بلاستيك بصلابة المعدن.. هل ينجح في تجاوز التحدي البيئي؟
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
تلقت مختبرات "سانديا" الوطنية بأميركا شكاوى تتعلق بهشاشة حافظات الهاتف البلاستيكية، وهو ما قادهم خلال البحث عن حلول إلى تطوير جزيء يكسب البلاستيك متانة المعادن، بما يجعله صالحا لتطبيقات تتعدى حافظات الهاتف، إلى الاستخدام في مجالات الحياة المختلفة.
ويدخل البلاستيك (البوليمر) في كل عنصر تقريبا يستخدم في الحياة اليومية، وذلك بسبب تكلفته وكثافته المنخفضة، وخصائص عزله الحراري والكهربائي الجيدة، ومقاومته العالية للتآكل، ولكن مع هذه المزايا، فإن التعرض المستمر للحرارة والبرودة يتسبب في تمدده وانكماشه، مما يؤدي في النهاية إلى تدهوره، وهنا تأتي قيمة الجزيء الذي ابتكره باحثو مختبرات "سانديا" الأميركية، والذي تم الإعلان عنه في بيان صحفي أصدرته المختبرات في 24 أغسطس/آب الجاري.
ومختبرات سانديا تديرها "الشركة الوطنية للتكنولوجيا والحلول الهندسية"، التابعة للإدارة الوطنية للأمن النووي بوزارة الطاقة الأميركية، وتتولى تلك المختبرات مسؤوليات بحث وتطوير رئيسية في مجالات الردع النووي والأمن العالمي والدفاع وتقنيات الطاقة والقدرة التنافسية الاقتصادية، ولها منشآت رئيسية في عده ولايات أميركية.
تقول إيريكا ريدلاين، عالمة المواد بالمختبرات، والتي قادت الفريق البحثي، في البيان الصحفي إن "أحد أكبر العوامل، التي تسهم في تدهور المواد، بما فيها البلاستيك، هو التعرض المتكرر لدرجات الحرارة من الساخنة إلى الباردة ثم العكس، وتتمدد معظم المواد عند تسخينها وتتقلص عند تبريدها، ولكن لكل مادة معدل تغير خاص بها، فالبلاستيك، على سبيل المثال، يتمدد وينكمش بشكل أكبر، في حين أن المعادن والسيراميك تتقلص بشكل أقل".
وتوضح ريدلاين أن "بعض المنتجات تتكون من عدة مواد، فمثلا يحتوي الهاتف على غلاف بلاستيكي، مقترن بشاشة زجاجية، وداخله المعادن والسيراميك التي تشكل الدوائر، ويتم ربط جميع هذه المواد أو لصقها أو ربطها معا بطريقة ما، وتبدأ في التوسع والانكماش بمعدلات مختلفة، مما يضع ضغوطا على بعضها البعض، تؤدي إلى تشققها أو تشوهها بمرور الوقت".
وكانت الشكاوى التي تلقتها المختبرات قد تركزت في عدم تطابق التمدد الحراري، وكيف يصعب التعامل معه في المنتجات الحالية، بسبب الحشو الذي يحتاجون إلى إضافته لحل تلك المشكلة، ومن هنا ولدت الفكرة التي قادت إلى تحضير الجزيء، الذي تحفظ الباحثون في البيان الصحفي على ذكر اسمه، ورفضوا كذلك الحديث بمزيد من التفصيل عنه، بعد أن طلبت منهم "الجزيرة نت" ذلك في رسالة عبر البريد الإلكتروني.
واكتفى الباحثون بالتأكيد على أن الجزيء الذي تم اختراعه، سيغير قواعد اللعبة، لأنه عند إضافته إلى البلاستيك، سيزيد من متانة المادة لجعلها أشبه بالمعادن.
وتقول ريدلاين إن الجزيء "فريد من نوعه، فعندما تقوم بتسخينه، بدلا من أن يتوسع، فإنه في الواقع ينكمش عن طريق إجراء تغيير في شكله، وعندما تتم إضافته إلى البلاستيك، يتسبب في تقلصه بشكل أقل، مما يصل إلى قيم التمدد والانكماش المشابهة للمعادن، فهو جزيء يتصرف مثل المعدن، وهذا أمر رائع للغاية".
يقول جيسون دوجر، المهندس الكيميائي في سانديا، وأحد أعضاء الفريق البحثي، إن الجزيء يمكن أن يحدث ثورة في كيفية استخدام البوليمرات في مجموعة من التطبيقات، بما في ذلك الإلكترونيات وأنظمة الاتصالات والألواح الشمسية وقطع غيار السيارات ولوحات الدوائر وتصميمات الفضاء الجوي وأنظمة الدفاع والأرضيات.
ويوضح أن "هذا الجزيء لا يحل المشكلات الحالية فحسب، بل يفتح بشكل كبير مساحة التصميم لمزيد من الابتكارات في المستقبل، فمثلا يمكن إدخاله في أجزاء مختلفة من البلاستيك بنسب مختلفة أثناء الطباعة الثلاثية الأبعاد، وبالتالي يمكنك طباعة هيكل له سلوكيات حرارية معينة في منطقة واحدة، وسلوكيات حرارية أخرى في منطقة أخرى لمطابقة المواد الموجودة في أجزاء مختلفة من العنصر".
كما أن هذا الجزيء يساعد على تقليل وزن المواد عن طريق التخلص من الحشوات الثقيلة، ففي كثير من الأحيان، تتم إضافة المعادن مثل كربونات الكالسيوم والسيليكا والطين والكاولين والكربون، كمواد حشو لتسهيل تشكيل البلاستيك وضمان الاستقرار.
ويضيف دوجر "سيمكننا ذلك من القيام بأشياء أخف بكثير، وهذا مهم بشكل خاص عند إطلاق قمر صناعي، على سبيل المثال، فكل غرام يمكننا توفيره تكون له فائدة كبيرة.
طريقة لزيادة الإنتاجلم ينتج الباحثون حتى الآن سوى كميات صغيرة من الجزيء، لكنهم يعملون على طريقة لزيادة الإنتاج، حيث يستغرق حاليا إنتاج ما بين7 إلى 10 غم حوالي 10 أيام.
يقول تشاد ستيجر، الكيميائي العضوي المسؤول عن إنشاء الجزيء "إنه لسوء الحظ، فإن عملية تصنيع هذا الجزيء طويلة، وبطبيعة الحال، فإن المزيد من الخطوات يعني المزيد من الوقت والمال.
ويضيف "عادة ما ترى تركيبات من خمس إلى ست خطوات في المواد ذات القيمة الأعلى مثل الأدوية، أما بالنسبة للبوليمرات (البلاستيك)، فكلما كانت أرخص كان ذلك أفضل للتبني على نطاق واسع".
مع ذلك، لا يزال الباحثون متفائلين بشأن الاستخدامات المحتملة للجزيء، ويقول إريك ناجل، أحد أعضاء فريق البحث "لا يوجد شيء مثل ذلك، فأنا متحمس حقا لإمكانات ما يمكن أن تفعله هذه التكنولوجيا والتطبيقات التي يمكن أن ترتبط بها، ودوري هو معرفة ما إذا كانت هناك طريقة أسهل لإنتاجه لتحقيق ذلك على المستوى التجاري".
ويعمل الفريق البحثي حاليا على تقليل خطوات الإنتاج باستخدام تمويل قدره 100 ألف دولار أميركي من خلال برنامج النضج التكنولوجي الخاص بمختبرات "سانديا"، والذي يساعد على تجهيز المنتجات للسوق.
من جانبه، يرى الدكتور رمزي عبد العزيز، الباحث بجامعة ألتو الفنلندية، أن هذا الإنجاز يواجه تحديين، الأول اقتصادي، والثاني بيئي، وأضاف في تصريحات للجزيرة نت "بدون تحقيق ما وعد به الباحثون من تقليل خطوات إنتاج الجزيء، بما يساعد على تقليل تكلفة تحضيره، فإنه لن يجد مجالا للدخول في التطبيقات الصناعية".
ويتوقع عبد العزيز، نجاح الباحثين في تجاوز هذا التحدي، حيث يبدو في البيان الصحفي، أن لديهم اهتماما بهذا الأمر، وتم تخصيص التمويل اللازم للتعامل مع المشكلة.
ولكن التحدي الذي يتعجب من إهماله، هو المتعلق بالجانب البيئي، مضيفا أنه "بينما يتجه العالم نحو البلاستيك الحيوي الذي يتحلل بسهوله عند التخلص منه في البيئة، فإن الاختراع الجديد يعد ببلاستيك له متانة المعادن".
وأضاف "لم يشر الباحثون من قريب أو بعيد للبعد البيئي لاختراعهم، وهذا الأمر أصبح شديد الأهمية، حيث يعاني العالم من الأثر البيئي لنفايات البلاستيك".
ووفق تقرير للبنك الدولي صدر قبل عامين، فإن ما يُعاد تدويره من البلاستيك على مستوى العالم، لا يتجاوز 9%، بينما يتم التخلص من معظم البلاستيك في البيئة الطبيعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: یمکن أن
إقرأ أيضاً:
كيف يستجيب الجسم لفترات الصيام الطويلة؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كشفت دراسة حديثة أجرها فريق من الباحثين بمعهد أبحاث الرعاية الصحية الدقيقة بجامعة كوين ماري في لندن، أن الصيام لفترات طويلة يؤدي إلى تغيرات جزيئية كبيرة ومنظمة في أعضاء متعددة بالجسم ما يسلط الضوء على فوائد صحية تتجاوز مجرد فقدان الوزن، وفقا لما نشرته مجلة scitechdaily.
وأظهرت الدراسة أن خلال فترة الصيام يغير الجسم مصدر الطاقة الذي يعتمد عليه، حيث يتحول من استخدام السعرات الحرارية المستهلكة إلى استخدام الدهون المخزنة في الجسم، ومع ذلك لا يعرف سوى القليل عن كيفية استجابة الجسم لفترات الصيام الطويلة وتأثيراتها الصحية سواء كانت إيجابية أو سلبية، وقد وفرت التقنيات الحديثة التي تسمح للباحثين بقياس آلاف البروتينات في الدم فرصة لدراسة التكيفات الجزيئية للصيام بتفصيل دقيق.
وتابع الباحثون 12 متطوعا أصحاء شاركوا في صيام لمدة سبعة أيام يعتمد على الماء فقط، وتم مراقبة المتطوعين يوميا لتسجيل التغيرات في مستويات نحو 3000 بروتين في دمائهم قبل الصيام وأثنائه وبعده ومن خلال تحديد البروتينات المشاركة في استجابة الجسم، تمكن الباحثون من التنبؤ بالنتائج الصحية المحتملة للصيام الطويل باستخدام المعلومات الجينية من دراسات واسعة النطاق.
وكما هو متوقع لاحظ الباحثون تحول الجسم من استخدام الجلوكوز إلى استخدام الدهون المخزنة خلال اليومين أو الثلاثة أيام الأولى من الصيام، وفقد المتطوعون في المتوسط 5.7 كغ من كتلة الدهون والعضلات، وبعد ثلاثة أيام من تناول الطعام بعد الصيام استعاد المتطوعون كتلة العضلات المفقودة تقريبا بالكامل، بينما استمر فقدان الدهون.
لاحظ الباحثون حدوث تغيرات مميزة في مستويات البروتينات بعد نحو ثلاثة أيام من الصيام، ما يشير إلى استجابة كاملة للجسم للحرمان من السعرات الحرارية بشكل عام تغير ثلث البروتينات التي تم قياسها بشكل كبير خلال الصيام في جميع الأعضاء الرئيسية، وكانت هذه التغيرات متسقة بين المتطوعين ولكنها أظهرت علامات مميزة للصيام تتجاوز فقدان الوزن مثل التغيرات في البروتينات التي تشكل الهيكل الداعم للخلايا العصبية في الدماغ.
وقالت الدكتورة كلوديا لانغنبرغ مديرة معهد أبحاث الرعاية الصحية الدقيقة بجامعة كوين ماري: لأول مرة نستطيع أن نرى ما يحدث على المستوى الجزيئي في جميع أنحاء الجسم أثناء الصيام، والصيام عند ممارسته بأمان هو تدخل فعال لفقدان الوزن وتدعي الحميات الشائعة التي تتضمن الصيام مثل الصيام المتقطع أن لها فوائد صحية تتجاوز فقدان الوزن وتقدم نتائجنا دليلا على هذه الفوائد، ولكنها كانت مرئية فقط بعد ثلاثة أيام من الحرمان الكامل من السعرات الحرارية أي في وقت لاحق مما كنا نعتقد سابقا.
وأضاف الدكتور مايك بيتزنر رئيس قسم البيانات الصحية في معهد برلين للصحة: توفر نتائجنا أساسا لفهم سبب استخدام الصيام لعلاج بعض الحالات بينما قد يكون الصيام مفيدا لعلاج بعض الأمراض فإنه غالبا ما لا يكون خيارا متاحا للمرضى الذين يعانون من مشاكل صحية ونأمل أن تساعد هذه النتائج في تطويرعلاجات بديلة يمكن للمرضى اتباعها.