كابول ـ بعد مرور عامين على وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة التي تتزعمها الحركة، لم تعترف أي دولة بتلك الحكومة التي أرسلت دبلوماسيين إلى الصين وقطر وتركيا وباكستان وروسيا، لكن هذا الجهد الدبلوماسي لم ينجح، لتبقى أفغانستان معزولة، وتخضع لعقوبات دولية.

فبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان 2021 دخلت العلاقات بين حركة طالبان والولايات المتحدة مرحلة جديدة واستثنائية في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث أدى الانسحاب إلى تغير مفاجئ للسلطة، وتمكنت الحركة خلال فترة زمنية قصيرة من السيطرة على جميع الأراضي الأفغانية.

وبالتزامن مع هذه السيطرة، أعلنت الحركة للمرة الثانية حكومة مؤقتة من أعضائها برئاسة الملا محمد حسن أخوند، وأنهت الحرب التي استمرت 20 عاما مع القوات الأميركية والأجنبية في عموم أفغانستان.

قرارات صارمة

ويقول الكاتب والباحث السياسي طارق فرهادي للجزيرة نت "بعد الانسحاب الأميركي في أفغانستان انتهت فترة الحرب، وإعلان العفو العام من قبل زعيم حركة طالبان أدى إلى استقرار الوضع الأمني في البلاد، ولكن قراراتها الصارمة بشأن المرأة الأفغانية تسببت في عزلة طالبان دوليا وإقليميا وحتى دول إسلامية ليست مستعدة للتعامل معها".

ودعا الكاتب والباحث السياسي، حكومة طالبان إلى مراجعة تلك القرارات إن كانت تريد الاستمرار في الحكم وتحظى بالاعتراف الدولي.

ويرى خبراء في الشأن الأفغاني أن الحكومة التي تتزعمها طالبان حققت مكاسب داخلية مثل توفير الأمن وبدء عدد من المشاريع الوطنية مثل قناة خوشتيبه وبناء خط سكك حديدية، والحفاظ على سعر العملة الأفغانية، وتوقيع عقود التعدين مع شركات أفغانية وأجنبية ولكنها أخفقت في إحراز أي تقدم على المستوى الخارجي في بناء العلاقات الدبلوماسية مع أطراف دولية وإقليمية.

وتتهم طالبان، الولايات المتحدة بعرقلة مسألة الاعتراف بها كحكومة وتقول إنها تؤثر على القرارات الأممية، كما أن الدول التي تنافس الولايات المتحدة تتجنب مواجهتها في هذا الملف ولا تعترف بحكومة طالبان، واكتفت بفتح سفاراتها في العاصمة كابل.

الخلافات مع واشنطن

ويقول وكيل الخارجية الأفغانية شير محمد عباس ستانكزاي للجزيرة نت "الولايات المتحدة تعرقل حل مسألة الاعتراف وبناء العلاقات الدبلوماسية مع الآخرين بسبب ثقلها السياسي والاقتصادي على مستوى العالم، ودول كثيرة قالت لنا عليكم حل الخلافات مع واشنطن أولا، وبعد فتح السفارة الأميركية في كابل، سنبادر إلى الاعتراف بكم ونعود إلى كابل".

وتقول تقارير رسمية إن الحكومة الحالية أرسلت ممثليها إلى 16 دولة وتتوقع منها أن تعاملها بالمثل، ولكن هناك تباين واضح في مواقف جميع الأطراف التي تتعامل مع الملف الأفغاني.

ويؤكد الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت أن الولايات المتحدة تهتم بالقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب في أفغانستان وتتجاهل آلية التعامل مع حركة طالبان، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي أيضا يهتم بحقوق الإنسان وخاصة المرأة دون الحديث عن القضايا الأخرى، أما دول الجوار الأفغاني، فلكل منها مصلحة تتعارض مع مصالح الأخرين.

شروط أساسية

يقدم المجتمع الدولي شروطا أساسية للاعتراف بالحكومة الأفغانية التي شكلتها حركة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية أبرزها الحل السياسي للأزمة في أفغانستان، واحترام حقوق المرأة، وإعلان قطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية، بحسب متخصصين في الشأن الأفغاني، يرون أنه مالم تطبق حركة طالبان هذه الشروط فسيكون من الصعب أن تحصل على الاعتراف الدولي رغم إقامة علاقات أمنية ولقاءات بين مسؤولين أفغان وأجانب.

ويقول وكيل الخارجية الأفغاني شير محمد عباس ستانكزاي للجزيرة نت "هذه المرة الأمر يختلف حيث لم تعين الولايات المتحدة أي ممثل في أفغانستان أثناء الحكم الأول لحركة طالبان، ولكنها (في المرة الثانية) عينت ممثلا وسفيرا إلى أفغانستان ويعملان من الدوحة بدلا من كابل، وهناك لقاءات سياسية وأمنية بين الطرفين، هذا دليل على تطبيع العلاقات بين طالبان وواشنطن، وأن المجتمع الدولي يستخدم مسألة الاعتراف كورقة ضغط ليس غير".

ويرى محللون أن الولايات المتحدة قامت بسحب قواتها من أفغانستان ولكنها ما زالت موجودة في الأجواء الأفغانية وأن "الطائرات دون طيار" الأميركية تحلق على مدار الساعة في الأجواء، مما أدى إلى تعقيد العلاقات بين البلدين.

وتعليقا على ذلك يقول وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي للجزيرة نت "ناقشنا في اجتماع بالدوحة خرق الأجواء الأفغانية من قبل الولايات المتحدة وطالبنا بوقف تحليق طائراتها".

يربط المجتمع الدولي الاعتراف بحكومة طالبان بسلوكها الداخلي والخارجي وفقا لالتزاماتها باتفاق الدوحة الذي وقعته مع الولايات المتحدة عام 2019 والذي رسم خارطة الطريق لحل الصراع في أفغانستان، ويرى أن التواصل مع حركة طالبان مهم لكنه لن يفتح الطريق إلى الاعتراف بها كحكومة شرعية ما لم يطبق الاتفاق كاملا من الأطراف الموقعة عليه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العلاقات بین فی أفغانستان حرکة طالبان للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

قلق أوروبى من فك الارتباط مع الولايات المتحدة فى عهد ترامب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

هل يمكن أن يدخل الناتو فى «بيات شتوى» طويل؟

خيار وحيد أمام القارة الأوروبية: إما الاستيقاظ في وضع مشحون للغاية أو الاضطراب المزمن

دول الاتحاد الأوروبى أثبتت عدم نضجها بعد أن أخرج الأوروبيون رءوسهم من الرمال الدافئة وصرخوا: «أصبحنا وحدنا فى العراء»!

الخوف يتصاعد فى شمال أوروبا.. ورئيس وزراء السويد: مستعدون لكل السيناريوهات.. ولكن على قارتنا أن تفعل المزيد من أجل سيادتها 

دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية - صورة أرشيفيه

 

كل الدلائل فيما يبدو تشير إلى أن الأوروبيين أثبتوا عدم استعدادهم في مواجهة انتخاب ترامب،. وأثبتت دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة عدم نضجها المأساوي، وعدم قدرتها على الاتفاق على القضايا الكبرى والتحضير لإعادة انتخاب ترامب، على الرغم من أنه كان يمكن التنبؤ به، مما يعيد خلط أوراق العالم.

وفى تحليل متكامل، ترى الكاتبة الفرنسية ماريون فان رينتيرجيم أن زمنًا طويلًا مر منذ أن كان الفيل في الغرفة وكانت النعام تنظر في الاتجاه الآخر أو تدفن رأسها فى الرمال.. حتى جاء 6 نوفمبر 2024، حيث تم الإعلان عن فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية، فأخرج الأوروبيون فجأة رءوسهم التي ظلت مغمورة في الرمال الدافئة وصرخوا: «أوه، لكننا جميعًا وحدنا فى العراء»! ومن حولهم الصحراء.. لقد فقد الغرب هيمنته واحتكاراته لصالح دول الجنوب الصاعدة. وتمثل دول البريكس 45% من سكان العالم، كما أن حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي أعلى من حصة أوروبا في دول مجموعة السبع. لم يتنبه الأوروبيون إلى أن الهندسة المعمارية للعالم الذي بُني بعد عام 1945 آخذة في التلاشي، والقانون الدولي آخذ في الاختفاء. إن العدوان الكارثي على العراق عام 2003 دون ضوء أخضر من الأمم المتحدة أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها على المسرح العالمي، وصدم الأمريكيين الذين تراجعوا تدريجيًا منذ ذلك الحين إلى الانعزالية.

كل الرؤساء سواء

سواء كان اسمه باراك أوباما، أو دونالد ترامب فى ولايته الأولى، أو حتى جو بايدن، فإن الفيل الذي لم يرغب الأوروبيون في رؤيته ظل يحاول إخفاء نفسه منذ فترة طويلة من دون أن يحذرهم.. وتخفى جو بايدن مهندس مدرسة الحرب الباردة فى شكلها الجديد، وراء دعم أوكرانيا، حيث لم تعد أوروبا أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. كما كان أوباما قد أعلن بالفعل عن «التوجه نحو آسيا».

ومع إعادة انتخاب دونالد ترامب، المرشد العالمي للقوميين الشعبويين الذي يعلن أن «الاتحاد الأوروبي عدو»، والذي ينوي التفاوض لإنهاء الحرب فى أوكرانيا والذي يهدد بإضعاف التحالف الأطلسي، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحديات جديدة.. لقد تضاعف حجم الفيل ثلاث مرات ولم يعد لدى النعامة ما يكفي من الرمال لإخفاء عينيها.

منذ فترة، رأى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كل شيء على حقيقته، عندما وصف حلف شمال الأطلسي بـ«الميت دماغيًا». وكانت خطاباته في جامعة السوربون في عامي 2017 و2024 أو في براتيسلافا في عام 2023، من بين خطابات أخرى، تؤكد على ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بتأسيس سيادته الاستراتيجية. من المؤكد أن الاتحاد قطع خطوات عملاقة في مواجهة أزمة كوفيد أو من خلال دعمه لأوكرانيا. لكن الأمور ليست على ما يرام فى أوروبا. إن فرنسا، التي أضعفتها ميزانيتها الهشة وبرلمانها الذي لا يمكن السيطرة عليه، لا تملك القدرة على النطق بكلماتها، ولا يملك رئيسها السلطة اللازمة لإسماع صوته. وتضع ألمانيا، القوة الاقتصادية الرائدة، مصالحها التجارية قبل الجغرافيا السياسية، ويتراجع مستشارها أولاف شولتز، الذي أصيب بالشلل بسبب ائتلافه الحكومي الذي انهار رسميًا الآن، إلى الوراء. ويظل اعتماد الدفاع الأوروبي على الولايات المتحدة كاملًا، على الرغم من التحذيرات.

ماكرون وشولتز رعيما أكبر اقتصادين فى أوروبا

لقد أثبتت دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين، المقسمة بطبيعتها والتي أفسدتها الموجة القومية الشعبوية، عدم نضجها المأساوي، وعجزها عن الاتفاق على القضايا الكبرى والاستعداد لإعادة انتخاب ترامب، مهما كان متوقعًا. في الوقت الذي يجد فيه الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهة تحديات لم يسبق لها مثيل في تاريخه، فهو محاط من الشرق بالحرب في أوكرانيا، ومن الجنوب بالحرب في الشرق الأوسط. 

وفي بودابست، حيث اجتمع أيضًا زعماء الجماعة السياسية الأوروبية، وهي المنظمة التي من المفترض أن تعزز الروابط بين الاتحاد الأوروبي وأولئك الذين يشاركونه قيمه، كرر إيمانويل ماكرون: «نحن، الأوروبيين، لا يتعين علينا أن نفوض أمننا إلى الأبد للأمريكيين». وحتى دونالد تاسك، أول أنصار الأطلسي، يعترف بأن «عصر التعاقد من الباطن الجيوسياسي قد انتهى».

شمال أوروبا 

وإذا كانت أصوات عديدة بدأت تعلو داخل القارة العجوز لتحذير دول الإتحاد الأوروبى مما هو قادم بعد نجاح الشعبوى ترامب، فإن الخوف يتصاعد بشكل واضح فى شمال أوروبا، ويحاول الزعماء أن يظهروا بمظهر جيد في مواجهة فوز دونالد ترامب.. واحدًا تلو الآخر، هنأوا الرئيس الجمهوري الجديد، لكن وراء هذه الرسائل المهذبة يكمن القلق من رؤية الولايات المتحدة تنسحب من حلف شمال الأطلسي، مما يعرض أمن المنطقة للخطر، وفقًا لرؤيتهم.

على سبيل المثال، فإن ليتوانيا تخصص حاليًا 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع وستواصل زيادة استثماراتها، وأصبح يسود اعتقاد بأن أوروبا يتعين عليها تنمية عضلاتها الخاصة ولا يمكن أن تظل معتمدة على الولايات المتحدة فقط من أجل أمنها.

نفس القصة في ريجا، حيث تؤكد رئيسة وزراء لاتفيا، إيفيكا سيلينا، أن أولوية بلادها هي الاستمرار في تعزيز العلاقات عبر الأطلسي، كما ترغب في التأكيد على أن لاتفيا تخصص أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، كما دعت رئيسة الحكومة الإستونية كريستين ميشال، الرئيس المقبل للولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقة عبر الأطلسي.

وفي فنلندا، يعتقد رئيس الحكومة المحافظ بيتري أوربو أيضًا أن أوروبا يجب أن تلعب دورًا أكثر أهمية، ولا يجب أن تعتمد كثيرًا على دعم الولايات المتحدة، وحذر على قناة Yle التليفزيونية من أخطار الوضع فى أوروبا، قائلًا: «لقد علمنا التاريخ أنه إذا اتفق الكبار على الآخرين، فإن هذا ليس في مصلحة دولة صغيرة أو مستقلة، ونأمل أن يؤخذ ذلك في الاعتبار بوضوح عند التوصل إلى اتفاق سلام فى أوكرانيا في نهاية المطاف».

قيمة وجودية

وفي مؤتمر صحفي في ستوكهولم، تحدث رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، الذي أكد أن بلاده مستعدة لكل السيناريوهات، بما فى ذلك مخاطر فك الارتباط مع الولايات المتحدة، وشدد على أنه لا يوجد موضوع آخر له مثل هذه القيمة الوجودية بالنسبة لهذا الجزء من العالم، معتقدًا أن أوروبا يجب أن تفعل المزيد من أجل سيادتها. كما أعرب عن قلقه بشأن مخاطر الحمائية المتزايدة من جانب واشنطن، والتي يمكن أن تكون مدمرة للاقتصاد السويدي، الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات.

ومن جانبهم، شجب زعماء البيئة في الدول الاسكندنافية بالإجماع فوز دونالد ترامب، وأعربوا عن قلقهم بشأن عواقبه على المناخ. وبصوت مخالف، أشاد زعيم اليمين المتطرف السويدي، جيمي أكيسون، بفوز ترامب واعتبره رسالة قوية إلى الغرب.

ويبقى السؤال الذى يردده الأوروبيون: هل فات الأوان؟.. ليس أمام الأوروبيين إلا خيار واحد: فإما أن يستيقظوا في وضع مشحون، أو يتفككوا. إذا لم يشكلوا ركيزة أوروبية لحلف شمال الأطلسي، وإذا لم يصبحوا ذوي سيادة في شئون الدفاع، بما في ذلك النووية، فإن الدول الكبرى في القارة الأوروبية سوف تظل مجرد ألعاب صغيرة في أيدي الأقوياء العالم.. فهل يمكن أن يدخل الناتو فى «بيات شتوى» طويل؟.

مقالات مشابهة

  • وصول قاتل الضابطين السعوديين ‘‘العروصي’’ إلى صنعاء.. والكشف عن الشخصية التي تمكنت من تهريبه
  • ترامب: سنتعامل مع الوضع في أوكرانيا بشكل أفضل.. ولن نكرر ما حدث مع جيشنا في أفغانستان
  • باحث في العلاقات الدولية لـ«الأسبوع»: «مايك هاكابي» ينفذ الأجندة الأمريكية التي تخدم إسرائيل
  • المكسيك تعلن استعدادها لتهدئة العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين
  • قلق أوروبى من فك الارتباط مع الولايات المتحدة فى عهد ترامب
  • وزير الخارجية الإيراني: لدينا قنوات تواصل غير مباشرة مع الولايات المتحدة
  • إيران: علينا إدارة خلافاتنا مع الولايات المتحدة
  • تايوان: الولايات المتحدة من تقرر عودة استخدام صواريخ هوك التي تم إيقافها
  • فوز ترامب يمنح "تيك توك" طوق النجاة في الولايات المتحدة
  • الحوثي يتحدى الولايات المتحدة: دعوة للبث المباشر من حاملة الطائرات التي استهدفتها القوة الصاروخية اليمنية