أقيمت أمسية "المصادر الحضارية للتراث الثقافي المصري" المهداة إلى روح الباحث السويسي عصام ستاتي، ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لمعرض السويس الأول للكتاب، الذي تنظمه الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة.

وشارك في الندوة الدكتور خالد أبو الليل، والدكتور حمزة السروي، والدكتورة علا العبودي، والشاعرة صباح هادي زوجة الراحل عصام ستاتي ممثلة لأسرته، وأدارها الدكتور حمدي سليمان.

 
استهل الأمسية الدكتور حمزة السروي أستاذ الفلسفة بكلية الآداب، جامعة قناة السويس قائلا: يُعد عصام ستاتي واحدًا من أهم الباحثين في التراث المصري بجوانبه المختلفة، مستندًا إلى التراث الثقافي باعتباره الأكثر تعبيرًا عن الشعب المصري؛ وذلك بغية الوقوف على هوية هذا الشعب وبيان خصائصه؛ حيث تتمثل الهوية المصرية في محورين هما، الأول التفرد والاستمرار: فتنفرد الحضارة المصرية بالانفتاح وقابلية التطور والاستمرار في صعود وهبوط عبر العصور المختلفة منذ عصور مصر القديمة مرورًا بالعصر اليوناني والروماني والذي أفضى إلى العصر المسيحي ثم الإسلامي، وإذا تأملت حياة قدماء المصريين وحياة المصريين المحدثين، ستجد أننا أمام شعب واحد وحضارة واحدة مستمرة. 
المحور الثاني البوتقة الحضارية: لما كانت مصر بلدًا يتمتع بخيرات كثيرة، فقد كانت مطمعًا للغير، لكن مصر كانت تصدهم كما فعلت مع الهكسوس والفرس، وإن لم تفلح في ذلك كما حدث مع اليونان والرومان؛ حيث غلبت سياسيًا وعسكريًا فقد كانت هي الغالبة حضاريًا وثقافيًا، لقد أخذ الغزاة المنتصرون بأساليب الحياة المصرية وعبدوا آلهتها. إن مصر هي البوتقة التي تصهر الجميع وتمتصهم لتثرى وتطور حضارتها.
ودلل على ذلك بالسمسمية، وهي الآلة المميزة للشخصية المصرية؛ حيث إن آلة (الكِنَر) السمسمية المصرية القديمة، أول الآلات الوترية الكاملة الصنع والتركيب، عرفها المصري القديم منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وهي أول آلة عرفتها البشرية.
وتابع: إن وجود السمسمية واستمرارها حتى اليوم يفيد أن حضارتنا على مر التاريخ حلقات متصلة وليس فيها انقطاع كما يتوهم البعض، وهي متصلة كذلك فيما يخص طقوس الدفن والاحتفالات الجنائزية، ويذهب ستاتي إلى أن مفهوم الدين في مصر ظل واحدًا ومستمرًا ففكرة التوحيد من أخناتون، ثم الإله الواحد في المسيحية وكذلك في الإسلام، كما تتشابه معاناة الرموز الدينية: مقتل أوزوريس وتقطيعه، صلب المسيح، مقتل الحسين، وأيضًا فإن الأسماء والصفات التي تطلق على إيزيس "راعية النور" هي نفسها التي تطلق على السيدة مريم "أم النور" وتطلق على السيدة زينب "أم العواجز" والمقصود العميان، فهي التي تنير لهم طريقهم. 
وبدأت الدكتورة علا العبودي الأستاذ المساعد بكلية الآثار جامعة القاهرة حديثها بتعريف التراث بأنه الميراث بأنواعه المختلفة، المادي الملموس، والتراث المعنوي المحسوس الذي يتمثل في العادات والتقاليد والحكايات والغناء والموسيقى وغيرهم، وهو محور اهتمام عصام ستاتي والمحور الرئيس للأمسية.
وأضافت السويس تتميز بالسمسمية، وهي آلة وترية تظهر في مقابر بني حسن في المنيا، وقد قام المصري القديم بتطويرها من الشكل المستطيل إلى انحناءة في أحد الأضلاع، وهو الشكل الحالي الذي استمرت عليه منذ تطويرها في الدولة الحديثة، والرقصات المصاحبة للعزف على السمسمية الآن هي نفسها الرقصات المصرية القديمة المرسومة على جداريات المعابد.
وتستطرد العبودي يشهد تراثنا المصري الكثير من الأغاني التي تحوي مفردات مصرية قديمة لا يمكن فهمها إلا في سياقها المصري مثل الأغنية الشعبية:
" اي اي عند بيت أم فاروق... والشجرة طرحت برقوق"
"اي أي عند بيت أم صلاح... والشجرة طرحت تفاح"
وهذه التيمة الملازمة للأغنية "اي اي" مأخوذة من الكلمة المصرية القديمة "عاي" بمعنى عظيم وكبير، وهي بذلك إشارة إلى أن الفرح الذي تتغنى فيه هذه الأغنية فرح كبير وعظيم.
كما أن الأغنية الشهيرة "السح الدح امبو" التي قدمها أولًا الفنان شكوكو، ثم انتشرت انتشارًا كبيرًا حين غناها أحمد عدوية، ما هي إلا حصيلة كلمات مصرية قديمة، فكلمة "سح" تعني جميل أو عظيم أو كويس، أما كلمة "دح" فتعني جيد، وكلمة انبو فهي طفل صغير، ويكتمل المعنى بهذه الطريقة، ليكون "جميل وجيد هذا الطفل".
وأكدت العبودي استمرارية عناصر التراث المعنوي المصري القديم إلى وقتنا الحالي في مجموعة من الألعاب الشعبية مثل صلح، دوخيني يا لمونة، وشد الحبل، والأشبار، وكذلك وجود الكثير من مفردات اللغة المصرية القديمة في الأمثال الشعبية المتداولة بيننا مثل كلمة "هلاهلا" الموجودة في المثل الشعبي "هلاهلا على الجد والجد هلاهلا عليه"، والفعل "ادي" الموجود في المثل "خد وادي تكسب ودي"، وأشارت في نهاية كلمتها إلى أن قائمة الزواج عادة مصرية قديمة، وزيارة الأهل لأبنائهم في المواسم وتقديم الهدايا أيضًا عادة مصرية قديمة. 
واستهل الدكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي في جامعة القاهرة المداخلة بتوجيه التحية إلى الراحل الأستاذ عصام ستاتي، الباحث السويسي في المصريات، الذي تم إهداء الندوة إليه، كما أشار على جهوده في مجال المأثورات الشعبية، من خلال أهم الدراسات التي أصدرها خلال حياته، والتي منها: "مقدمة في الفولكلور القبطي"، "السمسمية"، "شم النسيم"، "اللغة المصرية القديمة".
ثم انتقل أبو الليل إلى الإشارة إلى العمق الثقافي للثقافة المصرية المعاصرة في مصر القديمة، وكيف أن مصر المعاصرة تعد امتدادًا ثقافيًا لمصر القديمة، وقد أكد ذلك من خلال الحكاية المصرية القديمة "رادوبيس" التي تعد أصلًا لحكاية "سندريلا" العالمية، والتي لاتزال تروى في مصر الحديثة، كما أشار إلى أن العادات الشعبية التي يمارسها أهل الأقصر حول مقام سيدي أبو الحجاج الأقصري، سواء أثناء الموكب أو الدورة، أو الليلة الكبيرة في احتفالية مولده، ما هي إلا امتداد لما كان يمارسه المصري القديم من عادات في عيد وفاء النيل.
أما الغناء الشعبي المصري الحديث فما هو إلا امتداد للأغاني الشعبية المصرية القديمة، وتحديدًا أغاني العمل، التي رصد الدكتور سليم حسن جزءًا منها في موسوعته "مصر القديمة".
واختتم المداخلة بالإشارة إلى الدور الثقافي الممتد للمرأة المصرية منذ إيزيس وأسطورتها المشهورة، وصولًا إلى المرأة المصرية المعاصرة، التي تعد حاملة التراث المصري عبر التاريخ، بل هي من حافظت عليه من الضياع، وهو ما يتبدى في حكيها للحواديت، وروايتها للأمثال، واستمتاعها بالغناء الشعبي، من هدهدة للأطفال، مرورًا بأغاني الخطوبة والزواج، وانتهاءً بالعديد.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الهيئة المصرية العامة للكتاب المصریة القدیمة المصری القدیم مصر القدیمة مصریة قدیمة إلى أن

إقرأ أيضاً:

سلطنةُ عُمان ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ 56

تحل سلطنة عُمان ضيف شرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ 56 التي تقام خلال الفترة من 23 يناير الجاري حتى 5 فبراير القادم.

وتشارك سلطنة عُمان في هذه التظاهرة بعدد من الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلية، وهي وزارة الثقافة والرياضة والشباب، ووزارة الإعلام، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وزارة التراث والسياحة، وجامعة السُّلطان قابوس، والنادي الثقافي، والجمعية العُمانية للكُتّاب والأدباء، ومركز ذاكرة عُمان، وبيت الزبير، بالإضافة إلى مشاركة ثلاث عشرة من المكتبات ودور النشر العُمانية التي ستقدم إصداراتها للقُراء ومرتادي المعرض.

وفي هذا الشأن وضح سعادة السّيد سعيد بن سُلطان البوسعيدي وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة أن هذه المشاركة تأتي تجسيدا للروابط التاريخية والعلاقات الأخوية المتينة التي تربط بين كل من سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية، وتعكس عمق التبادل الثقافي والتعاون المعرفي بين البلدين الشقيقين، إلى جانب ما يتمتع به معرض القاهرة الدولي للكتاب من أهمية كبيرة لدى القُراء العرب والدول الصديقة، وما يحظى به من مكانة مرموقة بين المعارض الإقليمية والعربية.

وأكد سعادة السّيد على أن سلطنة عُمان تولي أهمية كبيرة لهذه المشاركة، وتبذل كافة المساعي الممكنة لإظهارها في المستوى الذي يلبّي طموحات كلا البلدين، ويقدم رؤية واقعية عن المشهد الثقافي العُماني للجمهور المصري الشقيق، مشيرًا إلى أن الوزارة قد سعت منذ فترة مبكرة للاستعداد للمشاركة في هذا الحدث الثقافي المهم، حرصًا منها على ضرورة إنجاح هذه المشاركة في تقديم الصورة المثلى للثقافة العُمانية في مختلف مجالاتها وتجلياتها.

وبين سعادتُه أن الجناح العُماني الموحد سيشتمل على عدة مفردات تتمثل في معرض المخطوطات العُمانية النادرة، ومعرض الفنون التشكيلية، والعروض الفنية والموسيقية، إلى جانب شاشة لعرض أفلام ترويجية وسياحية قصيرة عن سلطنة عُمان، ومجلس لتقديم الضيافة العُمانية، وركن خاص لتقنية (VR).

وفيما يتعلق بالفعاليات الثقافية قال سعادتُه إنه قد تم إعداد برنامج ثقافي شامل، يغطّي طيلة أيام عقد معرض القاهرة الدولي للكتاب، ويشتمل على مختلف المجالات والمفردات الثقافية من المحاضرات الفكرية والتاريخية، والأمسيات الشعرية والموسيقية والفنون الشعبية، والندوات وحلقات العمل والجلسات الحوارية والنقاشات حول الرواية وغيرها من الموضوعات الاجتماعية والأدبية.

وأضاف سعادتُه أن البرنامج الثقافي يشتمل على عدة ندوات منها ندوة (العلاقات العُمانية المصرية الحديثة.. مرتكزات ومواقف) وندوة ("الخطاب الثقافيّ.. ومُتغيّر العصر)، وندوة (عباقرة عُمانيون.. من الفراهيدي إلى ابن ماجد)، وندوة عن (التراث العُماني المخطوط)، وندوة (عُمان ومصر.. الوئام الأزلي)، وندوة (الدور العُماني والمصري في دعم الثقافة والإنتاج الفكري بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية). كما يضم برنامج الندوات كذلك ندوة موسيقية بعنوان (فهارس المقامات والألحان: موسيقيون مصريون في عُمان).

كما أشار سعادة السّيد وكيل الوزارة للثقافة إلى أن البرنامج الثقافي سيشهد جلسات حوارية، منها جلسة حوارية بعنوان (جامعة السُّلطان قابوس في عيون الأكاديميين المصريين) وجلسة حول (واقع صناعة النشر في سلطنة عُمان) وأخرى حول (أثر الثقافة العُمانية في الشرق الأفريقي)، كما يشتمل البرنامج على جلسة حوارية بعنوان (من القاهرة، هنا مسقط: الفضاءات الثقافية العُمانية في القاهرة)، وجلسة بعنوان (صعوداً على السفن المبحرة: الثقافة العُمانية في تجلياتها المعاصرة)، موضحًا أن البرنامج يشتمل كذلك على أمسيات شعرية مشتركة وعدد من المحاضرات الفكرية التي تُقدمها نخبة من المتخصصين، من بينها محاضرة عن البيئة والإنسان في عُمان عبر العصور: قراءة في السجل الأثري.

وأكد سعادتُه على أن الوزارة حرصت على مشاركة الجانب المصري في البرنامج الثقافي من خلال مشاركة نخبة من الكُتّاب والأدباء والشعراء والمفكرين المصريين البارزين، الذين سيشاركون المنصة جنبا إلى جنب مع أشقائهم من الجانب العُماني.

وفي ختام حديثه أكد سعادة السّيد وكيل وزارة الثقافة والرياضة والشباب للثقافة على أن التعاون الثقافي بين البلدين يقوم على رؤية وأهداف مشتركة يسعى الجانبان لتعزيزها وتطويرها، مشيدا بالتعاون البناء الذي يبذله الأشقاء في جمهورية مصر العربية لتحقيق الأهداف والغايات المرجوة من هذه المشاركة.

مقالات مشابهة

  • محافظ السويس يناقش مع رئيس شركة نهضة مصر للخدمات البيئية الحديثة تحسين خدمات النظافة بالمحافظة
  • محافظ السويس يناقش مع رئيس شركة نهضة مصر تحسين خدمات النظافة
  • "خولة للفن والثقافة" تثري المشهد الثقافي في 2024 بـ30 فعالية
  • عُمان ضيف شرف "معرض القاهرة للكتاب".. وبرنامج ثقافي ضمن روزنامة الفعاليات لتسليط الضوء على الإرث الثقافي العُماني
  • العقيبي يناقش الصعوبات التي تعيق عمل التعليم الخاص
  • مجلس النواب يناقش الصعوبات التي تعيق «عمل التعليم الخاص»
  • الدكتور «علي أحمد» يناقش رسالة الدكتوراه في جراحة العظام بجامعة عين شمس
  • سلطنةُ عُمان ضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ 56
  • فبراير القادم.. إطلاق برنامج عروض الأفلام المرممة المصرية القديمة بأسوان
  • مندور: تنظيم معرض للكتاب داخل جامعة قناة السويس بالتعاون مع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية