حينما وقع زلزال تركيا لم تقف الحكومة التركية مكتوفة الأيدي كحال (حكومتنا) في وضع المتفرج ، فسعت بسرعة متناهية لإمتصاص الصدمة النفسية التي أصابت المتضررين و قامت بتقديم الدعم المعنوي و المادي لهم في اللحظة ، فأمنت لهم المنازل المؤقتة و وفرت لهم كذلك كل أشكال الدعم النفسي اللازم الذي من شأنه تخفيف جلل مصابهم الذي فآجأهم به القدر ، فخرج إليهم الرئيس أردوغان مبشراً و مطمئناً و داعماً لهم بلغة رائقة و رائعة و مليئة بالإيمان الذي وقر في صدره و قد صدقه العمل ، حيث أكد لهم بأن أي خسارة تعرضوا لها سيتم تُعوّيضها بالكامل ، و لم يفوته مؤساة أهل الضحايا الذين قضى نحبهم تحت الركام مخففاً عليهم ما أصابهم من خطب ومصيبة ، فقطع على نفسه عهداً أمامهم بتصفير جميع ديون الأموات حتى يشعرهم بأنه لم يهمل (موتاهم) و هذا الأمر يعتبر من أعظم أبواب جبر الخواطر التي أدخلت الفرحة و القبطة في قلوبهم أسر الضحايا ، فهكذا يجب أن يكون الحكام ، فالمخلصين منهم يحملون هموم شعوبهم ، و يخففون عنهم جلل مصابهم ، فأكد لهم بأن الحكومة التركية ستتحمل عنهم كل الخسارات التي تعرض لها المزارعين والمنتجِين و طمأن المتضررين جميعاً بان الدولة ستتكفّل بتعويضهم دون تكبيدهم أي خسائر و هذا يأتي إضافة إلى الدعم المالي المباشر الذي كان يصرف لهم بصورة يومية ، و علاوة على ذلك الدعم النفسي حيث قال لهم أن الدولة لن تترك أي مواطن وحيداً و سنكون معهم في كل مكان و زمان .

الكوارث مثل الزلازل و الأعاصير و الفيضانات و السيول تأتي على غفلة و هذه الظواهر لا يمكن التنبؤ بها بصورة دقيقة و لهذا لا يمكن أن يتم وقف أثرها السلبي على الإنسان ، و تعتبر من الإبتلاءات التي يقدرها الله تعالي ، و لكن على الرغم من ذلك فقد سعت حكومة تركيا لتقديم كل الدعم المجزي لشعبها بدون تردد و بكل سخاء .

نشبت هذه الحرب بفعل من أنشبها ، و الله يعلمه ، و إذا فلت هذا المجرم من عقاب الدنيا فلن يفلت من لقاء يوم تجتمع فيه الخصوم عند مليك مقتدر و ليس للشعب السوداني يد فيها فلماذا يتحمل فاتورتها الباهضة الثمن ، و التي أرجعته إلى حقبة العصور الوسطى ، و إذا لم أكن دقيقاً في الوصف يمكنني القول (العصر الحجري) ، لم يستأذن أحد من الشعب في أمر هذه الحرب التي قضت على الأخضر و اليابس .

فبدون أي ذنب إغترفه الشعب أعدمت مليشيا الدعم السريع كل فرصة في الحياة الآمنة و الكريمة و حرقت كل ما هو جميل و مفيد و سطت على الممتلكات و أتلفت المستندات و قصفت إستقرار كامل الدولة ، و وسعت محيط الدمار فيها و نشرت قطعان شرها في كل مكان ينهشون من جسد هذا الشعب المكلوم الذي لا يدري من أين يأتيه الشر ، الشيء الذي أدى لإفقاره و تجويعه و مساواة فقيره بغنيه ، فصبر ثم إحتسب و مهر الأرض بدمائه الطاهرة و بذل النفس و النفيس ، إلى أن تم إخراجهم من منازلهم ، فساحوا في الأرض هائمين على وجههم لا يدرون ماذا يفعلون أو إلى إي أرض يذهبون ، فتخطفتهم أيادي السماسرة و أسنان الجشعين في المدن التي إلتجأوا إليها و إستغلوا ضرورة حاجتهم فرفعوا لهم أسعار الإيجارات و السلع حتى أصابهم المسغبة و غشيهم العوز ، فلم يجدوا من يراعي لأوضاعهم الإنسانية أو يحس بهم و يقدر ظروفهم المادية ، فإمتهن بعضهم التسول من أجل سد حاجتهم و البعض الآخر يتأمل من الدولة بتعويض يليق بحجم التضحية الضخمة التي قدموها حباً و كرامة في سبيل الوطن ، و وقفتهم مع قواته المسلحة

فكيف تسقط الدولة في أول إمتحان لها أمام شعبها الذي دفع لها (النفس و النفيس) و قدم لها كل ما يملك و وقف معها وقفة قوية و واجبة و ما زال ، فكان بإمكانها أن ترد الدولة له الجميل و تجبر بخاطره و تمسح على راسه و تعوضه تعويض رمزي بسيط في حجمه و كبير في معانيه ، و لكن كعادة الحكومات السودانية التي يتحكم في تحريكها شيطان السلطة ، لا و لن تعرف مثل هذه القيم التي تنمي الوطنية في شعبها ، فهل من الممكن أن يشرح لي عاقل لماذا فرضت الحكومة رسوم على شهادة الميلاد مبلغ (60) ألف جنيه و الرقم الوطني مبلغ (35) ألف جنيه و طباعة كل منهما لا تكلف (100) جنيه على ورقة A4 ، و لماذا رسوم الجواز ما يعادل (300) دولار في ظل ظروف معلومة للجميع ، حيث ‏تقطعت لدي جميع أفراد الشعب السوداني خيوط الأمل و هم ينتظرون تعويضاً مجزياً من الدولة على كل مفقوداتهم ، و كان من الممكن أن تساهم معهم بمجانية رسوم أوراقهم الثبوتية كتعويض مبدئي مؤساة منها لهم في ظل حالة الافقار العامة التي تعرضوا لها و التي تزامنت مع توقف المرتبات و توقف جميع سبل كسب العيش بسبب الدمار الشامل الذي اصاب البنى التحتية ، فكيف تتحول الدولة إلى (9 طويلة) و تدخل يدها في جيوب أفقرتها الحرب و أصاب أصحابها العوز ، ذلك بدون حياء من الدولة لتطلب من الشعب مبلغ لا يمكن ان يطلبه سمسار ينعدم عنده الضمير و يفتقر للحياء ، لأجل إستخراج جواز سفر لم يكن المواطن سبباً في ضياعه من بيته ، فيا سيادة البرهان كفاية مذلة لهذا المواطن المسكين ، فإنتصر لشعبك الذي دفع بفلذات اكبادهم مناصرة لإستنفارك لهم ، و الذي ناديت به فلم يخذلوك و لم يتأخروا عنك ، و ما جزاء الإحسان إلا الإحسان .

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: الإحسان الحروف همس

إقرأ أيضاً:

كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب

الكتاب: مصر الثقافة والهوية
المؤلف: خالد زيادة
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات


يقدم خالد زيادة، الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي، دراسة حول تطور السياسة في مصر، وتطور دور وعلاقة المثقف بالسياسة منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، عبر طرح أسئلة محورية تدور حولها فصول الكتاب من نوع: ما مدى مساهمة المثقف في بناء الدولة، ومساهمته في بلورة الفكرة الوطنية؟ وهل هو الذي صاغ الهوية الوطنية أم شارك قوى أخرى في صوغها؟. وهل المثقف مستقل حقيقة عن الدولة وقادر على أن يحدد بنفسه دوره ووظيفته بمعزل عن السلطة القائمة؟  وهل يبقى دور المثقف ثابتا دون تبديل حتى مع تبدل الظروف والتطورات التي تشهدها الدولة؟ وهل تصاعد دوره السياسي أو الاجتماعي يطغى على وظيفته الأساسية، أم أن انحسار هذا الدور يخفض من شأنه؟.

ويحاول زيادة الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها باستعراض أبرز محطات التحول التاريخية التي عرفتها مصر، وما رافقها بناء الوطنية المصرية، وصراعات الهوية، وصعود دور المثقف وتحولاته وتراجعه واندثاره أمام الدولة والنظام الذي استحوذ على دور المثقف عبر إسكاته أو احتوائه، على حد وصفه.

الدولة الحديثة

يركز زيادة منهجيا على ثلاث حقبات كبرى مر بها العالم العربي وتحديدا مصر: الأولى هي مرحلة الإصلاح أو النهضة، التي شملت معظم سنوات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والثانية هي المرحلة التي شهدت السعي إلى الاستقلال وبروز الوطنيات مع هيمنة نسبية للأفكار الليبرالية، والثالثة هي المرحلة التي استتبت فيها الأنظمة الوطنية.

ونظرا إلى كون هذه المراحل الثلاث كانت قصيرة لا يتجاوز كل منها سوى بضعة عقود، فإن الكثير من ال"المثقفين" أو من كانوا يمارسون المهن الفكرية عايشوا أكثر من مرحلة وتأثرت مواقفهم وآراءهم بهذه الحقب وبالانتقال من واحدة إلى أخرى، تبعا لما سمحت به كل واحدة من أدوار، وما وضعته من عوائق.

خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، نشأ مثقف غير مرتبط بخدمة الدولة، ولا هو موظف في إداراتها، وتكون رأي عام يناقض رأي الحاكم، حيث أدى كل ذلك إلى نشوء السياسة التي عبرت عن نفسها في أحزاب أو تيارات ليبرالية وإصلاحية.في مرحلة النهضة كانت الأدوار متاحة لأولئك الذين تلقوا تدريبا غربيا وأخذوا بعض علوم أوروبا حيث كانوا شركاء في مشروع الحاكم، وساهموا في بناء مؤسسات الدولة الحديثة. وخلال سنوات قليلة حدثت تطورات أنهت هذه الحقبة كان أبرزها إعلان الدستور في اسطنبول عام 1876، ثم تعليق العمل به، وقيام ثورة أحمد عرابي التي تلاها احتلال الانجليز لمصر عام 1882. وأدى ذلك إلى ظهور رأي عام يطالب بإعادة العمل بالدستور ومجابهة الاحتلال الأجنبي.

 يقول زيادة أنه خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، نشأ مثقف غير مرتبط بخدمة الدولة، ولا هو موظف في إداراتها، وتكون رأي عام يناقض رأي الحاكم، حيث أدى كل ذلك إلى نشوء السياسة التي عبرت عن نفسها في أحزاب أو تيارات ليبرالية وإصلاحية. لكن قبل ذلك يشير زيادة إلى ثلاثة عوامل مهدت أو أفضت إلى بناء الدولة الوطنية المصرية هي أولا بناء الجيش من المصريين في عهد محمد علي، وإنشاء جهاز إداري متخصص أصبحت العربية هي لغته الرسمية، والقوانين التي أصدرها محمد علي المتعلقة بملكية الأراضي، التي تم تطويرها بعد ذلك في عهد سعيد باشا، ومن بعده في عهد الخديوي إسماعيل، علما أن نظام الملكية العقارية، الذي كون فئة من المالكين كانوا جزءا من البيروقراطية الحكومية، هو الذي أفضي إلى تبلور الوطنية المصرية التي أخذت شكلها الدستوري في نهاية عهد اسماعيل ، و بروز خطابات الوطنية والدعوة إلى اعتماد دستور لمصر. ي

شير زيادة إلى أن بناء الدولة الحديثة كان لا بد أن يمر عبر تقليص الهيئات التقليدية أو تفكيكها التي كانت معروفة في الدولة السلطانية، ومنذ بداية الحملة الفرنسية على مصر وحتى نهاية عهد اسماعيل تغيرت مصر تغيرا كبيرا، فحل مكان العالم الأزهري الخبير المتخصص الذي يرتبط علمه بأهداف محددة مرتبطة بوظائف تتعلق بمصالح عامة. وحل مكان العسكر الذي يؤتى به من مناطق بعيدة جيش نظامي من أبناء مصر، وحل مكان المحاسبين الأقباط إداريون لا يقتصر عملهم على المحاسبة المالية وجمع أرقام الضرائب، بل تلقى على كواهلهم مهمات متعددة تتطلب معارف في الهندسة والطب والمالية، وغير ذلك.

يلفت زيادة إلى النهضة العلمية التي شهدتها مصر في عهد الخديوي إسماعيل، فيقول إن إنشاء مدرسة الحقوق ودار العلوم كان له أثر كبير في تخريج نخبة سيكون لها دورا بارزا لاحقا في الحياة السياسية والفكرية. فضلا عن افتتاح مدارس حربية وصناعية وثانوية وابتدائية، ومدارس للبنات ومدارس أوروبية، وجمعيات علمية مثل الجمعية الجغرافية الخديوية. ومن أبرز ملامح هذه النهضة نشوء الصحافة السياسية والأدبية، وقد شارك في تأسيسها مصريون ولبنانيون. ومن رواد تلك المرحلة فكريا الشيخ علي مبارك، ورفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني. ويوضح زيادة أن "الطهطاوي ساهم مع مجايليه، وهو أبرزهم على الإطلاق، في بناء نموذج المثقف الذي يعمل في مؤسسات الدولة ويخدمها وينطق بمشروعها. ويعود ذلك إلى أن الدولة هي التي أوجدت هذا المثقف وأوجدت الوظائف التي يشغلها"، لكن ذلك لم يمنع من وجود نماذج أخرى لكتاب وصحفيين مستقلين عبروا عن وجهات نظر معارضة للحكم.

مصر الليبرالية

شكلت ثورة 1919فاصلا في تاريخ مصر الحديث، وقد عبرت عن التطور الذي أحرزته مصر خلال قرن من الزمان في المجتمع والسياسة والثقافة، بحسب زيادة. وبينما كانت الثورة على الفرنسيين قد اقتصرت على مجموعة من أبناء الأحياء القاهرية، وبقيت ثورة عرابي موضع نزاع ولم تحصد أي إجماع، فإن ثورة 1919 وحدت المصريين في المدن والأرياف وصاغت الوطنية المصرية، وشكلت الزعامة الشعبية. أما النخبة التي أخذت على عاتقها المطالبة بالاستقلال فقد تكونت من مجموعة كان معظم أعضائها من خريجي مدرسة الحقوق، وذوي باع في الحياة العامة وأعضاء في الجمعية التشريعية.

بينما كانت الثورة على الفرنسيين قد اقتصرت على مجموعة من أبناء الأحياء القاهرية، وبقيت ثورة عرابي موضع نزاع ولم تحصد أي إجماع، فإن ثورة 1919 وحدت المصريين في المدن والأرياف وصاغت الوطنية المصرية، وشكلت الزعامة الشعبية.اعتبرت العقود الثلاثة التي أعقبت ثورة 1919 بمنزلة المرحلة الليبرالية في تاريخ مصر الحديث، وقد شملت نطاقات قانونية ودستورية وثقافية وفنية. وحفزت الثورة الكتابة التاريخية المستندة إلى مصادر ومراجع ووثائق، وبرز في هذا الحقل كتاب مثل محمد صبري وعبدالرحمن الرافعي وشفيق غربال، تبعهم جيل آخر من المؤرخين، وقد اهتموا جميعا بتاريخ مصرالقديم والحديث، وساهمت كتاباتهم بإرساء أسس القومية المصرية. وقد نشأت في هذه الفترة أحزاب تعبر عن اتجاهات متباينة تحت سقف المواطنة، وتؤمن أن تقدم المصريين يكون عبر التربية وعبر الممارسة الدستورية. لكن هذه المرحلة لم تستمر طويلا، إذ شهدت الثلاثينيات تحولات اجتماعية وسياسية وأيديولوجية، تمثلت في صعود الطبقة الوسطى، وبروز جيل جديد من طلاب المدارس الذين تشكل وعيهم بعد مرور أكثر من عقد على الثورة، فكانوا أقل تأثرا بالأيديولجيا الوطنية، وما عادوا متأثرين بأفكار الأمة المصرية ذات التاريخ الفرعوني، خصوصا أن النزعة الفرعونية كانت قد أخذت في التراجع أمام صعود التيارات التي تقول بانتماء مصر إلى رابطة شرقية إسلامية وعربية.

إعادة النظر بالتاريخ

ينتقل زيادة بعد ذلك للبحث في علاقة النظام الناصري بالمثقفين، ويرى أنه لا يمكن اختصار هذه العلاقة ،فقط، بإخضاع المثقفين من خلال تأميم جميع وسائل التعبير، من صحف ومجلات إلى دور نشر، وصولا إلى فرض الرقابة على المقررات الجامعية، وتحديد مجالات الكتابة التاريخية، بل أن هذه العلاقة تمثلت كذلك بانتزاع أي نفوذ للمثقف، وأي حرية في التعبير عن فهمه ووعيه لدور مصر وهويتها، فقد كان على المثقفين أن يصمتوا حين يتعلق الأمر بدور الدولة وهوية مصر، لأن الدولة في نظام يوليو هي التي تحدد هوية مصر، على حد قول زيادة. ويضيف إن جمال عبدالناصر لم يكن معاديا لليبرالية السياسية فحسب، بل كان معارضا للأفكار الليبرالية أيضا، فالحرية هي فقط حرية الوطن من الاستعمار، والمساواة تعني أن المواطنين كلهم سواسية من دون أحزاب وجماعات وفرق. وبالإضافة إلى ذلك فقد نظر إلى تجربة مصر الحديثة منذ مطلع القرن التاسع عشر باعتبارها تجربة مليئة بالأخطاء والإخفاقات.

يقول زيادة بسبب كل ما سبق لا يمكننا اعتبار ثورة يوليو امتدادا لتجربة مصر التحديثية، ولا امتدادا لثورات شعب مصر، من عمر مكرم إلى أحمد عرابي إلى سعد زغلول، وقد عمدت إلى تصفية الإرث التحديثي، وقضت على التعددية التربوية والثقافية والسياسية، أي كل ما منح مصر دورها الريادي في العالم العربي خلال ثلاثة أرباع قرن سابقة على ثورة يوليو. يشير زيادة إلى أن كتابة التاريخ بعد نهاية الحقبة الناصرية عبرت عن الحاجة إلى إعادة النظر بتاريخ الحقبات والثورات والشخصيات التي حجبها نظام يوليو. ولم تعد هويات مصر التاريخية المتخيلة(الفرعونية ، والمتوسطية، أو الهويات ذات الصفة الأيديولوجية، عربية أم إسلامية) الشغل الشاغل للمؤرخين، فهوية مصر الواقعية هي نتاج التحديث ونظام الدولة المركزية.

في الفصلين الأخيرين من الكتاب يتناول زيادة أبرز التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها مصر في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وصولا إلى ثورة يناير. ويسجل ملاحظة حول غياب دراسات اجتماعية، ماقبل ثورة يناير، تتعرض للمشكلات العميقة في المجتمع ـ مع استثناءات محدودة ـ إذ غلب على ما توافر منها طابع وصفي وإحصائي، بينما تناولت العديد من الأعمال الأدبية هذه التحولات وإفرازاتها بشكل لافت، فكان الروائي، كما يقول زيادة، بمثابة الشاهد على مجتمعه. ويضيف:" ربما يكون جلال أمين الشخص الوحيد الذي درس التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، خلال فترة زمنية تمتد عقودا، واستطاع أن يفسر أسس السياسات الحكومية الاقتصادية على الحراك الاجتماعي والطبقي."

وقد واصل أمين هذا النهج عندما أصدر كتابه "ماذا حدث للثورة المصرية" في العام 2012 الذي تناول فيه أحوال المصريين قبل الثورة، وأحوال أبرز الأحزاب السياسية في مصر، منتقدا صمت المثقفين على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومشيرا إلى أن أغلبيتهم تحول إلى أدوات في يد السلطة، فلا يعوّل على مواقفهم قبل الثورة أو بعدها. كما يستعرض زيادة مواقف كتاب ومثقفين آخرين من أحداث الثورة مثل طارق البشري والسيد ياسين، ويشير إلى أنه بالرغم من الحماسة والتفاؤل الذين أباهما المثقفون بشكل عام في بداية الثورة فإن التطورات المتلاحقة أظهرت انقساما واضحا بينهم، فوجدوا أنفسهم "عاجزين عن التأثير في الأحداث، فآثر بعضهم الانسحاب والصمت، واكتفى بعضهم الآخر بإبداء النصائح بينما انحازت الغالبية إلى النظام خوفا من الفوضى".

مقالات مشابهة

  • كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب
  • البرهان يطلق تصريحات عن الدعم السريع أمام إعلاميين قادمين من الخارج لإسناد الجيش
  • البرهان: مسلحون من تنظيم الدولة يقاتلون مع قوات الدعم السريع
  • هنية يشيد بجهود الشعب الأردني لنصرة الشعب الفلسطيني
  • نهاية الفيلم الإنقلابي ستكون مثل فيلم ديكويجو !
  • بايدن برر بؤس أدائه في المناظرة بكثرة الأسفار التي هدت حيله وكادت ترميه من طوله !!..
  • «الفار» يظلم فينيسيوس!
  • كأنها آلة كاتبة.. «آلاء» تبدع في رسم الحروف العربية والإنجليزية
  • سيحاصرك الموت غدا!!
  • سيحاصرك الموت غدا !!