختلفة، إذ ظلت قضية الهوية إلى جانب القضايا الأخرى بعيدة من الحل، وربما أشد تعقيداً، بل لعبت دوراً مهماً في الصراع في منطقة جنوب كردفان. وتشمل المنطقة مكونات لأكثر من 50 مجموعة إثنية من السكان الأصليين لجبال النوبة منها (تييرا، هيبان، كواليب، مورو، أوتورو، مساكن، كاتشا)، وتختلف لغوياً وثقافياً ودينياً. وعلى رغم تنوعها، تحافظ هذه المجموعات على بعض العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية المشتركة، مثل الرقصات التقليدية ورياضة المصارعة التقليدية الخاصة بالمنطقة وأنماط الحياة الزراعية. ويتعاطف عدد من مجموعات النوبة بقوة مع مجتمعاتها المحلية، وتقاوم الاندماج في الثقافات السائدة. وربما كان هذا ما يستقوي به قائد الحركة عبدالعزيز الحلو، إذ إنه يلعب على هذا الوتر الحساس مما عمق من عزلة الإقليم. والتصور المضاد للاعتقاد السائد بأن النوبة مهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، هو تشجيع الحكومة المركزية، في كثير من الأحيان، لأن تسود سياسات التعريب والأسلمة، ومحاولات تجاهل التراث الثقافي واللغوي للنوبة.
أما في التنوع الديني ففاق الإقليم كل مناطق السودان الأخرى، إذ يعتنق عدد من أهل النوبة ديانات أصلية تتضمن عبادة الأسلاف والأرواحية والمعتقدات القائمة على عبادة الطبيعة والحيوانات. وكذلك يؤمن عدد منهم بالمسيحية التي انتشرت خلال فترة الاستعمار وما بعده، بتسهيل من المبشرين الذين سلكوا المسار النيلي مستهدفين جنوب السودان. ومع اختلاف ديانات قادة الحركة الشعبية إلا أن عدداً من مسيحيي النوبة ينتمون إلى الحركة، ويرون في أصلها، الذي أسسه جون قرنق منذ خمسينيات القرن الماضي، مدافعاً عن حقوقهم.
ويتحدث سكان جبال النوبة أكثر من 100 لغة، مصنفة إلى ثلاثة أقسام لغوية رئيسة هي: “التينجر”، وهي لغة فريدة من نوعها في المنطقة قادمة من وسط أفريقيا، ويتحدث بها عدد من المجموعات الأصلية، و”النيلية” تتحدث بها بعض المجموعات ذات الروابط الثقافية الوثيقة مع جنوب السودان، والعربية تستخدم كلغة مشتركة وتزداد انتشاراً بسبب التداخل الثقافي مع مجموعات الشمال.
خلفية معقدةلكل هذا، ونظراً إلى الخلفية المعقدة، فإن الحرب الحالية عندما اندلعت زادت من مآسي منطقة جبال النوبة نظراً إلى طول عهد الصراع القائم هناك لدرجة أن الآثار الناجمة عن الحرب لم يلتفت إليها الإعلام المحلي أو المجتمع الدولي، بل ظلت غائبة عن رادار الأخبار والمتابعات ومطالبات المجتمع الدولي بضرورة تأمين المساعدات، ولم يأت ذكر المنطقة في كل هذا. كما ظل سكان المنطقة يواجهون تبادل الهجمات بين قوات الجيش وقوات الحلو، وهجمات من “الدعم السريع” من جهة أخرى.
فمع اشتداد الحرب، تعرضت المنطقة إلى موجات نزوح واسعة، وأجبر عدد من سكانها على الفرار من منازلهم، بسبب انعدام الأمن وفقدان الغذاء والمأوى والعلاج، وتعرضوا في مناطق نزوحهم الجديدة إلى ظروف أشد قسوة. كما لجأ آلاف من سكان المنطقة إلى دول الجوار، خصوصاً دولة جنوب السودان وإثيوبيا، التي سرعان ما حدثت فيها ارتدادات بسبب الضغوط التي أحدثها اللجوء على وضعها الداخلي، تمثلت في إثارة قضية وجودهم وتعرضهم لمضايقات عديدة.
وبحلول نهاية عام 2024، أعلنت الأمم المتحدة المجاعة في جبال النوبة الغربية، وهي أول مكان خارج شمال دارفور يطلق عليه هذا الوصف رسمياً.
أما ما يتعلق بالعنف الداخلي من ممارسات شملت القتل والاختطاف والعنف الجنسي، فظلت بعيدة من الضوء، إذ لم يكن بإمكان الجماعات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني رصد الوضع على الأرض. كما تقاصرت إمكاناتها عن مد المنطقة بالمساعدات اللازمة بسبب التحديات اللوجستية والمخاوف الأمنية والعزلة أيضاً، مما جعل السكان المحليين يعتمدون على مرونة المجتمع والشبكات السرية للبقاء على قيد الحياة. كل هذه الأزمات مثلت تحديات في طريق بناء السلام، وفاقمت الانقسامات بين المجتمعات وعمقت تآكل الثقة.
دائرة التعتيموهناك توقعات بأن العزلة المفروضة، بفعل الطبيعة والنزاع الدائر هناك، التي تعيشها منطقة جبال النوبة، لن تطول، وإنما سيكون هناك حراك يتخذ مسارين، الأول داخلي بأن تخرج أصوات مطالبة بالحكم الذاتي والفيدرالية، إذ إن منح المنطقة قدراً أكبر من الحكم الذاتي السياسي أو النظام الفيدرالي من شأنه أن يعمل على تمكين الحكم المحلي والحد من التهميش.
والمسار الثاني، هو تفعيل الوساطة الدولية مثل لعب دور في حض الحلو على القبول بالتفاوض من أجل السلام، أو ممارسة الضغوط الدولية عليه لضمان فتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات، خصوصاً الغذاء والدواء إلى أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية، وحماية المدنيين بإنشاء مناطق منزوعة السلاح مما من شأنه أن يحمي المدنيين ويوفر مساحات آمنة للنازحين، لا سيما أنهم وقعوا تحت دائرة التعتيم بسبب الحرب بين الجيش و”الدعم السريع”، إضافة إلى الفجوة الأساسية المتمثلة في الاستجابة الدولية لها.
المصدر: إندبيندت عربية
الوسومجبال النوبة جنوب السودان حرب الجيش والدعم السريع حرب السودان