هل بدأت حرب الرقائق؟ اخطر أسلحة الجيل الخامس
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
يتطلب الذكاء الاصطناعي والجيل الخامس وأسلحة المستقبل استخدام أشباه الموصلات ذات الكفاءة العالية، مما يفتح الباب على منافسات متزايدة بين الأميركيين والصينيين، في وقت تهيمن فيه هونغ كونغ على هذا القطاع الضروري لمعظم الأسلحة، الذي تنتجه الشركات الغربية بشكل رئيسي، مما يجعل روسيا تتفانى للحصول عليه من خلال التحايل على العقوبات.
واستعرضت صحيفة ليبراسيون الفرنسية في تقريرين منفصلين كيف أصبحت لوحة السيليكون الرفيعة، التي نقشت عليها الدوائر ودمجت المكونات الإلكترونية، مسرحا لمنافسات إستراتيجية كبرى ومعارك تجارية هائلة، وكيف أصبح استيراد الإلكترونيات الدقيقة الغربية أكثر تعقيدا وأكثر تكلفة بكثير وأقل موثوقية من حيث الجودة بالنسبة لصناعات الدفاع الروسية التي لا تنتج هذه المواد. وأوضحت الصحيفة -في تقرير لأرنو فوليري.
.أن الرقائق أو أشباه الموصلات هي الذهب الأسود في القرن الـ21، وقد أنفقت عليها الصين عام 2021 أكثر مما أنفقت على النفط، لأنها موجودة في كل شيء، من الهواتف إلى وحدات التحكم في الألعاب، ومن مراكز البيانات إلى الألواح الشمسية، ومن مصابيح الليد إلى أنظمة المراقبة، ومن الطائرات إلى السيارات، وهي فوق ذلك تعمل على تعزيز نمو الذكاء الاصطناعي، ودعم ظهور
شبكات الجيل الخامس، والمركبات الكهربائية وأنظمة الأسلحة. ونبه الكاتب إلى أن هذه الصناعة المتطورة، التي تتطلب تكنولوجيا معقدة وخدمات لوجستية عبر مئات العمليات، تتحكم فيها حفنة من الشركات المصنعة المستقلة، وهي تحظى بدعم كبير من الدول قدر بنحو 721 مليار دولار في عام 2020، وتستفيد من الاستثمارات الضخمة من الصناعة نفسها، إلا أن المنافسة الشرسة في مجالها قد بدأت للتو بين الأميركيين والصينيين، بحظر واشنطن الاستثمار بحرية في التقنيات الأكثر تقدما على الشركات الأميركية "الدول التي بها مشاكل".
وقالت ماتيلد فيلييت، الباحثة في برنامج التقنيات الجيوسياسية في المعهد الفرنسي للتكنولوجيا، إن "الهدف الرسمي للولايات المتحدة هو الحد من القدرات العسكرية للصين في تطوير أسلحة جديدة، في قطاع الاستخبارات والمراقبة"، كما أنها تسعى للحفاظ على ريادتها
التكنولوجية. اثنان من العمالقة وتهيمن الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير في مجال تصميم الرقائق، وهي المرحلة الأولى من إنتاجها التي تهدف إلى تصميم الدائرة المتكاملة وتحديد خصائصها، لكن التصنيع في المسابك ثم الاختبار والتجميع يتم بشكل رئيسي في آسيا، وخاصة في تايوان التي اكتسبت الدراية والهيمنة في مجال أشباه الموصلات، ولا سيما تلك التي يبلغ طولها 7 نانومترات أو أقل بين الترانزستورين، وكلما كانت المسافة أقل زادت قوة الشريحة. ولم تتمكن الصين بعد من عبور هذه العتبة التكنولوجية رغم التقدم المبهر، ورغم أن خطتها العشرية الطموحة للغاية "صنع في الصين 2025" تهدف إلى تقليل اعتمادها على الدول الأجنبية واستثمار 150 مليار دولار على مدى 10 سنوات.
كما تهيمن شركتان آسيويتان عملاقتان، هما سامسونغ الكورية الجنوبية وشركة "تي إس إم سي" التايوانية، على السوق الأفضل في فئتها مقابل 5 نانو وأقل، إلا أن الشركة التايوانية هي التي تحتل الصدارة، وهي تمتلك حوالي 50% من سوق المسابك العالمية وتنتج 92% من أشباه الموصلات الأكثر تقدما، وتمثل اليوم 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتضاعفت الاستثمارات إلى عشرات المليارات لخدمة أكثر من 530 عميلا بما في ذلك آبل وسوني وغيرها.
وأشار الكاتب إلى أن "تي إس إم سي" لديها القدرة على شل الكوكب، ومن هنا تأتي قوة وضعف هذه الجوهرة الصناعية وقطاع أشباه الموصلات برمته، الذي أقامه الرئيسة تساي إنغ وين باعتباره "درعا من السيليكون"، من شأنه أن يردع أي هجوم، وبالفعل نبه رئيس الشركة المتعددة الجنسيات مارك ليو إلى المخاطر، عندما أخرجت الصين طائرات وصواريخ وسفن حول الجزيرة، وقال إذا استخدمت القوة العسكرية أو الغزو، فسوف تجعل مصانع "تي إس إم سي" غير صالحة للعمل لأنها منشأة تصنيع متطورة للغاية. وفي مواجهة المخاطر،
شرعت الولايات المتحدة في عملية إعادة التصنيع الشاملة، وفي أغسطس/آب 2022، وقع جو بايدن على "قانون الرقائق" الذي يوفر ما يقرب من 53 مليار دولار من الدعم لبناء المصانع، وتم تشجيع شركة "تي إس إم سي" على بناء واحد في ولاية أريزونا لإنتاج شرائح من فئة نانو، كما تقرر في المكان نفسه، إنشاء "غيغافاب"،
وهو مصنع ضخم فائق الحداثة باستثمارات إجمالية تبلغ 40 مليار دولار بحلول عام 2027، غير أن هذا النقل يمكن أن يتم على حساب تايوان لإضعاف الصين، و"درع السيليكون" كما يخشى موريس تشانغ مؤسس "تي إس إم سي". أما الاتحاد الأوروبي فهو -حسب الصحيفة- متخلف عن الركب، رغم وجود عدد قليل من الأبطال، مثل "إيه إس
إم إل" الهولندية التي تشكل ضرورة أساسية لحفر أشباه الموصلات عبر الطباعة الحجرية فوق البنفسجية، لأنه مثل الولايات المتحدة سمح للقدرات الإنتاجية بالذهاب إلى آسيا، ولعلاج هذا الأمر، اعتمد في أبريل/نيسان حزمة تشريعية لزيادة تصنيع الرقائق من 10% إلى 20% من الإنتاج العالمي بحلول عام 2030 تحت اسم "الاستقلال الإستراتيجي"، وستستثمر في ذلك 100 مليار يورو. وقد أدرجت واشنطن بالفعل الشركات الصينية على القائمة السوداء لعزلها عن
سلاسل توريد التكنولوجيا الأميركية، وتم فرض قيود صارمة لتشديد الصادرات، مما يتطلب من الشركات طلب تصريح من الولايات المتحدة حتى تتمكن من تصدير منتج يحتوي على التكنولوجيا الأميركية، وقد انضمت تايوان واليابان وهولندا إلى هذه المواقف، مما لا يدع مجالا للشك في أن الحرب قد بدأت. تشغيل الفيديو مدة الفيديو 01 minutes 17 seconds01:17 في قلب الحرب في
أوكرانيا وفي هذا السياق، استعرضت الصحيفة -في تقرير آخر بقلم نيللي ديديلو- ما تعنيه أشباه الموصلات في الحروب الحديثة، وفي حرب الروس مع أوكرانيا، من حاجة إلى هذه الرقائق التي تحتاجها الدبابات والمروحيات القتالية، حيث تقوم بتشغيل أنظمة الرؤية
الليلية والتصويب والاتصالات، وليس الجيش الروسي استثناء من القاعدة، فهو يعتمد إلى حد كبير على هذه المكونات الإلكترونية المتطورة التي يتم تصنيعها إلى حد كبير في الدول الغربية. وأحصى تقرير صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة في أغسطس/آب 2022، 450 مكونا أجنبيا في 27 نظاما عسكريا روسيا تم انتشالها
من الجبهة في أوكرانيا، "ومعظمها إلكترونيات دقيقة بسيطة يمكن شراؤها عبر الإنترنت في مجموعة من البلدان، ويقول المؤلفون إن بعضها الآخر سلع خضعت صادراتها منذ فترة طويلة لضوابط تمنع استخدامها لأغراض عسكرية، واليوم بعد غزو أوكرانيا، تم حظر تصدير الغالبية العظمى منها إلى روسيا.
وكان تشديد العقوبات لمنع شحن المكونات الإلكترونية ذات الاستخدام المزدوج إلى موسكو، أحد القرارات الأولى التي اتخذها الغرب بعد 24 فبراير/شباط 2022، لحرمان الصناعة الروسية من
هذه الرقائق التي لا تستطيع إنتاجها بنفسها. وللتحايل على العقوبات والاستمرار في الحصول على أشباه الموصلات، تستخدم روسيا شركاء تجاريين قليلي الحذر، إلا أن الصين، وهي منتج كبير للمكونات المنخفضة الجودة والمستورد الرائد للرقائق على مستوى العالم، تبقى حليفها الرئيسي في هذا المجال، حيث صدرت إليها بكين عام 2022، دوائر مطبوعة بقيمة 179 مليون دولار بدل صادرات بقيمة 74 مليونا في العام السابق. ومع ذلك، فإن الجهات الفاعلة الرئيسية في التهريب ليست الدولة بل القطاع الخاص، ومن الصعب تنظيم سوق أشباه الموصلات لأن عدد المعاملات هائل، ومما يزيد الأمور تعقيدا أن المبيعات تمر عبر تجار الجملة المعروفين، ولكن أيضا من خلال عدد لا يحصى من الشركات الصغيرة التي يمكنها بسهولة الانخراط في عمليات إعادة التصدير غير المشروعة، مثل شركة آغو لتكنولوجيا المعلومات، وهي شركة مقرها في هونغ كونغ، وقد صدرت ما قيمته 17 مليون يورو من أشباه الموصلات إلى روسيا في عام 2022، حسب تحقيق أجرته صحيفة نيكاي.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: أشباه الموصلات ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
هل تهدد الصين التحالف بين ترامب وماسك؟
توقع تقرير لمجلة "نيوزويك" أن تؤدي علاقة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بالصين إلى الإضرار بتحالفه مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وتهدد منصبه المتوقع في الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
ورشح ماسك الذي يترأس شركتي "تيسلا" و"سبيس إكس" لتولي منصب وزير الكفاءة الحكومية، التي أنشأت بالتحالف أيضا مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي .
وقال ترامب في بيان :"سوف يمهد هذان الأمريكيان الرائعان الطريق أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص اللوائح الزائدة، وخفض النفقات الباهظة، وإعادة هيكلة الوكالات الاتحادية".
ويأتي ذلك بعد أن أنفق ماسك، أغنى رجل في العالم، عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات، وكان من أشد مؤيديه طوال الحملة.
ورغم العلاقات الوطيدة، يقول الخبراء إن هناك شيئاً واحداً قد يسبب خلافا بين ماسك وترامب، هو الصين.
وقال نيل توماس، زميل معهد السياسات التابع لجمعية آسيا، إن "ترامب وماسك ربما يختلفان؛ لأن الثاني قد ينتهي به الأمر إلى معارضة السياسات الاقتصادية الصارمة تجاه الصين".
يأتي ذلك بعد أن رشح ترامب اثنين من أبرز المعارضين للصين هما وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، في إشارة إلى نهجه العدائي تجاه العملاق الآسيوي.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وفرض عقوبات على السيارات الكهربائية الصينية التي يتم تصنيعها في المكسيك لتجنب الرسوم الجمركية، فضلاً عن إلغاء المزيد من الامتيازات التجارية المتبقية لبكين، مما قد يؤدي إلى إشعال حرب تجارية مع البلاد.
وقال ترامب في سبتمبر (أيلول):"الرسوم الجمركية هي أعظم شيء تم اختراعه على الإطلاق".
في المقابل، كان ماسك، حريصاً على عدم انتقاد الحزب الشيوعي الصيني، كون شركته تيسلا تمتلك مصنعاً ضخماً في شنغهاي، يقوم بتصنيع السيارات للسوق المحلية الصينية وكذلك في أستراليا ونيوزيلندا.
وقال في برنامج تلفزيوني في عام 2020: "الصين رائعة". كما هنأ الحزب الشيوعي الصيني بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسه، بل وعُرض عليه ذات مرة الإقامة الدائمة في الصين.
وفي الوقت نفسه، عندما طلبت الصين من شركة تسلا إجراء تغييرات على سياراتها في عام 2021، واستدعت أكثر من 285 ألف مركبة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، امتثل ماسك فوراً. كما امتثل ماسك لاستدعاءات سيارات تسلا في الولايات المتحدة.
وعندما أغلقت الصين مصنعًا لشركة تسلا في عام 2022 لمدة 4 أيام، من أجل الامتثال لأمر البقاء في المنزل على مستوى المدينة من الحكومة الصينية، وسط ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، امتثل ماسك بهدوء، على الرغم من التحفظ في مواقف مماثلة في الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، عندما أغلقت كاليفورنيا مصنعًا لشركة تسلا أثناء تفشي فيروس كورونا في ربيع عام 2020، ادعى ماسك أن السلطات الصحية في الولاية كانت "فاشية".
وأعرب ماسك أيضًا عن مخاوفه بشأن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين في الماضي.
وأجاب ماسك عندما سُئل عما إذا كان يشعر بالقلق بشأن "العداء المتزايد" بين الولايات المتحدة والصين، قائلاً: "أعتقد أن هذا يجب أن يكون مصدر قلق للجميع".
وفي وقت سابق من هذا العام، انتقد إدارة بايدن لرفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%.
وقال الملياردير في مؤتمر للتكنولوجيا في باريس: "لم أطلب أنا ولا تسلا هذه الرسوم الجمركية".
وأضاف: "الأشياء التي تمنع حرية التبادل أو تشوه السوق ليست جيدة".
تعليقاً على ذلك، تؤكد المؤرخة الرئاسية بجامعة أكسفورد لورا سميث أن تعيين ماسك قد يكون علامة على "افتقار ترامب إلى سياسة حاسمة" بشأن الصين، وهو ما قد يؤدي إلى الخلاف بين الرجلين.
وتابعت: "إذا نظرنا إلى إدارة ترامب الأولى، فمن الواضح أن العديد من أعضاء طاقمه كانوا يختلفون معه بسبب ولائهم الشخصي، وليس بسبب القضايا السياسية الجوهرية. وربما كان هذا انعكاسًا لافتقار ترامب للخبرة السياسية في ذلك الوقت، الأمر الذي جعله أقل التزامًا بالسياسات الحاسمة".
"كيسنغر جديد"ولكن في حين أن هناك احتمالا ًلحدوث خلاف بين الرئيس التنفيذي لشركة تسلا والرئيس المنتخب، فإن سميث وتوماس اتفقا على أن ماسك قد ينتهي به الأمر إلى تشكيل سياسات ترامب تجاه الصين، ما يساعد في إدارة العلاقات بين الدولتين.
وقالت سميث: "الآن بعد أن أصبح ترامب وماسك قريبين للغاية، يبدو أن ترامب يريد بقاءه إلى جانبه بالنظر إلى الثروة من الموارد التي يمتلكها ماسك لتشويه سمعة خصمه".
وأشارت إلى أن ترامب في نهاية المطاف "رجل أعمال يحترم نجاح ماسك"، وبالتالي فإن "علاقتهما الوثيقة قد تؤدي إلى أن يصبح الرئيس القادم أكثر استهدافًا في سياسته تجاه الصين ويختلف مع صقور الأمن في فريق السياسة الخارجية".
ويعتقد آخرون أن ماسك قد يكون بمثابة كيسنجر الجديد في الصين، حيث يساعد في التوسط في صفقة بين واشنطن وبكين.
ويُنسب إلى الدبلوماسي الأمريكي هنري كيسنغر، الذي توفي عام 2023، الفضل في تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بعد زيارته التاريخية لبكين في يوليو 1971.