خريطة زادت الطين بلة… ماذا يجري بين الصين وجيرانها؟
تاريخ النشر: 1st, September 2023 GMT
خريطة تصدرها الصين دورياً منذ سنوات أشعلت خلال الأيام الماضية موجات استنكار من قبل جيران القوة الاقتصادية الكبرى.
فقد انضمت الفلبين أمس إلى الهند وماليزيا للاعتراض على نسخة الخريطة الوطنية الجديدة التي أصدرتها السلطات الصينية يوم الاثنين الماضي، كما دأب على فعله من العام 2006، بتصحيح ما تعتبره بكين "خرئط إشكالية تشوه حدودها الإقليمية.
وأكدت الفلبين أنها ترفض تلك الخريطة بسبب تضمنها خطاً حول مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، سبق أن خضعت لحكم محكمة دولية في 2016 لصالح مانيلا.
العرب والعالم لمواجهة الصين.. صفقة مسيّرات أميركية ضخمة إلى الهندكذلك فعلت ماليزيا أيضا، رافضة أي محاولة صينية لقضم أراضيها.
أول المشتكينفيما سبقتهما الهند وكانت أول من اشتكت يوم الثلاثاء عندما سجلت "احتجاجها القوي" على ضم ولاية أروناتشال براديش الهندية وهضبة أكساي تشين المتنازع عليها إلى الأراضي الصينية.
أما بكين فلم تجد سوى وسيلة واحدة للرد، مخففة من القضية، وداعية جيرانها إلى عدم المبالغة!
لعل المفارقة بأن هذا التوتر جاء بعد أيام على لقاء نادر جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ، برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على هامش قمة "بريكس" بجنوب إفريقيا حيث اتفقا على "تكثيف الجهود" لتهدئة التوترات على حدودهما المتنازع عليها، في ما اعتبر خطوة نحو إصلاح علاقة البلدين المشحونة.
iStock-الصين الهندكما أتى قبل اجتماع محتمل بين مودي وشي في قمة مجموعة العشرين في نيودلهي الأسبوع المقبل - إذا حضر الرئيس الصيني.
من القائد؟!ما يلقي بظلال الشكوك على مدى التعاون بين بكين ونيودلهي لاسيما في صلب بريكس التي أقرت التوسع الأسبوع الماضي.
وفي هذا السياق، رأى أخيل راميش، وهو باحث بارز في "منتدى المحيط الهادئ"، وهو معهد أبحاث مقره هونولولو يركز على قضايا السلام والأمن: "تغتنم الهند والصين كل فرصة لتسوية خلافاتهما، لكن الأمر يبدو وكأنه خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء".
كما اعتبر أن "كلا البلدين يعملان على تحقيق أهدافهما الخاصة المتمثلة في أن يصبحا قادة الجنوب العالمي"، وفق ما نقلت شبكة "سي أن أن".
ولطالما كانت الحدود مصدرا للتوتر بين نيودلهي وبكين منذ عقود، بل تطورت الاضطرابات إلى حرب في الستينات، انتهت بانتصار الصين عام 1962.
لكن التوترات استمرت وبلغت أوجها ثانية عام 2020 بعد شجار مميت في وادي جالوان، بالقرب من أكساي تشين، وهي منطقة تسيطر عليها الصين ولكن كلا البلدين يطالبان بها.
كما اندلعت اشتباكات في ديسمبر الماضي بين قوات من الجانبين في قطاع تاوانج في أروناتشال براديش وأدى إلى وقوع إصابات طفيفة.
يشار إلى أنه منذ صعوده إلى السلطة في 2012، سعى الزعيم شي إلى تحويل بلاده قوة عظمى عالمية، واتخذ خطوات أكثر جرأة في العديد من بؤر التوتر الرئيسية في جميع أنحاء آسيا.
كذلك، سعت الهند بدورها إلى لعب دور قيادي في المنطقة وإن بدرجات أخف.
إلا أن هذا التنافس على القيادة، يبدو أنه سيقوض سبل التعاون الأبعد، والأهم فرص "بريكس" العازمة على ما خطط شي إلى التوسع أكثر، ومقارعة الغرب بقيادة الولايات المتحدة، اقتصادياً أقلها!
مادة إعلانية تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News الصينالمصدر: العربية
كلمات دلالية: الصين
إقرأ أيضاً:
بريكس تتحدى أنظمة الدفع الغربية- هل تنجح ؟
د. عمر محجوب محمد الحسين
لا شك أن اتجاه إيجاد أنظمة دفع وتسويات مالية بديلة للأنظمة المعمول بها عالميا، اتجاه صحيح ومطلوب -على الأقل- لمنع استمرار اتخاذ الأنظمة السائدة حاليا وسيلة للضغط السياسي والاقتصادي ضد دول معينة مستقلة سياسيا، ولا تريد نظاما عالميا أحادي القطب تهيمن عليه دولة واحدة، لذلك برزت منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس كمتحد للهيمنة الأمريكية والغربية عموما، على اعتبار أن منظمات واتحادات التكامل الإقليمية يمكن أن تعزز التعددية القطبية وتكسر حاجز الهيمنة. تضمنت أول قمة بين رؤساء الدول الأربعة (البرازيل، روسيا، الهند والصين) المؤسسة لبريكس في مدينة يكاترينبورغ بروسيا في يونيو 2009م الإعلان عن تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية.
قادت روسيا جهود إنشاء نظام دفع (BRICS payment system) اعتبارا من قمة بريكس 2015م في روسيا، وأجريت مشاورات حول النظام بين دول البريكس الذي سوف يكون بديلاً لنظام سويفت، كما بدأ البنك المركزي الروسي (CBR) مشاورات مع دول بريكس تتعلق بنظام الدفع المقترح في ذلك الوقت. صحيح كان هدف تحسين النظام المالي العالمي على جدول أعمال المجموعة منذ اجتماعها الأول، لكن أصبح من أكثر المواضيع مناقشة في ظل رئاسة روسيا للمجموعة، باعتبارها أكبر المتضررين من الهيمنة الامريكية. مثلت روسيا القوة الدافعة لفكرة نظام الدفع والتسويات الموحد للمجموعة، بالإضافة إلى خبرة روسيا في مجال استحداث شبكات دفع منفصلة عن سويفت، ففي عام 2014م وعلى خلفية العقوبات الغربية بسبب انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، لجأت موسكو إلى استحداث نظام تحويل الرسائل المالية الخاص بها (SBFC)، ليكون بديلا عن نظام سويفت (SWIFT) الدولي لتحويل الأموال. نفذت عبر النظام أول معاملة ناجحة في عام 2017م، وانضم لشبكة النظام أكثر من 400 مؤسسة مالية، وتسعى روسيا لضم حلفائها لهذا النظام، ووفقاً للبنك المركزي الروسي، يتم حالياً 20 % من التحويلات المحلية من خلال (SPFS). منذ عام 2019م، تم توقيع عدد من الاتفاقيات لربط نظام (SPFS) بأنظمة الدفع في بلدان أخرى مثل الصين والهند وإيران، في نهاية عام 2020م كان هناك 23 بنكًا أجنبيًا مرتبطًا بنظام (SPFS)، من جانب آخر تم ربط نظام SPFS بنظام التحويلات الصيني (CIPS) في عام 2019، علما بأن الصين أطلقت نظامها للتحويلات المالية في عام 2015م، ويعيب هذا النظام أنه يعمل داخل روسيا فقط بمعنى أنها مبادرة كانت على الصعيد المحلي.
لقد أصدرت منظمة البريكس الموجهة نحو الجنوب العالمي خططاً لتحويل النظام النقدي والمالي الدولي وتحدي هيمنة الدولار الأمريكي. بصفتها رئيسة مجموعة البريكس لعام 2024م، اقترحت روسيا إنشاء مبادرة الدفع عبر الحدود لمجموعة البريكس (BCBPI)، حيث يستخدم أعضاء المنظمة عملاتهم الوطنية للتجارة. أعدت مجموعة العمل الخاصة بالتسويات المالية التابعة لبريكس مذكرة تحليلية حول مبادرة المدفوعات عبر الحدود للمجموعة (BCBPI)، وهي مبادرة طوعية وغير ملزمة، وأشار الإعلان عن المذكرة إلى المبادرة الروسية لإنشاء بنية تحتية مستقلة للتسويات والايداع عبر الحدود، وإلى مؤسسة (BRICS Clear) ومؤسسة (BRICS Re) للتأمين؛ كل هذه الأنظمة تم تصميمها لتقليل المخاطر والعقبات عند سداد المدفوعات بالعملات الوطنية. قال خبراء صينيون إن هذه المبادرة ستوفر لدول البريكس خيارات دفع موسعة لتسوية السلع والخدمات، مما يعزز علاقاتها الاقتصادية بشكل أكبر، بالإضافة إلى ذلك، قد يساعد هذا النهج في تقليل الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، وموازنة هيمنة الدولار، وتعزيز التنوع المالي، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي بين أعضاء البريكس وخارجها. لم يتم تفعيل هذه الأدوات لأنها تحتاج إلى المزيد من النقاش خلال الفترات القادمة، تتوج بإنشاء المجموعة لبنية أساسية بديلة للمراسلة للالتفاف على نظام سويفت للاتصالات بين البنوك.
سيتضمن نظام العملات المتعددة "الوطنية" آليات جديدة ليس فقط الاستغناء الدولار في العمليات التجارية، ولكن أيضًا لتشجيع الاستثمار بين أعضاء مجموعة البريكس وغيرها من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، بما في ذلك منصة (BRICS Clear)، ونظام جديد للمحاسبة والتسوية للأوراق المالية، والذي سيكون بديلاً للبنى الأساسية الغربية مثل DTCC) , Euroclear ,Clearstream)؛ بالإضافة إلى الأدوات المالية المقومة بالعملات الوطنية.
يذكر أنه في الآونة الأخيرة، كان التركيز الرئيس على ما يعرف بجسر البريكس القائم على تقنية دفاتر الحسابات الموزعة كوسيلة لتمكين اجراء المعاملات بالعملة المحلية، وربما مع البنوك المركزية الرقمية. استخدام كلمة جسر يشير إلى (mBridge) نظام الدفع عبر الحدود الذي طوره بعض أعضاء البريكس، والذي وصل إلى مرحلة المنتج النهائي القابل للتطبيق. الجدير بالذكر أن المجموعة في صدد إتاحة كود (mBridge) مفتوح المصدر، مما قد يسهل على أعضاء البريكس تبنيه واعتماده، وعلى النقيض من (BRICS Pay)، فإن (mBridge) عبارة عن بنية أساسية للدفع ترتبط بأنظمة مصرفية قائمة.
بيان مجموعة بريكس الصادر عن قمة قازان الأخيرة الذي احتوى على 136 صفحة جاء فيه جزء يسير عن نظم المدفوعات، وجاء في البيان تأكيد التزم تعزيز التعاون المالي بين دول مجموعة البريكس. وادراك أن نظام الدفع عبر الحدود السريع والمنخفض التكلفة والفعال والشفاف والآمن والشامل القائم على مبدأ تقليل الحواجز التجارية والوصول غير التمييزي له فوائد واسعة النطاق، كما تم تفويض وزراء مالية مجموعة البريكس ومحافظي البنوك المركزية بمواصلة دراستهم للتعاون بالعملة المحلية وأدوات الدفع والمنصات حسب الاقتضاء وتقديم تقرير خلال رئاسة مجموعة البريكس القادمة، وتمت الإشارة إلى ادراك بلدان المجموعة أهمية استكشاف جدوى ربط البنية الأساسية للأسواق المالية في بلدان مجموعة البريكس، ونتفق على مناقشة ودراسة جدوى إنشاء "بنية أساسية لإيداع وتسوية الأوراق المالية في بلدان المجموعة"، على أساس طوعي لتكملة البنية الأساسية القائمة للأسواق المالية.
إن تناغم المجموعة هو تناغم اقتصادي في المقام الأول، كما أن ما يشغل روسيا حول سلاح العقوبات ليس بالضرورة أنه يشغل كل دول المجموعة بنفس الدرجة، ويبقى سؤال مهم جدا هل ما عجزت عنه روسيا صاحبة القوة الدافعة نحو التحول المالي بعيدا عن سويفت وهي ترأس دول المجموعة خلال الفترة الماضية، يمكن تحقيقه تحت رئاسة دوله أخرى ربما أقل حماسا لتنفيذ طموحات روسيا، وإن اتفقت الدول الأربعة المؤسسة على تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، لكن انضمام دول أخرى قد يكون لها رأي مخالف أو أقل حماسا لفكرة ثنائية القطبية. إن تطبيق نظام بديلا لسويفت لن يكون قريبا مع انضمام دول جديدة للمجموعة، ومع تعاظم قدرات روسيا في تخطى العقوبات المفروضة ضدها.
omarmahjoub@gmail.com