قال الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام،  قد دلت النصوص الشرعية على أن الذي يوزن في ميزان يوم القيامة أعمال العباد وكذلك أنفسهم وكذا صحائف أعمالهم.

ميزان القيامة حقيقي له كفتان

وأوضح " غزاوي"  خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة،  أن هذا الميزان دقيق لا يزيد ولا يَنقص، وبناءً على وزنه يتميز الناس، فمن مفلحٍ ناجٍ في جنات النعيم، ومن خاسرٍ هالكٍ في أصحاب الجحيم"، فهذا الميزان الذي ينصب يوم القيامة ميزان حقيقي له كفتان ولا يعلم قدره إلا الله تعالى.

وأضاف أنه مما يدل على وزن الأعمال قوله صلى الله عليه وسلم: (كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ)، ومما يدل على أن العباد أنفسهم يوزنون يوم القيامة فيَثْقُلون أو يَخِفُّون بمقدار إيمانهم، قوله صلى الله عليه وسلم (إنَّه لَيَأْتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَؤُوا ﴿فَلا نُقِيمُ لهمْ يَومَ القِيامَةِ وزْنًا﴾ وفي المقابل فإنه يؤتى بالرجل ضعيفِ البنية قويِّ الإيمان فإذا به يزن الجبال.

واستشهد بما ورد عنِ ابنِ مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عنه-، أنَّه كان دَقيقَ السَّاقَيْنِ؛ فجعَلَتِ الرِّيحُ تُلْقيهِ؛ فضحِكَ القومُ منه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مِمَّ تضحكونَ؟ قالوا: يا نَبيَّ اللهِ، مِن دِقَّةِ ساقَيْهِ، قال: والذي نَفْسي بيدِهِ، لهما أثقَلُ في الميزانِ مِن أُحُدٍ، و مما يدل على أن صحائف أعمال العباد توزن أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُؤوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ.

وتابع:  فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أحْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ)، منوهًا بأن الأمة المسلمة لها وزنها وثقلها وقيمتها ومكانتها، ومن رجالها العظماء من يزن أمة.

الإسلام يزن المرء بالميزان الحق

واستطرد:  فهذا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الذي قال عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لوْ وُزِنَ إيمانُ أبي بكرٍ وإيمانُ الناسِ لرجحَ إيمانُ أبي بكرٍ"، إنه رجل بأمة وقف مواقف الرجال في وقت الشدائد، وقد أعز الله به الدين ونصره وثبته به، وقام يخطب في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ويقول: "مَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ" حتى عادت الأمة وآبت إلى رشدها بعد شدة الغمة بموت نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، فرضي الله عن أبي بكر وأرضاه.

وأكد  أن الإسلام يزن المرء بالميزان الحق، بمعدنه الأصيل الذي يرتفع بارتفاع عقيدته ومبادئه وقيمه وأخلاقه، وأن حرية الإنسان تكون في كمال عبوديته لربه؛ وأساسَ تفاضله عن غيره إنما هو بالتقوى والإيمان والعمل الصالح. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾، اللهم ثقل موازيننا بالحسنات، واجعلنا من المسارعين في الخيرات وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات.

وشدد على أنه ينبغي يحرص كل منا على أن يكون ميزانه ثقيلاً يوم القيامة؛ فقد كان ﷺ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ يقول: "بسمِ اللهِ وضعتُ جنبي اللَّهمَّ اغفر لي ذنبي وأخسئ شيطاني ، وفُكَّ رِهاني وثقِّل ميزاني واجعَلني في النَّديِّ الأعلَى" وهذا كما ذكر بعض العلماء دعاء من أجَلِّ الأدعية التي تجمع خير الدنيا والآخرة، فتتأكد المواظبة عليه كلما أُريد النوم وينبغي أن يحرص العبد كذلك على الأعمال التي يَثقُل بها ميزانه وترجح كفته: ومن ذلك ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شيءٍ أثقلُ في ميزانِ المؤمنِ يومَ القيامةِ من خُلقٍ حسنٍ).

 

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام خطبة الحرم المكي یوم القیامة ف ی ق ول على أن

إقرأ أيضاً:

حكم صلاة الإمام بالمأمومين وهو جالس

قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا يوجد مانع شرعي من الصلاة خلف الإمام إذا صلى جالسًا لعذرٍ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى آخر صلاته قاعدًا والناس قيام، وأبو بكر رضي الله عنه يأتمُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والناس بصلاة أبي بكر رضي الله عنه، وكان ذلك في صلاة الظُّهر.

صلاة الإمام جالسًا

وأوضحت الإفتاء أن صلاة القائم خلف الجالس في صلاة النافلة جائزة اتفاقًا عند الفقهاء، أما في صلاة الفريضة فهي جائزة عند الحنفية والشافعية؛ لأنَّه صلى الله عليه وآله وسلم صلى آخر صلاته قاعدًا والناس قيام، وأبو بكر رضي الله عنه يأتمُّ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والناس بصلاة أبي بكر وهي صلاة الظُّهر.

وأضافت أن المالكية والحنابلة ذهبوا إلى عدم الجواز، غير أن الحنابلة يستثنون الإمام الراتب إذا رُجِي زوال مرضه، فيجيزون الصلاة خلفه وهو جالس.

قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 59، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ولا يصلي الذي يركع ويسجد خلف المومئ)؛ لأن حال المقتدي أقوى] اهـ.

وقال الإمام العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (2/ 363، ط. دار الكتب العلمية): [(وفيه خلاف زفر) يعني يجوز عند زفر إمامة المومئ للذي يركع ويسجد؛ لأن صاحب الخلف كصاحب الأصل، ولهذا جازت إمامة المتيمم المتوضئ، وبه قال الشافعي، وقال الماوردي: عجز الإمام عن الأركان لا يمنع من الاقتداء به؛ كالقائم، وفي "المغني": (لا يؤم المضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لمن يقدر عليهما في قول مالك وأحمد، خلافًا لزفر والشافعي)] اهـ.

وقال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 198-199، ط. دار المعرفة): أمْرُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنس رضي الله عنه ومن حدث معه في صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَمَنْ خَلْفَهُ جُلُوسًا منسوخٌ بحديث عائشة رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَالِسًا وَصَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا، فهذا -مع أنه سنة ناسخة- معقولٌ، ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطقِ القيامَ صلى جالسًا وكان ذلك فرضه، وصلاة المأمومين غيره قيامًا إذا أطاقوه وعلى كل واحد منهم فرضُه، فكان الإمام يصلي فرضه قائمًا إذا أطاق وجالسًا إذا لم يُطق، وكذلك يصلي مضطجعًا وموميًا إن لم يطقِ الركوع والسجود، ويصلي المأمومون كما يطيقون فيصلي كلٌّ فرضه فتجزي كلًّا صلاته] اهـ.

وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 185، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز للراكع والساجد أن يصلي خلف المومي إلى الركوع والسجود؛ لأنه ركن من أركان الصلاة فجاز للقادر عليه أن يأتم بالعاجز عنه؛ كالقيام] اهـ.

مقالات مشابهة

  • كيف نتهيأ لرؤية النبي في المنام؟.. كثرة الصلاة عليه تُنير القلب (فيديو)
  • حكم صلاة الإمام بالمأمومين وهو جالس
  • حكم الخروج من المسجد بعد الأذان وفضل التبكير في الذهاب
  • مصلون يغادرون مسجدا في إب بعد وصف خطيب حوثي اليمنيين بألفاظ خادشة
  • 6 أشياء تجلب الرزق سريعا.. واحذر من 8 أخطاء تضيقك عليك الحال
  • حكم وجود طريق فاصل بين مصلى الرجال والنساء
  • عقب اقتحامه للمنبر رفقة مسلحين.. خطيب حوثي يتعرض لإهانة موجعة من قبل المصلين
  • كاد أن يتسبب بكارثة.. خطيب حوثي يصعد المنبر بالقوة في أحد مساجد إب والمصلون يخرجون من المسجد
  • يضمن لها عزها.. خطيب المسجد النبوي: خضوع الأمة للتوجيهات الإلهية والعمل بسنة النبي
  • أعظم آفات اللسان.. خطيب المسجد الحرام: 6 أفعال شائعة تؤدي إلى الهلاك