أصدر الأب الدكتور ريمون جرجس الفرنسيسكاني، المتخصّص في القانون الكنسيّ، كتابًا جديدًا حول "الإجراءات القانونيّة بخصوص الإساءة الجنسيّة على القاصرين والبالغين المستضعفين"، وذلك حسب الوثائق القانونيّة في الكنيسة الكاثوليكيّة.

وفيما يلي النص لمقدّمة الكتاب:

 

يحذّر يسوع: "وأَمَّا الذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر" (متى 18، 6).

وبالمثل، يكتب الرسول بولس أن الظالمين لن يرثوا ملكوت الله ويجب ألا ننخدع: "أَما تَعلَمونَ أَنَّ الفُجَّارَ لا يَرِثونَ مَلَكوتَ الله؟ فلا تَضِلُّوا، فإِنَّه لا الفاسِقونَ ولا عُبَّادُ الأَوثان ولا الزُّناةُ ولا المُخَنَّثون ولا اللُّوطِيُّونَ ولا السَّرَّاقون ولا الجَشِعونَ ولا السِّكِّيرون ولا الشَّتَّامونَ ولا السَّالِبونَ يَرِثونَ مَلَكوتَ الله" (1 كو 6: 9-10) ويتابع بالقول إنه" لا زاني أو نجس أو طماع -وهو من عبدة الأوثان- سيكون له نصيب في ملكوت المسيح ومن الله" (أف 5: 5).

 

والإشارة الكتابية الواردة في العهد الجديد صالحة للجميع، وبشكل أكثر تحديدًا في إنجيل متى: "إذا خَطِئَ أَخوكَ، فَاذهَبْ إِليهِ وَانفَرِدْ بِه ووَبِّخْهُ. فإِذا سَمِعَ لَكَ، فقَد رَبِحتَ أَخاك. وإِن لم يَسمَعْ لَكَ فخُذْ معَكَ رجُلًا أَو رَجُلَين، لِكَي يُحكَمَ في كُلِّ قضِيَّةٍ بِناءً على كَلامِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة. فإِن لم يَسمَعْ لَهما، فأَخبِرِ الكَنيسةَ بِأَمرِه. وإِن لم يَسمَعْ لِلكَنيسةِ أَيضًا، فَلْيَكُنْ عندَكَ كالوثَنِيِّ والجابي. الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء" (متى 18: 15-18). يقودنا الازدراء المعروف للوثنيين والعشارين إلى اعتبار المقارنة بهم حرمًا للمؤمنين، واستبعادًا من المجتمع. لذلك نلمح هنا الأساس الأوّل لقانون العقوبات الذي أسّسه الله شخصيًّا. بعد ذلك، على مرّ القرون، ستركّز جميع المساهمات اللاحقة على هذه الآيات وستجد الجذر الأوّل للسلطة العقابيّة الكنسيّة في كلام الله. كما رأينا في بداية هذه البند، ستؤدي الممارسة التي دامت قرونًا بشكل تدريجيّ إلى زياد النظام القائم على هذه المقدمات الأيديولوجية وإتقانه.

 

اعتبرت الكنيسة الكاثوليكيّة (الرومانيّة) الإساءة الجنسيّة على القاصرين فعلًا خطيرًا ويجب رفضه؛ ولم تتجاهله أبدًا، خصوصًا إذا ارتكبه الإكليريكيّ أو عضو مكرّس في المؤسسات الحياة المكرّسة. واكتشفت في السنوات القليلة الماضية، أنَّها أصبحت علنيّة، فكان لها تداعيات على المستوى الكنسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ. ولطالما الكنيسة تدافع عن الآداب العامّة والمصلحة العامّة فقد تدخّلت وفرضت عقوباتها الجزائيَّة على هذه الجنح ولجأت إلى حماية الضحايا المصابين بصدمات نفسيّة، والذين بدأوا التحدّث علانيّة، والإبلاغ عن الجنح المرتكبة بحقّهم وبدء الملاحقات القضائيّة المدنيّة والكنسيّة. بالتالي، لأنَّ هذه الجنح خطيرة، كان على الكنيسة أن تتخذ إجراءات قانونيّة جزائيَّة كي تدافع عن كرامة الإنسان، وعلى المتّهم، وإن كان تائبًا، أن يقبل الخضوع لهذه الإجراءات وعقوبة عادلة من السُّلطة المختصّة.

 

أدَّت الاكتشافات الأخيرة لحالات لا نهاية لها من الإساءات الجنسيّة على القاصرين التي قام الكهنة كاثوليك بها على مدار العقود الخمسة الماضية إلى تدقيق إعلاميّ مكثّف وغضب عامّ. غالبًا ما تحوّل هذا الاهتمام إلى سلوك السلطات الكنسيّة في إخفاء جرائم الكهنة وتسهيلها. وكان الاعتقاد أنّه يمكن حلّ كل مشكلة بالوسائل الرعويّة. وكشفت الدراسة أنّ الجزء الأكبر من هذه الجرائم حدثت خلال السبعينيّات والثمانينيّات، والتي ولّدت ردّ فعل قويًّا في المجتمع، وكثيرًا ما أُثيرت في وسائل الإعلام؛ وسط دوّامة عواطف من الغضب على قادة الكنيسة الكاثوليكيّة بسبب سوء تعاملهم مع شكاوى الإساءة وردودهم السيّئة على ضحايا.

 

كان ردّ فعل العديد من الرعاة الكنسيّين هو تطبيق مبادئ اللاهوت الأخلاقيّ فقط. في البداية، حدث الردّ على المستوى الأخلاقيّ أكثر منه على المستوى القانونيّ، على الرغم من حقيقة أنّ القانون الكنسيّ قد صنّف بالفعل بعض السلوكيات على أنّها جرائم. وكانت الفكرة الأساسيّة هي أنّه يمكن استرداد المعتدين في الخدمة خلال مسار إعادة التأهيل والعلاج. وكان النقل إلى وظيفة أخرى مفضّلًا في كثير من الأحيان على معاقبة الجاني وعزلته اللاحقة. تم تحديد الاختيارات من هذا النوع أيضًا من خلال صعوبة تقييم المسؤولية الفعليّة للمعتدي المزعوم: إذا كانت الإساءة الجنسيّة على القاصرين يعتبر مرضًا عقليًّا، فكيف كان من الممكن معاقبة مرتكبي هذا السلوك؟ وكانت النتيجة، غير الطوعيّة في بعض الأحيان، هي تكرار السلوك الإجراميّ على الاطفال. فإذا كانت الكنيسة قد حكمت السلوك الإجراميّ للأطفال باستخدام الأداة الإجرائية بشكل صحيح ومنهجيّ -محفور ومتكامل من خلال تطور تاريخيّ قانونيّ عمره قرون- لكان الوضع اليوم مختلفًا. كرر البابا فرنسيس هذا الكلام خلال لقائه مع أعضاء اللجنة الحبريَّة لحماية القُصَّر؛ "حان الوقت الآن لإصلاح الضرر الذي لحق بالأجيال التي سبقتنا ولأولئك الذين ما زالوا يعانون". و"إنّ عدم القدرة على التصرف بشكل صحيح لوقف هذا الشرّ ومساعدة ضحاياه قد أفسد شهادتنا الخاصة لمحبّة الله. لا يمكن لأحد اليوم أن يقول بصدق إنه غير متأثر بواقع الإساءة الجنسيّة في الكنيسة.

 

لذلك، الإساءة الجنسيّة على القاصرين من الإكليريكيّين كما قال البابا القدّيس يوحنَّا بولس الثَّاني: "جنحة خطيرة وهي احدى الأزمات الخطيرة التي تؤثّر ليس فقط على الكنيسة ولكن على المجتمع ككلّ. إنّها أزمة أخلاقيّة جنسيّة عميقة، حتَّى في العلاقات الإنسانيّة، وأوّل ضحاياها الأسرة والقاصر. لمعالجة مشكلة الإساءة بوضوح وبدقة، تساعد الكنيسة المجتمع لفهم ومعالجة الأزمة من داخلها. ويجب أن يكون واضحًا تمامًا للمؤمنين الكاثوليك وللجماعة بشكل أوسع أنّ الأساقفة والرؤساء مهتمّون قبل كلّ شيء لخير النّفوس الروحيّ. وعلى الناس أن تعلم أنّه لا يوجد مكان في الكهنوت وفي الحياة الرهبانيّة لهؤلاء الذين يفعلون الشرّ مع القاصرين. وأن يعلموا أنَّ الأساقفة والرؤساء ملتزمون تماما ملءَ الحقيقة الكاثوليكيّة بشأن مسائل أخلاقيّة جنسيّة كحقيقة أساسيّة لتجديد الحياة الكهنوتيّة والأسقفيَّة أو لتجديد حياة الزواج والحياة الأسريّة".

 

على مدى العقود القليلة الماضية، ردّت الكنيسة على هذه الفضائح بطرق مختلفة: من ناحية، من خلال تدخلات قضائيّة مختلفة للإدانة، أعدّت سلسلة من الأحكام التشريعيّة تهدف إلى مواجهة هذه الظاهرة: في الواقع، تم إلغاء قانون التقادم على الإجراءات الجنائيّة، وأتيحت إمكانية مقاضاة الجرائم بسرعة أكبر بالوسائل الإداريّة، وأُدخِلتْ قواعد صارمة فيما يتعلق بالتزامات الإبلاغ. ثمّ تدخّلت الكنيسة بإلغاء السريّة البابويّة فيما يتعلق بالشجب والعمليات والقرارات المتعلقة بجرائم الإساءة على القاصرين، مع الحفاظ على الضمانات التي لا غنى عنها لضمان السمعة الجيدة والصورة والمجال الخاص للأشخاص المعنيين.

 

في هذا السياق، توضع الأنظمة المتعاقبة بدءًا من إصدار الإرادة الرسوليَّة Sacramentorum Sanctitatis Tutela، وصولًا إلى القواعد والقرارات التنظيميّة الأخيرة المنسوبة إلى البابا فرنسيس. إنّ مجمل الإجراءات القانونيّة الكنسيّة التي نوليها اهتمامًا، لا يمكن أن تكون إلا ثمرة تفكير طويل وجيد النضج؛ مع استمراره، سيكون من الممكن توفير حماية كافية دائمًا بمرور الوقت لأولئك الذين يطالبون بالعدالة وتعديل علامة الأوقات وتجربة ما تم تطبيقه حتى الآن؛ كما أن جوهر العلاقات مع الدول بشأن مسألة منع  الإساءة الجنسيّة وقمعها على القاصرين ومّن يعادلهم لا يزال أساسيًّا: فالخيارات الاستراتيجيّة الإضافية للسياسة التشريعيّة الملازمة لهم ستحدد الخطوط الأساسيّة للتعاون وستعمل على عدم - غير مبال بالصورة التي تتخذها الكنيسة الجامعة تجاه العالم.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط الکاثولیکی ة القانونی ة ت الکنیسة على هذه ة التی

إقرأ أيضاً:

كل ما تريد معرفته عن دير مارجرجس الرزيقات.. احتفالات المولد بعد أيام

أيام قليلة ويبدأ احتفال الأقباط بمولد دير مارجرجس الرزيقات، حيث ينظم الأقباط احتفالات على مدار 6 أيام حول الدير في الفترة من 10 نوفمبر وحتى 16 من نفس الشهر. وبالتزامن مع قرب الاحتفالات، واستعرضت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر موقعها الرسمي أبرز المعلومات عن دير مارجرجس الرزيقات أحد الأديرة الأثرية التابعة للكنيسة.

تاريخ دير مارجرجس الرزيقات 

يوجد للشهيد مار جرجس في قرية الديمقراط دير قديم أثري قد اندثر، بينما الدير الآخر الموجود حاليًا كان يقع غرب الدير الحالي بمسافة 10 كم، وكان يتبع قرية الديمقراط (نجع الديمقراطية). وقد جاء ذكر البلدة بهذا الاسم في خاتمة مخطوط يعود إلى عام 960م باللغة القبطية، ويعتقد بعض الدارسين أن هذا المكان كان أسقفية بنفس الاسم حيث جاء ذكرها. حاليًا يطلق عليه بعض الأعراب دير الحجر.

أما الدير الحالي، دير الشهيد العظيم مار جرجس، فيقع على الضفة الغربية لنهر النيل جنوب مدينة أرمنت، على حافة الصحراء بالقرب من قرية الرزيقات، التي تقع شمال شرق الدير بمسافة 4 كم، ويتبع مركز أرمنت الذي يقع الدير جنوبه بحوالي 13 كم، كما يبعد الدير بحوالي 5 كم غرب قرية الديمقراط.

وبنى القديس تادرس، تلميذ الأنبا باخوميوس، الدير القديم، حيث قيل إن هناك ديرًا بناه تادرس للرهبان في أرموتيم (أي أرمنت) القريبة من بلدته. ومنذ القرن الرابع عشر لم يذكر التاريخ عنه شيئًا، وذلك لاندثار أديرة عديدة بسبب الغارات المتكررة والهجوم على الأديرة، بالإضافة إلى ندرة المساعدات للأديرة نظرًا لسوء الحالة الاقتصادية ومصادرة أملاك الكنائس والأديرة من المماليك والحكام.

تأسيس الدير

ذُكر الدير عندما أرسل الأنبا مرقس الأسقف بكرسي إسنا عام 1893م كشفًا إلى البطرخانة بالكنائس التي في إيبارشيته وقتئذ، وجاء فيه فيما يخص إيبارشية الأقصر وإسنا وأرمنت، ومن ضمنها كنيسة مارجرجس المعروفة بالدير القائم فوق الرزيقات.

ويذكر أن الدير بُني على يد القمص بولس الكبير، كاهن هذا الدير، عوضًا عن الدير الأصلي القديم الذي كان قائمًا داخل الصحراء غربًا، وجرت هجرتُه لبعده وصعوبة الوصول إليه. ويضم الدير كنائس أثرية، منها الكنيسة الأثرية باسم الشهيد مار جرجس، والتي ترجع إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكنيسة السمائيين التي توجد بالفناء الخارجي عند البوابة الرئيسية من الناحية اليمنى بجوار المدافن.

الاحتفالات السنوية 

يحتفل الدير سنويًا بالقديس مار جرجس احتفالًا كبيرًا، وهو من أعظم الاحتفالات في القطر المصري وأكبرها، بحسب ما وصفه موقع الكنيسة القبطية، حيث يتدفق الآلاف، بل الملايين من الزائرين للدير من داخل القطر المصري أو خارجه، من أقباط ومسلمين، وفيه مظاهر البهجة والفرح، وكان أول تنظيم لعيد مار جرجس عام 1975م ناجحًا جدًا، وهو أول عيد يُعقد بالدير، واستمر الاحتفال حتى الآن في الفترة من أول هاتور إلى 7 هاتور، من 10 إلى 16 نوفمبر من كل عام.

مقالات مشابهة

  • اتهام للمنظمات الدولية بتوزيع بسكويت للأطفال في المدارس اليمنية يساهم بانتشار الشذوذ الجنسي - وثيقة
  • كل ما تريد معرفته عن دير مارجرجس الرزيقات.. احتفالات المولد بعد أيام
  • الكنيسة تستعد لاحتفالات دير مار جرجس السنوية بالرزيقات
  • الكنيسة القبطية تحيي ذكرى رحيل القديس لوقا الإنجيلي
  • القحطاني يكشف الموقف القانوني لجماهير الاتحاد بعد واقعة رمي الأكياس .. فيديو
  • الكنيسة المارونيّة وضعت الخلاف السياسي جانباً... الأولويّة للتضامن الوطني
  • "أسوم".. ارتقت قبل موعد سرد ما حفظت من كتاب الله
  • صُنّاع «الفستان الأبيض» يدافعون عن الفيلم: لا نستطيع الإساءة إلى مهنة الصحافة
  • سكرتير المجمع المقدس: أدعو كل من له رأي في الكنيسة أن يقدمه بروح المحبة
  • محمد المهدى: للأب دور نفسي كبير في حياة أبنائه