abusaeeda1966@gmail.com
(في الرد على المقال الأول للدكتور صديق الزيلعي) في البدء أود أن أشكر صديقي د. صديق الزيلعي لتواجده في مواقع الحوار الفكري الجاد، ولإهتمامه بمساهمتي المتواضعة في مسألة حيوية وشديدة الأهمية تنتظر مساهمات آخرين، وفي نقده لأطروحتي من مواقع الإختلاف الذي لا يفسد للود قضية. وذلك لأن الحوار والصراع الفكري التراكمي، يقود إلى تحولات فكرية نوعية، وإنتاج معرفة سياسية يحتاجها واقع بلادنا شديد التعقيد، ويحتاجها شعبنا العظيم ليتمكن من الخروج من أزمته إلى رحاب التقدم والإزدهار في ظل ديمقراطية مستدامة.
١- مع شكري لصديقي د. صديق الزيلعي على وصفه لي بأنني أبرز منظري دعاة التغيير الجذري، أود أن أؤكد بأنني لست أبرز منظري هذا التيار الوطني، وما أقدمه هو جهد المقل بنشر الوعي في حدود الإستطاعة، وهناك من هو أجدر مني بهذا الوصف حتماً.
٢- جميع ما كتبته وما سأكتبه يمثلني وحدي، ولا يلزم أي قوى سياسية أو أي حزب وخصوصاً الحزب الشيوعي السوداني لأني لا أمثله، وفي نفس الوقت لا يلزمني أي تيار أو جهة برأيه أو مشروعه أو إرثه النضالي الوطني. ولكن مع ذلك ستشكل كتابتي دفاعاً عن دعاة التغيير الجذري بصفة عامة وخطهم السياسي، وهي بالضرورة تأتي دفاعاً عن خط الحزب الشيوعي السياسي المتوافق مع قوى التغيير الجذري وأنا منها بكل تأكيد.
ومن هنا أدلف لإيجاز ردي على المقال الأول للدكتور صديق الزيلعي فيما يلي:
أشكر الدكتور صديق الزيلعي مجدداً على اتفاقه معي بقوله " أتفق تماما مع طرح الدكتور أحمد حول، ضرورة واولوية، تحديد العدو الأساسي"، وهذا الاتفاق هو جوهر الأمر برمته وأصل الحوار، لأنه سيكفي للرد على زعم إهمالي للتناقض الثانوي غير الأساسي وغير التناحري الذي تبنى عليه التحالفات من مواقع التعددية غير المختلف عليها. فالحقيقة هي أنني لم أهمل التناقض الثانوي، لأن التناقض الثانوي لا يمكن أن يوجد إلا بعد تحديد التناقض الرئيسي صاحب الأولوية كما اتفق معي د. صديق. وفي حال عدم الاتفاق على التناقض الرئيسي، من المستحيل الحديث عن تناقضات ثانوية. فالقانون هو وجوب تحديد التناقض الرئيسي أولاً والتوافق حوله بصورة مستدامة، حتى تنسب له التناقضات الثانوية التبعية بطبيعتها. والخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) خلاف حول التناقض الرئيسي، وهو خلاف يستعصي معه الحديث عن تناقضات ثانوية تتيح فرصة للتحالف، لذلك هو إستراتيجي وهو يمنع قيام التحالف. فعند تأسيس قوى الحرية والتغيير، كان الطرفان متفقان على أن العدو هو دولة الإنقاذ التي لابد من إسقاطها (تحديد التناقض الرئيسي)، وهذا جعل التحالف ممكناً لأن كل التناقضات الأخرى تناقضات ثانوية بالنسبة لهذا التناقض، ووضع على إثر ذلك برنامج الحد الأدنى (إعلان الحرية والتغيير) ومن ثم البرنامج الإسعافي. ولكن تحديد (قحت) للتناقض الرئيس تغير من إعتبار كامل دولة الإنقاذ عدو واجب الإسقاط، إلى إعتبار اللجنة الأمنية للإنقاذ – وهي الذراع الضاربة للإنقاذ وجوهر سلطتها- شريكاً في الثورة يمكن إنجاز شراكة معه تؤسس لتقاسم للسلطة، في حين تمسكت قوى التغيير الجذري بإعتبار الإنقاذ كلها بما فيها لجنتها الأمنية هي العدو، والتناقض الرئيسي معها. أي أن (قحت) غيرت العدو، ولم تعد تصوب نحو نفس المرمى، فأصبح اللعب معها كفريق واحد لإحراز الأهداف مستحيلاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه بصورة ملحة: ماهي التناقضات الثانوية في هذه الحالة والطرفان غير متفقين على التناقض الرئيسي؟ وإلى أي تناقض رئيسي تنسب هذه التناقضات الثانوية؟ وكيف يمكن التحالف على أساس تناقضات ثانوية أسقطها عدم الاتفاق والتوافق على التناقض الرئيسي؟ وكيف يمكن وضع برنامج حد أدنى مع قوى أصبحت شريكاً للعدو الذي يجب إسقاطه وتفكيك دولته؟ وكيف يمكن التوافق على تفكيك هذه الدولة وأحد الطرفين يرى أن يشارك من يجب تفكيكه ليسمح له بالتفكيك؟ مفاد ما تقدم هو أنني لم أغفل التناقضات الثانوية، لأن (قحت) قامت بإسقاطها عبر خروجها على التوافق على التناقض الرئيسي وخلقت لها تناقض مختلف تماماً. فهي حددت تناقضها الرئيسي مع المؤتمر الوطني المحلول فقط، وإستثنت ذراعه الأمنية والعسكرية الضاربة من ذلك، فأصبح التناقض بينها وهذه الذراع ثانوياً يتيح الشراكة معه والإنتقال لمعسكره، وهو معسكر العدو لقوى التغيير الجذري، وبذلك قضت على أي حديث عن تناقضات ثانوية مع معسكر التغيير الجذري وجعلت التحالف مستحيلاً، لأن التحالف يبنى على توافق على تناقض رئيسي تتبعه تناقضات ثانوية لا يمكن أن توجد في غيابه. وهذا يؤكد أن خط التغيير الجذري لا يتناقض مع الإرث الجبهوي للحزب الشيوعي، ولا مع القبول بالتعددية، لأن التعددية المؤسسة للتحالف مشروطة بالإتفاق على التناقض الرئيسي لتوجد تناقضات ثانوية يبنى عليها برنامج الحد الأدنى. فقوى التغيير الجذري والحزب الشيوعي من بينها، لا تبني تحالفاتها على تناقضات ثانوية متوهمة في غياب تحديد واضح وتوافق على التناقض الرئيسي وتحديد العدو الذي يتم التحالف ضده، وهي بذلك ليست ضد مبدأ العمل الجبهوي، لكنها تشترط لذلك التوافق على العدو أولاً.
وهذا يقودني للزعم الثاني بأنني لم أتعرض لطبيعة المرحلة وأن الحزب الشيوعي حددها بالمرحلة الوطنية الديمقراطية وهو زعم غير صحيح بكل أسف، فالمقال الوحيد الذي قرأه الدكتور صديق الزيلعي نفسه ورد عليه، مبني على تحديد المرحلة الحالية من المرحلة الوطنية الديمقراطية وهي مرحلة الإنتقال الراهنة. فهو لم يقع في إسار التعميم لكامل المرحلة، بل شخص المرحلة الآنية بدقة وحدد قواها في إطار تأطيرها السياسي، حين حدد وبدقة من هو العدو، وحدد القوى الأخرى بتحالف قوى الحرية والتغيير (قحت) وقوى التغيير الجذري. وفي تقديري أن الصحيح هو تحديد طبيعة الأزمة الراهنة وأسس الصراع وطبيعة القوى في خارطة الصراع الاجتماعي الراهن في إتصالها ببرنامج المرحلة العام، لا الحديث المعمم عن البرنامج العام أو المرحلة بالتعميم. وإن كان المقصود هو القول بأن عدم التعميم قاد إلى القول بأن هناك قوى بعينها وحدها من ستنجز برنامج المرحلة الوطنية الديمقراطية، فهذا غير صحيح أيضاً. فلا أنا ولا قوى التغيير الجذري قلنا بأن هناك قوى إجتماعية واحدة هي من ستنجز أهداف المرحلة. إذ أن كل ما نقوله هو أن هذه القوى نفسها في كل لحظة تاريخية من لحظات إنجاز البرنامج وفي كل منعطف تاريخي، عليها أن تتجاوز تناقضاتها الثانوية وتنجز تحالفاً جبهوياً، أساسه تحديد العدو المشترك عبر تحديد التناقض الرئيسي. وهذا يعني أن الإستنتاج الذي توصل إليه الدكتور صديق الزيلعي غير صحيح، لأني وقوى التغيير الجذري مازلنا مع العمل الجبهوي، ولا نقول بأن هناك قوى إجتماعية واحدة ستنجز أهداف المرحلة الوطنية الديمقراطية، فقط نقول بأن هذه القوى لابد أن تتفق على التناقض الرئيسي أولاً لتصبح التناقضات الأخرى بينها ثانوية وتتحالف على إثر ذلك.
أختم بالقول إن الخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) إستراتيجي، لأنه خلاف يقوم على تحديد العدو والتناقض الرئيسي ذو الأولوية، الذي بدون تحديده لا توجد تناقضات ثانوية تبعية، وأن القوى الاجتماعية ذات المصلحة في برنامج المرحلة الوطنية الديمقراطية لا مانع من التحالف معها في حال تم التوافق حول العدو. وأنا أدعو (قحت) للعودة للتوافق على العدو على أنه كامل سلطة الإنقاذ بما فيها لجنتها الأمنية، حتى تصبح بقية التناقضات ثانوية قابلة لتجاوزها والتوافق على برنامج حد أدنى، يتيح التصويب على نفس المرمى واللعب كفريق واحد في ظل تحالف يحقق الأهداف. ويبقى التنبيه إلى أن الحديث عن تحالف قاعدي لا ينفي التعددية ولا يؤسس لحزب واحد، ولكنه يقوم على إستقراء لتجربة التحالفات الفوقية السابقة وفشلها في إنجاز المشاريع المتحالف من أجلها، وهو لا يمنع وجود أي قوى أخرى في الساحة السياسية خارج التحالف القاعدي ولا حتى تحالفات فوقية أخرى بجانبه.
(نواصل الحوار)
//////////////////
////////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التوافق على
إقرأ أيضاً:
خطوات التغيير والحل للأزمة الليبية
الجميع يعلم أن ليبيا خلال سبعة عقود من عمرها المديد لم تستكمل مقومات دولة، فرغم أنها لها جغرافيا شاسعة بحجم قارة، وشعب عريق له تاريخ مديد إلا أنها لم يكن لها منظومة حكم رشيد، ولا مؤسسات نزيهة وشفافة، وزاد الأمر سؤا بعد إنتفاضة 2011م التي عملت على تفكيك منظومة الحكم المستبدة السابقة ولم تبنى بديلا لها من جديد، كانت الامل الذي تلاشى بعد تولى قيادتها المتسلقين والتافهين. بسبب ذلك انتشرت الفوضى والفساد والغزو الخارجي وثقافة الغنيمة، والاستقواء بالخارج بلا حسيب ولا رقيب، هذه الظروف أوجدت أجسام نفعية متشبثه بمقاعد فقدت الشرعية منذ زمن طويل منها مجلس النواب ومجلس الدولة والحكومتين التابعة لهما. والسؤال الذي يتردد كثيراً بين عامة الليبيين: ما هو الحل؟ا
خلال الثلاثة سنوات الماضية، كان النقاش منصبا حول سبل الحل الممكنة ولكن هناك أمرين عطلا الحسم وهما، ادارة البعثة الاممية للملف الليبي ليبقى مستمرا بلا حل، والامر الثاني أكذوبة الحل الليبي الليبي الذي ترسخ في الاذهان بلا تفكير ناقد. علما بأن الاجسام القائمة لا تريد التوافق للحل لان ذلك سينهي وجودها في المشهد السياسي الليبي وتنتهي معه كل المزايا والمهايا التي لا يجازف على فقدها أحدا منهم ولو فوهة البندقية عند رقبته.
لا شك أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا واقعة تحت سيطرة الدول الكبرى التي لها أدرع كفرقاء في السلطة الليبية، ولها سياسات متناقضة تبعا لمصالحها، ولذا رغم أهميتها فهي تدير الازمة أكثر من إيجاد حلول لها، مما يفتح االباب أمام البحث عن وسائل راديكالية للحل بدلاً من إنتظار الولادة العسيرة لحل البعثة، وعدمية الاجسام المتهالكة الفاقدة للشرعية، مثل مجلس النواب ومجلس الدولة ولجنة الدستور، والهياكل المدنية والعسكرية التابعة لهم.
من قراءة التاريخ البعيد والقريب نجد أن الانتفاضات الشعبية هي الوسائل السريعة الناجعة للتغيير، عند تجبر وتعنت الاجسام المتبلدة المتشبثة بالكراسي. وبذلك فان الانتفاضة الثانية للشعب الليبي سلميا هي الحل الملائم للمرحلة والذي يفضي إلى القضاء على الاجسام غير الشرعية وبناء منظومات الدولة من جديد على أسس المواطنة والعدل. وتتمثل خطوات التغيير فيما يأتي:
الدعوة ٌإلى التظاهر السلمي في كل المدن الليبية مطالبة بإسقاط مجلس النواب ومجلس الدولة، وتزداد التظاهرات إن لم يتقدم النواب باستقالاتهم، وتعلن البلديات سحب الاعتراف من نوابها، ثم تتحول المظاهرات إلى عصيان مدني سلمي. يقوم المجلس الرئاسي بإصدار مراسيم تعطيل مجلسي النواب ومجلس الدولة ولجنة الصياغة الدستور وإيقاف مرتباتهم والحجز على تلك المؤسسات بضمها للدولة، على أن يتم محاسبة من يعرقل تظاهر الجماهير مستقبلا. يصدر المجلس الرئاسي مرسوم بأن يتولى المجلس الأعلى للقضاء مهمة إصدار قانون الانتخابات الذي يكون مشابها للقوانين السابقة لانتخابات المؤتمر الوطني ومجلس النواب. يحيل المجلس الأعلى للقضاء قانون الانتخابات إلى الرئاسي، ثم إلى هيئة الانتخابات في فترة لا تتجاوز شهرين من تولي الرئاسي السلطة التشريعية مؤقتاـ يقوم الرئاسي بمخاطبة الهيئة العامة للانتخابات بفتح التسجيل عضوية مجلس النواب الجديد وتحديد موعد الانتخابات البرلمانية، يعقب ذلك الحملة الانتخابية بعد التحري عن المنتخبين من القضاء. بعد إجراء الانتخابات، يجتمع مجلس النواب الجديد في ظرف أسبوعين برئاسة الأكبر سنا لاختيار رئيس المجلس ولجنة الصياغة وديوان مجلس النواب. مجلس النواب الجديد يقوم بالإعلان عن الترشح لرئاسة الوزراء على مستوى ليبيا خلال الشهر الأول من مباشرة عمله، ويقوم بمفاضلة المترشحين بعد عرض برامجهم على المجلس. يقوم رئيس الوزراء الجديد بتشكيل حكومته ونيل الثقة من البرلمان. يقوم البرلمان الجديد بتشكيل لجنة فنية لمراجعة الدستور، وحل مشكلة المواد المختلفة عليها، ويعقب ذلك الاستفتاء على الدستور إلكترونيا بواسطة الرقم الوطني والرسائل النصية. يعتمد الدستور من مجلس النواب، وبذلك يتحدد نوع نظام الحكم في ليبيا. يدعو البرلمان إلى انتخابات رئاسية تبعا للدستور الجديد ويقوم بقبول ترشيحات رئاسة الدولة مع مراجعة الشروط مع القضاء ويخضع المترشحين المقبولين للمناظرة العلنية على وسائل الإعلام. تجرى الانتخابات الرئاسية وبذلك تكون ليبيا قد وصلت إلى الوضع النهائي المستقر الذي يستند إلى دستور دائم.الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.