الإجراءات القانونيّة بخصوص الإساءة الجنسيّة.. كتاب جديد للأب الدكتور ريمون جرجس
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أصدر الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسيسكاني، المتخصّص في القانون الكنسيّ، كتابًا جديدًا حول "الإجراءات القانونيّة بخصوص الإساءة الجنسيّة على القاصرين والبالغين المستضعفين"، وذلك حسب الوثائق القانونيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة.
وفيما يلي النص لمقدّمة الكتاب:
يحذّر يسوع: "وأَمَّا الذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر" (متى 18، 6).
والإشارة الكتابية الواردة في العهد الجديد صالحة للجميع، وبشكل أكثر تحديدًا في إنجيل متى: "إذا خَطِئَ أَخوكَ، فَاذهَبْ إِليهِ وَانفَرِدْ بِه ووَبِّخْهُ. فإِذا سَمِعَ لَكَ، فقَد رَبِحتَ أَخاك. وإِن لم يَسمَعْ لَكَ فخُذْ معَكَ رجُلًا أَو رَجُلَين، لِكَي يُحكَمَ في كُلِّ قضِيَّةٍ بِناءً على كَلامِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة. فإِن لم يَسمَعْ لَهما، فأَخبِرِ الكَنيسةَ بِأَمرِه. وإِن لم يَسمَعْ لِلكَنيسةِ أَيضًا، فَلْيَكُنْ عندَكَ كالوثَنِيِّ والجابي. الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء" (متى 18: 15-18). يقودنا الازدراء المعروف للوثنيين والعشارين إلى اعتبار المقارنة بهم حرمًا للمؤمنين، واستبعادًا من المجتمع. لذلك نلمح هنا الأساس الأوّل لقانون العقوبات الذي أسّسه الله شخصيًّا. بعد ذلك، على مرّ القرون، ستركّز جميع المساهمات اللاحقة على هذه الآيات وستجد الجذر الأوّل للسلطة العقابيّة الكنسيّة في كلام الله. كما رأينا في بداية هذه البند، ستؤدي الممارسة التي دامت قرونًا بشكل تدريجيّ إلى زياد النظام القائم على هذه المقدمات الأيديولوجية وإتقانه.
اعتبرت الكنيسة الكاثوليكيّة (الرومانيّة) الإساءة الجنسيّة على القاصرين فعلًا خطيرًا ويجب رفضه؛ ولم تتجاهله أبدًا، خصوصًا إذا ارتكبه الإكليريكيّ أو عضو مكرّس في المؤسسات الحياة المكرّسة. واكتشفت في السنوات القليلة الماضية، أنَّها أصبحت علنيّة، فكان لها تداعيات على المستوى الكنسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ. ولطالما الكنيسة تدافع عن الآداب العامّة والمصلحة العامّة فقد تدخّلت وفرضت عقوباتها الجزائيَّة على هذه الجنح ولجأت إلى حماية الضحايا المصابين بصدمات نفسيّة، والذين بدأوا التحدّث علانيّة، والإبلاغ عن الجنح المرتكبة بحقّهم وبدء الملاحقات القضائيّة المدنيّة والكنسيّة. بالتالي، لأنَّ هذه الجنح خطيرة، كان على الكنيسة أن تتخذ إجراءات قانونيّة جزائيَّة كي تدافع عن كرامة الإنسان، وعلى المتّهم، وإن كان تائبًا، أن يقبل الخضوع لهذه الإجراءات وعقوبة عادلة من السُّلطة المختصّة.
أدَّت الاكتشافات الأخيرة لحالات لا نهاية لها من الإساءات الجنسيّة على القاصرين التي قام الكهنة كاثوليك بها على مدار العقود الخمسة الماضية إلى تدقيق إعلاميّ مكثّف وغضب عامّ. غالبًا ما تحوّل هذا الاهتمام إلى سلوك السلطات الكنسيّة في إخفاء جرائم الكهنة وتسهيلها. وكان الاعتقاد أنّه يمكن حلّ كل مشكلة بالوسائل الرعويّة. وكشفت الدراسة أنّ الجزء الأكبر من هذه الجرائم حدثت خلال السبعينيّات والثمانينيّات، والتي ولّدت ردّ فعل قويًّا في المجتمع، وكثيرًا ما أُثيرت في وسائل الإعلام؛ وسط دوّامة عواطف من الغضب على قادة الكنيسة الكاثوليكيّة بسبب سوء تعاملهم مع شكاوى الإساءة وردودهم السيّئة على ضحايا.
كان ردّ فعل العديد من الرعاة الكنسيّين هو تطبيق مبادئ اللاهوت الأخلاقيّ فقط. في البداية، حدث الردّ على المستوى الأخلاقيّ أكثر منه على المستوى القانونيّ، على الرغم من حقيقة أنّ القانون الكنسيّ قد صنّف بالفعل بعض السلوكيات على أنّها جرائم. وكانت الفكرة الأساسيّة هي أنّه يمكن استرداد المعتدين في الخدمة خلال مسار إعادة التأهيل والعلاج. وكان النقل إلى وظيفة أخرى مفضّلًا في كثير من الأحيان على معاقبة الجاني وعزلته اللاحقة. تم تحديد الاختيارات من هذا النوع أيضًا من خلال صعوبة تقييم المسؤولية الفعليّة للمعتدي المزعوم: إذا كانت الإساءة الجنسيّة على القاصرين يعتبر مرضًا عقليًّا، فكيف كان من الممكن معاقبة مرتكبي هذا السلوك؟ وكانت النتيجة، غير الطوعيّة في بعض الأحيان، هي تكرار السلوك الإجراميّ على الاطفال. فإذا كانت الكنيسة قد حكمت السلوك الإجراميّ للأطفال باستخدام الأداة الإجرائية بشكل صحيح ومنهجيّ -محفور ومتكامل من خلال تطور تاريخيّ قانونيّ عمره قرون- لكان الوضع اليوم مختلفًا. كرر البابا فرنسيس هذا الكلام خلال لقائه مع أعضاء اللجنة الحبريَّة لحماية القُصَّر؛ "حان الوقت الآن لإصلاح الضرر الذي لحق بالأجيال التي سبقتنا ولأولئك الذين ما زالوا يعانون". و"إنّ عدم القدرة على التصرف بشكل صحيح لوقف هذا الشرّ ومساعدة ضحاياه قد أفسد شهادتنا الخاصة لمحبّة الله. لا يمكن لأحد اليوم أن يقول بصدق إنه غير متأثر بواقع الإساءة الجنسيّة في الكنيسة.
لذلك، الإساءة الجنسيّة على القاصرين من الإكليريكيّين كما قال البابا القدّيس يوحنَّا بولس الثَّاني: "جنحة خطيرة وهي احدى الأزمات الخطيرة التي تؤثّر ليس فقط على الكنيسة ولكن على المجتمع ككلّ. إنّها أزمة أخلاقيّة جنسيّة عميقة، حتَّى في العلاقات الإنسانيّة، وأوّل ضحاياها الأسرة والقاصر. لمعالجة مشكلة الإساءة بوضوح وبدقة، تساعد الكنيسة المجتمع لفهم ومعالجة الأزمة من داخلها. ويجب أن يكون واضحًا تمامًا للمؤمنين الكاثوليك وللجماعة بشكل أوسع أنّ الأساقفة والرؤساء مهتمّون قبل كلّ شيء لخير النّفوس الروحيّ. وعلى الناس أن تعلم أنّه لا يوجد مكان في الكهنوت وفي الحياة الرهبانيّة لهؤلاء الذين يفعلون الشرّ مع القاصرين. وأن يعلموا أنَّ الأساقفة والرؤساء ملتزمون تماما ملءَ الحقيقة الكاثوليكيّة بشأن مسائل أخلاقيّة جنسيّة كحقيقة أساسيّة لتجديد الحياة الكهنوتيّة والأسقفيَّة أو لتجديد حياة الزواج والحياة الأسريّة".
على مدى العقود القليلة الماضية، ردّت الكنيسة على هذه الفضائح بطرق مختلفة: من ناحية، من خلال تدخلات قضائيّة مختلفة للإدانة، أعدّت سلسلة من الأحكام التشريعيّة تهدف إلى مواجهة هذه الظاهرة: في الواقع، تم إلغاء قانون التقادم على الإجراءات الجنائيّة، وأتيحت إمكانية مقاضاة الجرائم بسرعة أكبر بالوسائل الإداريّة، وأُدخِلتْ قواعد صارمة فيما يتعلق بالتزامات الإبلاغ. ثمّ تدخّلت الكنيسة بإلغاء السريّة البابويّة فيما يتعلق بالشجب والعمليات والقرارات المتعلقة بجرائم الإساءة على القاصرين، مع الحفاظ على الضمانات التي لا غنى عنها لضمان السمعة الجيدة والصورة والمجال الخاص للأشخاص المعنيين.
في هذا السياق، توضع الأنظمة المتعاقبة بدءًا من إصدار الإرادة الرسوليَّة Sacramentorum Sanctitatis Tutela، وصولًا إلى القواعد والقرارات التنظيميّة الأخيرة المنسوبة إلى البابا فرنسيس. إنّ مجمل الإجراءات القانونيّة الكنسيّة التي نوليها اهتمامًا، لا يمكن أن تكون إلا ثمرة تفكير طويل وجيد النضج؛ مع استمراره، سيكون من الممكن توفير حماية كافية دائمًا بمرور الوقت لأولئك الذين يطالبون بالعدالة وتعديل علامة الأوقات وتجربة ما تم تطبيقه حتى الآن؛ كما أن جوهر العلاقات مع الدول بشأن مسألة منع الإساءة الجنسيّة وقمعها على القاصرين ومّن يعادلهم لا يزال أساسيًّا: فالخيارات الاستراتيجيّة الإضافية للسياسة التشريعيّة الملازمة لهم ستحدد الخطوط الأساسيّة للتعاون وستعمل على عدم - غير مبال بالصورة التي تتخذها الكنيسة الجامعة تجاه العالم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط الکاثولیکی ة القانونی ة ت الکنیسة على هذه ة التی
إقرأ أيضاً:
مصير ضحايا العنف الجنسي بعد عامين على حرب السودان
الخرطوم- بصوتٍ متقطع مرتجف، ورعشة لا تفارق الأيادي، تجلس الضحية "م. م" ذات الـ16 ربيعا، حائرة وعلامات الاستفهام الكبيرة تبدو على وجهها، على أسئلة لم تجد لها الإجابة بعد.
تحكي قصتها المحزنة، تقول إن 16 فبراير/شباط الماضي بات تاريخا مؤسفا في حياتها، حيث تعرض لها اثنان من أفراد قوات الدعم السريع في منطقة شرق النيل بالخرطوم، واتهموها بتخبئة سلاح، ثم دخلوا منزلها وفتشوه ولم يجدوا شيئا.
في اليوم التالي عادوا وكانوا 4 أشخاص، فاعتدوا على زوج عمتها بالرصاص وأخذوا والدها إلى المنزل، ومن ثم أخذوهم إلى منزل في منطقة الردمية بتهمة التخابر، ثم ضُرب والدها بالرصاص، واختطفوها إلى منطقة الفيحاء.
تأخذ شهيقا عميقا، ثم تواصل بصوت متقطع "تم أخذي إلى منطقة الأزهري جنوب الخرطوم، واحتجازي في منزل بالأزهري مربع 12، لمدة شهر و3 أيام، وكلما حاولت الهرب يقومون بإلقاء القبض علي والاعتداء علي كنوع من العقاب".
وتواصل حديثها للجزيرة نت وتقول إنه تم الاعتداء عليها 3 مرات، حتى استطاعت الهرب في 22 رمضان الماضي، بعد أن أغلق مختطفها الباب الكبير وتأكد من تأمينه، وساعدها في ذلك هروب كل الحراسات الخاصة بعد تقدم قوات الجيش السوداني، فتمكنت من الهروب من باب خلفي بالمنزل، حيث ساعدتها سيدة بالهرب نحو مناطق أخرى حتى تم تسليمها لأهلها.
تقول الدكتورة لبنى علي محمد رئيسة منظمة "بت مكلي" القومية والمسؤولة في مركز أمان للناجيات، إن المركز يأوي 35 ناجية من ضحايا العنف الجنسي، تم تأهيل معظمهن، ويتواجد الآن 12 منهن، يتلقين الخدمات الصحية والمجتمعية والإرشاد النفسي.
إعلانتقول الدكتورة للجزيرة نت إن هناك 1600 ناجية من ضحايا العنف الجنسي في حرب السودان، حيث تعمل على تأهيل الناجيات وتدريبهن على المهارات المختلفة، وأشارت إلى أن المركز يقدم خدمات صحية ونفسية واجتماعية، وقانونية، واقتصادية، بالإضافة إلى جلسات العلاج النفسي والجلسات النفسية الإرشادية الجماعية.
وقالت إن الناجيات يصلن إلى المركز بحالة نفسية سيئة جراء الاعتداءات عليهن، وأضافت أنهم في المركز يستقبلون 5 أنواع من ضحايا العنف الجنسي وهن:
المختطفات. المغتصبات جماعيا. المجبرات على الزواج قسرا. الطالبات المغتصبات. المتعاونات قسرا، وهن اللاتي أجبرتهن قوات الدعم السريع على التعاون معها ليتم اغتصابهن وحقنهن بالمخدرات.وأوضحت الدكتورة لبنى أنها لا تستطيع تقديم الخدمة الكاملة والرعاية المتكاملة لجميع الناجيات حول السودان كون أن العمل ما زال في بدايته، وما زالت تواجه صعوبات مالية كبيرة وتحديات يومية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمركز، في ظل غياب التمويل الثابت، وأعلنت أنها تحاول إقامة 4 مراكز أساسية في السودان لاحتواء الناجيات، وتقديم الرعاية النفسية والدعم الصحي والمجتمعي.
تقول سليمى إسحاق رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل للجزيرة نت إن عدد المغتصبات وضحايا العنف الجنسي حتى مارس/آذار الماضي بلغ 1138 حالة، لكنها لم تشمل ما حدث في مخيم زمزم ومناطق أخرى مختلفة في الخرطوم، وذلك بسبب تعطل عمل المستشفيات المرجعية.
كما أكدت أن هناك ضعفا في الإحالات القانونية بسبب الخوف من الوصمة المجتمعية، وعدم اهتمام الناس إلا في حالات وجود طفل في حالات الحمل المتقدم.
وذكرت الرئيسة أنه تم إعادة التوقيع على إطار التعاون بين وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة الخاصة بالعنف الجنسي المتصل بالنساء براميلا باتن، والتي زارت السودان في الفترة من 13 إلى 17 أبريل/نيسان الحالي، لزيادة ضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.
إعلانوأضافت سليمى أن "قوات الدعم السريع تستخدم العنف الجنسي كسلاح ضد المدنيين، ولديها الفُرصة للإفلات من العقاب كونها تمارس ذلك السلوك كعمل ممنهج، وجزء من آليات الحرب لديها".
وأكدت أن قوات الدعم السريع استخدمت أنواعا مختلفة من العنف الجنسي، مثل الاسترقاق أو الاستعباد الجنسي، والحمل القسري، والزواج القسري، والخطف والاتجار بالبشر، "الأمر الذي سيكون له آثاره المختلفة لدى الأفراد والمجتمع" حسب قولها.
من جهته، أوضح رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان مولانا جمعة الوكيل أن الحرب الحالية التي يشهدها السودان خلّفت ضحايا كُثرا من النساء اللاتي تعرضن للعنف الجنسي، وأن الأعداد تتزايد مع استمرار الحرب حتى اليوم، وأن ما حدث الأسبوع الماضي بمخيم زمزم للنازحين ومخيم أبو شوك يمثل إضافة لتلك الانتهاكات التي وقعت على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
وأشار الوكيل إلى أن المفوضية تعمل على رصد الانتهاكات التي تقع في الحرب، وعلى إظهارها للرأي العام المحلي والعالمي، مؤكدا حرصهم على عدم إفلات الجُناة من العقاب، والاهتمام بالضحايا وتوفير العلاج والدعم، من خلال التنسيق مع الجهات المختصة وتوفير الدعم النفسي.
وقال الوكيل للجزيرة نت إنهم يهتمون بكل الانتهاكات التي تقع على المدنيين، وعلى حث السلطات للقيام بدورها في تقديم المساعدات الإنسانية للضحايا، وأكد أنهم يقومون برصد الانتهاكات التي حدثت منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023.
كما ذكر أنهم يقومون بنقل تلك الحقائق إلى الجهات المختصة والرأي العام العالمي، من خلال التنسيق مع المنظمات الحقوقية العاملة في مجال حقوق الإنسان، مثل "هيومن رايتس ووتش"، ومنظمة العفو الدولية، ومجلس حقوق الإنسان بجنيف، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات المختصة.
إعلان