الانقلابات صانعة التعاسة والفقر والديون والتبعية

تتسبب الانقلابات في إضعاف أنشطة الاقتصاد ومعها مؤسسات الدولة، وإدخال مالية وخزانة الدولة في حالة من الهشاشة والضعف.

الانقلابات العسكرية في أفريقيا لا تصنع تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وإن ادعت غير ذلك، ولا تحد من عمليات النهب المنظم للثروات.

ليس في أجندة صانعي الانقلابات تحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي للدولة، لذا فإن القضايا الحياتية والملحّة للمواطن والدولة والاقتصاد لا تهمهم.

لا توقف الانقلابات فساد الدولة بل تشجعه، ولا يهمها تحسين حال المواطن بل كل همها البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ووضع يدها على كل الأنشطة الاقتصادية.

الضحية في النهاية هو المواطن الذي تجره الانقلابات نحو البؤس والتعاسة والغلاء والديون والضرائب والفقر والغرق في ظلمات البطالة والعوز والعشوائيات واليأس من المستقبل.

* * *

تتواصل الانقلابات العسكرية في أفريقيا على الحكومات والأنظمة المنتخبة، وما إن تحاول دولة إجراء تجربة ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة، وإعلاء قيم الدستور والقانون والمواطنة والحريات العامة، حتى نجد تلك الانقلابات وقد انقضّت على تلك التجربة ونهشتها بعنف وأجهضتها بسرعة ولاحقت أصحاب هذا السلوك "المعيب" وغير الوطني من وجهة نظرها.

والضحية في النهاية هو المواطن الذي تجره تلك الانقلابات جرا سريعا نحو البؤس والتعاسة والغلاء والديون والضرائب والفقر والغرق في ظلمات البطالة والعوز والعشوائيات واليأس من المستقبل.

بل وتتسبب تلك الانقلابات في إضعاف أنشطة الاقتصاد ومعها مؤسسات الدولة، وإدخال مالية وخزانة الدولة في حالة من الهشاشة والضعف، خاصة وأنه يصاحب تلك الانقلابات ضعف شديد للعملات المحلية، بل وتهاويها مقابل الدولار.

وضعف في القدرة الشرائية للمواطن مع قفزات التضخم، ونهب للمال العام، أو على الأقل إساءة استخدامه في أمور لا تعود بالنفع على المواطن أو الاقتصاد، والتوسع في الاستدانة الخارجية والمحلية، والخضوع لشروط الدائنين الدوليين المجحفة وفي المقدمة صندوق النقد الدولي، وبيع أصول الدولة من البنوك والشركات، ورهن الأصول الاستراتيجية.

أمس الاربعاء، شهدت دولة الغابون التي يطلق عليها، "عملاق النفط" الأفريقي، انقلابا عسكريا قادته مجموعة من كبار ضباط الجيش الذين أعلنوا الاستيلاء على السلطة بعد وقت قصير من إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونجو بولاية ثالثة، والذي تم وضعه قيد الإقامة الجبرية.

علما بأن هذا الانقلاب ليس هو الأول من نوعه في تاريخ الدولة الأفريقية العائمة على ثروة نفطية، هائلة وتُعتبر ضمن أكبر 5 منتجين للنفط الخام في جنوب الصحراء الأفريقية، ولديها ثروات ضخمة ومعادن استراتيجية يتنافس كل من الولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا على نهبها بالتواطؤ مع أنظمة وحكومات محلية فاسدة.

وقبل انقلاب الغابون مباشرة شهدت النيجر انقلابا وقع في 26 يوليو الماضي، حيث احتجز الحرس الرئاسي الرئيس محمد بازوم وأعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه قائدًا للمجلس العسكري الجديد.

وقبلها شهدت منطقة غرب ووسط أفريقيا انقلابات عسكرية عدة خلال فترات ليست بالبعيدة، وإذا نجح انقلاب أمس، فسيكون ثامن انقلاب يحدث داخل تلك المنطقة منذ عام 2020، وهي المنطقة التي باتت تعرف باسم "حزام الانقلاب". حيث شهدت دول غينيا وبوركينا فاسو وتشاد ومالي انقلابات في الأشهر الماضية.

ومع تكرار مثل تلك الانقلابات في القارة السمراء فإن الدولة التي تقع بها تدخل في مرحلة من المخاطر الجيوسياسية العالية، وعدم الاستقرار المالي والاقتصادي والسياسي، وهروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء، واضطراب سوق الصرف، ووضع العملة المحلية تحت ضغوط شديدة خاصة مع هروب الأموال الساخنة والسياح، وفتح الباب على مصراعيه أمام نهب الثروات وتهريبها للخارج، خاصة اليورانيوم والذهب والنيكل وغيرهم من المعادن النفيسة.

بشكل عام، الانقلابات العسكرية في أفريقيا لا تصنع تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية وإن ادعت غير ذلك، ولا تحد من عمليات النهب المنظم لثروات القارة السمراء سواء ذلك الذي يقوم به الاستعمار القديم وفي مقدمته فرنسا حتى الآن، أو النهب الحديث الذي يقوم به رجال أعمال ومسؤولون محسوبون على الأنظمة الحاكمة التي جاءت على ظهر دبابة.

ولا توقف الانقلابات عمليات الفساد داخل الدولة أو حتى تقلل منسوبه بل تشجعه، ولا يهمها تحسين حال المواطن من قريب أبو بعيد، بل كل همها هو البقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، ووضع يدها على كل الأنشطة الاقتصادية.

وليس في أجندة صانعي الانقلابات تحقيق الاستقلال المالي والاقتصادي للدولة، لذا فإن القضايا الحياتية والملحّة للمواطن والدولة والاقتصاد لا تهمهم، وفي مقدمة تلك القضايا الأمن الغذائي والمائي، وزيادة الإنتاج والصادرات، والحد من الاقتراض الخارجي والواردات.

أو العمل على الاكتفاء من سلع رئيسية مثل الأدوية والقمح والسلع الغذائية والسلاح، وتوفير فرص عمل للشباب، فكل ما يهمهم هو البقاء على رأس السلطة حتى لو جروا البلاد جرا إلى التعثر المالي وقبلها الخضوع لشروط وإملاءات الدائنين الدوليين وفي المقدمة صندوق النقد الدولي.

*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أفريقيا تنمية الانقلابات الاستعمار فرنسا الانقلاب العسكري انقلاب الغابون الفساد المالي

إقرأ أيضاً:

أكبر الدول مالكة للذهب: تعرف على ترتيب تركيا بين العشر الأوائل

تركيا الآن – 25 ديسمبر 2024 – شهدت أسعار الذهب حالة من الاستقرار مع بداية اليوم، حيث سجل سعر جرام الذهب 2952 ليرة تركية، في حين استقر سعر الأونصة عند 2617 دولارًا. ويرتبط هذا الاستقرار بتأثير سياسة الفيدرالي الأمريكي المتشددة، بالإضافة إلى التراجع الجزئي في المخاطر الجيوسياسية، مما أسهم في تراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن.

رغم هذه العوامل المؤثرة على الأسعار، شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 27% خلال هذا العام، مدعومة بشكل رئيسي من عمليات شراء كبيرة من البنوك المركزية حول العالم.

الذهب في تركيا:

وصلت احتياطيات الذهب في تركيا إلى 612 طنًا، لتصبح بذلك ضمن أكبر 10 دول تمتلك احتياطيات ذهبية. وهو ما يعكس قوة الاقتصاد التركي في هذا المجال، ويضعها على قدم المساواة مع دول كبرى مثل هولندا، التي تمتلك نفس الكمية من الذهب.

اقرأ أيضا

وزير المالية التركي يعلن عن إجراءات ستؤدي إلى خفض أسعار…

الأربعاء 25 ديسمبر 2024

التطورات الاقتصادية العالمية:

مقالات مشابهة

  • أستاذ هندسة الطرق: الدولة تهتم بقطاع النقل لجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية
  • هل أخذ قرض من البنك يجلب الخراب والفقر؟.. انتبه لـ5 حقائق
  • رئيس الوزراء يلتقي عددا من المُستثمرين.."مدبولي": حريصون على الاستماع لمختلف الرؤى المطروحة بمنتهى الشفافية والوضوح.. وهدفنا جميعًا مصلحة المواطن المصري
  • WSJ: هذه هي التحديات التي تواجه حكام سوريا الجدد
  • أكبر الدول مالكة للذهب: تعرف على ترتيب تركيا بين العشر الأوائل
  • احتضان النفايات «الأخيرة»
  • "بسيوني": الشائعات تهدف إلى التأثير على الصورة التي تقدمها مصر في مجال حقوق الإنسان
  • استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
  • وزير الرياضة يوجه بضبط الأداء المالي والإداري لجميع الاتحادات
  • التحول الرقمى فى مصر.. «السيستم واقـع».. والموظفين خارج الخدمة!