عربي21:
2025-03-04@17:26:58 GMT

حلب في قلب المشهد السوري من جديد

تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT

يبدو المشهد السوري اليوم على عتبة تصعيدٍ جديد لكسر حالة الجمود وعدم اليقين الذي تعيشه البلاد منذ انحسار الأعمال القتالية في نهاية 2018، خصوصاً بعد فشل محاولات الانفتاح على نظام الأسد من قبل تركيا ثم السعودية والجامعة العربية.

تتزايد القناعات بكون الأسد ليس شريكاً ممكناً في الحل السياسي السوري، إذ يرفض النظام حتى الآن معظم المطالب الدولية والإقليمية من أجل تحقيق انسياب سياسي يساهم في تجاوز عتبة اللا يقين.

خمس سنوات منذ العام 2018 قد تكون أكثر من كافية لاختبار الإرادات السياسية، وهو ما يبدو أن نظام الأسد قد فشل فيه، حيث أضاع الفرصة مرتين على الأقل، الأولى مع تركيا، والثانية مع السعودية والجامعة العربية.

فالنظام يتطلع لعلاقات ذات طابع عصابي تعمل بنظام الأتاوة، كتلك التي نسجها مع الإمارات العربية المتحدة، حيث قدمت أبو ظبي دفعات من العملة الصعبة للنظام السوري في ضوء تطور العلاقة بين الطرفين، والتي كانت في إطار مقايضة الكبتاغون. ويبدو أن النظام وحلفاءه على الأرض يفضلون هذا الشكل العلائقي في ظل وجود 5 قوى خارجية على الأرض السورية، وعقوبات دولية على النظام وحليفه الإيراني، قد تجعل من أي علاقات في إطار تقليدي غير ذات جدوى في المدى القريب؛ لغياب الإجماع الدولي حولها.

تتزايد القناعات بكون الأسد ليس شريكاً ممكناً في الحل السياسي السوري، إذ يرفض النظام حتى الآن معظم المطالب الدولية والإقليمية من أجل تحقيق انسياب سياسي يساهم في تجاوز عتبة اللا يقين. خمس سنوات منذ العام 2018 قد تكون أكثر من كافية لاختبار الإرادات السياسية، وهو ما يبدو أن نظام الأسد قد فشل فيه
لو قمنا بتحليل مشهد القوى الخارجية في سوريا، فسنجد أنها قوى لا تمارس وضعاً مستداماً، ويخضع سلوكها للقلق منذ2018. فتركيا التي أنشأت 3 مناطق سيطرة في الشمال، لم تُنهِ التهديد الكردي لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تمارس ما يشبه إدارة ذاتية في مناطقها. كما أن هذه المناطق ليست كافية لعودة اللاجئين السوريين، رغم الاستثمار التركي الكبير في تلك المناطق في تأهيل بناها التحتية. فقد فشلت محاولات أنقرة المستمرة لما تسميه "العودة الآمنة والطوعية" للاجئين بسبب عدم وجود مكان مؤهل اقتصادياً وخدمياً، فضلاً عن كونه آمناً. فقد دأب النظام وحليفه الروسي على قصف هدف مدني عشوائي في سوق تجاري أو ما شابهه في مناطق المعارضة مع تصاعد الحديث التركي عن العودة الآمنة، بهدف إحراج أنقرة.

من جانب آخر، نجد الولايات المتحدة وإسرائيل لا تزالان في جهود حثيثة لإدارة النشاط الإيراني في سوريا، حيث باتت الغارات الإسرائيلية على أهداف إيرانية، خاصة في محيط مطاري دمشق وحلب، الانعكاس الأوضح لحالة القلق من تعاظم دور إيران في سوريا إلى حدود مخلة بالمعادلة الأمنية لإسرائيل.

أما علاقة روسيا والولايات المتحدة في سوريا فتبدو الأشد حذراً، إذ لم يتقدم الغرب حتى الآن باتجاه شيطنة روسيا في سوريا كظلال للحرب الأوكرانية، رغم امتلاكه أدوات ذلك. إذ يحسب الغرب حساباً لردة فعل روسية مشابهة في البلقان، حيث يتأهب حلفاء موسكو الصرب لفرص مواتية لتعديل خريطة البلقان التي فرضها المجتمع الدولي في أعقاب تدخل الناتو في كوسوفو عام 1999. ومعروف أن أولى تداعيات اضطراب البلقان هو تدفق موجات من اللاجئين باتجاه وسط وغرب أوروبا.

ويبدو نظام الأسد أكثر القلقين، حيث يتكشف مع الوقت أن لحظة "انتصاره" في الصراع الدموي على المعارضة قد تكون أخطر تحدياته. فمنذ 2018 انهارت العملة السورية، حيث وصل سعر صرف الدولار بالليرة السورية إلى 15000 ليرة في آب/ أغسطس 2023، بينما كان بقيمة 450 ليرة للدولار الواحد في 2018. واكتشفت الحواضن الاجتماعية لأطراف الصراع داخل سوريا أن اقتصاد الحرب، بكل ما في الحرب من مآسٍ، كان كفيلاً باستمرار تدفق الدعم الخارجي لأطراف الصراع الذي كان ينعكس بشكل أو بآخر على دورة الاقتصاد. كما أن حلفاء حرب النظام اليوم ينتظرون مكافأتهم التي يعجز النظام عن تقديمها سوى من قراره السياسي. فإيران تسجل ديوناً بعشرات المليارات على النظام، وتستمر بابتزازه من أجل انتزاع تنازلات سيادية في البلاد، حيث يُشار لدور إيران في إفشال استجابة النظام لمبادرات الانفتاح السياسي الإقليمية.

مشروع تركيا في حلب ليس بالتعقيد الذي قد نتخيله، ففي حال اختارت أنقرة مسارات خشنة لذلك، فهي مسألة قد تحتاج تفاهماً مع روسيا فقط، التي ترغب بدورها في تقليم أظفار التوسع الإيراني في سوريا. وقد يكون هذا في إطار مقايضات ما تبحث موسكو اليوم عن الكثير منها في ضوء أزمتها مع الغرب في أوكرانيا. وما قد يدعم هذا المشروع هو مقايضة في جانب آخر يبدو أن تركيا اليوم تقدمها للولايات المتحدة عبر تعاون في المهمة المحتملة ضد الوجود الإيراني عند الحدود العراقية السورية
أمام هذا المشهد، فإن التفكير في دفع الجمود ولو عسكرياً، لا يبدو أمراً مستبعداً. وهذا ما بدأت بعض ملامحه في التحرك الأمريكي في قاعدة التنف الحدودية مع العراق، حيث بدأت الولايات المتحدة بالتعاون مع تركيا في نقل مئات من مقاتلي المعارضة السورية وتدريبهم على أعمال قتالية في مهمة لم يُفصح عنها، لكن يُرجّح أنها بهدف السيطرة على الحدود العراقية السورية، وقطع طريق التزود البري لمليشيات إيران في سوريا.

أما في الشمال السوري، فإن مدينة حلب مرشحة لأن تكون في قلب المشهد من جديد. فتركيا تتطلع إلى حلب كحل شبه وحيد لمشكلة اللاجئين السوريين، وقد كانت المدينة الاقتصادية الأكبر في سوريا محور المقترحات التركية مع الجانب السوري. فتركيا تأمل بإعادة تأهيل البنى التحتية للمدينة، وتطويرها كمركز جذب اقتصادي، وتوظيفها كمركز أعمال سوري قادر على استيعاب وجذب اللاجئين السوريين في تركيا. إلا أن النظام أفشل هذه المقترحات رغم فائدتها على اقتصاده المنهار، والسبب، فيما يبدو، معارضة إيران. إذ أن وظيفة حلب الجديدة ستقلص من سيطرة القوى المدعومة إيرانياً على المدينة، كما أن نظام الأسد يرغب بتعميق أزمات تركيا الداخلية، ويعتبر اللاجئين مشكلة تركية بحتة.

لا يبدو أن تركيا ستتوقف عن التطلع باتجاه حلب، بالجزرة أو بالعصا، إذ تُطرح أفكار تركية من قبيل إدارة أممية للمدينة، ولكن هذه الأفكار لا تستبعد خيار القوة العسكرية والسيطرة المباشرة، وفق ما عبر عنه السياسي التركي ياسين أقطاي في مقاله في الجزيرة نت يوم 31 آب/ أغسطس 2023. وأقطاي، كما هو معروف، شخصية تعمل قريباً من دوائر صنع القرار التركي. وكلامه قد يعكس بالضرورة ما يدور من أفكار داخلها. كما أن تحرك مجموعات قتالية لحزب الله من دمشق وريف حمص إلى حلب مؤشر هو الآخر على جديةً التصعيد المحتمل.

إن مشروع تركيا في حلب ليس بالتعقيد الذي قد نتخيله، ففي حال اختارت أنقرة مسارات خشنة لذلك، فهي مسألة قد تحتاج تفاهماً مع روسيا فقط، التي ترغب بدورها في تقليم أظفار التوسع الإيراني في سوريا. وقد يكون هذا في إطار مقايضات ما تبحث موسكو اليوم عن الكثير منها في ضوء أزمتها مع الغرب في أوكرانيا. وما قد يدعم هذا المشروع هو مقايضة في جانب آخر يبدو أن تركيا اليوم تقدمها للولايات المتحدة عبر تعاون في المهمة المحتملة ضد الوجود الإيراني عند الحدود العراقية السورية. فتركيا تريد من واشنطن إضافة لضوئها الأخضر على المشروع، أن تغض الطرف عن إنهاء الكانتون الكردي شمال حلب الذي سيكون استحقاقاً طبيعياً لمثل هذه العملية.

يبدو المشهد السوري ماضياً إلى مرحلة جديدة بعد خمس سنوات خاوية من أي تطورات غير ازدياد الفقر وتعمق التفتت الاجتماعي بين معظم شرائح الشعب على امتداد مناطق سيطرة الأسد وحلفائه. وقد تدفع هذه الأجواء الساخنة إلى انفراجات سلمية ملموسة بالقدر الذي قد تدفع فيه تصعيداً عسكرياً، إذ سيرغب النظام وحليفه الإيراني بإبداء مرونة من أجل تجنب الأسوأ
بالتزامن مع هذه التطورات، فإن حركة الاحتجاج في السويداء ودرعا واستمرارها قد ترتبط هي الأخرى، إضافة إلى محفزاتها الموضوعية اجتماعياً واقتصادياً، بإعادة تشكل إرادات إقليمية ترغب بالضغط على نظام الأسد، خاصة مع برود مسار الانفتاح العربي الأخير على نظام الأسد بسبب فشل مبادرة "خطوة مقابل خطوة" في تحقيق تقدم، خاصة ما يتعلق بتجارة الكبتاغون.

والسؤال الأهم، ما هي إمكانية مثل هذا السيناريو، الذي يستهدف إيران في الشرق والشمال والجنوب في وقت واحد؟ الجواب هو في سؤال آخر: من هم خصوم مثل هذا التصعيد ضد إيران؟ الجواب: لا أحد، وربما بمن فيهم النظام نفسه، الذي يرى أنه فاقد للسيطرة على قراره السياسي، وسيرغب بالتحرر من الابتزاز الإيراني على ما تبقى من سيادته، خاصةً أن إيران لا تبدو أنها تمتلك بديلاً أفضل للنظام.

تحت هذه الغيوم الملبدة، يبدو المشهد السوري ماضياً إلى مرحلة جديدة بعد خمس سنوات خاوية من أي تطورات غير ازدياد الفقر وتعمق التفتت الاجتماعي بين معظم شرائح الشعب على امتداد مناطق سيطرة الأسد وحلفائه. وقد تدفع هذه الأجواء الساخنة إلى انفراجات سلمية ملموسة بالقدر الذي قد تدفع فيه تصعيداً عسكرياً، إذ سيرغب النظام وحليفه الإيراني بإبداء مرونة من أجل تجنب الأسوأ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد تركيا سوريا حلب سوريا الأسد تركيا حلب مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نظام الأسد خمس سنوات فی سوریا إیران فی قد تدفع الذی قد یبدو أن فی إطار من أجل کما أن

إقرأ أيضاً:

وثائق مسربة.. هكذا اخترقت مخابرات الأسد المعارضة قبل ردع العدوان

كشفت وثائق استخبارية مسربة حصلت عليها وكالة "سند" للتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة من داخل فرع المخابرات العسكرية في حلب عن نجاح النظام السوري المخلوع في اختراق واسع النطاق لفصائل المعارضة المسلحة، بما فيها هيئة تحرير الشام والفصائل المدعومة من تركيا، قبل اندلاع معركة "ردع العدوان" في ريف حلب الغربي نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وأظهرت الوثائق، التي يعود تاريخها إلى أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024، أن المخابرات السورية كانت على علم مسبق بالهجوم، حيث رصدت تحركات الفصائل والجيش التركي بدقة متناهية ضمن مناطق سيطرة المعارضة، وهذا يثير تساؤلات عن عمق هذا الاختراق وآلياته.

وتضمنت الوثائق بيانات ميدانية مفصلة، فشملت تقارير عن تحركات الأرتال العسكرية، وتحديد مساراتها اليومية، وتسجيل اجتماعات قيادات الفصائل المعارضة داخل معاقلها في الشمال السوري، إضافة إلى نشاطات لوجستية وتقنية متعلقة بالاتصالات والتنسيق العسكري بين الفصائل.

وأظهرت أن المخابرات السورية امتد اختراقها إلى الهياكل التنظيمية والعسكرية داخل مناطق المعارضة، ما يثير تساؤلات عن مدى قدرة النظام السوري على اختراق العمق العسكري لمناطق المعارضة، وأي وسائل استخبارية استخدمها للوصول إلى هذه المعلومات بالغة الدقة.

خريطة استخباراتية توثق أبرز النقاط الساخنة والتحركات العسكرية على جبهات حلب وإدلب بتاريخ ٢٣ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٢٤ (الجزيرة) تحركات الجيش التركي

تشير الوثائق المسربة إلى أن المخابرات السورية لم تكتفِ برصد الفصائل المعارضة، بل تابعت تحركات الجيش التركي يوميا، داخل مناطق المعارضة، حيث تمكنت من رصد تنقلات الدبابات والمدرعات والمدفعية الميدانية، إضافةً إلى تحرّكات المقاتلين المرافقين للقوافل التركية.

إعلان

ولم تقتصر المعلومات على تحديد نقاط انطلاق الأرتال، بل شملت أيضا وجهاتها النهائية، ما يشير إلى وجود شبكة مراقبة متقدمة قادرة على تتبع الأرتال من لحظة تحركها حتى وصولها.

ويكشف التحليل الميداني لهذه التحركات أن شبكة المراقبة لم تكن محصورة في نقاط جغرافية محددة، بل امتدت لتشمل مناطق واسعة في ريف حلب الغربي مثل: الأتارب في الوسط، ودارة عزة في الشمال، والجينة في الجنوب إضافة إلى القواعد العسكرية التركية المنتشرة في هذه المناطق.

واللافت في الأمر، أن دقة المعلومات الواردة في التسريبات تعكس آلية رصد متطورة لم تقتصر على الاستطلاع البصري، بل تجاوزته إلى ما يبدو أنه شبكة استخبارية قادرة على نقل معلومات ميدانية متكاملة.

تقرير استخباراتي يرصد تحركات الأرتال العسكرية التركية والفصائل المتحالفة في ريف حلب الغربي بدقة (الجزيرة) تحليل الاختراق الأمني

لفهم طبيعة هذا الاختراق، حللنا البيانات الواردة في التسريبات عبر تتبع المسارات اللوجيستية التي استخدمها الجيش التركي والفصائل المتحالفة معه، وأظهرت الخريطة، التي أُعدت بناءً على هذه المعلومات، أن غالبية التحركات العسكرية تتبع محاور لوجيستية ثابتة تمتد من الشمال إلى الجنوب، وتعبر عدة قرى ومناطق إستراتيجية على طول مسارها، مما يشير إلى نمط تحرك مدروس ومنظم يتكرر عبر الطرق نفسها.

خريطة مستمدة من وثائق الأمن العسكري للطرق اللوجيستية للأرتال التركية المرصودة من المخابرات السورية (الجزيرة)

اعتمدت عملية التحليل على 3 عوامل رئيسية:

الأول، تحديد خطوط الرؤية المباشرة من مواقع النظام السوري:

حيث تبيّن أن بعض الأرتال، خاصة في المناطق الجنوبية، يمكن مراقبتها باستخدام المناظير، ما يسمح برصد تحركاتها أثناء عبورها في المساحات المفتوحة، أما في شمال الريف الغربي، فإن التضاريس الوعرة والتلال المرتفعة تحدّ من إمكانية الرصد البصري المباشر، مما يجعل تتبع هذه التحركات أكثر صعوبة.

في المقابل، تتركز القواعد العسكرية التركية في مواقع مرتفعة يصعب مراقبتها تقنيا من مواقع النظام، وهو ما يعزز فرضية وجود شبكة مخبرين تعمل داخل مناطق سيطرة المعارضة، وتنقل المعلومات مباشرة إلى أجهزة الأمن السورية.

إعلان العامل الثاني، تحليل المسافة بين نقاط انطلاق الأرتال ونقاط تمركزها:

سمح ذلك بتحديد الطرق الأكثر ملاءمة لوجيستيا لهذه القوافل العسكرية. نظرا لأن هذه التحركات تشمل معدات ثقيلة مثل الدبابات والمدافع الميدانية، فإن اختيار الطرق المناسبة ضروري لضمان تنقل سلس، ما جعل بعض المسارات أكثر تفضيلا من غيرها.

واللافت أن المخابرات السورية لم تكن تكتفي برصد نقطة انطلاق القوافل فقط، بل امتلكت القدرة على تتبع مسارها حتى وجهتها الأخيرة، ما يشير إلى أن مصادرها الاستخبارية لم تقتصر على نقاط مراقبة ثابتة، بل شملت أيضا مخبرين منتشرين على طول خطوط النقل اللوجيستي.

العامل الثالث، تتبع نقاط تقاطع الخطوط اللوجيستية:

حيث أظهر تحليل البيانات أن العديد من مسارات الأرتال تتداخل عند محاور إستراتيجية، ما يكشف عن مدى تعقيد العملية الاستخبارية التي نفذها النظام السوري.

ومن أهم هذه المحاور، برزت مدينة الأتارب كنقطة تقاطع رئيسة لجميع الخطوط اللوجيستية للقوات التركية والفصائل المتحالفة معها، وهذا يعكس أهميتها الإستراتيجية كحلقة وصل رئيسة بين القواعد العسكرية التركية في ريف حلب الغربي والجبهات القتالية.

ويشير التحليل الميداني لهذه البيانات إلى أن النظام السوري لم يكن يعتمد فقط على المراقبة التقليدية، بل يبدو أنه استفاد من شبكة استخبارية واسعة داخل مناطق المعارضة، تمكنت من رصد وتتبع النشاطات العسكرية في ريف حلب الغربي.

ورغم أنه لا يمكن التحقق المستقل من دقة المعلومات الواردة في التسريبات في هذه المرحلة، فإن تحليل المسارات والتقاطعات اللوجيستية يشير إلى أن آلية الرصد الاستخباري كانت تعمل وفق نمط منظم ومتواصل، ما يعزز فرضية وجود اختراق أمني فعلي داخل مناطق المعارضة.

عناوين أقسام تقرير استخباري أسبوعي يرصد تحركات الجيش التركي وفصائل المعارضة في حلب (الجزيرة) هيئة تحرير الشام تحت المراقبة

امتدت عمليات الرصد إلى هيئة تحرير الشام، الفصيل الأبرز في الشمال السوري آنذاك، حيث أظهرت الوثائق أن نشاط الاستخبارات السورية للنظام المخلوع شمل مراقبة دقيقة لتحركات وتخطيطات الهيئة داخل معاقلها في ريف حلب الغربي، إذ وُثقت اجتماعات مغلقة، تجهيز مستودعات ذخيرة، وتنسيق عمليات عسكرية في مناطق حيوية.

ففي خلال أسبوع واحد فقط في بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2024، رصدت المخابرات السورية أنشطة للهيئة في ما لا يقل عن 12 موقعا مختلفا في ريف حلب الغربي.

إعلان

ولم يقتصر الأمر على تتبع التحركات العسكرية، بل امتد ليشمل مراقبة عمليات التجنيد، والتدريب، وتوزيع الذخائر، وحتى التجهيزات الإلكترونية داخل مقرات هيئة تحرير الشام.

على سبيل المثال، وثّقت التقارير تسليم أجهزة تشويش لمقاتلي تحرير الشام في المنطقة، إضافةً إلى تفاصيل عن تجهيز طائرات مسيّرة واختبار أنظمة توجيه في أحد المواقع، كما رُصدت عمليات ضبط الإعدادات والـ"آي بي" (IP) لأجهزة الإشارة واللينكات المستخدمة ضمن محاور القتال.

وجاءت إحدى الفقرات البارزة في الوثيقة تحت عنوان "تحضيرات للمسلحين للقيام بعمل هجومي ضد قواتنا في ريف حلب الغربي"، حيث تناول التقرير استعدادات هيئة تحرير الشام لشن هجوم على مواقع جيش النظام السابق، متضمنا تفاصيل عن التنسيق العسكري بين الفصائل والتجهيزات الميدانية اللازمة.

وبالنظر إلى أن الوثيقة كُتبت قبل أسبوعين فقط من اندلاع معركة "ردع العدوان"، فإن ذلك يشير بوضوح إلى أن المخابرات السورية كانت على دراية مسبقة باستعدادات المعارضة لهجوم عسكري واسع.

جزء من وثيقة بعنوان "تحضيرات للمسلحين للهجوم على قواتنا في ريف حلب الغربي" (الجزيرة) اجتماع غازي عنتاب

برز في أحد التقارير رصد المخابرات السورية لاجتماع سري عُقد في مدينة غازي عنتاب التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2024، بحضور ضباط من الاستخبارات التركية وقيادات من الجيش الوطني السوري وهيئة تحرير الشام.

وبحسب التقرير، فقد أبلغت الفصائل المدعومة من تركيا المسؤولين الأتراك بنيّتها خوض معركة ضد جيش النظام، لكن الجانب التركي أوضح أنه لن يقدم دعما عسكريا أو لوجيستيا لهذا الهجوم، ولن يتدخل لمساندة الفصائل في المواجهة القادمة. وقد أثار هذا الموقف حالة من الترقب والتوتر داخل أوساط الفصائل، التي كانت تعوّل على دور أنقرة في دعم المعركة، بحسب التقرير.

وثيقة تعود لأسبوعين تقريبا قبل "ردع العدوان" تظهر عِلم استخبارات النظام بتحضيرات فصائل المعارضة لهجوم واسع عليه (الجزيرة)

ورغم أن التسريبات لم تكشف مدى اختراق المخابرات السورية كامل تفاصيل الاجتماع، إلا أنها تؤكد نجاحها في رصد مخرجاته الأساسية، مما يعكس استمرار قدرتها على تتبع ديناميكيات العلاقة بين الفصائل المدعومة من تركيا والتوجهات التركية تجاه معركة ردع العدوان.

إعلان

وتتماشى تفاصيل الاجتماع المسربة مع ما تم الإعلان عنه في وسائل إعلام دولية حول الموقف التركي في بداية المعركة.

ووفقا لتقرير رويترز، فإن فصائل المعارضة السورية أبلغت تركيا بنيّتها شن هجوم على قوات النظام قبل 6 أشهر من بدء المعركة، واعتقدت أنها حصلت على موافقة ضمنية من أنقرة. ومع ذلك، لم تقدم تركيا أي دعم عسكري مباشر للفصائل، وبدت حريصة على عدم التورط في المواجهة.

مقالات مشابهة

  • مقتل عنصرين من الأمن السوري في اللاذقية جراء كمين لـفلول النظام المخلوع
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • أوكرانيا والدرس الذي على العرب تعلمه قبل فوات الأوان
  • وثائق مسربة.. هكذا اخترقت مخابرات الأسد المعارضة قبل ردع العدوان
  • تركيا وبريطانيا تناقشان مستقبل سوريا
  • الخارجية الأمريكية ترحب بالنظام الجديد في سوريا وتدعو لإنهاء النفوذ الإيراني والروسي
  • إسرائيل تحذر النظام السوري من إلحاق الضرر بالدروز
  • في بيان نادر.. إسرائيل تحذر النظام السوري من إيذاء الدروز
  • شاهد | كيف يواجه النظام السوري الجديد كيان الاحتلال؟
  • عاجل. نتنياهو يتوعد بضرب النظام السوري إذا تعرض لدروز جرمانة جنوب دمشق ويتعهد بحماية هذه الأقلية في سوريا