الجزيرة:
2024-09-07@08:54:28 GMT

انقلاب الغابون.. الأسباب والمآلات

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

انقلاب الغابون.. الأسباب والمآلات

من الواضح أن الانقلاب الأخير الذي شهدته الغابون (وسط أفريقيا) لم يكن مفاجئًا إلا من حيث توقيته، إذ إن معظم المؤشرات الداخلية في البلاد تشير إلى تراجع شرعية الرئيس المخلوع علي بونغو، منذ توليه حكم البلاد عام 2009 خلفًا لوالده عمر بونغو الذي تولى زمام الأمور منذ 1967. أخفقت جميع الوسائل السلمية في التغيير عبر صندوق الانتخابات، والجولات الانتخابية الثلاث التي خاضها بونغو الابن ترافقت مع تصفية جسدية وسياسية (اعتقالات) لخصومه ومعارضيه.

ورغم أن انتخابات 2016، التي فاز فيها من الجولة الأولى بنسبة تقارب الـ49% (قبل تعديل قانون الانتخابات بعدها ليُشترط حصول المرشح الفائز على أكثر من 50% أو دخوله دور إعادة)، فإنها كانت مواتية لحدوث تدخل عسكري للإطاحة به، خصوصًا بعد تأجيل انتخابات الجمعية الوطنية التي يسيطر عليها هي ومجلس الشيوخ عبر حزب الغابون الديمقراطي الحاكم. ومع ذلك، لم يحدث هذا نظرًا لسيطرته المطلقة على مقاليد الأمور بوسائل متعددة، مما ضمن له السيطرة الكاملة على الأحداث في البلاد.

أسباب الانقلاب

بموجب الدستور الغابوني الرئيس هو رئيس السلطة التنفيذية ويعين رئيس الحكومة، كما أنه يهيمن على السلطة القضائية من خلال تعيين القضاة، بالإضافة إلى تعيين 3 من قضاة المحكمة الدستورية، في حين يعين مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، اللذان يخضعان لهيمنة حزبه، 4 من أعضائها. هذه الهيمنة على المؤسسات والأجهزة السيادية جعلته يستغلها لتمرير ما يشاء من قوانين وتشريعات عبر آلة إعلامية تخضع له تمامًا. لذلك، لا غرابة في أن ترفض المحكمة الدستورية -التي يرأسها أحد المقربين منه- إرسال بعثة مراقبة من الاتحاد الأفريقي لإعادة فرز أصوات الانتخابات الرئاسية لعام 2016 بعد طعن المعارضة فيها. والمفارقة هي أن أصوات الرئيس زادت بعد الفرز بنسبة تزيد على 1%.

قبيل الانتخابات الأخيرة لعام 2023، سعى بونغو إلى الإطاحة بخصومه باستخدام قوانين انتقائية. ففي عام 2021، اقترحت الحكومة قانونًا جديدًا يلزم المرشحين للرئاسة بالعيش في البلاد لمدة 6 أشهر على الأقل قبل عامين من موعد الانتخابات. وتم تفسير هذا القانون في حينه بأنه استهدف أفرادًا من عائلته الذين يقيمون في الخارج والذين قد يرغبون في الترشح ضده. أجرى أيضًا استفتاء في أبريل/نيسان الماضي للسماح له بالترشح لفترات رئاسية متعددة من دون حد أقصى، مع تقليص مدة الرئاسة من 7 سنوات إلى 5 سنوات فقط.

انسداد الأفق السياسي جعل البلاد تُصنف، وفقًا لتقرير "بيت الحرية" (Freedom House) لهذا العام، على أنها من الدول التي لا تتمتع بالحرية، سواءً في ما يتعلق بالحقوق السياسية (2/40) أو الحريات المدنية (18/60).

هذه الممارسات القانونية والعملية، التي تتضمن قمع المعارضة والخصوم من خلال حظر التجمعات وتحميل المنظمين المسؤولية الجنائية عن أي عنف يحدث خلالها، تزامنت مع ممارسات فاسدة من قبل عائلة بونغو. وقد كشفت وثائق "باندورا" لعام 2021، التي تُعنى بكشف الفساد في النظام المالي العالمي، عن تورطه وعدد من أبنائه، مثل نور الدين الذي يُعتقل حاليًا من قِبل سلطات الانقلاب، وبعض أشقائه في قضايا فساد واختلاس. بل إن السلطات الفرنسية وجهت في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2020 تهمًا بالاختلاس لـ9 من أفراد العائلة. ولا يتناسب الثراء الفاحش لهذا البلد النفطي، المصنف وفقًا لتقارير البنك الدولي لهذا العام بأنه من بين الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى، مع عدالة التوزيع على المواطنين، إذ بلغت نسبة البطالة 21%، ولا يزيد متوسط دخل الفرد اليومي على 2.5 دولار، وهو معدل أعلى قليلا من المعدل العالمي الذي يبلغ دولارين.

علاقات متأرجحة مع فرنسا

تزامنت هذه الأوضاع الداخلية مع علاقة يشوبها المد والجزر مع فرنسا، الدولة المستعمرة الأم. ورغم حرص بونغو على توطيد هذه العلاقة، وحرص باريس من جهتها على عدم فقدان حليف، فإن استمرار الحديث داخل الأوساط الفرنسية عن تهم الاختلاس الموجهة لعائلة بونغو، والانتقادات الموجهة لماكرون بشأن دعم هذه النظم الاستبدادية، دفع بونغو إلى التوجه نحو لندن ومحاولة الانضمام للكومنولث البريطاني العام الماضي. وقد يفسر هذا تحفظ باريس وعدم تفاعلها بشكل قوي مع الانقلاب الذي وقع ضده، خلافًا لموقفها من انقلاب النيجر. بل إن الإليزيه صرح بأن ما يحدث في الغابون هو شأن داخلي، مما يعني أن باريس لن تتدخل عسكريًا.

كل ما سبق شكّل بيئة خصبة لنشوء رغبة قوية في التغيير، سواء من قبل النخبة السياسية التي طعنت في نتائج الانتخابات الأخيرة أو من قبل المواطن البسيط الذي يتطلع إلى بديل يمكنه من تحسين ظروفه المعيشية واستعادة جزء من ثروته المنهوبة لصالح عائلة بونغو التي حكمت البلاد لأكثر من 6 عقود. واستغل العسكر هذه الظروف، بقيادة قائد الحرس الجمهوري، للإطاحة بالرئيس من دون مواجهة مقاومة مدنية أو شعبية قوية. وهذا يشير إلى أن المواطن الأفريقي، في الأساس، يبحث عن تلبية احتياجاته المعيشية قبل الاهتمام بالشؤون السياسية، إذا اعتبرنا أن السياسة أو الديمقراطية ليست أولوية لمن يعيش في ظروف معيشية صعبة، وبالتالي، قد يتقبل النظام الاستبدادي إذا ما قدم له الحد الأدنى من متطلباته الأساسية. يُمكن الإشارة هنا إلى نموذج بول كاجامي في رواندا، فرغم أنه يحكم البلاد وفق نظام استبدادي منذ عام 1994، فقد حققت رواندا تقدما اقتصاديا ملحوظا، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي نحو 10% في السنوات الأخيرة.

مآلات الانقلاب

من الواضح، حتى كتابة هذه السطور، أن الأوضاع تسير في صالح الانقلابيين إلى حدٍ كبير. لا سيما في ظل الترحيب الداخلي من جهة، واكتفاء المجتمع الدولي "بالإدانة" من جهة أخرى، وعدم وجود رغبة من الدول الأفريقية في التدخل، سواء من قبل الاتحاد الأفريقي، الذي اكتفى في حالات مماثلة بتعليق عضوية البلاد في مؤسساته حتى إجراء انتخابات ديمقراطية حتى لو أتت بقادة الانقلاب وهم بزي مدني، أو من قبل المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكواس) التي منوط بها، وفقا لقوانينها، التدخل لاستعادة النظم المنتخبة ورفض قيام العسكر بالإطاحة بهذه النظم.

هذا الرفض من قبل إيكواس يعود تحديدًا إلى اعتبارات عدة، من بينها أن كثيرًا من الدول الأعضاء فيها إما أن تحكمها قيادات ذات خلفيات عسكرية انتقلت إلى الحكم عبر انقلابات، كما هي الحال في غينيا الاستوائية والكونغو برازفيل وتشاد. وهناك دول تعاني أوضاعا أمنية سيئة، مثل الكونغو الديمقراطية وأفريقيا الوسطى وغيرهما. ولذلك، انعكست هذه الوضعية على قرارها بالتدخل، الذي اتخذته منذ نحو 10 سنوات في أفريقيا الوسطى لحفظ السلام هناك. ومع ذلك، اضطرت للانسحاب لاحقًا، وتولى الاتحاد الأفريقي بالتعاون مع الأمم المتحدة المهمة في تلك المنطقة.

من المفارقات أن مقر قيادة إيكواس يقع حاليا في الغابون، وهو ما يجعل من الصعب عقد اجتماعات أو اتخاذ قرارات فاعلة، مثل فرض عقوبات اقتصادية ضد الانقلابيين، على نمط ما قامت به إيكواس في النيجر.

وبالتالي، فإن السيناريو المتوقع في الغابون هو استمرار قادة الانقلاب لفترة انتقالية يقومون بعدها بإجراء انتخابات يتولى بموجبها القائد الحالي أو أي شخص آخر يتم التوافق عليه داخل النخبة العسكرية مقاليد الأمور في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. والسؤال المطروح: هل سيلبي هؤلاء العسكر تطلعات المواطن، أم سيكونون وبيلا جديدا عليه على غرار آل بونغو؟

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من قبل

إقرأ أيضاً:

الجزائريون يستعدون للتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم

يستعد الجزائريون، السبت، لاختيار رئيس جديد للبلاد بعد ثلاثة أسابيع من الدعاية الانتخابية، فيما بدأت التصويت في الخارج مبكرا.

ويتنافس في الانتخابات كل من الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون، ورئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي) عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية (أقدم حزب معارض) يوسف أوشيش.

وقالت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، الثلاثاء، الماضي: لا يمكن، مهما كانت الوسيلة، القيام بدعاية انتخابية خارج الفترة المحددة من 14 أغسطس/ آب الماضي إلى 3 سبتمبر/ أيلول الجاري، بموجب المادة 74 من قانون الانتخابات.



وأضافت أن المادة 81 أيضا تنص صراحة على أنه "يُمنع نشر وبث سبر الآراء واستطلاع نوايا الناخبين قبل اثنتين وسبعين (72) ساعة من تاريخ الاقتراع على التراب الوطني، أي من الأربعاء 4 سبتمبر 2024".

وفي اليوم الأخيرة للحملة، اختار المرشحون الثلاثة الجزائر العاصمة، لعقد آخر تجمعاتهم.

والتقى تبون، المدعوم من ائتلاف حزبي بقيادة جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا، آلافا من مؤيديه في قاعة رياضية بملعب " 5 يوليو" الأولمبي في العاصمة.

ونال الشق الاقتصادي والاجتماعي النصيب الأكبر من حديث تبون خلال هذا التجمع.

ووعد بأن الناتج الداخلي الإجمالي للبلاد سيبلغ 400 مليار دولار (266 مليار حاليا) خلال العامين المقبلين، فضلا عن استحداث 450 ألف وظيفة و20 ألف مشروع استثماري.

وخلال الحملة الانتخابية، نظم تبون 4 تجمعات فقط في قسنطينة ووهران وجانت وانتهى بتجمع العاصمة، بينما تولى الائتلاف الحزبي الداعم له تنظيم تجمعات ولقاءات في أنحاء البلاد.

فيما نظم حساني، مرشح حركة مجتمع السلم (إسلامي)، تجمعا بالقاعة الرياضية حرشة حسان وسط العاصمة، وتعهد حال فوزه بتشكيل حكومة توافق وطني "تضم جميع التيارات ولا تقصي أحدا".

كما وعد حساني بإلغاء قوانين قال إنها "تقيد الحريات" و"لا تتوافق مع دستور البلاد"، وإصلاح المنظومة التربوية والبنكية، وإطلاق مشاريع كبرى لإعمار الصحراء الشاسعة.

أما تجمع أنصار المرشح الثالث، أوشيش، فعُقد في قاعة بحي باب الواد الشعبي وسط العاصمة، وقال خلاله إن "التغيير الذي يتطلع إليه الشعب لن يتأتى إلا عبر التصويت".

وفي ظل غياب مؤسسات مختصة بإجراء استطلاعات للرأي في الجزائر، يتوقع معظم المراقبين فوز تبون بولاية ثانية مدتها خمس سنوات.

والاثنين، بدأ الناخبون الجزائريون خارج البلاد، ويفوق عددهم 865 ألف مسجل، التصويت في الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة بالداخل في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري.

ويوجد 24 مليونا و351 ألفا و551 ناخبا مسجلا في القوائم الانتخابية، منهم 23 مليونا و486 ألفا و61 داخل البلاد، وفق سلطة الانتخابات.

مقالات مشابهة

  • الجزائر.. انطلاق الانتخابات الرئاسية في أنحاء البلاد
  • عاجل - نائب الرئيس الامريكي الأسبق: صوتي لـ "هاريس" في الإنتخابات المقبلة
  • مسؤول استخباراتي أمريكي كبير: إيران أكثر نشاطا من السابق وكثفت جهودها للتأثير على الانتخابات في البلاد
  • الجزائريون يستعدون للتوجه غدا إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد
  • الجزائريون يستعدون للتوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم
  • ماكرون يكلف ميشال بارنييه تشكيل الحكومة المقبلة
  • هشم سيارة وعطل المرور.. انقلاب ونش رفع أثاث منزلي بشارع احمد ماهر بالمنصورة
  • نقابة الصَّحفيين السُّودانيين تنعي المصور التلفزيوني حاتم مأمون الذي مات متأثراً بإصابته في حادث المسيرة التي استهدفت منطقة “جبيت” العسكرية
  • ثلاثة يتنافسون على الرئاسة.. صمت انتخابي في الجزائر قبل اقتراع السبت
  • خفايا الحرب المبكرة ضد السوداني.. تلميحات الى انقلاب ابيض قبل الانتخابات - عاجل