الغاز الروسي.. سلاح استخدمته موسكو ضد أوروبا فأصابت به نفسها؟
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
أوقفت روسيا تدفق الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1" العام الماضي إلى أجل غير مسمى
على مدى أكثر من خمسين عاما، ظلت روسيا المصدر الموثوق فيه لتوريد الغاز للقارة الأوروبية فيما استمر ذلك حتى في ذروة الحرب البادرة حيث لعبت موسكو دورا كبيرا في تعزيز اعتماد ألمانيا - أكبر اقتصاد أوروبي – على مصادر الطاقة الروسية.
بيد أن هذا المسار قد تغير مع بدء التوغل الروسي العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير / شباط العام الماضي وفرض عقوبات غربية غير مسبوقة وواسعة النطاق ضد الدب الروسي.
وجرى استثناء الغاز الروسي من العقوبات على النقيض من الفحم والنفط الروسيين فيما حاولت دول أوروبية خاصة ألمانيا، التي كانت تعتمد على روسيا في أكثر من 50% من إمدادات الغاز قبل الحرب، تقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
ولم تقف موسكو صامتة حيال ذلك إذ أقدمت على "تسليح" الغاز داخل أوروبا التي كانت تحصل على أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز من روسيا قبل الحرب حيث أوقفت شركة "غازبروم" المملوكة للحكومة تدفقات الغاز عبر أكبر خط أنابيب ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا وهو "نورد ستريم 1" وذلك قبل إغلاقه إلى أجل غير مسمى قبل عام.
وأثار وقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا مخاوف داخل القارة وسط قلق من انقطاع التيار الكهربائي وتقنين استخدام الطاقة في الشتاء فيما ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا إلى مستوى قياسي تجاوز 343 يورو (371 دولاراً) لكل ميجاوات/ساعة في أواخر أغسطس/آب من العام الماضي وهو ما أسفر عن ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات تاريخية.
بيد أن السيناريو الأسوأ لم يجد طريقه إلى أرض الواقع حيث نجت أوروبا من أزمة طاقة كاملة بفضل أن فصل الشتاء الماضي كان أكثر اعتدالا فيما ساهم انخفاض استهلاك الغاز وزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من دول أخرى، في تخفيف أزمة الطاقة داخل بلدان الاتحاد الأوروبي.
وعلى ضوء ذلك، يرى سيمون تاغليابيترا من مركز "بروغل" للأبحاث في بروكسل أن "الاستراتيجية الروسية باتت تضر بروسيا ما يعني أنها حققت فشلا ذريعا حيث اعتقد الكرملين في السابق أنه من خلال تسليح الغاز ضد الاتحاد الأوروبي، سيضطر الاتحاد إلى تقليص دعمه لأوكرانيا على الفور. لكنه كان خاطئا بشكل قاطع في ذلك".
النموذج الإقتصادي الألماني "قيد النظر"
لكن ورغم ذلك، فإن الاضطرابات في أسواق الغاز أجبرت الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الكيماويات والأسمدة والورق على إغلاق المصانع أو تقليل الإنتاجية. وفي ألمانيا، انخفض الإنتاج في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة بنحو 20% عن مستويات ما قبل الحرب بين أواخر عام 2021 وأواخر عام 2022.
وقد ألقى ذلك بظلاله على قدرة ألمانيا التنافسية على المستوى الدولي حيث أشار تقرير صدر مؤخرا عن غرفة التجارة والصناعة الألمانية إلى أن ما يقرب من ثلث الشركات الصناعية الألمانية تفكر في نقل خطوط الإنتاج إلى الخارج أو أنها بدأت بالفعل في ذلك جراء ارتفاع تكاليف الطاقة داخل البلاد.
ورغم تراجع اسعار الغاز بشكل كبير العام الماضي حيث وصلت عند مستوى 35 يورو لكل ميجاوات في الساعة، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير من مستويات السنوات السابقة.
وفي منتصف الشهر الجاري، أعلنت المفوضية الأوروبية امتلاء منشآت تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 90 بالمئة قبل شهرين ونصف الشهر من المهلة المحددة لبلوغ هذا المستوى في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.
وُيضاف إلى ذلك تمكن الاتحاد الأوروبي من استبدال مصادر الطاقة الروسية بمصادر من الولايات المتحدة والنرويج وقطر فيما لا يزال الطلب على الغاز ضعيفا وسط التباطؤ في قطاع التصنيع مما يمهد الطريق أمام بقاء الأسعار تحت السيطرة.
ورغم ذلك، خرجت بعض الأصوات لتحذر من أن سوق الغاز ما زال معرضا للخطر مع توقع أن يكون فصل الشتاء المقبل قاسيا ما يدفع إلى زيادة الطلب على الغاز للتدفئة ما قد يؤدي إلى استنزاف مخزون أوروبا من الغاز.
روسيا فقدت مكانتها الدولية في سوق الغاز
وفي سياق متصل، قال الخبراء إن روسيا بقرارها بإغلاق نورد ستريم، قد سجلت هدفا لكن في مرماها. ووفقا للبيانات، فقد انخفضت حصة روسيا في سوق الاتحاد الأوروبي بشكل كبير إلى نحو 10% مع صعوبة قيام روسيا بإعادة توجيه إمداداتها من الغاز الاحتياطي.
وعلى وقع انخفاض صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا بنحو 60% ليصل إلى قرابة 62 مليار متر مكعب العام الماضي، أقدمت غازبروم على خفض الإنتاج بمقدار الخمس فيما يتوقع استمرار الانخفاض خلال العام الجاري.
وفي ذلك، قال تاغليابيترا إن روسيا "قد فقدت مكانتها كمصدر دولي رئيسي للغاز إلى الأبد".
ورغم تمكن روسيا من إعادة توجيه النفط إلى دول أخرى مثل الصين والهند، إلا أنها لم تستطع تحقيق الأمر ذاته فيما يتعلق بالغاز نظرا إلى صعوبة نقله فضلا عن الحاجة إلى ضخ استثمارات ضخمة في مجال خطوط الأنابيب ومصانع التسييل وإعادة التحويل.
وفي ضوء أنه جرى إنشاء جُل البنية التحتية لتصدير الغاز في روسيا لتلبية احتياجات أوروبا، فإن روسيا تجد صعوبة في إعادة توجيه إمدادات الغاز إلى الصين ودول أخرى.
وأفادت وزارة المالية الروسية بتراجع إيرادات الغاز 45% تقريبا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري إلى 710 مليارات روبل (8.3 مليار دولار) مقارنة بالفترة ذاتها العام الماضي.
وفي السياق ذاته، ترغب روسيا في جذب مشترين جدد بما في ذلك الدول السوفياتية السابقة مثل كازاخستان وأوزبكستان فضلا عن تطلعها إلى تعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي المسال وتوسيع شبكات الغاز في البلاد للحفاظ على تدفقاته.
وتنظر موسكو إلى الصين باعتبارها بديلا عن السوق الأوروبي، لكن استبدال السوق الأوروبي بالسوق الصيني في مجال الغاز سوف يتطلب بناء خطوط أنابيب جديدة لتوسيع خط أنابيب "طاقة سيبيريا" الحالي إلى الصين.
وفي مقابلة مع DW، قال ميخائيل كروتيخين، الخبير الروسي في مجال الطاقة، "إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخطط لبناء خطوط أنابيب إلى الصين بنفس قدرة خطوط الأنابيب إلى أوروبا، فسيتعين عليه الانتظار لعقدين من الزمن."
وأشار كروتيخين إلى إشكالية أخرى تتمثل في تردد الصين في شراء المزيد من الغاز الروسي في الوقت الراهن.
انهاء الاعتماد على الغاز الروسي كاملا
انخفض اعتماد أوروبا على مصادر الطاقة الروسية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا إلى مستويات قياسية
الجدير بالذكر أن استمرار دول أوروبية في شراء الغاز الروسي – حتى لو كان ضئيلا – قد أثار دعوات إلى التخلص التدريجي من واردات الغاز الطبيعي المسال من روسيا التي ارتفعت إلى 22 مليار متر مكعب العام الماضي مقارنة بـ 16 مليار متر مكعب العام الماضي.
وكانت بلجيكا وفرنسا وإسبانيا قد أقدمت على شراء كميات كبيرة قياسية من الغاز الروسي المسال العام الماضي.
وتستند دعوات التحرر من الحاجة للغاز الروسي المسال إلى أن هذا الأمر يقوض خطة الاتحاد الأوروبي لإنهاء الاعتماد بشكل كامل على مصادر الطاقة الروسية بحلول عام 2027 فضلا عن أن ذلك يساعد بوتين على الحصول على موارد مالية لتمويل آلة الحرب الروسية.
وكان مفوض الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون قد دعا في وقت سابق من العام الجاري الشركات الأوروبية إلى الكف عن توقيع عقود جديدة مع موردي الغاز الطبيعي المسال من روسيا.
وفي المقابل، يعزو الطرف الآخر استمرار شراء الغاز الروسي إلى مشاكل قانونية محتملة مع غياب الخروج بتدابير ذات صلة على مستوى الاتحاد الأوروبي فضلا عن مخاطر ارتفاع التضخم والافتقار إلى البدائل.
يشار إلى أن دولا مثل هولندا وإسبانيا تمضي قدما في اتخاذ خطوات لوقف شراء الغاز الطبيعي المسال من روسيا، لكن في ظل استثناءه من العقوبات الأوروبية، فإن خطط اوروربا للتخلص من الغاز الروسي إلى الأبد قد تستغرق بعض الوقت.
ويرى مراقبون أن تسليح روسيا للغاز دفع أوروبا إلى البحث عن دول أخرى وإلى تسريع التحول نحو الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة مما كتب نهاية لمكانة روسيا باعتبارها المورد الأول للغاز إلى أوروبا.
وقال كروتيخين إنه رغم أن روسيا قد تخفض أسعار الغاز في المستقبل، إلا أن "الدول الأوروبية سوف يأتي في أذهانها دائما أن موسكو قد تنتهك عقود الغاز في أي وقت لأسباب سياسية... لا يمكن الاعتماد على العقود من الجانب الروسي، لأنه لا يمكن الوثوق بموسكو".
أشوتوش باندي / م. ع
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: روسيا نورد ستريم 1 الغاز الروسي الحرب في أوكرانيا روسيا نورد ستريم 1 الغاز الروسي الحرب في أوكرانيا الغاز الطبیعی المسال من الاتحاد الأوروبی الغاز الروسی إلى العام الماضی إلى أوروبا إلى الصین على الغاز الغاز فی من روسیا من الغاز دول أخرى أکثر من فضلا عن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
محمد دمق: أبوظبي نجحت في أن تكون واحدة من اهم الوجهات في قطاع الطاقة
أبوظبي-الوطن:
أشاد السيد محمد دمق الرئيس التنفيذي لمجموعة سرغاز بتوجهات دولة الامارات نحو الحياد المناخي بحسب رؤية 2030 والهدف لتقليل الانبعاثات الكربونية وصولاً إلى صفر كربون بحلول العام 2050.
وقال السيد دمق بمناسبة انعقاد فعاليات معرض أديبك 2024:” يعتبر معرض أديبك الفعالية الأهم والاكبر والابرز في مجال الطاقة في المنطقة، ونجحت أبوظبي في أن تكون واحده من الوجهات الاهم في قطاع الطاقة بفضل استمرارها بضخ استثمارات كبيرة في قطاع البترول والغاز، و اطلاق مشاريع تعنى بالطاقة المتجددة، والانتهاء مؤخراً من مشروع الامارات للطاقة النووية، مما مكنها بأن تكون الدولة الأكثر ريادة في قطاع الطاقة عالمياً”.
وأضاف السيد دمق:” لقد ساهم نظام الغاز المركزي الموصل إلى المنازل في دعم الجهود لخفض الانبعاثات الكربونية، وخروج ما يفوق 8 ملايين أسطوانة غاز منزلي عن الخدمة في دولة الإمارات بفضل الاعتماد على نظام توصيل الغاز المركزي للمنازل والمطاعم الذي يتيح استخدام امن و يساهم في تخفيض الانبعاثات الكاربونيه مع تكلفة اقل في عملية التوصيل ، وحرص ملاك وأصحاب المنازل والشركات على اعتماد هذا النظام بدلاً من مواصلة استخدام الأسطوانات التقليدية.
وتابع بالقول:” إن مجموعة سرغاز توصل في الوقت الراهن خدمات الغاز المركزي إلى عدد 26 الف وحدة سكنية ويتوقع أن يزيد هذا العدد عن 40 ألف وحدة سكنية قبل حلول العام 2030، خاصة أن الشركة وقعت عقود لتوفير خدمة توصيل الغاز المركزي إلى مشاريع كبرى جديدة في الدولة”.
وكشف أن شركة مزن للطاقة التابعة ل” سرغاز” تقدمت بمشروع لتسييل الغاز الطبيعي في الدولة بالتعاون مع الجهات الحكوميه و الخاصة. سيشكل هذا المشروع نقطة تحول في جهود الحياد المناخي، حيث سيتم تزويد هذا الغاز للمصانع والمناطق البعيدة مما سيساعد في زيادة الانتاجية و تطوير مجتمعات عمرانية جديدة و مقدرة تنافسية في الاسواق العالمية ، ويعتبر اول مشروع من نوعه في الشرق الأوسط، بحجم استثمارات تقدر بمئات ملايين الدراهم، وسيستخدم هذا المشروع المستقبلي تكنولوجيا متقدمة، وسيجري تنفيذه على عدة مراحل ، ومن المتوقع ان يدخل حيز الإنتاج خلال العامين القادمين.
وذكر أن مجموعة ” سرغاز” بصدد التعاون وتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع احدى الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا الرقمية لوضع تطبيقات رقمية من شانها تحقيق الاستدامة في مجال الغاز، الأمر الذي سيشكل إضافة نوعية في قطاع الطاقة.
وذكر أن استخدام الحلول الذكية و المتطوره مثل العداد الذكي في المنازل والمنشآت التي تستخدم الغاز المركزي سيساعد على تطوير نظم القرائات والتي ستوفر تجربة افضل للمستخدمين و قرائات ادق للعملاء
وتطرق السيد دمق إلى أن مجموعة “سرغاز” للطاقة اتجهت للطاقة النظيفة واستخداماتها في مجال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في سلطنة عمان، وتشغيل الطاقة في منازل المشروع بنسبة 100% اعتماداً على الطاقة الشمسية، موضحاً أن التكنولوجيا الحديثة والذكية تخفض من انبعاثات الكربون الي الصفر تقريبا.
وقال السيد دمق: نحن في مجموعة ” سرغاز” نخطط رحلات ناقلات الغاز اعتمادا على تحليل بيانات دقيقة بهدف التقليل من انبعاثات الكربون، مما يمكننا من توصيل الغاز المسال إلى العملاء في الامارات بانبعاثات منخفضة وتكلفة أقل”.
التوسع جغرافي
وكشف دمق ان الشركة بصدد التوسع في السوق الأفريقي عبر المشاركة في معرض للطاقة في رواندا، إلى جانب التواجد في جيبوتي، وافتتاح مكتب للاستشارات في تونس.
وقال:” نستكشف فرص الاستثمار والعمل في دول القارة الإفريقية، خاصة بما تتمتع به ” سرغاز” من خبرات تفوق 40 عاماً من العمل في مجال الغاز والطاقة، وتوفر الفرص في الدول الإفريقية”.
وتقدم دمق بالشكر والتقدير إلى دائرة الطاقة –أبوظبي على جهودها في تطوير البنية التحتية لأنظمة الغاز المركزي في إمارة أبوظبي، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الاستخدام الآمن للغاز، بما يحقق الاستدامة ويخفض الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أن الشركة اتجهت لإطلاق تطبيق خاص بها يمكن العملاء من الاطلاع على استخداماتهم للغاز بشكل متواصل، والقيام بسداد فواتيرهم الكترونيا عبر تطبيق سرغاز دون الحاجة للقدوم إلى مقر الشركة.