هل كان البرهان صادقا حينما صرح بعدم رغبة القوات المسلحة في الاحتفاظ بالسلطة بعد انتهاء الحرب
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة والتي أعقبها انحياز لجنة البشير الأمنية إلى الشارع السوداني الذي نادى بإسقاط نظام الإسلاميين برز اسم الفريق البرهان كخيار وافقت عليه القوى الثورية بديلا للفريق عوض بن عوف الذي استقال من منصبه كرئيس للمجلس العسكري بسبب الرفض الشعبي الذي واجهه . وبالرغم من أن القوى السياسية رأت في البرهان حينها حصان طروادة الذي ستقاتل به الدولة العميقة وبقايا النظام البائد إلا أنها سرعان ما تكشف لها حجم الورطة التي وقعت فيها بقبولها التحالف معه .
انفرد البرهان بالسلطة متجاهلا كل الدعوات الداخلية والخارجية التي وجهت إليه بضرورة الإسراع في تنفيذ وعوده بتسليم البلاد إلى سلطة مدنية انتقالية تباشر مهامها التنفيذية لإنقاذ البلاد من وطأة الضائقة الاقتصادية الحرجة التي أثرت في معاش الناس .وقد سعى البرهان لشراء الوقت وإطالة أمد بقائه في السلطة مراهنا على شرعية الأمر الواقع وعمل على الهاء القوى المدنية بالدخول معها في مفاوضات ظاهرها محاولة الوصول إلى صيغة تحفظ للقوات المسلحة نصيبها من السلطة وباطنها كان المماطلة والمراوغة والغش . وقد تخللت تلك الفترة عدة أحداث أثبتت بجلاء تام عدم توفر الإرادة الصادقة لدى البرهان لتسليم السلطة للمدنيين وكانت جريمة فض الاعتصام وما صاحبها من عنف وقتل وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل أمام قيادة الجيش خير دليل على ذلك.
وكلنا يذكر يومها أطل علينا البرهان من التلفاز مساء يوم جريمة فض الاعتصام ملقيا خطابا حمل فيه مسؤولية الأحداث للمدنيين وأعلن عن تعليق التفاوض مع المدنيين ودعي إلى قيام انتخابات عامة خلال تسعة أشهر متعهدا بتسليم السلطة إلى من يرتضيه الشعب .
في أغسطس 2019 وبوساطة من الاتحاد الأفريقي وقع البرهان وثيقة دستورية مع المدنيين تم بموجبها تكوين مجلس سيادة انتقالي يضم العسكريين والمدنيين وتم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية 39 شهرا يتم تقسيمها على فترتين يتولى المكون العسكري برئاسة البرهان رئاسة الفترة الأولى لمدة 21 شهرا ثم يقوم بتسليم الرئاسة لشخصية مدنية في فترة ال18 شهرا المتبقية . ومع اقتراب موعد انتهاء فترة رئاسة المكون العسكري للمجلس وانتقال الحكم إلى المكون المدني فاجأت البرهان الشارع السوداني بالقيام بانقلاب عسكري أطاح فيه بالحكومة الانتقالية وحل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وعلق العمل بالوثيقة الدستورية. وأدخل البلاد في حالة من الشلل التام تفاقمت فيها الأزمة السياسية والاقتصادية وتدهورت الأوضاع الأمنية وانتشرت الجريمة وأصبح الوضع كارثياً . مما أدى إلى تدخل عدة أطراف خارجية سعت للتوصل إلى تسوية سياسية تعيد البلاد إلى المسار الانتقالي السابق .
ومجددا وقع البرهان في ديسمبر 2022 اتفاقا إطاريا أكد فيه على عدم رغبة القوات المسلحة في البقاء في السلطة وأقر أن يقوم بموجب الاتفاق على تسليم السلطة للمدنيين بعد فترة انتقالية تستمر لمدة عامين . ولم يكد يجف الحبر الذي وقع به الاتفاق الإطاري حتى انقلب عليه البرهان وتنصل منه بحجة ضرورة توسيع مظلة الاتفاق وإدخال شركاء جدد في مراوغة جديدة أراد بها التملص من التزاماته تجاه الاتفاق الإطاري وقام بربط تنفيذ الاتفاق بتوحيد المؤسسة العسكرية واختلق أزمة دمج قوات الدعم السريع وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير وقادت الأوضاع في البلاد إلى أسوأ مما كنا نظن وانفجر الصراع داخل المكون العسكري مشعلا حربا اعتبرت أكبر كارثة إنسانية في تاريخ السودان الحديث .
واليوم وبعد كل ما تم سرده في هذا المقال من كوارث والذي يعتبر البرهان العامل المشترك الأعظم فيها . يخرج علينا سيادته ليخبرنا مرة أخرى بعدم رغبة القوات المسلحة في البقاء في السلطة والسؤال للعارفين باللغة لعل البرهان قصد البقاء بإسقاط نقطة القاف.
yousufeissa79@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أيها الجيش سلاماً .. يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز، وما البراء إلا ارهابيين قتلة
أيها الجيش سلاماً .. يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز، وما البراء إلا ارهابيين قتلة
ياسر عرمان
أشعر بأسف عميق من إنشغال الناس والمدنيين على وجه الخصوص بمماحكات فك الارتباط وهم يتركون القتلة وكتائب الارهاب المسماة زوراً وبهتاناً بكتائب البراء التي تستأسد على الابرياء وتهاجم جماعاتها مدنيين غير مسلحين وتقوم بقتل المئات وتوزع جرائمها المتلفزة على وسائل التواصل الإجتماعي في تطور غير مسبوق لجرائم الحرب في السودان.
يظن قادة الإسلاميين وقادة هذه الكتائب من أمثال أسامة عبدالله وأخواته وإخوته الممتلئين حقداً على ثورة ديسمبر، انهم بذلك سيقضون على كل اثر للمقاومة في نفوس الناس ويطوون ذكر وذاكرة الثورة وهم لا يدركون ان الثورة باقية ما بقي الشعب بل هي طريق الشعب نحو الحياة الكريمة، وعائدة ما عاد الناس إلى منازلهم والإيمان بها كالايمان بالله لا يتزعزع.
الإسلاميون لهم زواج مصلحة مع الفئة العليا من قادة الجيش، قائم على عهد السلطة واكتناز الثروة بلا مباديء أو ذكر لله أو الوطن، عهد غير مأذون ولم يوقع أمام مأذون.
الإسلاميون يعشقون امتطاء ظهر الجيش فهو الحبل السري نحو السلطة ولكنهم يخشون الجيش أيضُا وقد حاولوا حماية انفسهم من الجيش بتعددية جيوش ومليشيات مقابلة ومنافسة للقوات المسلحة وعلاقتهم ملتبسة بالجيش، وقد شهدنا ذلك عن قرب في الفترة الانتقالية في نيفاشا وفي فترة ما بعد ثورة ديسمبر ولديهم جوقة إعلامية للهجوم على قيادة الجيش متى ما استرابوا من امرهم، ومن مصلحتهم ان يظل الجيش على عداء تام مع بنات وابناء شعبه، وأكثر ما يفزعهم ان يقترب الجيش نحو الشعب أو ثورة ديسمبر على وجه الخصوص، ودفع الجيش ثمناً باهظًا في عهد الإنقاذ فصلاً وتشريداً مثله مثل كل مؤسسات الدولة المختطفة، ولم يخلو الجيش في اي وقت من الاوقات من مقاومة الاسلاميين ومحاولتهم لتحويله لجناح عسكري، ويحيطونه اليوم بكتائب الإجرام والارهاب في تحالف قابل للتصدع مثل ما شهد تصدعات في اكثر من محطة تاريخيّة.
الجيش يعاني من خلل بنيوي قديم وجديد ومتعاظم في تكونيه القومي فتركيبة الضباط لا تماثل تركيبة الجنود ولا تعكس التنوع السوداني، وازداد خلله بخوضه لحروب الريف لسنوات طويلة، من قبل شكلٍ الجنوبيين ٢١٪ من قوامه وترتب على ذهاب الجنوبيين بالسماحة والندى ازدياد خلله، ودار فور شكلت ٣٤٪ من قوامه وجبال النوبه ١٣٪ ، وهجر الكثيرون من ابناء هذه المناطق الجيش بحكم حروب الريف وعدم الاهتمام بالفئات الدنيا من منتسبيه، وازداد تشويه الجيش في فترة الإنقاذ التي اعتمدت مبدأ التسييس ومبدأ تعددية الجيوش والمليشيات، شهدت هذه الحرب شهادات ميلاد جديدة للمليشيات وآخرها أورطة كسلا المصنعة في الخارج.
الجيش ومؤسسات السيادة والأمن استحوذت على ٨٠٪ من ميزانية الدولة ولم يتبقى شيء ذو بال للتعليم والصحة والخدمات وتم تدمير الريف والطبقة الوسطى وازدادت أعداد الفقراء والمهمشين، والعطالة وسط الشباب الذين توجهوا نحو حمل السلاح وقد لخص ذلك بذكاء بليغ الراحل جلحة رحمة المهدي رحمة ( نحن ام باقة لا جواز لا بطاقة مكلفين الدولة فوق الطاقة، الميت شهيد والحي مستفيد) ان الدولة التي تهمل الريف وشبابه غير قابلة للحياة.
ان العقيدة العسكرية للجيش لا تقوم على ان السيادة للشعب وان مهمة الجيش هي الدفاع عن سلطة الشعب وسيادة البلاد وقامت العقيدة العسكرية على معادة الحكم المدني الديمقراطي. الحركة الاسلامية لا مصلحة لها في مهنية الجيش او اعادة بنائه، فهي تخشى الجيش المهني والقوي المنحاز للوطن ولا تخشى الله وتحتاج لجيش منحاز للتنظيم والجماعة.
ان تجفيف المقاومة امر مستحيل وقتل كتائب البراء المتلفز للأبرياء والمدنيين يضرب النسيج الاجتماعي في الصميم ويعظم الغبن الإثني والجغرافي ويمزق روابط البناء الوطني وروابط الوطنية السودانية ووحدة المجتمع ومؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة.
في اليوم التالي لاستعادة الجيش لمدينة ود مدني كتبت مقال بعنوان ( هل قادة الجيش على اعتاب تحويل نصر مدينة ود مدني لهزيمة؟ وهل يسعى الإسلاميون مجدداً لدفع الجيش لطريق لاهاي؟) ان الحركة الاسلامية التي يقودها مطلوبين للجنائية لا تريد لقيادة الجيش ان تبحث عن حلول خارج طريق جهنم الذي حددته وتريد ان تقودهم لطريق الجنائية، ظنًا منها ان المجتمع الدولي سيتصالح معها كما فعل مع بعض الجماعات التي صنفها كجماعات ارهابية مثل ما حدث في سوريا، وهنا يخطيء الإسلاميون في التدقيق في فوارق الجغرافيا السياسية والفرق بين دمشق والخرطوم حينما يتعلق الأمر بالمصالح الدولية.
امام القوات المسلحة فرصة للبحث عن سلام حقيقي ومعافاة وطنية لن تتحقق بمعادة ثورة ديسمبر، فالثورة أعمق وأرسخ من الحرب وأكبر من ارهاب البراء سيما انه ليس البراء ابن مالك الصحابي الجليل بل هو اسامة عبدالله! الحركة الإسلامية دفعت القوات المسلحة نحو الانقلاب وفشل الانقلاب ثم سعت نحو الحرب ودمرت المجتمع والدولة، والشعب يدرك ان الفترة الانتقالية المدنية كانت خيار أفضل من الانقلاب ومن الحرب وما ان يعود المجتمع والدولة إلا ويطال الإسلاميين غضب الشعب ومحاسبته رغم الأكاذيب والجعجعة والسلاح ومن لا يصدق ذلك فليسأل عمر البشير ورهطه، كيف انتهى به المقام حبيساً بدلاً من رئيساً.
الجرائم الواسعة والفظيعة المرتكبة من طرفي الحرب اتخذت عنفاً ممنهجاً ومنظماً وخلفها فكرة داعشية عند كتائب البراء، وعلى الإسلاميين السودانيين اصحاب الفكر الداعشي ان يسألوا أنفسهم اين داعش نفسها؟
من واجبنا القيام بعمل واسع ومنظم في الداخل والخارج يرصد ويوثق ويعمل مع المنظمات الوطنية والاقليمية والدولية لإعلان الحركة الإسلامية وجناحها العسكري في كتائب البراء جماعة ارهابية وعلى قادة الجيش ان يدركوا ان الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة وان تكون لديهم حساسية تجاه الجرائم المتلفزة التي لا تسقط بالتقادم وتفاقم الشقاق الوطني ودوامته مما يُصعب الاتفاق على امكانية بناء القوات المسلحة وفق برنامج وطني جديد متوافق عليه ويثير أسئلة إثنية وجغرافية حول قومية القوات المسلحة وهي أسئلة قديمة ومتجددة عمّقتها جراحات هذه الحرب، ان ما يجري لن يمر إقليمياً ودولياً دون مساءلة ومن مصلحة القوات المسلحة ان تفرز عيشها بعيداً عن عيش الإسلاميين ولو بالتدرج ونحن ندرك المصاعب في هذا الطريق وعلى قيادة الجيش ان تعترف بالجرائم ومعاقبة مرتكبيها.
على الحركات المسلحة المتحالفة مع القوات المسلحة رغم اختلافنا العميق مع توجهاتها، ان تقف ضد جرائم كتائب البراء وارهابها الذي تحكمه بوصلة ذات توجهات إثنية وضد قوى ثورة ديسمبر وستطال هذه الحركات نفسها يوماً ما، وحسناً فعلت حركة تحرير السودان مني مناوي بإدانة بعض هذه الجرائم علناً.
أخيراً نحن في القوى المدنية علينا ان نترك موضوع الحكومة الموازية وفك الارتباط خلفنا، فقد انفك الارتباط ولنرتبط بشعبنا ووطننا وبالثورة السودانية من ١٩٢٤ إلى ديسمبر ٢٠١٩.
*المجد لوحدة السودان وشعبه*
**الثورة أبقى من الحرب* *
*#نعم_لثورة_ديسمبر*
*#لا_لحرب_أبريل*
١ فبراير ٢٠٢٥*
الوسومإرهابيين الجيش كتائب البراء مدنيين ياسر عرمان