صورة بألف كلمة.. لعبة خطفت عقل الأوكرانيين بأكثر المعارك دموية
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
على الرغم من أنها معارك دموية يتحدّث عنها العالم بأسره، إلا أن الجنود الأوكرانيين وجدوا مكاناً للعب على جبهات الحرب على ما يبدو.
ولعل الصور المرفقة مع التقرير أصدق من ألف كلمة، فلعبة "عالم الدبابات" كانت سيدة الموقف وسط الاشتباكات مع الروس في أوكرانيا.
فقد اعترف جندي أوكراني أنه في مكان ما على طول مئات الأميال من خط المواجهة كان يمارس اللعبة عبر هاتفه، حتى أنه اضطر إلى فتح حساب جديد عندما فقد معلومات تسجيل الدخول الخاصة به.
ولم تكن هذه الحالة الأولى، فأثناء التدريب في يونيو/حزيران، تم العثور على حرس الحدود خارج باخموت، حيث دارت إحدى أكثر المعارك دموية في الحرب، وهم يلعبون.
أوكرانيا تدمر مقاتلات روسية بسلاح من "الورق المقوى"وشوهد طاقم دبابة وهو يتناول وجبة غداء سريعة في العام الماضي وقد وضع شعار عالم الدبابات على هيكل دبابة القتال الرئيسية T-80.
بدوره، كشف الملازم نزار فيرنيهورا، الذي لفت انتباه الرأي العام العام الماضي لقيادته دبابة حقيقية دمرت ناقلات جند مدرعة وألحقت أضرارا بدبابة روسية، أنه يلعب من وقت لآخر، عندما يكون لديه القليل من وقت الفراغ.
أما ماهيتها، فهي لعبة متعددة اللاعبين، حيث يقوم فريقان من الدبابات وآلات القتل الأخرى بتدمير بعضهما البعض في ساحة معركة افتراضية، إلا أنها تشكّل صدى مخيفا للحرب الفعلية التي تدور حول اللاعبين الذين يرتدون الزي الرسمي.
وهناك مدخلان في عالم World of Tanks متاحان للاعبين في أوكرانيا: World of Tanks وWorld of Tanks Blitz.
يتطلب كلاهما اتصالاً بالإنترنت، لكن الأخير متاح للعب على الأجهزة المحمولة.
جاذبية واضحةكما من الصعب تحديد بدقة مدى شعبية اللعبة في ساحة المعركة الأوكرانية، وعلى نطاق واسع في جميع أنحاء أوكرانيا، بالنظر إلى المنصات المختلفة للألعاب: أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وXbox، وPlayStation، وNintendo، وMac.
ويمكن أن تجد الدبابات الأوكرانية وغيرها من المركبات المدرعة نفسها في بعض الأحيان محصورة في مبارزات دامية تشهدها أطقمها أيضا افتراضيا.
ولعل جاذبية ألعاب الفيديو المحمولة واضحة بين الجنود، فغالبا ما تتميز الحرب بفترات طويلة من الملل،
كذلك تبدو الرغبة في ممارسة لعبة فيديو عنيفة في خضم الحرب البرية الأكثر وحشية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية محيرة، ولكنها تمثل طريقة مهمة للجنود في التعامل مع سفك الدماء من حولهم، أي مبدأ "الانفصال"، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
يشار إلى أن شبكة الإنترنت تنتشر عبر الأقمار الصناعية "ستارلينك" في ساحات القتال في أوكرانيا، كما يمتلك الجنود هواتف ذكية.
وقد استعملت القوات الأوكرانية مؤخراً في مواجهة التحصينات والدفاعات الروسية على الخطوط الأمامية للقتال، وسائل تكنولوجية متطورة، وطرق غير تقليدية، وذلك لضرب واستهداف الأراضي التي تحتلها موسكو، حيث استطاعت تلك القوات تحقيق نجاحات لا بأس بها نوعاً ما.
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News القوات_الأوكرانية عالم_الدباباتالمصدر: العربية
كلمات دلالية: القوات الأوكرانية
إقرأ أيضاً:
البحر الأحمر..الخليج الجديد في لعبة النفوذ
منذ أن انطلقت عمليات "عاصفة الحزم" في مارس 2015، كان يُفترض أن تكون عدن هي نقطة التحول الإستراتيجي التي تُعيد رسم خرائط الأمن القومي العربي على ضفاف البحر الأحمر، ذلك البحر الذي ظل طويلا مجرد ممر تجاري في حسابات الدول الكبرى، قبل أن يتحول تدريجياً إلى مسرح مفتوح لتصادم الإرادات، وتنافس المشاريع، واختبار التحالفات.
تحرير عدن في يوليو 2015 لم يكن مجرد انتصار عسكري موضعي، بل كان لحظة نادرة في التاريخ العربي الحديث: لحظة يمكن فيها للعرب، وبقيادة خليجية فاعلة، أن يصنعوا توازنا جديدا في الإقليم، يمنع تمدد إيران، ويغلق الباب أمام مغامرات الإسلام السياسي، ويُعيد للبحر الأحمر موقعه الطبيعي كحزام أمني عربي لا يُسمح باختراقه.
لكن بدلا من تحويل هذا الانتصار إلى نقطة انطلاق نحو إعادة بناء منظومة أمنية عربية فاعلة، دخل الملف في دوامة التشويش، وخضعت الأولويات لمساومات جانبية، وتداخلت الحسابات الإقليمية مع المزايدات الأيديولوجية، وأُفرغت عدن من مدلولها الرمزي والسيادي، ودُفع بالملف اليمني من مساره العربي إلى منطقة التدويل، حيث فقدت العواصم العربية زمام المبادرة، وبدأت القوى الدولية ترسم حدود النفوذ، وتوزّع الأدوار وفق مصالحها لا وفق الضرورات الأمنية للمنطقة.
هنا، ضاعت فرصة تاريخية كان يمكن فيها للعرب أن يفرضوا سرديتهم الخاصة، ويعيدوا تعريف البحر الأحمر بوصفه شأناً عربيا خالصا لا يُخترق إلا بإرادتهم، فلحظة عدن كانت قابلة للتحوّل إلى رافعة لإعادة تشكيل مفهوم الأمن القومي العربي، لكنها أُهملت، بل وأُحبطت بفعل التردد من جهة، والحسابات السياسية الضيقة من جهة أخرى، والمناكفة غير الموضوعية والمراهنة على جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، واعتبارهم امتداداً قبلياً دون النظر إلى توجهاتهم الأيديولوجية أوقع طرفاً عربياً في تقديرات خاطئة ها هو ومعه المنطقة والعالم كاملا يدفع أثمانا باهظة لم يكن أحد في حاجة إلى دفعها لو أنه استحكم العقل والمنطق وقدم أولوية الأمن القومي العربي على المزايدة والرهانات المحكومة بالفشل سلفا.
ومع ذلك، يُحسب للإمارات، وهي أحد أبرز الفاعلين في التحالف العربي، أنها لم تتورط في الفوضى، بل تصرّفت كفاعل عقلاني يُوازن بين ضرورات الأمن والاستقرار وبين تعقيدات الداخل اليمني، فحافظت على مكتسبات تحرير عدن، ولم تفرّط في التوازنات الدقيقة التي تحكم المشهد، ولم تتعامل مع اليمن كحديقة خلفية، بل كفضاء إستراتيجي يرتبط بأمن الخليج والبحر الأحمر معا، بل يمكن القول إنها، حتى اللحظة، هي الطرف الوحيد الذي يتصرف بهدوء، ويعمل على تثبيت معادلات الحضور من دون ضجيج، وبمنطق إستراتيجي يراعي الجغرافيا والتاريخ معا.
فالبحر الأحمر، ببساطة، يتحول اليوم إلى "خليجٍ جديد". خليج لا تُطلق فيه الحروب بالصواريخ فقط، بل بالموانئ، وبالقواعد العسكرية، وبالتحالفات التجارية. من قناة السويس في الشمال إلى مضيق باب المندب في الجنوب، يتشكل خط جيوبوليتيكي أشبه بحزام النار، تمر عبره أكثر من 10 في المئة من تجارة العالم، ويتحكم في رئات الاقتصاد العالمي من الصين حتى أوروبا، هذا البحر، الذي ظل لعقود في الظل، بات الآن في قلب الصراع الدولي على النفوذ، وربما في طليعة الحروب القادمة.
تركيا أعادت التموضع في الصومال، وتسعى إلى موطئ قدم دائم في السودان، إيران وجدت في الحوثيين ذراعا إستراتيجية لتهديد الممرات البحرية، بل وتحويل البحر الأحمر إلى ورقة ضغط دائمة على خصومها، إسرائيل فتحت قنواتها مع السودان وإريتريا ضمن هندسة أمنية قديمة–جديدة، الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُراكم استثماراتها في الموانئ الأفريقية ضمن مشروع "الحزام والطريق"، وواشنطن، التي كانت غائبة عن مسرح البحر الأحمر لعقود واقتصر دورها على مكافحة القراصنة الصوماليين منذ تسعينات القرن العشرين، ها هي تحاول الآن بناء تحالف بحري موجه ضد هجمات الحوثيين التي أربكت شريان التجارة العالمية، وفضحت هشاشة المعادلات الراهنة.
كل من هذه القوى يتصرف وفق منطق مصالحه، ويعيد رسم خرائط نفوذه، ويُراكم حضوره العسكري والسياسي والاقتصادي، فيما العرب يراوحون مكانهم، أو يتنافسون على المساحات الصغيرة، ويفرّطون بالمشهد الكبير، فلا يزال العقل العربي أسير البرّ، وكأن الجغرافيا البحرية ليست امتدادا لأمنه، ولا معبرا حيويا لسيادته.
تاريخيا، ظل العرب ينظرون إلى البحار بوصفها حدوداً لا فضاءات. لم تكن لدينا إستراتيجية بحرية إلا حين استشعرنا الخطر، ولم يكن هناك تعريف للأمن القومي العربي في العصر الحديث إلا بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. عند تلك الحرب، اتخذ الزعيم جمال عبدالناصر قراره بدعم الثوار في عدن، ليتحقق الاستقلال الأول في 30 نوفمبر 1967، وبعدها، شرعت بريطانيا في الجلاء عن مستعمراتها في شرق قناة السويس، ما أسهم في تحقيق معظم البلاد العربية لاستقلالها الوطني.
ما نعيشه بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 هو مأزقٌ في البحر الأحمر. حين وصل التهديد إلى السفن والناقلات، تذكرنا أن لدينا ساحلاً طويلاً، لكنه بلا مظلة أمنية عربية مشتركة، ولا مشروعاً جيوسياسياً قادراً على مقاومة التدويل. ما يحدث في البحر الأحمر اليوم لا يمكن فصله عن مأزق العقل الإستراتيجي العربي، الذي لم يُحسن استثمار لحظات القوة، ولم يُدرك أن السيطرة على البر لا تكتمل إلا بالهيمنة على البحر. هذا ما صنعه المصريون عندما كانوا يقودون العالم العربي، حيث ربطوا أمن باب المندب بقناة السويس، فتحقق أمن واحد من أطول البحار في العالم، وفرض العرب سيادتهم عليه لعقود.
لولا ذلك التشويش الذي صاحب تحرير عدن، لربما كان المشهد اليوم مختلفا: ربما كان هناك تحالف عربي صلب، يمنع تدويل باب المندب، ويضع قواعد اشتباك واضحة ضد أي تمدد إيراني أو تركي أو غيره.
ومع ذلك، فإن الوقت لم يفُت بعد، ما زال ممكنا استعادة زمام المبادرة، لا عبر المغامرات، بل ببناء مشروع عربي واضح في البحر الأحمر، يستند إلى ثوابت الأمن القومي، ويضع خطوطاً حمراء لأيّ تمدد معادٍ، ويُعيد تعريف دور الدول العربية في هذه المنطقة التي تُعاد هندستها على نار هادئة.
البحر الأحمر ليس مجرد ممر ملاحي، إنه مرآة لمستقبل الإقليم، ومن لا يملك وزناً فيه، لن يملك صوتاً في تحديد مستقبل المنطقة، فليتحدث العرب مع أنفسهم بصراحة ويعيدوا تصويب المسار، فلا يمكن استمرار الرهان على جماعة الإخوان ولا يمكن أن يترك البحر الأحمر ليقرر مصيره الأتراك أو الإيرانيون أو حتى العم سام، فالقرار يجب أن يكون عربياً خالصاً ولا أخلص من الجنوبيين الذين كانوا وسيبقون في عدن لهم أرضهم وبحرهم.