الشيوعيون مابين التغيير الثوري والجذري
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
اعتاد الشيوعيون استخدام المثل الشعبي (ريسوا وتيسوا) خلال تاريخهم المحتشد بمواقف التسرع في اتخاذ القرارات ثم الفشل (المهلك) دوما، ولعل نميري كان مثالا لترييسهم وتتييسهم وانقلب السحر على الساحر، أما الأمثلة على التسرع وانتفاء النجاعة في اتخاذ القرارات فإنها عديدة لاتحصى، منها الدفع بالرائد هاشم العطا الذي قرأ البيان رقم واحد معلنا فيه “استرداد الثورة المسروقة والتصحيح”، فإذا بالنتيجة وخيمة على كل الحزب!.
ومن أهم أسباب الفشل الذي ظل يلازم الشيوعيين أمر لاينتبهون له عادة؛ ألا وهو انتفاء الايمان بتصاريف اقدار الله -وهم النائية ألسنتهم عن البسملة في كل خطاب وحديث- وماعلموا بأن لا مشيئة إلا بمشيئة الله تعالى، ومن الأمثلة على ذلك انزال القذافي لطائرة الخطوط البريطانية واعتقاله المقدم بابكر النور والرائد فاروق عثمان حمد الله في مطار بنغازي.
المتابع للمشهد السوداني منذ منتصف عام 2018 إلى يومنا هذا يتبين جليا وجود هذا الحزب في كل تفاصيل الحراك السياسي في السودان، تخطيطا وزرعا لكوادرهم في كل مفاصل الدولة، فعلوا ذلك باستصحاب ذات المثل الشعبي ترييسا وتتييسا، ومن الأمثلة وزارة الثقافة والاعلام، بالرغم من تتالي الوزراء على هذه الوزارة ظلت كل صغيرة وكبيرة في يد وكيل (أول) الوزارة رشيد سعيد، فمامن وزير مر على هذه الوزارة إلا ريس وتيس، بل لم يسلم من ذلك حتى رئيس الوزراء، ولعل قصة المظاريف تحكي الكثير، ثم تيس حمدوك كذلك ليأتي بفوكلر، ليشيوع -على وزن يسودن- الحزب الشيوعي كل الوظائف الخاصة بالبعثة الأممية، بدءا من ناشطهم أمجد فريد الذي جعلوه مستشارا لفوكلر ابعادا له عن الساحة بعد أن تكاثرت (جلطاته) السياسية والتلفزيونية، ولم ينحصر التتييس في العمل الحكومي لوحده، انما طال نشطاء حزب البعث ورفاقهم من صبية الأحزاب الطائفية من اصحاب الفهم السياسي على شاكلة رزق اليوم باليوم، والذين أصبحوا حماميدا انتزعوا الشكرة بعد أن جقلبت الخيول في ثورة السمبر، ووصل التتييس حد املاء الاكاذيب على من كان يفترض نضجه مثل محمد عصمت، ليقرأ على الناس خلال فترة السواقة بالخلا من ورقة في يده (قصة) ال67 مليار دولار المسروقة من مال الشعب السوداني والمودعة في بنوك ماليزيا كما ادعى الشيوعيون، وطال تتييسهم لحزب الأمة عندما أتت الدكتورة مريم لتنال من كيكة (مناصب ومواهي البعثة الأممية)، فإذا بها تجد لستة التعيينات قد تم اعتمادها من الأمم المتحدة (already) كما قيل لها في ادارة شئون الموظفين.
وطال التتييس من الشيوعيين كل قحت الأولى -وقد حسبوه سيطال الشعب السوداني- عندما أعلن الحزب الشيوعي خروجه عن الحكومة، وكأني بهم استلهموا صلاة الاصالة الخاصة ب(رفاقهم) الجمهوريين، حيث قال عنها محمود محمد طه بأنها: (لا تتحقق إلا لرجل واحد في هذه الحياة الدنيا)، فإذا بالحزب كراع جوة وكراع برة ليحرجوا بذلك العديد ممن كان يدافع عنهم دون معرفة بهم، وازداد التتييس للشباب عندما انشأوا واجهة لجان المقاومة، وظلوا ينكرون تبعيتها لهم إلى أن حدثت واقعة باشدار التي ابانت الكثير.
ثم أعلن الشيوعيون انفضاضهم عن قحت ولكن بعد أن زرعوا فيها الرفيق ياسر عرمان الذي شد وركب المركزي قائدا له، ومافتئ ياسر عرمان يريس خالد سلك ومحمد الفكي ويتيسهما إلى يومنا هذا، ثم أعلنوا ابدالهم للتغيير الثوري بالتغيير الجذري، وما أدراك ما التغيير الجذري؟!.
الاجابة عن ذلك عند عراب الحزب ياسر عرمان، ونصفها الآخر عند (رفيقيه) عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور، فماكانت الزيارة (العيدية) من قيادات الحزب اليهما إلا توطئة للإعلان عن هذه (الجذرية) المريسة للثورية والمتيسة لها، وقد كتبت من قبل لفتا للأنظار بأن يتفحص الناس وجوه المئات من الأغراب الذين وفدوا إلى العاصمة وسعوا إلى العيش بين سكانها، وكذلك ال(فراشة الجدد) في السوق العربي وماحول الجامع الكبير وعمارة الدهب، ومن يظن أن ذلك تفكير وتدبير من حميدتي لوحده لساذج ومستغفل، وقد تبين أهل السودان موعد ساعة الصفر قبل أشهر خمس!
الله المستعان
عادل عسوم
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مفاهيم الإصلاح والتغيير في الرؤية الإسلامية.. مشاتل التغيير (13)
تحيط بفكرة الإصلاح الإسلامي غيوم كثيرة أحدها تتعلق بالطروحات الإسلامية في هذا المقام، وأغلبها نشأت من التوجه العلماني في العالم العربي والذي خاض حربا ضروسا مع التوجهات الإسلامية؛ وبعضهم انتقل من المتدينين الى الدين ذاته، وبدا لهؤلاء أن يهيلوا التراب على كل ما هو إسلامي فيهجمون على الأصول كما يهجمون على التراث. من دون هوادة بدا لهؤلاء الذين يعتنقون العلمانية الفجة أن كل ما هو ديني وجب علينا لو أردنا تقدما وحداثة وتحديثا أن نعلن في بيان عام للأمة قطيعة واضحة شاملة فاصلة مع الدين وحتى مظاهر التدين العام؛ وقالها البعض أن الدين سبب تخلفكم؛ فاطرحوه أرضا يخلو إليكم طريق نهضتكم وتقدمكم.
يقول الدكتور عبد الوهاب الطريري: "تبقى عبارة الإصلاح الديني حمالة وجوه، ولفظة مجملة يمكن تفسيرها بأكثر من معنى بحسب من يستخدمها، فإذا أردنا الإصلاح الديني بمعناه العام وهو "إعادة الناس إلى الدين الصحيح منـزها عما لحقه من انحراف في الفهم، وما تراكم من أخطاء في حياة المسلمين خلال عصور الركود والانحطاط"، فسنجد مجالات الإصلاح الديني في الإصلاح العقدي لتطهر العقائد من المظاهر الوثنية والعبادات من غنوصية الغلو الصوفي، وإصلاح علمي يبث الحياة في فقه الأمة وفكرها بحيث يستوعب التلاحق السريع لإيقاع الحياة المعاصرة، وإصلاح الوعي والفكر بحيث نفتح الآفاق للتألق والإبداع.
والإصلاح بهذا المعنى عملية واسعة ضخمة، ومنجز كبير وهدفه أكبر من العبور إلى الحضارة بل استصلاح عام لواقع المسلمين، وهذا معنى تجديد الدين وحقيقة عمل المجددين في تاريخ الأمة، وسيكون المنجز الحضاري إحدى نتائجه، فإن الإسلام دين حضارة وبالتالي لم ولن يقع في صدام مع الحضارات، وهو بالنسبة لحضارة الغير مهذبٌ أخلاقي. وهذا السر في أن المسلمين في فجر إسلامهم استوعبوا أعظم حضارتين في وقتهم بصورة مذهلة، وكانت بوابة الإسلام أوسع بكثير من الحضارات التي مرت عبرها، ولم يكن بين الإسلام والحضارة جدلية ممانعة، بل علاقة صحيحة ممكنة لصناعة الإسلام داخل الحضارة أو صناعة الحضارة داخل الإسلام".
ويواصل حجته في فهم الإصلاح: "لو أن قُطرا إسلاميا ممثلا في قيادته الفكرية والسياسية أراد العبور إلى طريق الحضارة، فهل سيجد في فهمه لدينه ما يمنعه من إصلاح سياسي يعطي الناس حرية التعبير والمشاركة في الحكم والالتزام بحكم القانون، ومن الأخذ بما هو لازم للدولة الحديثة من مؤسسات اقتصادية وإعلامية وتربوية وإدارية، وهل سيجد ما يمنعه من إقامة علاقات مع دول إسلامية وغير إسلامية يرى من مصلحته إقامة العلاقة معها، ومن الإفادة من كل أنواع العلوم التقنية وتوطينها في قطرهم، هل سيجد ما يمنعه من الاجتهاد لإيجاد حلول لمشكلات عصره لا تتنافى مع الكتاب والسنة بحسب الفهم المُجمع عليه (أما ما لا إجماع عليه فلا إلزام فيه). إن الإجابة عن ذلك ستكون بالنفي، وستكتشف أن الصدام لن يقع في منجز الحضارة العلمي ولا التقني ونحوه، ولكن سيقع الصدام بين الدين وما هو من أهواء الحضارة الغريبة التي صاحبت نهضة الغرب مجرد مصاحبة ولم تكن من أسبابها ولا شرطا لنهضتها، ولا هي مما يُلزم البشرية به عقل ولا خلق وإن رآها البعض من شروط التقدم والمعاصرة".
ومن هنا، وجب علينا أن نتحرك صوب مفهومين يرتبطان لزوما ألا وهما مفهوما "المعاصرة" ومفهوم "التنوير الإسلامي"؛ ضمن رؤية تأسيسية تستند إلى المعايير الكلية في هذين المضمارين وغيرهما. إن الأخذ بكل أسباب الحضارة ممكن إسلاميا، وذلك أن العقل جزء لا يتجزأ من الدين، وأن هذا الدين بهدفه الأسمى يحقق "تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"، وهو دين لا يُلزم الناس إلا بما هم قادرون عليه في ظروفهم الزمانية والمكانية: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسا إِلَّا وُسْعَهَا" (البقرة: 286)، ولأنه دين إنساني لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو متعلق بالإنسان بما هو إنسان لا بكونه ابن هذا الزمان أو ذاك المكان أو تلك الثقافة. بل إن هذه المفاهيم العمرانية المتعلقة بالبناء الحضاري هي من صميم الرؤية الإسلامية بناء ومعيارا، وهي في كل الحضارات لا تقتصر على حضارة بعينها؛ أرادت أن تفرض مركزيتها وهيمنتها وشروط أن تكون وتستمر غالبة مهيمنة، ومن تلك المفاهيم الحضارة، والثقافة والمدنية المجتمعية والعمرانية.
في يوم ما التقيت أحد هؤلاء من العلمانيين الأخف درجة في مستويات العلمانية والعلمنة؛ وكان يعرف توجهي وأنني حتى أكاديميا أعتبر نفسي جزءا من المشروع الإسلامي ومهتما بدراساته ومستقبله؛ وطفق يملي علي محاضرة حول عورات الخطاب الإسلامي ومطالبا في النهاية بتجديده. ورغم أنني كنت مقتنعا بضرورة تجديد الخطاب الإسلامي والديني وملحقاته لدواع تختلف عن تلك الدواعي التي ألقاها ضمن حواري معه؛ ولكن ألقيت عليه سؤالا يبدو أنه لم يتوقعه؛ مفاده أنكم ألقيتكم علينا بعضا من ضرورات تجديد الخطاب الإسلامي؛ فهل من الممكن أن تعطيني في حديثكم طرفا من ضرورات تجديد الخطاب العلماني الذي يبدو مقلدا لإرث استشراقي أو يجتر دولة بين العلمانيين نفس الحجج وذات الأساليب، بل محاكاة وبحرفية الأسئلة بنصها وفصها.
إن نقد المفاهيم الشائعة بما يسوغ عملية التغيير، يمكن إجمال هذا الموقف في التحفظ على مفاهيم مثل: اليقظة والصحوة والنهضة والبعث، وهي وإن اقترنت في الغالب بوصف "الإسلامية"، فإنه من الأصلح اعتبارها تمثيلا لمرحلة تاريخية لا مستغرقة لمفهوم التغيير بكافة امتداداته وشموله كما ورد شرعا، كما أنها لا تعطي نفس الدلالات المهمة لمفاهيم شرعية مثل: التغيير، التجديد، الإحياء، الإصلاح؛ وجب التوقف عليها وعندها، صحيح أن هذه المفاهيم الشرعية قد تجد لها منافسا من خلال البدائل المطروحة في كتابات علم السياسة المعاصرة مثل: التحديث (الخطأ لغويا والصحيح الإحداث أو الحداثة)، والتنمية، والتقدم، والتطور، والتصنيع والتقنية، وبناء الأمة والمعاصرة والعصرية، إلا أن النظر العميق والبصير وعيا وسعيا لتلك البدائل يستبطن بل ويستظهر مفهوم العلمانية كإطار فكري لفهمها مما يجعلها غير صالحة، كما أنها تستند إلى مقاييس غربية مما يجعل التقليد لها بلا بينة يقع في إطار حركة التغريب، وهو ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في استخدامها جميعا.
وخلاصة القول، إن المفاهيم الشرعية مثل: التجديد والتغيير والإصلاح والإحياء؛ هي الأولى بالاستخدام، بل يحق لها أن تنفرد بذلك عما عداها من مفاهيم أخرى؛ حيث تكفّل الكتاب بحفظها محددا إياها في مجمل نصوصه وآياته، ومن ثم يمكن ضبط الانحراف عنها فكرا وحركة أو تلبيسا وتشويها، ذلك أن تلك المفاهيم كلمات الله، "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الأنعام: 115)، كما أن تبني هذه المفاهيم الغربية دون مراجعتها يفرض اتخاذ مواقف سلبية من الدين والتراث والسلف.. إلخ، هذا من جانب، ومن جانب آخر يؤدي إلى عدم وضوح أساسي للسعي وللحركة ومقاصدها؛ وبناء مشروع حضاري للمستقبل يتخذ من الغرب القدوة والبوصلة في كل ذلك.
كما أن تبني تلك المفاهيم؛ كالتغيير: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11)؛ والنهوض: "كفعل يشكل منظومة الارتقاء والرقي وينتقد مفهوم النهضة المحمل بحمولات الغرب وتاريخه"، والإصلاح: "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ" (هود: 88) كمفاهيم مظلة، والتجديد: "إن الله يبعث في هذه الأمة على رأس كل مئة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، والإحياء: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الأنفال: 24)، والانبعاث: "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ" "التوبة: 46"؛ كمفاهيم داعمة ضمن منظومات التغيير والإصلاح والنهوض؛ يؤكد على الأبعاد المنظومية التي تدعو تلك المفاهيم بعضها بعضا؛ فهي كالجسد الواحد أو البنيان يشُد بعضه بعضا.
ومن هنا يبدو لنا أن الوعي بالإصلاح الإسلامي ومنظوماته والسعي الحركي بمقتضاهما؛ إنما يعبر عن إمكانات الوعي والسعي في مسار مشاتل التغيير من وجل أو خوف ومن دون خلل في الرؤية أو وهن، فمشاتل التغيير كما يعلمنا مفهوم الإصلاح الإسلامي إنما تعبر عن أشواق الأمة في التغيير وتحرك الطاقات صوب مشروع إصلاحي مكين ورصين واعٍ وبصير.
x.com/Saif_abdelfatah