البدوي والعتباني ومجادلات فكرية للحل
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أن اللقاءات التي يجريها الأستاذ سعد الكابي في (لايفاته) مع عدد من القيادات السياسية، و آهل الرأي يأخذ بعضها الجانب الفكري و تصور لحل الأزمة، لذلك يجذب المتابع أن يكمل اللقاء حتى نهايته، و الجوانب الفكرية مسألة ضرورية في عملية التغيير، و ضرورية في الحالة السودانية بهدف خلق جدل يساعد على أختراق الأزمة.
بدأ الدكتور البدوي حديثه بالثناء على الإمام الراحل الصادق المهدي باعتباره أحد المفكرين الذين قدموا اجتهادات و تصورات عديدة في الساحة السياسية و لكنها لم تنال الإهتمام الكاف الذي كان يمكن أن يجنب البلاد الانزلاق للحرب. لكن الإشكالية الأساسية التي لم يتعرض لها البدوي أن اجتهادات الإمام أول من أهملها عضوية و نخبة حزب الأمة، الذين لم يتناولوها لا نقدا و لا دراسة لكي تكون محور اهتمام الآخرين. و إهمال التعامل مع الإنتاج الفكري داخل الحزب يشير لدرجة الوعي السياسي في المنظومة الحزبية. قال البدوي أنه يجب إيجاد طريق لإقاف الحرب الدائرة الآن، لأنها سوف تدمر كل البنيات و الأصول الإقتصادية في البلاد. و قال "أن الحرب قد تجاوزت كل مخرجات ما قبل 15إبريل 2023م و يجب على قيادات الحرية و التغيير ( المركزي) أن يكون لها أفقا سياسيا واسعا يستوعب الذي حصل و قد أدى للحرب. و هذا تحتاج لدراسة نقدية حقيقة لتجاوز كل سلبيات و اخفاقات الماضي" لكن يظل السؤال كيف تستطيع أن تستوعب ما حدث و هي تستخدم المنهج التريري الذي يجعلها تفتش عن شماعات لتعليق الأخطاء عليها؟
ينتقل البدوي لنسق أخرى في القضية؛ و يقول " أن التحالف العريض على مشروع سياسي أفضل من الذهاب لانتخابات تنتج حكومة إتلافية لآ تستطيع أن تنجز المهام الوطنية باعتبار أن البلاد تحتاج للكل في العمل من أجل تنمية البلاد." لكن نسأل البدوي؛ أن التحالف كان قائما و هو الذي قاد البلاد إلي هذا الفشل و الحرب. و التحالف بين قوى مختلفة في مرجعياتها الفكرية لابد أن يقود لصراع. لكن إذا كانت الانتخابات البرلمانية سوف تؤدي إلي حكومات إتلافية، لماذا لا يعتمد دستور 2005م الذي كانت قد شاركت فيه كل القوى السياسية، و بموجبه يتم تحالفات تخوض عملية انتخابية لرئيس للجمهورية، و يكون وفق مشروع سياسي واضح و مفصل، حتى يتم الانتقال للشرعية الدستورية و تقلص نسبة الأحزاب الكثيرة في الساحة، المطلوب هو الخروج من دائرة الصراع في الفترة الانتقالية، و تحدث البدوي عن فكرة مشروع تنموي واسع ينطلق من الولايات أو المدن التي بها مقومات التنمية و سريعة الانتاج. حقيقة أن لقاء البدوي كان مليء بالافكار و المقترحات التي تخرج البلاد من أزمتها، و هي أفكار تحاج لحوار واسع. قال البدوي في نهاية حديثه يجب على الشعب السوداني أن يعرف الأسباب الحقيقية التي أدت للحرب، و من الذين تسببوا و شاركوا فيها.
في الجانب الأخر تحدث الدكتور غازي صلاح الدين في عدد من الموضوعات، لكنه بدأ بالسياسة التي كان قد اتبعها تحالف الحرية و التغيير، و قال أن كل المؤشرات كانت تشير إلي أن التحالف سوف يفشل في انجاز مهمته، باعتبار أن التحالف لم يكن له الرؤية لكيفية التعامل مع عملية التغيير، هو بدأ بذات القضايا التي كان يدينها في الإنقاذ، عملية الإقصاء و الذهاب للمحاصصات، حيث أنه لم يقدر حجم التحدي الذي سوف يواجهه من جراء عملية الإقصاء، و كانت قيادته تعتقد أنها سوف تفرض شروطها على الساحة الأمر الذي جعلها تواجه تحديا كبيرا، القضية الأخرى كان التحالف فاقدا للرؤية التي تستوعب قطاع واسع من القوى السياسية، و أيضا فقد لجان المقاومة الذين اشعلوا الثورة.
يقول غازي أن عملية التغيير و التحول الديمقراطي تحتاج إلي إنتاج أفكار مغايرة عن التي كانت موجودة في الساحة السياسية قبل الثورة، حتى تنقل الجماهير من واقع كانت تعيشه إلي واقع جديد تستطيع أن تسهم فيه بالأفكار و الإبداع. و قال الشارع كان جاهزا أن يقدم أفكاره و إبداعه لكنه قد وجد الأبواب تغلق أمامه. القضية الأخرى أثناء كل هذا الصراع و المتغيرات لم يكن هناك دراسة نقدية لمسار العملية السياسية و تحدياتها لذلك كانت قدرات القابضين على مجريات الأحداث أقل من التحديات. عندما سئل إذا كان الإسلاميين شكلوا تحدي للثورة؟ قال أن الإسلاميين ليس كتلة واحدة كل مجموعة عندها رؤيتها الخاصة و كانت معرفة منذ عام 2013م لكن فكرة السلطة و السعي لها جعلتهم يضعونهم جميعا في وعاء واحد، فكيف تريد أن تصارع كتلة أكبر منك ليس عددا و أيضا خبرة طويلة.
و قال غازي أن الإسلاميين سيظلون في الساحة السياسية مثلهم مثل الآخرين، و لكن الكل يحتاجون إلي إجراء مراجعات فكرية لكي يستطيعوا أن يعيشوا في وطن واحد و استقرار سياسي و اجتماعي. و يتأتي ذلك عبر الحوار الوطني، دون أي إقصاء، إذا كان بالفعل الكل راغب في عملية التحول الديمقراطي. و قال يجب ان يبتعد البعض عن الوصايا و تمثل دور الأستاذية. و قال الجيش باعتباره مؤسسة دولة يحتاج إلي إصلاح و تحديث و تنمية للقدرات و لكن بالحوار الهاديء و الجاد بعيدا عن الهتاف. و اشار إلي أن القضايا السودانية تحل داخل السودان و من خلال حوار سوداني سوداني و ليس باستدعاء الخارج و تقديم نصائح و حلول لا تخلو من الغرض. و قال أن الحرب يجب أن تجعل الكل أن يراجع أفكاره و رؤيته حتى توقع البلاد مرة أخرى حروب و نزاعات.
أن القيادات التي تخرج من دائرة الشعارات المغلقة إلي أفاق الأفكار و طرح الأسئلة بهدف إثارة حوار داخل المجتمع و أوساط النخبة و المثقفين بالضرورة سوف تخلق طريقا جديدا في التفكير، و مهما كانت الخلافات بين القوى السياسية أن الحوار يصبح الطريق الذي يخلق قاعدة جديدة للثقة بينها. و مهما أختلفت مع هؤلاء تستطيع أن تسمع لرؤاهم و تجادلهم بذات الأفكار. و تحية خاصة للأستاذ سعد الكابلي و إدارته للحوار بأفق واسع، و تنوعه في المقابلات الأمر الذي يمهد لخلق حوار بين التيارات الفكرية. و نسأل الله حسن البصيرة
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أن التحالف فی الساحة تستطیع أن
إقرأ أيضاً:
الرميد: إذا كانت مقترحات تعديل مدونة الأسرة ستسهم في الحد من الانحدار الديمغرافي فمرحى و ألف مرحى
في تفاعله مع الإعلان عن نتائج مرحلة استشارة المجلس العلمي الأعلى حول مشروع تعديل مدونة الأسرة، يثير المصطفى الرميد، وزير العدل سابقا، إشكالية التراجع “الخطير” لمعدل الخصوبة الذي كشف عنه الإحصاء العام الأخير للسكان، ويتساءل عما إذا كانت التعديلات التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة سوف تساهم أم لا في الحد من التدهور الخطير للمعدل الخصوبة أم لا. ويقول، في تدوينة على حسابه الخاص على فيسبوك: إذا كانت مقترحات تعديل مدونة الأسرة ستسهم في الحد من الانحدار الديمغرافي فمرحى و ألف مرحى، أما إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني، فإنه ليس من الحكمة اعتمادها. وأضاف “لذلك أدعو إلى التأني الضروري في البلورة النهائية للتعديلات، واعتبار موضوع الاشكالية الديمغرافية أم المشاكل التي ينبغي التصدي لها بكافة الحلول الممكنة”. إليك نص التدوينة: السلام عليكم من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات بلادنا، واستقرار أحوالنا، والرشد في منهجية مقاربة مشاكلنا. والدلائل على ذلك كثيرة، لعل أهمها، هو الطريقة التي عولج بها إلى حد الآن، موضوع تعديل مدونة الأسرة ، خاصة اعتماد القاعدة الذهبية التي تقول: ( لا أحل حراما، ولا أحرم حلالا) ، وهي القاعدة التي أكد عليها جلالة الملك مرارا وتكرارا، وجعلها لازمة من اللوازم الثابتة في خطبه المتعلقة بالموضوع. وهكذا، وبعد أن بلورت اللجنة التي أناط بها جلالته مهمة إعداد التعديلات المطلوبة، أمر بإحالة المقترحات على الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، الذي قرر ماقرر ، على سبيل الاجتهاد، مما يمكن للمرء أن يتفق معه فيه أو يختلف، ولا ضير في ذلك، ولكن الكلمة الأخيرة هي للمؤسسات. وفي هذا السياق لا كلمة تعلو في القضايا الشرعية على كلمة المجلس المذكور، وهذا هو منطوق الدستور الذي لا محيد عنه. غير أن هذا لا يمنع من إثارة الانتباه إلى ما ينبغي، وما يجب، باعتبار أن المملكة قامت بإنجاز إحصاء عام للسكان والسكنى هذه السنة. (سنة 2024). وكان حريا التمعن الجيد في معطيات هذا الاحصاء، خاصة و أن من مقاصده: (تكوين قاعدة للمعاينة لإنجاز البحوث لدى الأسر). و إن مما يثير الخوف والقلق، المعطيات الاحصائية التي تفيد ما يلي: ▪︎ أولا، تواصل انخفاض معدل الخصوبة الكلي، حيث أن المتوسط الوطني كان سنة2004 في حدود 2،5%، وإذا به ينخفض سنة 2014 إلى نسبة 2،2 %، لينخفض مرة أخرى سنة 2024 إلى نسبة1،97%. وهو انخفاض ينذر بأوخم العواقب على المستقبل الديمغرافي للبلاد إن استمر في هذا المنحنى الصعب. ▪︎ ثانيا، إن هذا الانخفاض الحاد للخصوبة كان من تجلياته المباشرة انخفاض مستوى حجم الأسر، فبدل عدد : 5،3 فرد في كل أسرة سنة 2004، إذا بنا ننزلق إلى 4،6 سنة 2014، ثم إلى3،9 فرد سنة 2024. ▪︎ ثالثا، إن هذه المعطيات أدت إلى تباطؤ النمو السكاني، حيث كان هذا النمو بنسبة 1،38% مابين سنتي1994 إلى 2004، وبنسبة 1،25 % بين سنتي 2004 و 2014، ليصل إلى مستوى 0،85% مابين سنتي 2014و 2024. إن هذه المعطيات الديمغرافية الصاعقة، يبدو وكأنها لا تعني أي شيء، بدليل عدم فتح نقاشات عمومية واسعة حولها، وعدم قيام الفاعلين المعنيين بتقديم إجابات بشأنها. وللأسف، تأتي هذه المقترحات التعديلية لمدونة الأسرة، وكأن هذه الإحصائيات عادية، ولا تعني الأسرة من قريب أو بعيد. لذلك، فإن المؤكد أن مستقبل بلادنا مهدد ديمغرافيا، وعلينا أن نتساءل عن الأسباب والعلل، ونقارب كافة الاصلاحات الأسرية على ضوء هذه الأرقام المنذرة. وعلى هذا الأساس، فإنه إذا كانت هذه المقترحات ستسهم في الحد من الانحدار الديمغرافي فمرحى و ألف مرحى، أما إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني، فإنه ليس من الحكمة اعتمادها. لذلك أدعو إلى التأني الضروري في البلورة النهائية للتعديلات، واعتبار موضوع الاشكالية الديمغرافية أم المشاكل التي ينبغي التصدي لها بكافة الحلول الممكنة، ومنها الحلول التشريعية التي تهم الأسرة، دونما أي اعتبار جزئي كيفما كان نوعه وأهميته، إذا كان في النهاية سيؤدي إلى ضياع الاعتبارات الكلية. إن مما يثير الانتباه أيضا أن مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كانت تنص في أصلها على تعريف الزواج بأنه (ميثاق ترابط وتماسك … إلى أن تقول؛ غايته العفاف وتكثير سواد الامة، )هكذا كان وعي الرواد الأوائل بأهمية العامل الديمغرافي، وعلاقته بالأسرة، غير أن مدونة الأسرة لسنة 2004، استغنت على هذه المعطيات في تعريف الزواج، وبعد عشرين سنة يبدو واضحا أنه من الملائم أن نراجع حساباتتا، وأن نفكر عميقا، وبعيدا، في مستقبل المغرب، مغرب الأجيال القادمة التي لربما قد تضيع في أهم مقوماتها، بسبب حساباتنا الصغيرة، وقصور نظرنا، والله الموفق.