الذكاء الاصطناعي- هل يتسبب بـ"تمييز رقمي" مبرمَج في ألمانيا؟
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
يحذر خبراء من حدوث أشكال من التمييز في التطبيقات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي
خلال مؤتمر صحافي في برلين الأربعاء (30 أغسطس / آب)، قالت فيردا أتامان، المفوضة المستقلة لمكافحة التمييز في ألمانيا، إن الذكاء الاصطناعي "يسهل الكثير من نواحي الحياة بما في ذلك التمييز والعنصرية" أيضا.
وجاءت تصريحات أتامان، رئيسة الوكالة الاتحادية لمكافحة التمييز، في مستهل تقديم تقريرها بشأن أفضل السبل لحماية الأشخاص من أي شكل من أشكال التمييز التي تساهم فيها "الخوارزميات الخاصة بدعم اتخاذ القرارات" أو ما يطلق عليها في الإنجليزية "algorithmic decision making systems"، وتعرف في العربية اختصارا بـ"مجال الأتمتة".
واستشهد التقرير بأمثلة عديدة يستخدم فيها "مجال الأتمتة"، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل إجراءات التقديم للحصول على وظيفة، أو الحصول على قروض من البنوك أو توقيع عقود مع شركات التأمين أو الحصول على دعم من الدولة مثل المساعدات الاجتماعية.
التمييز الرقمي؟
وقالت أتامان "ما يبدو موضوعيا للوهلة الأولى يمكن أن يعيد تلقائيا صدور أحكام مسبقة وتصورات نمطية. ولا ينبغي لنا تحت أي ظرف من الظروف أن نقلل من مخاطر التمييز الرقمي".
يشار إلى أن السنوات الماضية قد برهنت على صحة مخاوف أتامان، إذ إنه في عام 2019، تعرض أكثر من 20 ألف شخص في هولندا لعملية فساد انطوت على استخدام التكنولوجيا التي يفترض كثيرون أنها نزيهة، في قضية عُرفت إعلاميا بـ "فضيحة الاحتيال في إعانات رعاية الأطفال".
وتعود القضية إلى مطالبة آلاف الأسر في هولندا بسداد عشرات الآلاف من الإعانات بعد اتهامهم خطأ بالاحتيال في رعاية الأطفال، وتهديدهم بفرض غرامات كبيرة عليهم، في فضيحة أدت إلى استقالة الحكومة في حينه بعد أن اعترفت بالخطأ، الذي تعرضت له، خصوصا الأسر التي لديها جنسية مزدوجة.
ويرى خبراء أن "الخوارزمية التمييزية في البرنامج كانت مسؤولة جزئيا" عن الخطأ في فضيحة عززت مخاوف الأقليات العرقية في هولندا من أنهم يتعرضون للتمييز السلبي من قبل السلطات.
وفي محاولة لمنع حدوث مثل هذه الحالات في ألمانيا، دعت أتامان الشركات إلى العمل بشفافية، بما يشمل تقديم الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي معلومات حول البيانات المستخدمة وطريقة معالجتها.
وأشار مؤلفو التقرير، الذي قدمته المسؤولة الألمانية إلى أن الأنظمة القائمة على استخدام الذكاء الاصطناعي تعد بمثابة "صندوق أسود"، حيث من الصعب تتبع أسباب تعرض أي فئة لأي تجاوزات.
وقال التقرير إن احتمالات التمييز في "خدمات إدارة بيانات التطبيق" قد تكون "متأصلة بالفعل في النظام نفسه"، فيما قد يكون السبب في ذلك مجموعة بيانات معيبة جرى جمعها لغرض منحرف.
دعت فيردا أتامان، المفوضة المستقلة لمكافحة التمييز، إلى وضع قواعد بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي
الرمز البريدي
ولم يتوان التقرير عن تقديم أمثلة على مثل هذه الحالات، قائلا: "لا تعد خاصية الرمز البريدي، على سبيل المثال، تمييزية في حد ذاتها، لكنها قد تنطوي على شكل من أشكال التمييز المحظور بسبب أن الكثير من المهاجرين، ولأسباب تاريخية، يقطنون أحياء معينة".
مختارات "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي" يستقيل من غوغل ويحذر من مستقبل مظلم الذكاء الاصطناعي.. تحذيرات من خطرٍ محدق "إذا لم تتم السيطرة"! مخاوف من توظيف الذكاء الاصطناعي لملاحقة المعارضين بالشرق الأوسطوأضاف التقرير أن هذه الاحتمالية قد تسفر عن عواقب سلبية على الأشخاص، الذين يعيشون في هذه المناطق، إذ يمكن في حالة رغبتهم في الحصول على قروض اعتبار الأمر ينم عن مخاطر مالية مع الاعتقاد السائد بأن المهاجرين قد لا يتمكنون من سداد ديونهم، فيما يُطلق عليه "التمييز الإحصائي السكاني"، الذي يجعل من أي شخص ينتمي إلى عرقية بعينها في دائرة الاشتباه.
الدعوة لإنشاء هيئة تحكيمية
وفي محاولة للحيلولة دون حدوث مثل هذه الحوادث، تأمل أتامان في إنشاء مكتب للتوفيق والتحكيم داخل الوكالة الاتحادية لمكافحة التمييز، مع الدعوة إلى شمول "القانون العام للمساواة في المعاملة" لإجراءات توفيق إلزامية.
الجدير بالذكر أن القانون العام للمساواة في المعاملة يحظر التمييز سواء في الحصول على الوظائف وفي أماكن العمل وفي الأماكن العامة وحتى في طرق البحث عن مسكن في ألمانيا.
وسلط تقرير الوكالة الاتحادية لمكافحة التمييز الضوء على خطورة الأمر، إذ ذكّر بأنه في الولايات المتحدة الأمريكية أدت الخوارزميات المبرمجة بشكل غير صحيح في البطاقات الائتمانية الخاصة بشركة آبل المعروفة باسم "آبل كارد" إلى التمييز بشكل منهجي ضد المرأة عند منح الائتمان.
ولم يتوقف الأمر على الولايات المتحدة إذ في أستراليا، اضطر مئات الآلاف إلى تسديد استحقاقات الرعاية الاجتماعيةالتي يحق لهم الحصول عليها بسبب خطأ في نظام الأتمتة في عمليات صنع القرار التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
وفي ضوء هذه المعطيات، خلص التقرير الذي عرضته أتامان إلى القول بأن "الرقمنة تعد المستقبل، لكن يجب ألا تصبح كابوسا. يجب أن يكون لدى الناس الثقة بأنهم لن يتعرضوا للتمييز من قبل الذكاء الاصطناعي وحتى في حالة حدوث ذلك، فإنه بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم. لذا فإن هناك حاجة إلى الخروج بقواعد واضحة ومفهومة".
مارسيل فورستيناو / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي الذكاء الاصطناعي الذکاء الاصطناعی فی ألمانیا الحصول على
إقرأ أيضاً:
%92 من الطلاب يستخدمونه.. الذكاء الاصطناعي يهدد جوهر التعليم الجامعي
أثار تقرير حديث يحذر الجامعات البريطانية من ضرورة "اختبار إجهاد" التقييمات في ظل استخدام 92% من الطلاب للذكاء الاصطناعي، جدلاً واسعاً حول مستقبل التعليم الجامعي ودور الذكاء الاصطناعي فيه.
يشير البروفيسور أندرو موران من جامعة لندن متروبوليتان إلى أن الجامعات، التي كانت تعتبر لقرون مخازن للمعرفة والحقيقة، بدأت تفقد هذا الدور عندما تراجعت قيمة الخبراء وضعف التفكير النقدي واستقطب الخطاب العام بشكل متزايد.
ندرة المعرفة وتحديات المصادر التقليديةفي هذا العالم، يتم رفض المصادر التقليدية للمعرفة بشكل متزايد، الكتب والمقالات الصحفية ووسائل الإعلام القديمة تواجه تحديات من خلال التطورات في عرض المعلومات واسترجاعها، وعلى رأسها التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأدى ذلك إلى "ندرة المعرفة"، على حد تعبير موران.
قوائم القراءة المنسقة، التي يقضي الأكاديميون وقتًا في البحث عنها وتسليط الضوء على المفكرين والكتابات الرئيسية، غالبًا ما يتم تجاهلها من قبل الطلاب لصالح بحث جوجل.
وإذا لم يعجب الطالب ما يقرأ، يمكنه ببساطة التمرير إلى اليسار، ويمكن للخوارزميات بعد ذلك إرسال الطلاب في اتجاهات غير متوقعة، غالبًا ما تحولهم عن الصرامة الأكاديمية إلى موارد غير أكاديمية.
يؤكد موران أهمية توفير مواد التعلم للطلاب على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لكنه يتساءل: "هل تصبح المعرفة سلعة استهلاكية أخرى؟" فهي متاحة بلمسة زر عبر الإنترنت، ويتم توصيلها بشكل فعال إلى بابك، وهناك العديد من المنافذ للاختيار من بينها.
قد تكون هناك كمية، ولكن ليس بالضرورة جودة: الذكاء الاصطناعي هو السلعة الاستهلاكية المطلقة.
يثير هذا الأمر تساؤلات جوهرية حول ليس فقط ما نعنيه بالمعرفة، ولكن أيضًا ما سيكون دور التعليم والأكاديميين في المستقبل.
ويقول موران: "أستطيع أن أقدر فوائد الذكاء الاصطناعي في العلوم أو الاقتصاد أو الرياضيات، حيث الحقائق غالبًا ما تكون غير قابلة للشك، ولكن ماذا عن العلوم الإنسانية والاجتماعية، حيث الكثير قابل للطعن؟"
ويحذر من أننا نفقد أرضية بسرعة أمام تغييرات مجتمعية عميقة يمكن أن يكون لها عواقب لا يمكن تصورها على الجامعات إذا لم نستجب بسرعة.
التفكير النقدي في مواجهة الذكاء الاصطناعيمن جهته، يعبر محاضر جامعي في العلوم الإنسانية عن عدم استغرابه من الزيادة الهائلة في استخدام الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أنه يتم الترويج له بقوة من قبل شركات التكنولوجيا باعتباره سلعة موفرة للوقت، والخطاب السياسي الأوسع يعزز هذا الرأي دون التشكيك في قيود الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته.
بينما قد يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا في العديد من السياقات الأكاديمية - في كتابة التقارير الأساسية وإجراء البحوث الأولية على سبيل المثال - فإن استخدامه من قبل الطلاب لكتابة المقالات يشير إلى التقليل من قيمة موضوعات العلوم الإنسانية وسوء فهم ما يتيحه الكتابة الأصلية في تخصصات مثل التاريخ والأدب والفلسفة: التفكير النقدي.
ويستشهد المحاضر بقول الروائي العظيم إي إم فورستر: "كيف يمكنني أن أعرف ما أفكر فيه حتى أرى ما أقول؟" كان يقصد أن الكتابة هي شكل متطور من أشكال التفكير، وأن تعلم الكتابة بشكل جيد، والشعور بالمرء وهو يشق طريقه عبر تطوير فكرة أو حجة، هو جوهر الكتابة.
عندما نطلب من الذكاء الاصطناعي كتابة مقال، فإننا لا نقوم ببساطة بالاستعانة بمصادر خارجية للعمل، بل نستعين بمصادر خارجية لتفكيرنا وتطويره، مما سيجعلنا بمرور الوقت أكثر ارتباكًا وأقل ذكاءً.
في عصر تكنولوجي نيوليبرالي نهتم فيه غالبًا بالمنتج بدلاً من العملية التي تم من خلالها صنعه، ليس من المستغرب أن يتم تجاهل القيمة الحقيقية للكتابة.
فيما يأخذ الطلاب ببساطة إشاراتهم من عالم يفقد الاتصال بالقيمة التي لا يمكن تعويضها للإبداع البشري والتفكير النقدي.