بحر جنوب الصين.. يمر عبره ثلث الشحن البحري في العالم وتتنازع على سيادته 6 دول
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
يقع بحر جنوب الصين غرب المحيط الهادي، وهو معبر لنحو ثلث الشحن البحري في العالم. تطل عليه 6 دول هي: الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، وتتنازع فيما بينها من أجل السيادة على أجزاء منه، ومنذ عدة قرون والتوتر حوله في تصاعد مستمر.
يحتل الصراع على النفوذ في بحر جنوب الصين أهمية متزايدة، وبات ينذر بخطر كبير، ليس بسبب مصالح الدول المشتركة فيه فحسب، وإنما كذلك للتنافس الدولي المتنامي الذي عززه صعود الصين بصفتها قوة اقتصادية قادرة على منافسة الولايات المتحدة وأوروبا.
يقع بحر جنوب الصين غرب المحيط الهادي. يغطي مساحة تناهز 3 ملايين و500 ألف كيلومتر مربع. يحده:
من الشمال شواطئ جنوب الصين. من الغرب شبه جزيرة الهند الصينية. من الشرق جزر تايوان وشمال غرب الفلبين. من الجنوب جزيرة بورنيو "التي تتقاسمها كل من ماليزيا وإندونيسيا وبروناي/دار السلام" وشرق جزيرة سومطرة وجزر بانغا بليتونغ الإندونيسية.يتميز البحر بطقس استوائي ورياح موسمية تهيمنان عليه إلى حد كبير، وتهب الرياح الموسمية في الصيف من جهة الجنوب الغربي، وفي الشتاء من الشمال الشرقي.
ويتراوح معدل هطول الأمطار السنوي ما بين 80 بوصة (أي ألفي ملليمتر) إلى أكثر من 120 بوصة (3 آلاف ملليمتر) في حوضه الجنوبي، مع كثرة الأعاصير الصيفية.
السمات الجيولوجية والإستراتيجيةلبحر جنوب الصين أهمية اقتصادية وبيئية وجيوستراتيجية، فهو معبر لنحو ثلث الشحن البحري في العالم، بقيمة تبلغ نحو 3.37 تريليونات دولار أميركي سنويا.
وتعتمد عليه الصين في وارداتها من الطاقة بنسبة تصل إلى 80% و39.5% من إجمالي التجارة الصينية.
تاريخيا كان بحر جنوب الصين صلة الصين بجنوب شرق آسيا والهند وأوروبا. ويشهد على ازدهار التجارة من خلاله حطام عديد من السفن التجارية في قاعه.
وقد كشفت أعمال تنقيب أشرف عليها المهندس السويدي ستين سيوستراند عن 9 سفن تجارية تاريخية كانت محملة بالخزف (السيراميك) ويعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرنين الـ 10 والـ 19.
وتقدر احتياطيات النفط والغاز الطبيعي في هذا البحر بين 23 مليارا و30 مليار طن من النفط، و190 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.
إضافة إلى أنه غني بالثروات المعدنية والسمكية التي تعد ضرورية للأمن الغذائي للملايين في منطقة جنوب شرق آسيا.
ويحتوي بحر جنوب الصين على عدة مجموعات أو أرخبيل جزر صغيرة غير مأهولة في الغالب، وشعاب مرجانية وجبال تحت البحر يبلغ عددها مئات.
وزاد من أهمية البحر الإستراتيجية خطوط الكابلات الحيوية الممتدة عبر البحر لخدمات الاتصالات الدولية، مما جعله محط أنظار دول بعيدة وقريبة.
الصراع الإقليميتطل على بحر جنوب الصين 6 دول (الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي) تتنازع فيما بينها من أجل السيادة على أجزاء منه، ومنذ عدة قرون والتوتر حوله في تصاعد مستمر.
وتكمن أهمية جزره في أنها مداخل جغرافية للبحر، وأن السيطرة عليها مدخل للتأثير في حركتي التجارة والملاحة العالميتَين، والتهديد بإغلاقها يترك آثارا سلبية جمة على الدول التي تعتمد على السفن في تجارتها.
وتطالب الفلبين وماليزيا وفيتنام وسلطنة بروناي بالسيادة على مناطق متداخلة من هذا البحر، بينما تصر الصين على أنها صاحبة حق تاريخي فيه وفقا لسجلات تاريخية تستند إليها قائلة إن الصينيين القدماء هم الذين اكتشفوه بالقرن الثاني قبل الميلاد.
وهذا هو "الدليل التاريخي" الذي تتكئ عليه الصين في سيادة غير قابلة للجدل -في نظرها- على نسبة 90% من جُزره والمياه المحيطة بها.
وعززت بكين موقفها بالسيادة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه، وتسيير الدوريات البحرية في مياهه.
وتكمن أهمية الجزر الاصطناعية التي تقيمها الصين في منحها مياها إقليمية خالصة، ومناطق اقتصادية خاصة تحتكر التنقيب فيها على المصادر الطبيعية.
وتضاف إلى ذلك الأهمية العسكرية البالغة بإقامة قواعد عسكرية متقدمة يمكنها مضاهاة حاملات الطائرات الغربية.
وقد انتهجت الصين سياسة بناء الجزر الاصطناعية منذ عام 2013، لا سيما في منطقة جزر سبراتلي وباراسيل، وقوبلت هذه الإجراءات بإدانة دولية واسعة وإجراءات عملية مثل قيام الولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا والمملكة المتحدة بعمليات "حرية الملاحة" بالمنطقة منذ عام 2015.
ورغم أن ادعاء الأميركيين بعدم الانحياز لطرف ضد آخر في النزاعات الإقليمية، فإن سفنهم الحربية وطائراتهم العسكرية تجوب المنطقة باعتبارها مياها دولية، بما فيها المناطق القريبة من جزر متنازع عليها، ضمن أنشطة يطلقون عليها "عمليات حرية الملاحة" ويقولون إنها تهدف إلى إبقاء طرق الملاحة البحرية والجوية مفتوحة للجميع.
ويتبادل الصينيون والأميركيون الاتهامات بعسكرة بحر جنوب الصين، مما أدى إلى مخاوف من أن تتجه المنطقة تدريجيا إلى نقطة احتكاك، وأن عواقب أي صدام فيها قد تكون وخيمة على النطاق العالمي.
وتشمل نزاعات بحر جنوب الصين الجزر والشعاب المرجانية والضفاف وغيرها من المناطق، بما فيها جزر سبراتلي وباراسيل ومنطقة سكاربورو الضحلة وحدود مختلفة في خليج تونكين.
وثمة نزاعات أخرى تضم المياه الإقليمية بالقرب من جزر ناتونا الإندونيسية، والتي لا يعدّها كثيرون جزءا من بحر جنوب الصين.
وينصب اهتمام الدول المتنازعة على حقوق استغلال مخزون الصيد والوصول إليه، واستكشاف النفط الخام والغاز الطبيعي في قاع البحر بأجزاء مختلفة وإمكانية استغلالهما، والتحكم الإستراتيجي في ممرات الشحن البحري المهمة.
وفي يوليو/تموز 2016، قضت هيئة التحكيم الدائمة في لاهاي بعدم أحقية الصين بامتلاك الجزء الأكبر من مياه بحر جنوب الصين الإستراتيجية، وأيد قرار هيئة التحكيم موقف الفلبين في القضية بشكل كامل تقريبا.
وأعلنت المحكمة في بيانها أنه لا يوجد "أساس قانوني لمطالبة الصين بحقوق تاريخية على الموارد في المناطق البحرية داخل خط النقاط التسع" الذي تستند بكين إليه في مطالبها، وهو وارد في خرائط تعود إلى أربعينيات القرن الماضي.
آسيان وبحر جنوب الصينتتبنى رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" مبدأ أساسيا يقوم على حل النزاعات الإقليمية بالوسائل السلمية. لكن على مر السنين، أدى موقف الرابطة من نزاعات بحر جنوب الصين إلى إضعاف صورتها على المستوى الدولي، وإثارة تساؤلات حول مصداقيتها كمنظمة إقليمية فعالة.
ويعود جزء من ضعف كتلة "آسيان" إلى أن الدول العشر المنضوية تحت مظلتها ترتبط بعلاقات مصلحية مع الدول الكبرى، لا سيما الصين والولايات المتحدة، وأخرى توازن علاقاتهما معهما، بما يحول دون اتخاذ موقف مشترك موحد للمنظمة حيال أي قضية في بحر جنوب الصين.
يضاف إلى ذلك أن عددا من دول "آسيان" لا تشرف على بحر جنوب الصين، وبذلك لا تشعر أنها معنية بالصراع فيه بشكل مباشر.
وقد توصلت مجموعة "آسيان" عام 2012 إلى ما يعرف بإعلان "لائحة السلوك" في بحر جنوب الصين، والتي تنص على أن تتحول إلى اتفاقية في غضون 10 سنوات.
ولكن المدة انقضت ولم تصادق عليها دول المجموعة، بينما تعدّها الصين أساسا لضبط الملاحة في البحر محل النزاع، إضافة إلى النقاط التسع التي اعتمدتها وعدّتها حدودا جغرافية.
غير أن تصريحات الولايات المتحدة المتعاقبة تفيد بعدم موافقتها على إعلان السلوك أو النقاط التسع.
الولايات المتحدة وبحر جنوب الصينليس لواشنطن أي مطالبة للسيادة في بحر جنوب الصين، لكنها انتقدت بشدة ما سمته "عدوانية" الصين، وأصرت على أن حرية الملاحة للسفن التجارية فيه أمر حيوي للتجارة الإقليمية والدولية.
وتسير الولايات المتحدة دوريات عسكرية مشتركة مع الفلبين واليابان وأستراليا وإندونيسيا، كما زادت الدعم المالي لتعزيز القدرات العسكرية لدول آسيان ودول شرق آسيا، فضلا عن تعزيز التعاون الدفاعي الثنائي مع هذه الدول.
جزر بحر جنوب الصين وأهميتها جزر سبراتلي: يفوق عدد مجموعة جزر سبراتلي 100 جزيرة، تتوزع على 11 إقليما، وعلى مساحة تصل إلى ألف كيلومتر مربع. أدى النزاع بين الصين وفيتنام عليها إلى مواجهة عسكرية يوم 19 يناير/كانون الثاني 1974 وأصبحت بعدها سبراتلي تحت السيطرة الكاملة للصين. جزر باراسيل: بعد انتصار الصين على فيتنام عام 1974 أصبحت مجموعة جزر باراسيل تحت السيطرة الصينية، وهي تتوسط الساحل الجنوبي لجزيرة هاينان وساحل فيتنام الأوسط، وتتكون من 10 جزر وجروف صخرية، وتشغل مساحة 200 كيلومتر مربع. جزر براتاس: تقع على بُعد 300 كيلومتر جنوب شرق هونغ كونغ و548 كيلومترا جنوب تايوان، و500 كيلومتر شمال غرب ليزون أكبر جزر الفلبين. وقد بقيت لمدة طويلة من الزمن تحت السيطرة التايوانية. قطاع ماكلسفيلد: يقع على بعد حوالي 300 كيلومتر جنوب شرق أرخبيل باراسيل، ويبلغ طوله 140 كيلومترا وعرضه 60 كيلومترا، وهو جرف رملي يتكون من مجموعة جزر صغيرة منخفضة، ويقع تحت إدارة منطقة سانشيلد الصينية، ولكن تايوان تطالب به أيضا.وتحاول أطراف النزاع إثبات أحقيتها في هذه الجزر بادعاءات تاريخية، وتدعي الصين أنها أول من اكتشف هذه الجزر ويشتد النزاع على جزر سبراتلي وبراسيل بشكل خاص نظرا لأهميتها وبنسبة أقل على جزر براتاس وقطاع ماكلسفيلد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی بحر جنوب الصین الولایات المتحدة جنوب شرق آسیا الشحن البحری ما بین
إقرأ أيضاً:
الاحتباس الحراري يهدد غابات البحر.. 84% من الشعاب المرجانية تضررت
تواصل ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية الضخمة المستمرة منذ عامين تسجيل أرقام قياسية، إذ بات نحو 84% من الشعاب المرجانية في العالم متضررا، مما يشكل خطرا على استمرارية هذه النظم البيئية التي تُعد ضرورية للحياة البحرية ومئات الملايين من البشر.
تعد الشعاب المرجانية -المعروفة باسم غابات البحار- شديدة التأثر بارتفاع درجات حرارة المياه. وتشهد درجات حرارة المحيطات في العالم مستويات غير مسبوقة منذ عام 2023 بسبب الاحترار المناخي.
ونتيجة لهذا الارتفاع المفرط في درجة الحرارة وتحمّض البحار الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية، يشهد العالم في العامين الماضيين تمددا لظاهرة ابيضاض مرجاني هي الرابعة منذ عام 1998، عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادي والمحيط الهندي.
وأفادت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا- NOAA) في آخر تحديث لها نُشر الاثنين بأنه "في الفترة ما بين الأول من يناير/كانون الثاني 2023 و20 أبريل/نيسان الجاري، أثر الإجهاد الحراري المرتبط بالابيضاض على 83,7% من الشعاب المرجانية في العالم".
وحذّر علماء اجتمعوا في إطار المبادرة الدولية للشعاب المرجانية، في بيان الأربعاء من حجم هذه الظاهرة المستمرة.
يحدث موت الشعاب المرجانية الذي يتجلى في تغير لونها، نتيجة لارتفاع درجة حرارة الماء، مما يؤدي إلى طرد طحالب الزوكسانثيلا التي تعيش في تكافل مع المرجان، والتي تُزوّده بالعناصر الغذائية وبلونه الزاهي. وإذا استمرت درجات الحرارة المرتفعة، فقد يموت المرجان.
إعلانومع ذلك، يمكن للشعاب المرجانية أن تتعافى إذا انخفضت درجات الحرارة بشكل مستدام أو إذا حصل تحسن في عوامل أخرى مثل التلوث أو الصيد الجائر.
لكن درجات الحرارة المسجلة في بعض المناطق شديدة بما يكفي "لتسبب موتا بصورة جزئية أو شبه كاملة للشعاب المرجانية"، وفق الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.
وعلّقت ميلاني ماكفيلد، مؤسِّسة مبادرة "شعاب مرجانية صحية لأشخاص أصحاء" في منطقة الكاريبي قائلة "إن حجم الإجهاد الحراري ومداه صادمان"، متحدثة عن ابيضاض "مقلق" يضرب الشعاب المرجانية "كعاصفة ثلجية صامتة"، مما يقضي على "الأسماك التي تعيش في هذه المياه والألوان الزاهية".
وقالت العالمة لوكالة الصحافة الفرنسية إنه "إذا استمرت موجات الحر البحرية، فمن الصعب توقع كيفية حدوث التعافي".
يعيش حوالى مليار شخص حول العالم على بُعد 100 كيلومتر من هذه الشعاب المرجانية، ويستفيدون، على الأقل بشكل غير مباشر، من وجودها.
وتُعدّ هذه "الكائنات الحية الفائقة" موطنا لثروة حيوانية هائلة، وتوفر سبل عيش لملايين الصيادين، وتجذب سياحة كبيرة، كما تحمي السواحل من أضرار العواصف من خلال عملها كحواجز أمواج.
ومع ذلك، يتوقع علماء المناخ أن تختفي نسبة تتراوح بين 70% و90% من الشعاب المرجانية بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين في حال حصر الاحترار عند عتبة درجة مئوية ونصف درجة مقارنة بمعدلات ما قبل الصناعة.
كما أن 99% من الشعاب المرجانية مهددة بالزوال في حال ارتفاع معدلات حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين، وهو الحد الذي حددته اتفاقية باريس.
يقول رئيس جزيرة بالاو المرجانية الصغيرة والمهددة بالزوال في المحيط الهادئ سورانجيل ويبس جونيور "نحن بحاجة ماسة إلى إنهاء عصر الوقود الأحفوري والانتقال إلى مستقبل عادل ومستدام مدعوم بالطاقة النظيفة".
إعلانمن جانبه، يؤكد أليكس سين غوبتا من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا أن الصلة بين انبعاثات الوقود الأحفوري وموت الشعاب المرجانية مباشرة ولا يمكن إنكارها.
وأضاف "يجب معالجة الأسباب الجذرية، لكن التدابير المحلية، مثل الحد من التلوث، وإدارة السياحة، ومكافحة تفشي الطفيليات، يمكن أن تساعد في بناء القدرة على الصمود"، على قوله.
كان 2024 هو العام الأكثر حرارة على الإطلاق على كلٍّ من سطحي اليابسة والمحيطات. وقد تضاعف معدل احترار المحيطات تقريبا منذ عام 2005، وفق ما أشار مرصد كوبرنيكوس الأوروبي في سبتمبر/أيلول الماضي.
يُفسر هذا الاحترار إلى حد كبير بأن المحيطات، منذ عام 1970، امتصت "أكثر من 90% من الحرارة الزائدة في النظام المناخي" الناتجة عن غازات الدفيئة المنبعثة جراء الأنشطة البشرية، وفق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.