الشيخ كمال الخطيب يكتب .. ارفع رأسك ولا تساوم
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
#ارفع_رأسك_ولا_تساوم
الشيخ #كمال_الخطيب
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بيديه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وفضّله على كثير ممن خلق من أهل #السماوات و #الأرض، وجعله خليفته في أرضه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} آية 70 سورة الإسراء.
وعليه فإن هذا #الإنسان هو سيد هذه الأرض ولأجله سخّر الله عز وجل كل ما فيها من مادة، ولأن هذا الإنسان خُلق ليكون عبدًا لله، فإنه لا يصح ولا يجوز أن يستعبد الإنسان أو أن يذلّ نفسه من أجل شيء من أشياء الأرض خلقها الله لأجله، فإذا كانت كل أشياء الأرض قد خُلقت من أجل تحقيق إنسانيته، فلا يصح أن تُسلب إنسانية الإنسان وكرامته من أجل شيء من أشياء الأرض مهما كان وعظم.
مقالات ذات صلة مقترح بإلزام تقديم تعهد لكل من يريد اقامة حفل في الاردن بعدم إطلاق العيارات النارية 2023/09/01وإن من مظاهر تفضيل الله تعالى للإنسان وتكريمه، أنه حرّم قتله {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} آية 32 سورة المائدة. وقال ﷺ: “لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه كان أول من سنّ القتل”. ثم إن من مظاهر تكريم الإنسان وتفضيله، أنه حرّم إهانته وتحقيره على ميزان اللون أو العرق أو الغنى أو الفقر أو غير ذلك {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} آية 13 سورة الحجرات.
وعليه فليس لإنسان وآدمي أن يهين أو يحقّر أو يستعبد أو يذلّ إنسانًا آخر، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”.
فإذا كان لا يصح ولا يجوز للإنسان أن يحتقر وأن يهين إنسانًا آخر، فمن باب أولى أن يحرم على الإنسان أن يحتقر وأن يهين وأن يذلّ نفسه، ويكون هذا بسلوكيات وممارسات يسلكها الإنسان تكون سببًا في إهانته واحتقاره، وهذا يتنافى مع مفاهيم الإسلام الذي أكرمنا الله به وأعزنا به، فكيف للكريم والعزيز بكرامة وبعزة الله سبحانه أن يقبل الإهانة والهوان؟!
لا تكن إمعة
نعم، لقد حرّم الإسلام الذلّ وبرئ الإسلام ممن يقبل العيش على فتات العزة والكرامة يتفضل بها عليه غيره، لأن الأصل في المسلم أن يعتقد أن قول الحق وإنكار المنكر لا يُحرم رزقًا ولا يقرّب أجلًا، قال ﷺ: ” لا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا رٱه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكّر بعظيم”. يقول الأستاذ عامر شماخ في كتابه الجميل -إرفع رأسك يا أخي-: “إن الذي يعطي الدنية في دينه لأي سبب يقع في دائرة سخط الله ويعرض المجتمع الإسلامي للفتنة والخطر، والذي يظنّ أنه يفعل ذلك تقية فهو مخادع ومتقوّل على الدين ما ليس فيه. فإن المسلم مرفوع الرأس طويل القامة نزيه، أما المتردد الطامع فيما في أيدي الآخرين فلا كرامة له ولا رجولة”.
إن المسلم من أجل عزته وكرامة أمته، فإنه لا يتردد في خوض الصعاب وركوب الأهوال غير آبه بما يجري من تصاريف الأقدار، لأنها لن تتجاوز إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة. وإنه المسلم يأنف الظلم ويكره الظالمين ولا يرضى بخضوع الإسلام، يقول النبي ﷺ: “إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر”. ويقول ﷺ: “لا تكونوا إمعة، تقولوا إن أحسن الناس أحسنّا وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا”.
وإن من شرار المسلمين هم الذين يبيعون مروءتهم وكرامتهم من أجل منصب أو شهرة أو دراهم يملؤون بها جيوبهم، أو طعام يملؤون به كروشهم، لأنهم بذلك يبيعون دينهم ويسخطون ربهم، قال ﷺ: “من جلس إلى غني فتضعضع عنده لينال مما في يديه فقد ذهب ثلثا دينه ودخل النار”.
ارفع رأسك
هذه الصرخة العمرية كانت من الفاروق رضي الله عنه وقد نظر إلى شاب منكس الرأس ظانًا أن هذا من معاني الخشوع، فقال له وصرخ فيه: “ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعًا فوق ما في قلبه فإنما أظهر للناس نفاقًا إلى نفاق”.
إن المسلم يجب أن يعيش في هذا الكون عزيزًا مرفوع الرأس وينتزع كرامته وشموخه انتزاعًا، وليس هذا مما يوهب أو يتكرم به عليه المستكبرون، ولا يكون المسلم مرفوع الرأس إلا إذا امتلأت نفسه كرامة وثباتًا واستشعارًا مطلقًا لإيمانه بالله تعالى العزيز {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} آية 139 سورة النساء. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} آية 8 سورة المنافقون. إن المسلم لا يقبل إلا أن يطاول برأسه عنان السماء مع الأقمار والنجوم والشموس.
أرواحنا أموالنا وجهادنا لله تأبى دينه مسلوبا
روموا الحياة مع النجوم كريمة نحو المضاجع أن تضم جنوبا
لا البطش يرهبنا ولا جلادهم طوبى لمن صدق العزيمة طوبى
وإذا كان الأمر عكس ذلك فضعف المسلم وهان ونكّس رأسه وذلّ لجلاديه فإنه سلام على الدنيا كما قال الشاعر:
سلام على الدنيا سلام على الورى إذا ارتفع العصفور وانخفض النسر
إن من أسباب الانخفاض والذلّ وتنكيس الرأس إنما هو الخوف من الجلّاد أو طمعًا في الرزق، والمسلم يعلم أن الرزق والأجل لا يملكه إلا الله سبحانه، فكيف لمسلم أن يطأطئ رأسه لبشر مثله؟ وكيف له أن ينحني وهو يعلم أن الانحناء له بداية وليس له نهاية، ويعلم أن المساومة تبدأ على شيء صغير وتنتهي بالكبير، وأن أعداء الإسلام يتلذذون وهم يرون المسلم ينحني ويتنازل عن كرامته وعن ثوابته وعن أرضه وعرضه ومقدساته.
أأبكي عليك؟ أأبكي إليك؟ أأبكي علينا لما قد جنيت؟
ففي غدك المستباح الجريح ستصرخ “يا ليتني ما انحنيت”
ويرتد سهمك في مقلتيك ولن ينقذ البيت آلاف “ليت”
وتدرك بعد فوات الأوان بأنك لما انحنيت انتهيت
وما دمت قد بعت حتى الحطام ولم تُبقِ أمًا وأرضًا وبيت
فإني أخشى غدًا أن تبيع عظامي وقبرًا به قد ثويت
وما أجمل ما قاله المرحوم محمد إقبال: “إن الرزق الذي يفقد الأبيّ الكريم كرامته ويرزأه في حريته وشرفه سم زعاف. القوت المقبول هو الذي يظلّ معه الرجل موفور الكرامة مرفوع الهامة، إن السجدة الجديرة بالاهتمام هي السجدة التي تحرّم عليك كل سجدة لغير الله تعالى”.
لا تساوم
يقول سعد بن مالك رضي الله عنه: “وكنت رجلًا برًّا بأمِّي، فلما أسلمت، قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك قد أحدثت؟ لتدع دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعيَّر بي، فيقال: “يا قاتل أمِّه، فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثَتْ يومًا وليلةً لم تأكل فأصبحت وقد جهدت، فمكثَتْ يومًا آخر وليلةً أخرى لا تأكل، فأصبحت وقد اشتدَّ جهدها، فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمه، تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكُلِي، وإن شئت لا تأكلي، فأكلت”
هكذا يساوم المسلم على دينه وعقيدته وثوابته يراد له أن يفّرط فيها وأن يتنازل عنها، مرة بالعاطفة كحال الصحابي الجليل سعد بن مالك، ومرة بالتهديد والوعيد كحال الإمام أبي حنيفة النعمان لما عرض عليه القضاء مرتين فرفض لأنه تدخل الخليفة أبو جعفر المنصور بالقضاء وكان لأبي حنيفة رأي وموقف. ألحّ أبو جعفر وأصرّ أبو حنيفة على الرفض، وأقسم الخليفة أن يتولى أبو حنيفة القضاء وأقسم أبو حنيفة على عدم القبول، وانتقل الأمر إلى التهديد والوعيد بل والسجن حيث جُلد مائة سوط، وسال الدم منه وهو ثابت لا يلين، وفُرض عليه الحبس المنزلي في منزله ومُنع من الإفتاء والخطابة والاجتماع بالناس، فظلّ على موقفه صلبًا أقوى من الحديد.
جاءته أمه تعاتبه وتقول: يا نعمان، وماذا أفادك العلم غير الضرب والحبس والإهانة؟ فقال لها: يا أماه لو أردت الدنيا ما ضُربت ولكني أردت وجه الله وصيانة العلم. وقد حبس ومات في سجنه رحمه الله.
ومثل الإمام أبي حنيفة فإنه الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن، فإنه أصرّ على موقفه وثبت ورفض أن يساوم على ذلك.
ومثل أبي حنيفة وأحمد، فقد سار على الدرب الشهيد سيد قطب لما ساوموه على موقفه من جمال عبد الناصر وسياساته وعدائه، ليس فقط لجماعة الإخوان المسلمين وإنما للإسلام وقد أرسلوا إليه في سجنه وهو المصاب بمرض السكري والذبحة الصدرية، وطلبوا منه فقط كتاب استرحام لجمال عبد الناصر فرفض وقال: ” إن هذه الأصبع التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله لتأبى أن تكتب حرفًا تسترحم به طاغية”.
تهون الحياة وكل يهون ولكن إسلامنا لا يهون
إذا ما أرادوا لنا أن نميل عن النهج قلنا لهم: مستحيل
لنا نهجنا من إله جليل وإنا به أبدًا مؤمنون
نساوم، لا أيها الغاشمون نداهن، لا أيها المارقون
فإسلامنا نبضنا والعيون على رغم ما يمكر الماكرون
لا عزاء للمحبطين واليائسين والجبناء
يظن البعض أن السلامة والسعادة في أن نقول للظالم وللطاغية وللعدو: نعم، أمرك سيدي. ويظن هؤلاء السفهاء بل والجبناء أن صلابة الموقف والثبات على الحق يجلبان الهموم والمتاعب.
ويظن هؤلاء أن المداهنة في الموقف والتلون في المبادئ هو من الدهاء والفذلكة، ويظنون أن الاعتزاز بالموقف والثبات عليه هو من ضيق الأفق وقلة المرونة السياسية. وإن من أخطر ما قد يصاب به الفرد أو الأمة فإنما هو اليأس والإحباط والتشاؤم والسوداوية. إن هذه كلها من أبواب الشيطان التي تقود صاحبها إلى أن يكفر بنفسه ويكفر بشعبه ويكفر بدينه فيتنكر له ولا يتشرف بالانتماء إليه، بل إنه قد يصل به الأمر إلى أن يكفر بربه سبحانه والعياذ بالله.
إن المحبط والمتشائم واليائس هو الذي يفقد البوصلة وتختل عنده الموازين الأخلاقية والدينية والاجتماعية، لا بل إنه الذي يغرق في مستنقع الأنانية حيث يصبح لا همّ له إلا نفسه، فيباع ويشترى ويداهن ويساوم حيث يغيب عن قاموسه مصطلحات العيب والحرام، بل يصبح كل شيء عنده مباحًا.
وإن الوصول إلى هذا الحال لا يكون إلا في ظلّ غياب الإيمان، وفي ظلّ الجهل بدينه وتاريخه وفهمه لقراءة التاريخ، بل قراءة الواقع.
وعليه فإن الواقع الذي نعيش، فإنه لصعوبته قد يكون للمحبطين والمتشائمين دليلًا آخر على تبرير ما هم عليه، بينما هو للمتفائلين الواثقين الصادقين دليل قطعي على أنهم على الجادة وأن الإسلام بخير وأنه قوي وقادم، ولولا ذلك لما كان استحق كل هذا الكيد والعداء والحرب السافرة. نعم إن الواقع الذي نعيش يحمل بين ثناياه إرهاصات ما أكثرها وإشارات لا تخطئها العين بأننا بين يدي فتح مبين وفرج قريب، وعليه فلا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.
لا للطغاة أقولها فوق الصوامع في علن لا لن أبالي بمن نفا وبمن بغى وبمن سجن
لا: من يقول بها نجا والله أودعها المنن لا: يا أحبة رددوا وذروا نعم فهي الفتن
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: كمال الخطيب السماوات الأرض الإنسان من أجل
إقرأ أيضاً:
خاطرة
#خاطرة
د. #هاشم_غرايبه
الحمد لله أولا وأخيرا على نعمه، ما ظهر منها وما خفي علينا، وأهم تلك النعم وأجلها شأنا هي أنه هدانا الى الإيمان.
الشجرة في الطبيعة تثمر نوعا واحدا من الثمر يكون عادة طيبا نافعا، لكن الإيمان ان تجذر في قلب الإنسان انبت شجرة وفيرة الإثمار متنوعة الثمرات، ولكل نوع طعم ونفع مختلف، لكن مصيبة غير المؤمن أنه لا يعرف هذه الحقيقة، فهو يعتقد أن الإيمان مجرد معتقد ميتافيزيقي، وترفا فكريا ابتدعه الإنسان ليعزي به نفسه، وأعمى قلبه الكبر والغرور، فأخفى عنه أن الإيمان أعلى قيمة من العقل ذاته، بدليل أن الله أوجد العقل أساسا أداة للوصول الى الإيمان، لذلك فالعقل مُسعد للإنسان إن أوصله للإيمان، لكنه إن عجز عن ذلك فلن يعدو أن يكون أداة نافعة لتحقيق متطلبات الإنسان المعيشية، لكن تبقى هذه المتطلبات قاصرة عن إحلال السكينة في النفس.
من ثمرات الإيمان التي تنفع الإنسان في حياته الدنيا قبل الآخرة ثلاث: الصبر عند الشدائد، والطمأنينة عند الابتلاء، واللجوء الى العلاج الوحيد الذي يحقق السكينة للنفس .. وهو الذكر.
هذه الثمرات الثلاث كانت خير عون لي دائما، لكنني عرفت قيمتها بحق، ومدى نفعها خلال الأسبوع المنصرم الذي اضطررت فيه لدخول غرفة العناية الحثيثة، لاجراءات طبية في القلب.
عندما يجد الإنسان نفسه ملزما بالاستلقاء أياما، مربوطا الى أجهزة تراقب أداء أجهزته الحيوية، مستسلما لكل تعليمات الأطباء وإجراءات الممرضين، ليس في يده إلا الصبر.
هنا تنجلي للمؤمن ثمرات هذه الشجرة، فمن كان رعاها في أيام يسره، يجد ثمارها يانعة أيام الضيق.
وعندها ينتفع بهذه الثمار التي لا تنتجها الأشجار المادية.
عندما تعلم أنك في رعاية أيد أمينة تطمئن، فتصبر على المعاناة، ولكن عندما تكون طبيبا وتعرف حدود إمكانيات الطب، وأنه مع التقدم والتطور في التقنيات، فما زال هنالك كثير من الأمور البسيطة يعجز الطب عنه، لذلك لا تقنع التطمينات الا البعيدين عن مهنة الطب.
عندها لا يصبر إلا من يأمل بالفرج، لذلك فغير المؤمن يكون جزوعا، لأنه يعتقد أن الأمور مسألة حظ، فزوال الشدة يراها مجرد احتمالية، خاضعة احصائيا لتقديرات نسبة النجاح، لكن المؤمن يوقن أن هنالك إلها رحيما هو وحده من يقرر النجاح والفشل، وهو قطعا أرأف به من كل محبيه، وهو القادر الذي يقدر الأحداث، لذلك فلا تخضع قراراته للصدف ولا تحدد نتائجها احصائيات، هنالك يتميز المؤمن بالطمأنينة بدل الجزع، فيفرغ الله عليه صبرا، والذي هو فترة الانتظار الى أن يتحقق وعد الله الذي لا يخلف وعده: “إن مع العسر يسرا”، أي أن اليسر حاضر مقرر منذ أن قدر الله العسر، وما عليه الا الانتظار لحين حلول موعده، وهذه الفترة يقدرها الله حسب ابتلائه، والمؤمن يعلم أن شدة الابتلاء هي تأهيل للترقية، كامتحانات الترفيع، مرتبطة بمقدار علو الدرجة عند الله، بدليل أن الأنبياء كانوا الأشد بلاء.
صحيح أن الانتظار مع المعاناة مرهق، لذلك أوجد الله الذكر ليستعين به المؤمن، ووسيلة ناجحة للصبر.
دائما ما كنت أجد في الذكر النتيجة المأمولة، وحتى في أبسط الأشياء، مثل الانتظار عند الإشارة الضوئية، إو في انتظار الدور في المعاملات والإجراءات، أو في المطارات ..الخ.
الذكر ليس كما يصوره البعض بأنه وصفات محددة لتحقيق نتائج محددة، كأن تقرأ آية معينة، أو تردد أدعية أو اذكارا معينة كذا مرة فتدخل الجنة، ووصفة أخرى ترفعك من الفقر الى الغنى، وأخرى تشفيك من المرض الفلاني.. الخ.
بل هو بكل بساطة أن تردد الكلمات الأربع: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وليس مهما عدد المرات، بل مجرد تمثلك لمعانيها، وما التكرار الا لإبقاء النفس منشغلة بها عما سواها.
عندما يقول المرء سبحان الله فهو ينزهه عن الصفات التي هي في ذهنه مرتبطة بالصفات البشرية، وعندما يحمده فهو يقر له بالامتنان على نعمائه التي ما فطن لها إلا عندما حجبها الله عنه مؤقتا، لذا يبوء الى المنعم بذنبه ويوطن نفسه على تدارك ما فاته، وهذا ما يطمأن نفسه الى قرب استعادته لما فقده.
وعندما يوحد الله فذلك اطمئنان الى أنه يستعين بالأعلى سلطة في الكون.
وعندما يكبر الله فهو يكون قد أكمل متطلبات التوحيد بالإقرار بأن الله أكبر من كل شيء، ولا مبطل لمشيئته.